كثيراً ما نسمع عن ورقة يانصيب غيّرت مصير شخص، ولكن من النادر حقّاً أن نسمع عن شخص غيّر بسلوكه مصير ورقة يانصيب، وهذا الأمر ممكن الحدوث. ولعلّ أعجب ما تتحفنا به الحياة هو تلك الأخبار المتفرّقة التي تفوق الخيال ولا ريب في أنّ رحم الحياة أخصب من خيال مخرجي أفلام هوليوود.
ولقد سمعت قصّة عن حياة غريبة الأطوار ورقة يانصيب مفادها أنّ أحد الأشخاص أحبّ فتاة، كانت علاقته بها في أيّامها الأولى. والحبّ، في زهو البدايات، يجعل الإنسان يعيش حالة لا تتكرّر كثيراً، أنّها لحظات نادرة ندرة علاقة هذا العاشق مع ورقة اليانصيب. ارتاد المقهى، ذات يوم، مع حبيبته، وبينما كانا يدردشان ويحلمان برغد الأيّام الآتية إذ ببائع يانصيب يمرّ عارضاً أوراقه المغرية عليهما. وكلّ عاشق يتفاءل بأنامل من يحبّ، ويراها سحريّة تقبض على طالع السعد، فاقترح عليها انتقاء ورقة يانصيب وهذا ما كان. أخذ الورقة وكأنّه يأخذ "ذخيرة" من أثرها. وصارت الورقة، في نظره، بمثابة صورة فوريّة تجمعهما على حلم. ومن يدري! فقد تربح الورقة وتغيّر مجرى حبّه وتسرّع خطى الأفراح. الأقدار تعارض، في بعض الأحيان، الإنسان وتسخر من هشاشة رغباته إذ في الفترة الفاصلة بين وقت شراء الورقة وموعد طلوع النتائج تعرّضت حبيبته لحادث سير وضع نهاية دامية ودرامية لحياتها.
لا يمكن لأحد أن يتصوّر لوعة عاشق فقد من يرى الدنيا تشرق من طلّته. في أيّ حال، لا أتصوّر عاشقاً يتمنّى أن يلقى ما لقي قلب ذلك العاشق المكسور. صارت الدنيا غباراً لزجاً في عينيه. والغياب هنا، لم يكن غياباً عاديّاً، لأنّه غيّر مصير حياته ومصير ورقة اليانصيب أيضاً!
الحياة تضرب، أحياناً، ضربتين: ضربة على الحافر وضربة على المسمار، أو تجرح بيد وتداوي بيد ويبدو أنّ الحياة قد شعرت بتأنيب ضمير بعد عَمْلتها الحارقة وأرادت أن تكفّر عن ذنبها وتعوّض عليه خسارته الفادحة، فكان أنْ ربحت الورقة التي اختارتها أنامل الراحلةِ الجائزةَ الكبرى.
لم يفرح العاشق المصاب، لم يشعر أنّه ربح، بل أحسّ أنّ الجائزة ضرب من لؤم الحياة، لأنّها تريد أن تسلبه، وهي تعطيه، ورقة اليانصيب. ولم يكن العاشق يحتفظ من ذكرى حبّه إلاّ بهذه الورقة الملّونة التي تعبق بلمسات حبيبته وأريج عطرها وبوح كلماتها الأولى.
أيبدل ذكرى حبّه بورقات نقديّة خرساء؟ أيفرّط بالورقة؟ قلبه لم يطاوعه. فالورقة، في عينيه، بمثابة "قميص يوسف في أجفان يعقوب" بحسب عبارة المتنبّي. قد يعتبر البعض رفض العاشق قبض الجائزة نوعاً من الجنون. فليكن! ولكن من لم يسمع بعشّاق كثيرين لا يختلفون عن السورياليين في غريب مسلكهم؟ وفي تراثنا العربيّ، في أيّ حال، أكثر من مجنون في العشق! بل أنّ البعض لم يذهب الجنون بعقلهم فقط وإنّما ذهب بأسمائهم أيضاً، فصار لنا مجنون ليلى ومجنون لبنى... ومن يريد ان يلمّ شتات مجانين العشق فما عليه إلاّ أنْ يفلفش في كتاب "مصارع العشّاق" أو صفحات الحزن في "تزيين الأسواق بتفصيل أشواق العشّاق"، فيتأكّد ساعتئذ أنّ بعض الوله بله!
المعروف أنّ الورقة الرابحة تُلغى جائزتها في نهاية أربعة أشهر من تاريخ سحبها. كرّت أيّام الأشهر وتلاشت بعد انقضاء المدّة قيمة الورقة. ولكن العاشق شعر، بعد تحرّر الورقة من قيمتها الماديّة وضغط المغريات ووسوسات الشيطان، أنّه تحرّر من عبء المادّة، واستعادت الورقة التي سقطت قيمتُها الماديّة حياتَها الروحيّة فتلفّعت بحرير الذكرى.
طبعاً، لا يمكن لأحد أن يخمّن، بشكل دقيق، ثمن أثر أو قيمة ذكرى. ولا ريب في أنّ الوفاء للذكرى يلامس، في بعض الأحيان، أعتاب الجنون.
ولكنْ من قال إنّ سيرة الجنون لا تستحقّ أنْ تروى؟!
ولقد سمعت قصّة عن حياة غريبة الأطوار ورقة يانصيب مفادها أنّ أحد الأشخاص أحبّ فتاة، كانت علاقته بها في أيّامها الأولى. والحبّ، في زهو البدايات، يجعل الإنسان يعيش حالة لا تتكرّر كثيراً، أنّها لحظات نادرة ندرة علاقة هذا العاشق مع ورقة اليانصيب. ارتاد المقهى، ذات يوم، مع حبيبته، وبينما كانا يدردشان ويحلمان برغد الأيّام الآتية إذ ببائع يانصيب يمرّ عارضاً أوراقه المغرية عليهما. وكلّ عاشق يتفاءل بأنامل من يحبّ، ويراها سحريّة تقبض على طالع السعد، فاقترح عليها انتقاء ورقة يانصيب وهذا ما كان. أخذ الورقة وكأنّه يأخذ "ذخيرة" من أثرها. وصارت الورقة، في نظره، بمثابة صورة فوريّة تجمعهما على حلم. ومن يدري! فقد تربح الورقة وتغيّر مجرى حبّه وتسرّع خطى الأفراح. الأقدار تعارض، في بعض الأحيان، الإنسان وتسخر من هشاشة رغباته إذ في الفترة الفاصلة بين وقت شراء الورقة وموعد طلوع النتائج تعرّضت حبيبته لحادث سير وضع نهاية دامية ودرامية لحياتها.
لا يمكن لأحد أن يتصوّر لوعة عاشق فقد من يرى الدنيا تشرق من طلّته. في أيّ حال، لا أتصوّر عاشقاً يتمنّى أن يلقى ما لقي قلب ذلك العاشق المكسور. صارت الدنيا غباراً لزجاً في عينيه. والغياب هنا، لم يكن غياباً عاديّاً، لأنّه غيّر مصير حياته ومصير ورقة اليانصيب أيضاً!
الحياة تضرب، أحياناً، ضربتين: ضربة على الحافر وضربة على المسمار، أو تجرح بيد وتداوي بيد ويبدو أنّ الحياة قد شعرت بتأنيب ضمير بعد عَمْلتها الحارقة وأرادت أن تكفّر عن ذنبها وتعوّض عليه خسارته الفادحة، فكان أنْ ربحت الورقة التي اختارتها أنامل الراحلةِ الجائزةَ الكبرى.
لم يفرح العاشق المصاب، لم يشعر أنّه ربح، بل أحسّ أنّ الجائزة ضرب من لؤم الحياة، لأنّها تريد أن تسلبه، وهي تعطيه، ورقة اليانصيب. ولم يكن العاشق يحتفظ من ذكرى حبّه إلاّ بهذه الورقة الملّونة التي تعبق بلمسات حبيبته وأريج عطرها وبوح كلماتها الأولى.
أيبدل ذكرى حبّه بورقات نقديّة خرساء؟ أيفرّط بالورقة؟ قلبه لم يطاوعه. فالورقة، في عينيه، بمثابة "قميص يوسف في أجفان يعقوب" بحسب عبارة المتنبّي. قد يعتبر البعض رفض العاشق قبض الجائزة نوعاً من الجنون. فليكن! ولكن من لم يسمع بعشّاق كثيرين لا يختلفون عن السورياليين في غريب مسلكهم؟ وفي تراثنا العربيّ، في أيّ حال، أكثر من مجنون في العشق! بل أنّ البعض لم يذهب الجنون بعقلهم فقط وإنّما ذهب بأسمائهم أيضاً، فصار لنا مجنون ليلى ومجنون لبنى... ومن يريد ان يلمّ شتات مجانين العشق فما عليه إلاّ أنْ يفلفش في كتاب "مصارع العشّاق" أو صفحات الحزن في "تزيين الأسواق بتفصيل أشواق العشّاق"، فيتأكّد ساعتئذ أنّ بعض الوله بله!
المعروف أنّ الورقة الرابحة تُلغى جائزتها في نهاية أربعة أشهر من تاريخ سحبها. كرّت أيّام الأشهر وتلاشت بعد انقضاء المدّة قيمة الورقة. ولكن العاشق شعر، بعد تحرّر الورقة من قيمتها الماديّة وضغط المغريات ووسوسات الشيطان، أنّه تحرّر من عبء المادّة، واستعادت الورقة التي سقطت قيمتُها الماديّة حياتَها الروحيّة فتلفّعت بحرير الذكرى.
طبعاً، لا يمكن لأحد أن يخمّن، بشكل دقيق، ثمن أثر أو قيمة ذكرى. ولا ريب في أنّ الوفاء للذكرى يلامس، في بعض الأحيان، أعتاب الجنون.
ولكنْ من قال إنّ سيرة الجنون لا تستحقّ أنْ تروى؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق