الاثنين، 10 يونيو 2019

Your personality and your brain | Scott Schwefel | TEDxBrookings

阿拉伯东方学



巴拉勒·阿卜杜·哈迪

首先,请允许我向各位与会者表示诚挚的问候;其次,我要特别感谢上海外国语大学科研处处长王有勇教授,让我有机会与大家分享我对阿拉伯东方学的观点
我今天的发言内容实际上是受到了沙特举办的主题为“保护亚洲文化多样性暨亚洲文明文化对话”大会的启发,是我作为一个来自充满纷争地区的阿拉伯人个人经历的产物。我不敢妄称,我的研究较为详尽全面,但它却表达了我的个人思考,或许也是古老亚洲的思考。尽管这种思考尚未成为阿拉伯社会的主流思潮,但是,其中的一些先兆将会对阿拉伯社会的经济、思想和精神产生影响,如沙特已率先将汉语教学纳入其教学大纲
1西方的诱惑
我像其他东方人一样曾经受到西方的影响,并长期为之痴迷,痴迷于西方经济和思想的繁荣。但是,我热爱阿拉伯语,热爱我的阿拉伯语语言文学专业,但是,我并没有在我的祖国黎巴嫩,也没有在埃及这样的阿拉伯文化之都,完成我的研究生阶段学习,而是在巴黎开启了我的研究生之旅,并在那里获得了我的硕士和博士学位。巴黎曾经代表了我的文学梦,这是出于两个原因:其一是巴黎有慈母的美誉,深深地印刻在黎巴嫩人的集体无意识之中,仿佛前往巴黎是命中注定的选择;其二是我十分欣赏阿拉伯文学巨匠塔哈·侯赛因,他与法国的关系体现在他的妻子是法国姑娘苏珊,所以,我也想走塔哈·侯赛因的学术之路
但是,当我从1983年到1993年在西方度过十年之后,我开始了解西方,同时也开始了解东方。前往西方为我打开了了解东方的大门。令我惊讶的是,西方对东方的语言、方言、文化、品味都进行了极为细致的研究。巴黎图书馆到处都是关于东方事务的书籍,巴黎的东方语学院教授各种东方语言,既教授活的东方语言,也教授死的东方语言。我在西方开始探究东方,不仅仅是阿拉伯的东方,而是整个东方。我不禁自问,为什么我的祖国没有类似的学术圣殿?而在西方,我却看到了西方对东方的关注,探究东方的古迹、东方的思想、东方的语言,但是,在东方,我却没有看到东方对东方的关注。东方在东方被忽视了,显得如此苍白,而在西方却显得那样辉煌。我在东方也没有看到对另一个东方的重视,一个我们视之为我们东方延伸的另一个东方。我们阿拉伯东方不重视自己的过去,所以,我们阿拉伯东方的语言,如楔形文字、象形文字、腓尼基文字依然像沉睡的公主,等待着王子的亲吻,然而,却不是东方王子的亲吻,而是来自法国、意大利、德国的西方王子的亲吻。我们的语言是我们的遗产,是我们的历史起点,是我们的现实基础,也是我们思想生活、精神生活、文学生活、宗教生活的一部分,但是,我们从未思考如何对这些语言符号进行解码,探寻其中的丰富知识内容,尤其是楔形文字和象形文字
我曾经受到西方的影响,对在东方求学的人不屑一顾,认为在东方求学不会带来任何附加值,反而是一种价值损耗,或者说一种知识退化。这种看法不仅仅是我的个人观点,而且也是阿拉伯世界的主流观点,这就是陶醉于西方所造成的负面影响,仿佛我们所属的东方只是一个残缺的字母。可以说,陶醉于西方让我们东方头晕目眩,甚至失去了视觉
2日本经验
我们不仅被西方弄得眼花缭乱,也被一些东方或远东国家弄得晕头转向,确切说就是日本。日本的复兴、日本吸收西方科技和西方工业的能力令我们羡慕,但是,这种羡慕是肤浅的、幼稚的,因为它源于东方而不值得我们倾心去学习和研究,我们对之加以否认,是因为我们认为日本是一个遥远的国度,与我们的事务没有关系,以至于称之为“日本行星”,好像日本是属于太空,不属于地球。所以,我们当中有多少人专门从事日本语言、文化、宗教和政治研究呢?与赴法国、意大利、德国、美国留学的人相比,又有多少人赴日本留学呢?又有多少人出于好奇去学习日语呢?我们是用西方的眼光来看日本,却没有追随西方的步伐去了解日本星球辉煌的科技成就
因此,创建一门专门研究东方问题的阿拉伯学科,这一想法一直萦绕在我的脑海。这个阿拉伯东方学将吸收西方的东方学有益成果,以科学客观的方法摒弃西方的东方学糟粕。我认为,我们不能否定西方对认识东方的功劳,西方的东方学给我们提供大量的东方知识,包括我们的国家、我们历史和我们的遗产
今天的东方学应该是阿拉伯人原创的东方学,是以阿拉伯为起点的东方学,是以阿拉伯为目标和旨圭的东方学
那么,阿拉伯东方学到底是什么?它要制订立足于阿拉伯东方、研究非阿拉伯东方的规则和基础
非阿拉伯的东方是阿拉伯东方的知识宝藏、经济宝藏和艺术宝藏
东方学是西方的产物,有其产生的特殊条件,其目的不一定考虑到被研究的东方世界的利益。但是,我们可以从西方的东方学中汲取灵感,创建具有阿拉伯特色、阿拉伯立场、阿拉伯宗旨的阿拉伯东方学。阿拉伯东方学在筹建时可分为两种东方学:其一是具有目的性的东方学,正如任何学科一样,以学术性为目的,这是一把双刃剑。其二是具有客观性的东方学,作为阿拉伯人,我们应该努力建设具有崇高目标的阿拉伯东方学,使之成为西方学的补充。阿拉伯东方学旨在构建东方国家,如印度、日本、中国,菲律宾、韩国、越南、蒙古、柬埔寨、印度尼西亚、马来西亚、新加坡、泰国等东方国家相互了解的桥梁
3在东方了解东方
无需绞尽脑汁,我不就会提出一个问题,一个部分反映阿拉伯世界现状的问题。我们这样才能了解我们与柬埔寨的关系现状?我们可以以任何一个亚洲国家为例,但中国除外,因为它不在这个问题的范围之列
假如来自某一阿拉伯国家的阿拉伯人进入某一阿拉伯国家首都的图书馆,想找一本关于柬埔寨文化、语言、食品、文学、宗教的图书,你让他告诉我,图书馆工作人员会对他说什么,会给他展示什么,图书馆工作人员的反应如何?图书馆工作人员极有可能会非常疑惑地注视着借书者。这里,我想提几个简单的问题,却是在知识上令人尴尬的问题
我们了解幅员辽阔、土地肥沃的亚洲东方有多大吗
关于东方,我们知道什么
阿拉伯世界精通东方语言、研究东方文明、东方宗教、东方文学、东方传统习俗的阿拉伯籍东方学家有多少?从事东方文明和阿拉伯文明比较研究的学者有多少
因为对亚洲东方的无知,阿拉伯人蒙受的物质损失和精神损失有多大
阿拉伯东方和非阿拉伯东方有什么不同
除汽车、手机外,我们对韩国了解有多少?我们对日本、菲律宾、印度、泰国、越南、斯里兰卡、哈萨克斯坦、印度尼西亚有多少了解
除廉价商品外,我们对中国的了解有多少
我无法列举没有得到应有研究的所有非阿拉伯东方国家
我们对非伊斯兰教的东方有多少了解?如佛教徒、印度教徒、锡克教徒、道教徒、儒家徒、神道教徒......
未来的阿拉伯东方学是具有不容缺失的阿拉伯面貌的东方学
每个阿拉伯国家都应该创建“东方语言与文明学院”,让每个希望研究东方的阿拉伯人都有可能在其中得到学习的机会
3 / 3

دعوة إلى علم استشراق عربيّ.


كلمة " استشراق" هي ترجمة من مصطلح غربيّ ملتبس، وقد اشتغل المفكر الفلسطيني ادوارد سعيد على تفكيك هذا المصطلح بمضامينه ومدلولاته الخفية أو المعلنة تفكيكاً أشعل سجالا طويلاً عريضاً في عالم الاستشراق، ولم يهدأ إلى اليوم أوار هذا السجال حتّى بعد رحيل إدوارد سعيد. وبما أنّه لا يخلو خير من شرّ، ولا شرّ من خير، فإنّي، هنا، أتناول الجانب الجميل من مفهوم الاستشراق. طبعا حين نقول كلمة استشراق فإننا نذهب الى الغرب، وليس الى الشرق، نذهب إلى طريقة الغرب في النظر الى الشرق. ومن البديهيّ أن تتغيّر النظرة بتغير وجهة  النظر. هناك كلمة مألوفة اليوم ومستعملة هي عبارة " دراسات شرقية" ، وهي عند التدبّر كلمة تحاول أن تكون حيادية، وعامّة. أن أنها فيما اظن تزيل الحدود القائمة بين منابع الدارسين ومنطلقات الدارسين. مما يعني وضع كل الدراسات الشرقية في سلة واحدة. فلا يعود ثمة فرق بين دارس شرقيّ للشرق ودارس غربي للشرق. عبارة "دراسات شرقية" تضع جانبا خلفيات الدارسين، ولكن، عمليا، هل يدرس الشرقي الشرق كما يدرسه الغربيّ؟ هل ستكون دراستي انا العربي للصين مثلا على غرار دراسة الفرنسي او الالماني لها؟ أسئلة كثيرة راودتني وأنا أعد هذه الورقة.
منذ سنتين بالتمام والكمال كتبت هذه العبارة: للغرب فضل كبير في تعريفنا بالشرق!
وبمحض المصادفة جملة من بحثي الذي سأقدّمه في جامعة بكين للدراسات الدولية تكاد تكون هي نفسها.
فمن عرّفنا إلى اللغة الهيروغليفية شخص فرنسيّ على سبيل المثال، ويمكن تكثير الأمثلة من ميادين أخرى غير لغويّة. الغرب حاجة شرقيّة، تماما كما الشرق حاجة غربية.
والعلاقة بين الشرق والغرب تشبه العلاقة بين الين واليانغ في المفهوم الصينيّ.
فكرة الموضوع الذي أقدمه، اليوم، هي ، في الحقيقة، من وحي عنوان المؤتمر "الحفاظ على التعددية الثقافية في آسيا" أو " حوار الحضارات والثقافات الآسيوية" وكلمة " حوار في صيغتها العربية كلمة طريفة جدا، وقد ألمح الشاعر ابن زيدون في بعض قصائده اليها حيث قال:
 ما جالَ بَعْدَكِ لحْظي في سَنا قمــرٍ
إلا ذكرتُكِ ذكرَ العَيْـن بالأَثَرِ
فهمتُ معنى الهوى من وَحْي طَرفِكِ لي
إن الحِوارَ لمفهومٌ من الحَوَرِ.
 ستكون كلمتي بنت تجربة شخصيّة بسيطة، تتخلّلها ملاحظات شخصية من منطلق كوني إنساناً عربيّاً يعيش في منطقة مكتظّة بالنزاعات والصراعات بين الأكثريات والاقليات. ولا ادّعي أنها بحث مفصّل وكامل الأوصاف. فهي تعبّر عن هواجس ت بالضرورة أن تكون ذاتيّة، ولا أنكر أن كثيرين في هذه القارّة الآسيوية العريقة يشاركونني هذه الهواجس، ولكنها هواجس أو أفكار لم تشكّل بعد تيّارا فاعلا في محيطنا العربي، وإن كان هناك بعض البوادر التي سيكون لها أثر على مختلف الصعد الاقتصادية والفكرية والروحية، كتلك الخطوة الرائعة التي أقدمت عليها المملكة السعودية في إدراج تعليم اللغة الصينية في المناهج التعليمية.
فتنة الغرب
عشت كغيري من أهل الشرق تحت تأثير الغرب، وفتنت، فترة مديدة من الزمن، كما فتن غيري بالغرب المزدهر، المفعم بالحيوية الفكرية والاقتصادية، وهو غرب، عمليا، ذو وجهين:  أوروبيّ وأميركيّ. وعشت، على الصعيد الشخصيّ،  في عالمين هما عالمان لم أختر أيّا منهما . فقد أحببت لغتي العربيّة، وأحببت التخصّص في مجال اللغة العربيّة وآدابها. ولكنّي لم أختر بلدي لبنان لمتابعة دراساتي العليا كما لم أختر بلداً عربياً له هالة ثقافيّة كبيرة وقصدت مصر، وهي البلد التي مدّت ظلّها الأدبي والثقافيّ والفكريّ في ربوع العالم العربي من بدء نهضتها برجالاتها الكبار الذين كان لهم تأثير كبير وعميق من رفاعة الطهطاوي والإمام محمّد عبده مروراً بالعقاد والمازني والزيّات ونجيب محفوظ ومحمد مندور وصولاً إلى صلاح عبد الصبور وأحمد عبد المعطي حجازي. بدلاً من اختياري جامعة القاهرة قرّرت أن أذهب إلى باريس لمتابعة دراستي الجامعية، ونلت من باريس : الماجستير والدكتوراه. كانت باريس تمثّل لي حلماً أدبيّا لسببين: الأوّل وهو أنّ لبنان بلد فرنكوفونيّ، واللغة الأجنبية الإجباريّة التي نتعلّمها في لبنان هي الفرنسية، وليست الانكليزية ( كانت الانكليزية في حال وجدت تشكّل جزءاً اختياريّاً هامشيّاً في أغلب المدارس)،  ولهذا لم يكن عندي حلم الذهاب إلى بريطانيا، ولم يداعب مخيّلتي الحلمُ الأميركي الذي فتن الكثيرين ولم يزل يفتن الكثيرين، وإنّما كان حلمي هو الذهاب إلى باريس، ولقب " الأم الحنون" كان يحفر عميقاً في اللاوعي اللبنانيّ لدى كلّ الطوائف. وهذا ما جعل خيار الذهاب إلى باريس خياراً كالقدر لا سلطان لك عليه. والسبب الثاني هو أنّي كنت معجباً أشدّ الإعجاب بعميد الأدب العربيّ الدكتور طه حسين،  ولا أبالغ إن قلت أنّ كتاب "الأيّام" كان منعطفاً في قراءاتي، ومنعطفاً في خياراتي لذلك الوقت. وعلاقة طه حسين مع فرنسا تجسّدت عبر زواجه من الفرنسيّة سوزان فصار نسله ، بيولوجيّا، يحمل أثر هذه البيولوجيا، وحلمت أن أسلك الدرب العلميّ الذي سلكه. فتنني كفاحه وطموحه فتوجّهت شطر السوربون على غرار ما فعل. اختيار الأمكنة التي نختارها كالعدوى لا نعرف كيف تصيبنا ولا متى تصيبنا.
ما حصل معي حصل مع كثيرين من أبناء الشرق الكبير الحالمين، والحاملين لطموحات علمية أو أدبيّة، أو فنية.. هذا ما يمكن أن نلحظه لدى أدباء من الصين أو اليابان أو الهند أو كوريا وكذلك طبعاً من البلدان العربيّة...
ولكن حين ذهبت الى الغرب ( وفرنسا عيّنة من هذا الغرب) حيث قضيت ما يناهز العقد من الزمان ( 1983- 1993) بدأت بالتعرّف، من جهة،  بالطبع، على الغرب، ولكن بدأت بالتعرف، من جهة أخرى ، على الشرق الكبير. ذهبت إلى الغرب فانفتح لي باب طويل عريض إلى الشرق.
أدهشتني معرفة الغرب بالشرق، بأدقّ تفاصيله، بلغاته، بلهجاته، بثقافاته، بمذاقاته. مكتبات باريس كانت عامرة بالكتب التي تتناول شؤون الشرق، بينما مكتباتنا العربيّة كانت شحيحة في هذا المجال. وأدهشني معهد اللغات الشرقيّة في باريس، ذلك الصرح العلميّ المرموق والعريق الذي يعلّم لغات الشرق، لغات الشرق الحيّة ولغات الشرق الميتة. ورحت في الغرب أكتشف الشرق، ليس شرقي الشخصيّ، أي شرقي العربيّ، فشرقي جزء من فسيفساء الشرق وليس كلّ الشرق. وكان هذا الصرح وأمثاله بوّابة عبور الغرب إلى الشرق. ورحت أتساءل: لماذا لا توجد في بلادي صروح علميّة من هذا الطراز. ولا أنكر أنّي كنت أنظر إلى هذه المسألة من زاوية ضيقة نسبيا، هي زاوية لبنانية وليست عربية. وكنت أشعر بشيء من الحزن، وأنا أرى اهتمام الغرب بالشرق، على صعيد التنقيب في الآثار، والتنقيب في الأفكار ، والتنقيب في اللغات،  بينما لا أرى في الشرق أيّ اهتمام بالشرق،  شرق مهمل ذو حضور باهت بينما الشرق في الغرب ذو حضور باهر . ولم أكن أرى في شرقي اهتماماً بالشرق المختلف، الشرق الآخر الذي يفترض أن نعتبره امتداداً لشرقنا، بل ولا أرى في شرقي العربيّ اهتماماً بماضيه، بذاته المتوارية تحت الرمال تحتاج إلى من ينقّب وينفض عنها الغبار. فلغاته من مسمارية وهيروغلوفية وفينيقيّة ظلّت على امتداد قرون كالأميرة النائمة التي تنتظر قبلة أمير، وقبلة الأمير لم تكن قبلة شرقية بل كانت قبلة غربيّة، قبلة فرنسيّة أو بريطانيّة أو ألمانيّة، ولم تكن للأسف قبلة عربيّة. لغاتٌ هي لغاتنا، هي ميراثنا، ومنطلق تاريخنا،  والبنية التحتية لراهننا العربيّ، هي بعض جيناتنا الفكرية والروحية والأدبية والدينيّة، ولكنها لغات لم نفكّر في فكّ رموزها، والكشف عن مكنونها المعرفيّ الزاخر، ولا سيما المسمارية والهيروغليفية. وهما لغتان غابرتان ولكنّهما قد يكونان جسراً خلاّقا بين رموزنا الصورية الغابرة، ورموز اللغة الصينية الصورية التي لا تزال حاضرة وناضرة بكامل بهائها وفتوّتها. أليس في تاريخنا ما يجمع على الصعيد الكتابيّ المحض بين الصين والشرق الأوسط؟ ألا يمكن أن تكون اللغة الهيروغليفية مثلا عامل جذب إلى الرموز الصينيّة التي تخيف الكثير منّا. لا أعلم إن كان هناك دراسات مقارنة بأقلام عربيّة وأحدّد بأقلام عربيّة بين تراثنا الكتابيّ التصويري والكتابة الصينية. وهي دراسات قد تغرينا بالانفتاح اللغوي على الصين، وتوقف تلك الحيرة التي تبلبل عيوننا ونحن نقف أمام الكتابة الصينية التي نعاملها معاملة الطلاسم.
كنت تحت تأثير الانبهار بالغرب أهزأ ممّن يدرس في الشرق.  لم تكن الدراسة في الشرق تحسب على كونها قيمة مضافة بل على العكس كانت انتقاصاً من القيمة، وانتكاسة معرفية. ولم يكن موقفي السلبيّ من الذي يدرس في الشرق موقفا شخصيّا بل كان موقفا يخضع للمزاج العام السائد في محيطي العربيّ وهذا من الآثار الجانبيّة السلبيّة لانبهارنا بالغرب. كان موقفي السلبيّ متأثراً بمن يسبقني في العمر ويسبقني في المعرفة. كنت، على سبيل المثال، أعرف أستاذة في الجامعة نالت شهادة الدكتوراه من إحدى جامعات باكستان، وكنت لا أزال طالبا، آنذاك، في الجامعة، وكان يتناهى إلى سمعي  من أساتذة درسوا في فرنسا أو إسبانيا أو أميركا ذلك الكلام الذي يطال سمعتها الأدبيّة فقط لأنّها درست في إحدى جامعات الشرق. وكأنّ الشرق، ونحن ننتمي إليه، حرف ناقص. وللأسف لم يتزعزع كثيراً هذا الموقف إلى الآن، فعلامات استفهام كثيرة لا مبرّر لها تحوم كالشبهات حول من يحصل على شهادة من باكستان أو إيران أو دولة شرقيّة أخرى. وأظنّ أنّ هذه النظرة لا تخصّ بلداننا العربية وحدها، بل هي نظرة سائدة لدى أغلب الدول المنتشرة على امتداد رقعة القارة الآسيوية. سرّ هذه النظرة الغريبة هو الانبهار. ومن طبيعة الانبهار بأيّ شيء أن يعمي البصائر والأبصار. والانبهار بالغرب أعمى البصائر والأبصار وأوقعنا في الغفلة.

تجربة اليابان
لم ننبهر بالغرب فقط ، بل انبهرنا ببعض الشرق، وبعض الشرق الأقصى، وتحديداً اليابان،  التي حيّاها، ذات يوم، حافظ إبراهيم بقصيدة "غادة اليابان". فحتى اليابان التي أبهرتنا بنهضتها وقدرتها على هضم العلوم الغربية، والصناعة الغربيّة، كان انبهارنا بها انبهارا سطحيّا، ساذجاً لأنّه انبهار مبعثه شيء شرقيّ، وهو انبهار لا يستحق أن نكرّس له ما يليق به من درس وجهد، نفينا انبهارنا باليابان عبر اعتبارها بلدا بعيدا، منفصلا عنّا، وعن مشاغلنا، فسمّيناها " كوكب اليابان"، وكثيراً ما استوقفتني هذه العبارة الكوكبية، وكأن اليابان تنتمي الى الفضاء لا إلى الأرض . كم عدد من تخصّص في دراسة اليابان لغة وحضارة وديناً وسياسة؟ أو عدد من ذهب الى اليابان لمتابعة دراسته مقارنة بعدد من ذهب الى فرنسا أو إيطاليا او فرنسا او المانيا دع عنك أميركا؟ وما هو عدد من دفعهم الفضول الى تعلّم لغة اليابان؟ حتّى في علاقتنا مع اليابان نحن عالّة على الغرب، رأينا اليابان بعيون الغرب، ولكن لم نسر على خطى الغرب في التعرّف على ثمرات الكوكب الياباني العلمية الباهرة. وهنا أشيد بالأعمال الجليلة التي قام بها رفيقي في هذه الرحلة الممتعة  الدكتور مسعود عبر مجموعة من الكتب القيّمة عن اليابان، وعلاقتنا معها من وجوه متعددة تجلو فيما أظنّ بعض ما ورد في فقرتي هذه.
من هنا، راودتني فكرة العمل على إيجاد علم عربيّ يتخصّص  في الدراسات الشرقيّة، علم يأخذ ثمرات الاستشراق الغربيّ الجيّدة والصالحة للاستعمال، ويفنّد بأسلوب علميّ وموضوعيّ سيئات الاستشراق الغربيّ. ولا اعتقد أنّه من الممكن نكران الفضل الغربيّ على معرفة " الشرق". فالاستشراق الغربيّ قدّم لنا معارف جليلة تخصّ بلداننا ، وتاريخنا، وتراثنا، وهنا أشير إلى عدّة نقاط بسيطة تتعلّق بالشرق الأوسط: الكشف عن لغات منطقتنا الميتة، الكشف عن نصوص حضارات منطقتنا القديمة وإعادة الحياة إليها، كملحمة جلجامش مثلا، وتحقيق جزء كبير من مخطوطاتنا العربية تحقيقاً علميا رصينا وفاتناً ينمّ عن تفانٍ جليل، وجهد يثير الاعجاب.
الاستشراق المطلوب، اليوم، هو استشراق عربيّ النجار، عربي المنطلقات، عربيّ الأهداف والمقاصد.
ما هو المقصود بالاستشراق العربيّ؟
هو وضع أسس وأركان علم يولد في الشرق العربيّ لدراسة الشرق غير العربيّ.
الشرق غير العربي كنز معرفيّ، واقتصاديّ، وفنّي للشرق العربيّ.
الاستشراق إنتاج غربيّ، له ظروف ولادة خاصّة، وله أهداف ليست بالضرورة أن تصبّ كلّها لصالح الرقعة الشرقية المدروسة، ولكن يمكن أن نستوحي من الاستشراق الغربيّ استشراقاً عربيّ الملامح والمنطلقات والأهداف، بالاعتماد على الشقّ النبيل منه. فالاستشراق عند التدبّر، استشراقان : استشراق مغرض، لا يتوخّى العلم لغايات علميّة، فالعلم أي علم شأنه شأن أيّ شيء، سيف ذو حدّين كما يقال.  ولكن هناك استشراق موضوعيّ. وعلينا كعرب أن نعمل على إنتاج استشراق عربيّ نبيل الغايات، استشراق عربيّ يكون متمّما لعلم الاستغراب الذي تحدث عنه طويلاً الدكتور حسن حنفي. علم الاستشراق العربي علم يهدف إلى بناء جسور تعارف بين دول الشرق : الهند، اليابان، الصين، الفليبين، كوريا، فيتنام، منغوليا، كمبوديا، أندونيسيا، ماليزيا، سنغافورة، تايلاند... عملاً بمقولة قرآنية سامية: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا . إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ . إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (تفسير سورة الحجرات - الآية 13).
معرفة الشرق بالشرق.

سأطرح سؤالا ورد إلى ذهني من دون عصر دماغ، سؤال يحمل ردّ الفعل عليه جزءا من واقعنا العربيّ  الراهن ، والسؤال هو : كيف يمكن لنا أن نعرف علاقتنا الراهنة مع كمبوديا مثلا؟ كان يمكن أن نأخذ أي دولة أخرى من آسيا ، ولكن هنا أستثني الصين، لأنّها بدأت لحسن الحظّ تكسر قاعدة الإجابة على السؤال أعلاه.
فلينزل أيّ شخص عربي من أي منطقة عربية، ولتظهير الصورة بألوانها الفاقعة أكثر، أقول من أي عاصمة عربيّة، لينزل ذلك العربيّ إلى أهمّ مكتبة في العاصمة التي يريدها من عواصم العرب ويطلب ، على سبيل المثال، كتاباً عن الثقافة الكمبودية أو اللغة الكمبودية، أو الطعام الكمبودي، أو الأدب الكمبوديّ أو الديانة الكمبوديّة، وليخبرني ماذا يقول له صاحب المكتبة، وماذا يعرض عليه صاحب المكتبة، وكيف سيكون ردّ فعل صاحب المكتبة؟ سينظر صاحب المكتبة ، أغلب الظنّ، بريبة وحيرة إلى طالب الكتاب، وينظر إليه باستغراب. من هنا أثير بعض الأسئلة البسيطة ولكنها جارحة معرفيّا:
هل نعرف الشرق بمداه الآسيويّ الرحيب والخصيب؟
ماذا نعرف عن الشرق؟
ما هو عدد المستشرقين العرب في عالمنا العربيّ وأقصد أشخاصاً من بلادنا العربيّة الشاسعة يتقنون لغات الشرق، ويدرسون حضارات الشرق، ويتعمقون في فهم ديانات الشرق وآداب الشرق، وعادات وتقاليد الشرق، وينشغلون بالدراسات المقارنة بين حضارات الشرق الغنية والحضارة العربيّة ؟
ما هي الخسائر المادية والروحية التي يتكبدها العرب إزاء هذا الجهل الطامي بالشرق الكبير بدءا من شرق آسيا؟
ماذا يعرف الشرق العربي عن الشرق غير العربي؟
ماذا نعرف عن كوريا غير السيارات والهواتف المحمولة؟
ماذا نعرف عن اليابان؟
ماذا نعرف عن الفيليبين؟
ماذا نعرف عن الهند؟
ماذا نعرف عن تايلاند؟
ماذا نعرف عن فيتنام؟
ماذا نعرف عن سيريلانكا؟
ماذا نعرف عن كازاخستان؟
ماذا نعرف عن أندونيسيا؟
ماذا نعرف عن الصين غير بضاعتها الرخيصة؟
لن أعدد كل دول الشرق غير العربية التي لا يعطيها الشرق العربي حقها من الدرس؟
ماذا نعرف عن الشرق غير المسلم: البوذيّ، الهندوسيّ، السيخيّ، الطاويّ، الكونفوشيّ، الشانتويّ...؟
الاستشراق العربي المأمول هو الاستشراق ذو الملامح العربية الذي لا تغيب عنه لا شاردة ولا واردة من مشرق العالم الخصيب والرحيب.
مطلوب في كلّ بلد عربيّ إنشاء معهد بعنوان " معهد اللغات والحضارات الشرقية" حيث يصير بإمكان كلّ مواطن عربيّ راغب في درس الشرق أن يدرس