وثمّة كاتب فرنسيّ اشتهر بأسلوبه الساخر وأفكاره اللاذعة اسمه ألفونس أليه " Alphonse Allais "(1845-1905) كان يلتقط لحظات من حياة الناس العادية ويتعقّب مسارها ونهاياتها، إلاّ أنّه لم يكن، فيما يبدو، من هواة النهايات المألوفة أو المتوقعة أو المنطقية، وذلك لأنّ سنّة الحياة نفسها لا تسلك دائماً طريق المنطق، ومفهوم "النسبية" يدكّ كثيراً من معاقل المنطق وقلاعه، والحياة التي لا تستوحي تفاصيل حياتها إلاّ من وحي المنطق لا تكون حياة طبيعية ومرنة.الخضوع للمنطق الصارم باستمرار يضفي على الحياة صرامة كامدة الملامح. ومن هنا، في أي حال، عبارة للفيلسوف الفرنسي باسكال يقول فيها:" إنّ للقلب منطقاً لا يعرفه منطق العقل" بمعنى أنّ المنطق ليس واحداً، إنّه يختلف باختلاف الناس والأقاليم، كما أنّ لكلّ حاسّة من حواسّ الإنسان منطقها الخاصّ بها أيضاً.
يروي "ألفونس أليه" في إحدى حكاياته نهاية ملاسنة حدثت بين رجل وزوجته. ولا يمكن لرجل متزوّج الادّعاء بأنّ حياته الزوجية بحر ساكن لا يعكر سطحه أبداً زبد الأمواج، إلاّ أن الزوج في حكاية "ألفونس أليه" كان وعر المزاج، وحادّ اليد. ارتفعت حرارة الملاسنة إلى أن مدّ الرجل يده وانهال ضرباً على زوجته. لم تجد المرأة وسيلة للدفاع عن نفسها من شراسة الزوج اليدوية إلاّ الهروب من وجهه، ولكن حتى الهروب نفسه ليس حلاًّ، فالسرعة من نصيب قدمي الرجل وليست من نصيب المرأة، ولا بدّ من أن يصل إليها مجدّداً، ويتابع كتابة ساديّته العضلية على صفحة وجهها.
كانت المرأة وهي تركض تفكّر بإيجاد حلّ، تبحث عن طريقة توقف نزوة يديه عند حدّها، والمعروف أنّ الإنسان في أحيانٍ كثيرة لا تلمع أفكاره بالحلول إلاّ وقت اشتداد الأزمات، وأنّه أكثر ما يستعين بطاقات عقله التي لا تبخل عليه بالإجابات حين يكون في منطقة الخطر. الأمان يشلّ أحياناً ملكات التفكير. والبعض يرى أنّه من العبث التفكير في وقت لا يحتاج المرء فيه إلى تفكير!
لم تشذَّ المرأة عن هذه القاعدة، ولكنّها كانت تفكّر بطريقة مغايرة للسائد. الفطرة هي الهروب من الخطر لحظة وجوده، هذا ما يرسله العقل من حلول منطقية أو أجوبة جاهزة ومعلبّة، وهذا ما يذعن له الإنسان بشكل عفويّ، ولكن حين تكون نهايات الفطرة حائطاً مسدوداً، لا بدّ من اللجوء إلى أساليب أخرى، مواربة، فليس كلّ الناس يستطعمون الأجوبة الجاهزة ويستذوقونها. وهذا ما كانت عليه، فيما يبدو، الزوجة، فلمع في رأسها حلّ مبتكر من بنات أفكارها وفلذات خوفها قد ينقذها من مخالب زوجها، وفي لحظة قررت أن تغيّر مسار الهروب. لماذا لا تهرب إليه بدلاً من أن تهرب منه؟ لماذا لا تعوذ به منه؟ هذا ما فعلته، غيّرت اتجاهها واتخذت الاتجاه المعاكس. كان الرجل يثور غضباً لأنها أفلتت من يديه وفرضت عليه الركض. فاجأته حركتها، رآها تركض صوبه، ماذا يدور في رأس هذه المخلوقة؟ قال الرجل بينه وبين نفسه.استغرب سلوكها المستجدّ وانعطافتها الغريبة. حين وصلت إليه ارتمت بين ذراعيه وقالت له بصوت مستعطفٍ مكسور: دخيلك، احمني يا راؤول ( وهذا اسم الزوج في الحكاية)، أنا في خطر، ولا أحد غيرك يمكن أن يحميني. تبلبلت أذنا راؤول للحظات، وجد نفسه في ورطة غير متوقّعة، وإذ به يتحوّل بفعل هذه العبارة المرتعشة التي نطقت بها شفتا الزوجة، من مهاجمتها إلى الدفاع عنها. تسلّلت إليه من مسامّات أحاسيسه الرجولية، ومن خروم نرجسيته الذكوريّة، فالرجل حامي الحمى. لم يعرف الرجل ماذا يفعل؟ أخذته الزوجة على حين غرّة فتضعضعت استراتيجيته العضلية المتشنّجة وتضعضع أيضاً غضبه. سحبت الزوجة منه سلاحه العضليّ ولم يجد نفسه إلاّ وهو يأخذها بالأحضان، ليحميها من نفسه ومن خطر عضلاته الداهم، وليمنحها أماناً كان قد سلبها إيّاه منذ لحظات معدودات.
استراتيجية المرأة، هنا، بسيطة أشبه باستراتيجية المرايا في حكاية يونانية خرافيّة قديمة، ولكنّها كانت فعالة لأنّها استطاعت أن تستنبت من مصدر الخطر نفسه ساتراً يدرأ عنها الخطر.
يروي "ألفونس أليه" في إحدى حكاياته نهاية ملاسنة حدثت بين رجل وزوجته. ولا يمكن لرجل متزوّج الادّعاء بأنّ حياته الزوجية بحر ساكن لا يعكر سطحه أبداً زبد الأمواج، إلاّ أن الزوج في حكاية "ألفونس أليه" كان وعر المزاج، وحادّ اليد. ارتفعت حرارة الملاسنة إلى أن مدّ الرجل يده وانهال ضرباً على زوجته. لم تجد المرأة وسيلة للدفاع عن نفسها من شراسة الزوج اليدوية إلاّ الهروب من وجهه، ولكن حتى الهروب نفسه ليس حلاًّ، فالسرعة من نصيب قدمي الرجل وليست من نصيب المرأة، ولا بدّ من أن يصل إليها مجدّداً، ويتابع كتابة ساديّته العضلية على صفحة وجهها.
كانت المرأة وهي تركض تفكّر بإيجاد حلّ، تبحث عن طريقة توقف نزوة يديه عند حدّها، والمعروف أنّ الإنسان في أحيانٍ كثيرة لا تلمع أفكاره بالحلول إلاّ وقت اشتداد الأزمات، وأنّه أكثر ما يستعين بطاقات عقله التي لا تبخل عليه بالإجابات حين يكون في منطقة الخطر. الأمان يشلّ أحياناً ملكات التفكير. والبعض يرى أنّه من العبث التفكير في وقت لا يحتاج المرء فيه إلى تفكير!
لم تشذَّ المرأة عن هذه القاعدة، ولكنّها كانت تفكّر بطريقة مغايرة للسائد. الفطرة هي الهروب من الخطر لحظة وجوده، هذا ما يرسله العقل من حلول منطقية أو أجوبة جاهزة ومعلبّة، وهذا ما يذعن له الإنسان بشكل عفويّ، ولكن حين تكون نهايات الفطرة حائطاً مسدوداً، لا بدّ من اللجوء إلى أساليب أخرى، مواربة، فليس كلّ الناس يستطعمون الأجوبة الجاهزة ويستذوقونها. وهذا ما كانت عليه، فيما يبدو، الزوجة، فلمع في رأسها حلّ مبتكر من بنات أفكارها وفلذات خوفها قد ينقذها من مخالب زوجها، وفي لحظة قررت أن تغيّر مسار الهروب. لماذا لا تهرب إليه بدلاً من أن تهرب منه؟ لماذا لا تعوذ به منه؟ هذا ما فعلته، غيّرت اتجاهها واتخذت الاتجاه المعاكس. كان الرجل يثور غضباً لأنها أفلتت من يديه وفرضت عليه الركض. فاجأته حركتها، رآها تركض صوبه، ماذا يدور في رأس هذه المخلوقة؟ قال الرجل بينه وبين نفسه.استغرب سلوكها المستجدّ وانعطافتها الغريبة. حين وصلت إليه ارتمت بين ذراعيه وقالت له بصوت مستعطفٍ مكسور: دخيلك، احمني يا راؤول ( وهذا اسم الزوج في الحكاية)، أنا في خطر، ولا أحد غيرك يمكن أن يحميني. تبلبلت أذنا راؤول للحظات، وجد نفسه في ورطة غير متوقّعة، وإذ به يتحوّل بفعل هذه العبارة المرتعشة التي نطقت بها شفتا الزوجة، من مهاجمتها إلى الدفاع عنها. تسلّلت إليه من مسامّات أحاسيسه الرجولية، ومن خروم نرجسيته الذكوريّة، فالرجل حامي الحمى. لم يعرف الرجل ماذا يفعل؟ أخذته الزوجة على حين غرّة فتضعضعت استراتيجيته العضلية المتشنّجة وتضعضع أيضاً غضبه. سحبت الزوجة منه سلاحه العضليّ ولم يجد نفسه إلاّ وهو يأخذها بالأحضان، ليحميها من نفسه ومن خطر عضلاته الداهم، وليمنحها أماناً كان قد سلبها إيّاه منذ لحظات معدودات.
استراتيجية المرأة، هنا، بسيطة أشبه باستراتيجية المرايا في حكاية يونانية خرافيّة قديمة، ولكنّها كانت فعالة لأنّها استطاعت أن تستنبت من مصدر الخطر نفسه ساتراً يدرأ عنها الخطر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق