تستعير اللغة،
في بعض الأحيان، أحداثاً ثمّ تحوّلها إلى كلمات، وهذه وسيلة من وسائل تنمية الثروة
اللغوية، لفتت نظري كلمة صينية مركّبة من كلمتين " رمح ودرع " ولكنّها
لا تعني رمحاً ولا درعاً وانّما تعني التناقض. وهذه الخاصيّة موجودة في كلّ لغات العالم،
خاصيّة خروج الكلمات من جلدها ولبس جلد غيرها، وهنا يخطر ببالي عبارة " زنود
الستّ" العربية وهي عبارة لا علاقة لها بالزنود ولا بالستّ وانّما بقطعة حلوى
بالقشطة. وراء كثير من العبارات حكايات، ووراء عبارة "رمح ودرع" حكاية
في التراث الصينيّ تدور حول مفهوم التناقض. تقول الحكاية إنّ بائع رماح ودروع عرض
بضاعته فى السوق, ونادى الناس، وهو يرفع درعه، " تعالوا انظروا. ليس لدرعي،
في الدنيا، مثيل. إنّه من أقوى الدروع، ولن تقدر أقوى الرماح على اختراقها".
وعندما انتهى من ندائه، وضع الدرع جانباً, ورفع رمحاً من الرماح, وبدأ بالهتاف
قائلاً: " إنّ رماحي من أقوى الرماح, ولا يهمّ ما تكون قوّة الدرع, لأنّ رمحي
كفيل بخرقه من أوّل طعنة. وعندما سمع أحدى المشتريين هذه النداءات, كتم ضحكته، ثمّ
توجّه الى البائع بالكلمات التالية: " بناء على كلامك, فإنّ رماحك قوية الى
درجة تستطيع أن تخترق أقوى الدروع، وبالمقابل فإنّ دروعك بالجودة إلى درجة أنّ
اقوى الرماح لا تقدر على اختراقها, فماذا سيحدث لو جرّبنا أنّ نخرق درعك بإحدى
رماحك؟".
ومن ثنايا هذه
الحادثة ولدت الكلمة الصينيّة التي تعني "التناقض".
الإصبع المطلوب
لا تخلو حكايات " بوذية الزنّ" من بعض الطرافة، وكلمة "الزنّ Zen " كلمة يابانيّة دخلت على هذه الصيغة في اللغات الغربية كلّها، وهي تعني "التأمّل"، وكثيراً ما يسرح الناسك اليابانيّ متأمّلاً أسرار العالم ودفائن الموجودات عن طريق تفاصيل حكاية، والحكاية التالية واحدة من هذه الحكايات الزنّية.
تصادف أنّ مرّ رجل رقيق الحال على صديق قديم له, اكتسب صفة القدسيّة. وعندما علم الرجل المقدّس ذو الكرامات الذهبية أنّ صديقه يعانى من ضنك العيش، أشار بإصبعه الى صخرة ملقاة على قارعة الطريق، فتحوّلت بلمح البصر الى قطعة من الذهب الوهّاج, فوهبها الى صاحبه القديم إلا| أنّ الرجل المقدّس لاحظ أنّ صديقه لم يكن راضياً بما قدّم اليه، فأشار ثانية بإصبعه إلى نصب منحوت من الصخر على هيئة أسد ضخم، فتحوّل ذلك النصب إلى كتلة من الذهب، فوهبها أيضاً هديّة إلى صاحبه القديم، ولكنّ الرجل لم يظهر أيّ علامة من علامات الرضا، فتساءل الرجل المقدّس قائلاً: كيف أقدر على إرضائك يا صديقي الغالي؟ فتردّد الرجل هنيهة, ثمّ نطق بالعبارة التي تجول في خاطره:
" اعطني إصبعك
"!
السمكة المنسيّة
على قارعة الطرق
نمت شجرة ضخمة وكان فى داخلها ثقب كبير يمتلئ بالماء, كلما هطل المطر. وفي يوم من
الأيام، تصادف مرور صيّاد سمك فجلس يستريح قرب تلك الشجرة . وعندما لاحظ تجمع
المياه فى ثقب الشجرة, قرّر وضع سمكة حيّة فى الماء على سبيل التسلية وتمضية الوقت
!ومضى الصياد فى طريقه, ونسي أن يأخذ السمكة. وحينما عبر أحد المارة بقرب تلك
الشجرة وشاهد السمكة حية تسبح فى ثقب الماء استغرب الامر, وتساءل: كيف تستطيع سمكة
العيش فى ثقب شجرة ؟ لا بدّ من أن تكون سمكة مقدّسة الزعانف.
وسرت أخبار
السمكة بسرعة فى كلّ الأرجاء فجاء الناس من الأمكنة البعيدة كي يشعلوا الشموع
ويطلقوا البخور ويتبرّكوا برؤية السمكة المقدّسة. وبعد فترة، مرّ الصياد من نفس المكان،
فلم يتمالك نفسه من الضحك, حين شاهد منظر الشجرة, وقد أحاطت بها الشموع والرايات،
فحدّث نفسه: "سمـــكة مقدسة! يا للهــراء! لقد وضعت هذه السمكة بيديّ فى هذا
الثقب. هل القداسة بنت النسيان؟ ولكنّه خاف أن يخبرهم بما يدور في نفسه, فيقوموا
بضربه أو قتله بتهمة التجديف. تركهم الصيّاد ومضى فى طريقه.
قلْي سمك
يحكى أنّ امرأة
زارت صديقة لها تجيد فنّ الطبخ لتتعلّم منها طريقتها المميّزة في تحضير السمك
الشهيّ، وأثناء ذلك لاحظت أنّ صديقتها تقطع رأس السمكة وذيلها قبل قليها بالزيت،
فسألتها عن السرّ، فأجابتها بأنّها لا تعلم، ولكنّها تعلمت ذلك من والدتها. أثار
سؤال صديقتها فضولها فقامت من فورها واتصلت بوالدتها لتسألها عن سبب قطع الرأس
والذيل قبل قلي السمك، لكنّ الأمّ، أيضاً، قالت أنها تعلّمت ذلك من أمّها ( الجدة
)، فقامت الوالدة واتصلت بالجدّة لتعرف سبب قطع رأس السمكة وذيلها. كان جواب
الجدّة بسيطاً ومدهشاً، فهي قالت لابنتها: إنّ مقلاتي، يا ابنتي، كانت صغيرة،
والسمكة كبيرة عليها، فاعتمدت هذه الطريقة.
حقيبة تراب
يحكى أنّ
مواطناً بلجيكياً دأب طوال عشرين عاماً على عبور الحدود نحو ألمانيا بشكل يومي على
دراجته الهوائية حاملاً على ظهره حقيبة مملوءة بالتراب، وكان رجال الحدود الألمان
على يقين انه " يهرّب " شيئاً ما، ولكنّهم في كلّ مرة لا يجدون معه غير
التراب .واصلوا مراقبته، محاولين القبض عليه بأيّ تهمة، لكن دون طائل.
السرّ الحقيقيّ
لم يكشف إلا بعد وفاة ذلك المواطن البلجيكيّ، حيث إن زوجته وجدت في مذكراته جملة
بسيطة تفصح عن مكنون حقيبة التراب : "حتى زوجتي لم تعلم انني بنيت ثروتي على
تهريب الدراجات إلى ألمانيا".
هذا ليس ذرّ
رماد في العيون وانّما ذرّ تراب!
عمّال بناء
ذهب أحد مديري
الإنشاءات إلى موقع بناء، وشاهد ثلاثة عمّال يقومون بتكسير الحجارة، فسأل الأوّل :
ماذا تفعل؟ فقال: أكسر الحجارة كما طلب رئيسي، ثم سأل الثاني نفس السؤال فقال :
أقص الحجارة بأشكال جميلة ومتناسقة . ثمّ سأل الثالث فقال: ألا ترى بنفسك، أنا
أبني ناطحة سحاب.
ليس للعمل
الواحد إجابة واحدة، والإجابة، هنا، هي وجهة نظر.
بلال عبد
الهادي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق