دخل اسم "سِنِمّار" التاريخ العربيّ من بوابة الأمثال في عبارة من كلمتين وهي: "جزاء سنمّار". وما أكثر أسماء الشخصيات الحقيقية أو الأسطورية التي استضافتها كتب الأمثال لغايات في نفس جامعيها!
ولعلّ من وضع حكايات "ألف ليلة وليلة" قد سمع حكاية سنمّار فلم تعجبه نهايتها المأساوية الجائرة فقرّر أن ينتقم لروحه المهدورة بمفعول رجعيّ، وذلك عن طريق كتابة حكاية "دوبان الحكيم". خلاصة الحكاية أنّ رجلاً حكيماً يدعى "دوبان" لم يرد أن يكون موته مجاناً، بخْساً، وأن تطوى صفحة حياته كما يطوى مصير أيّ ورقة ذابلة، وخصوصاً إذا كانت نهايته خارجة عن سنة الموت الطبيعيّ. ولم يكن فيما يبدو واثقاً من قدرة غيره على الأخذ بالثأر له في حال قضى نحْبه غدراً. احتاط لكلّ أمر طارىء، تدبر أمر جثمانه جيداً، كتب سيناريو ثأره لنفسه بخيالٍ هيتشكوكيٍّ، وتدرّب على أن يكون جثمانه جاهزاً للانقضاض على من تسوّل له نفسه اختطاف روحه. أراد أن يرى بأم عينيه المنطفئتين قاتله وهو يتقلّب في جحيم الألم، فهو لم يستوعب أن يُطعن من الظهر، أنْ يموت ويسكت على موته. سوء الظنّ، كما يقول المثل العربيّ القديم، من حسْن الفِطَن. كان الحكيم دوبان مستوعباً لأمور كثيرة وليس فقط لـ " علوم الفلك والنبات والفلسفة والطبّ " كما ورد على لسان سيدّة السرد الفاتنة شهرزاد.
تقول الحكاية إنّ دوبان كان طبيباً حاذقاً يستطيع أنْ يلعب برأس ملك الموت ويقنعَه بتغيير رأيه أو تأجيل تنفيذ حتّى مهماته المستعجلة، والمعروف عن ملك الموت أنّه شديد العناد!
كان ثمة ملك اسمه يونان غزا جسده البرص وعجز أطباء زمانه عن إيجاد دواء ناجع ينقذ جسده من آلام البياض الذي يقضم بأسنانه الخفيّة جلْده وعمره. سمع دوبان بمرض الملك فحضر إليه وعرض عليه خدماته الطبية، أخبره بأنه قادر على علاجه وشفائه حتى من دون أدوية أو مراهم. سلّم الملك زمام أمره وجلْده إلى الحكيم العجيب دوبان الذي نجح في ما لم ينجح به أيّ طبيب. فرح الملك كثيراً بالولادة الجديدة لجلده الذي صار" نقياً مثل الفضة " بفضل مهارة الحكيم دوبان فقربه إليه وجعله من خلّص ندمائه.
إنّ تقريب الحكيم من الملك لا يبقي المملكة كما هي، لأنّ تقريبه يشبه تحريك حجر على رقعة الشطرنج وهو تحريك يغيّر مصائر كلّ الأحجار. لم يستطع الوزير المقرّب "المجبول على الحسد" تحمّل الوضع المستجدّ، لم يستوعب رأسه أنْ يأتي رجل على حين غرّة ويقلب مصيره ومقامه رأساً على عقب. بدأ الوزير يعمل في الخفاء على تفتيت الودّ الطارىء بين الملك والحكيم دوبان.نجح الوزير في بثّ الشكّ والنفور في قلب الملك، وانتهى بقرار دامٍ يخلّص المملكة من هذه الحكمة الضالّة.
تقول الحكاية: فلما تحقق الحكيم أنّ الملك قاتله لا محالة، قال له: أيها الملك إن كان لا بدّ من قتلي فأمهلني حتى أنزل إلى داري وأوصي أهلي وجيراني وأهب كتب الطبّ. وعندي كتاب خاصّ أهبه لك هدية تدّخرها في خزانتك. فقال الملك للحكيم: وما هذا الكتاب؟ قال: فيه شيء لا يحصى، وأقلّ ما فيه من الأسرار أنك إذا قطعت رأسي وفتحت الكتاب وعددت ثلاث ورقات ثم تقرأ ثلاثة أسطر من الصحيفة التي على يسارك فإنّ الرأس تكلمك وتجاوبك عن جميع ما تسألها عنه. فتعجّب الملك غاية التعجّب، واهتزّ من الطرب وقال له: وهل إذا قطعت رأسك تكلمت؟ قال: نعم أيها الملك، وهذا أمر عجيب!
في اليوم التالي، يُضرب عنق الحكيم دوبان ويُؤتى برأسه في طبق إلى الملك يونان مع الكتاب العجيب. فتح الملك الكتاب فوجده ملصوقاً فوضع طرف إصبعه في فمه وبلّ بها ريقه وفتح أول ورقة والثانية والثالثة، والورق ما ينفتح إلاّ بجهد. ففتح الملك ستّ ورقات ونظر فيها فلم يجد كتابة. فقال الملك: أيها الحكيم ما فيه شيءٌ مكتوب؟ فقال رأس الحكيم: قلّبْ زيادةً على ذلك. فقلّب فيه، فلم يكن إلاّ قليل من الزمان حتى تمشّى السمّ من طرف لسان الملك إلى أخمص قدميه، وراح ينتفض من مفعول السمّ على مرأى الرأس المقطوعة التي ارتسمت على شفتيها بسمة متشفّية، ساخرة لم تكنْ أقلّ وطأة على الملك الطالعة روحه من ذلك السمّ المدسوس في صفحات الكتاب الذي لا تحمل سطوره إلاّ سمّ الثأر الأبيض والكلمات البيضاء! بلون أوراقه.
تشير الحكاية إلى أنّ لسان دوبان الحكيم أسمع الملك، وروحه على أطراف شفتيه، عدّة أبيات شعريّة منها:
لو أَنْصَفُوا أُنْصِفوا، لكِنْ بَغَوْا فَبَغَى عَلَيْهِم الدَّهْرُ بالآفاتِ والمـِحـَنِ
ولعلّ من وضع حكايات "ألف ليلة وليلة" قد سمع حكاية سنمّار فلم تعجبه نهايتها المأساوية الجائرة فقرّر أن ينتقم لروحه المهدورة بمفعول رجعيّ، وذلك عن طريق كتابة حكاية "دوبان الحكيم". خلاصة الحكاية أنّ رجلاً حكيماً يدعى "دوبان" لم يرد أن يكون موته مجاناً، بخْساً، وأن تطوى صفحة حياته كما يطوى مصير أيّ ورقة ذابلة، وخصوصاً إذا كانت نهايته خارجة عن سنة الموت الطبيعيّ. ولم يكن فيما يبدو واثقاً من قدرة غيره على الأخذ بالثأر له في حال قضى نحْبه غدراً. احتاط لكلّ أمر طارىء، تدبر أمر جثمانه جيداً، كتب سيناريو ثأره لنفسه بخيالٍ هيتشكوكيٍّ، وتدرّب على أن يكون جثمانه جاهزاً للانقضاض على من تسوّل له نفسه اختطاف روحه. أراد أن يرى بأم عينيه المنطفئتين قاتله وهو يتقلّب في جحيم الألم، فهو لم يستوعب أن يُطعن من الظهر، أنْ يموت ويسكت على موته. سوء الظنّ، كما يقول المثل العربيّ القديم، من حسْن الفِطَن. كان الحكيم دوبان مستوعباً لأمور كثيرة وليس فقط لـ " علوم الفلك والنبات والفلسفة والطبّ " كما ورد على لسان سيدّة السرد الفاتنة شهرزاد.
تقول الحكاية إنّ دوبان كان طبيباً حاذقاً يستطيع أنْ يلعب برأس ملك الموت ويقنعَه بتغيير رأيه أو تأجيل تنفيذ حتّى مهماته المستعجلة، والمعروف عن ملك الموت أنّه شديد العناد!
كان ثمة ملك اسمه يونان غزا جسده البرص وعجز أطباء زمانه عن إيجاد دواء ناجع ينقذ جسده من آلام البياض الذي يقضم بأسنانه الخفيّة جلْده وعمره. سمع دوبان بمرض الملك فحضر إليه وعرض عليه خدماته الطبية، أخبره بأنه قادر على علاجه وشفائه حتى من دون أدوية أو مراهم. سلّم الملك زمام أمره وجلْده إلى الحكيم العجيب دوبان الذي نجح في ما لم ينجح به أيّ طبيب. فرح الملك كثيراً بالولادة الجديدة لجلده الذي صار" نقياً مثل الفضة " بفضل مهارة الحكيم دوبان فقربه إليه وجعله من خلّص ندمائه.
إنّ تقريب الحكيم من الملك لا يبقي المملكة كما هي، لأنّ تقريبه يشبه تحريك حجر على رقعة الشطرنج وهو تحريك يغيّر مصائر كلّ الأحجار. لم يستطع الوزير المقرّب "المجبول على الحسد" تحمّل الوضع المستجدّ، لم يستوعب رأسه أنْ يأتي رجل على حين غرّة ويقلب مصيره ومقامه رأساً على عقب. بدأ الوزير يعمل في الخفاء على تفتيت الودّ الطارىء بين الملك والحكيم دوبان.نجح الوزير في بثّ الشكّ والنفور في قلب الملك، وانتهى بقرار دامٍ يخلّص المملكة من هذه الحكمة الضالّة.
تقول الحكاية: فلما تحقق الحكيم أنّ الملك قاتله لا محالة، قال له: أيها الملك إن كان لا بدّ من قتلي فأمهلني حتى أنزل إلى داري وأوصي أهلي وجيراني وأهب كتب الطبّ. وعندي كتاب خاصّ أهبه لك هدية تدّخرها في خزانتك. فقال الملك للحكيم: وما هذا الكتاب؟ قال: فيه شيء لا يحصى، وأقلّ ما فيه من الأسرار أنك إذا قطعت رأسي وفتحت الكتاب وعددت ثلاث ورقات ثم تقرأ ثلاثة أسطر من الصحيفة التي على يسارك فإنّ الرأس تكلمك وتجاوبك عن جميع ما تسألها عنه. فتعجّب الملك غاية التعجّب، واهتزّ من الطرب وقال له: وهل إذا قطعت رأسك تكلمت؟ قال: نعم أيها الملك، وهذا أمر عجيب!
في اليوم التالي، يُضرب عنق الحكيم دوبان ويُؤتى برأسه في طبق إلى الملك يونان مع الكتاب العجيب. فتح الملك الكتاب فوجده ملصوقاً فوضع طرف إصبعه في فمه وبلّ بها ريقه وفتح أول ورقة والثانية والثالثة، والورق ما ينفتح إلاّ بجهد. ففتح الملك ستّ ورقات ونظر فيها فلم يجد كتابة. فقال الملك: أيها الحكيم ما فيه شيءٌ مكتوب؟ فقال رأس الحكيم: قلّبْ زيادةً على ذلك. فقلّب فيه، فلم يكن إلاّ قليل من الزمان حتى تمشّى السمّ من طرف لسان الملك إلى أخمص قدميه، وراح ينتفض من مفعول السمّ على مرأى الرأس المقطوعة التي ارتسمت على شفتيها بسمة متشفّية، ساخرة لم تكنْ أقلّ وطأة على الملك الطالعة روحه من ذلك السمّ المدسوس في صفحات الكتاب الذي لا تحمل سطوره إلاّ سمّ الثأر الأبيض والكلمات البيضاء! بلون أوراقه.
تشير الحكاية إلى أنّ لسان دوبان الحكيم أسمع الملك، وروحه على أطراف شفتيه، عدّة أبيات شعريّة منها:
لو أَنْصَفُوا أُنْصِفوا، لكِنْ بَغَوْا فَبَغَى عَلَيْهِم الدَّهْرُ بالآفاتِ والمـِحـَنِ
وأَصْبَحوا، ولِسـانُ الحالِ يُنشــِدُهُم: هذا بِذاكَ، ولا عَتْبَ على الزَّمَنِ
بعض نقّاد الحكاية يلفتون النظر إلى أمرين ظاهر ومضمر. الأمر الأوّل هو "جزاء نكران الجميل"، أمّا الأمر الثاني الذي لا تقوله الكلمات هو أنّ الموت جزية يدفعها الراغب في المعرفة! ألم يكنْ، في أيّ حال، سبب هبوط آدم من الجنّة هو رغبته في قطف ثمرة من ثمرات "شجرة معرفة الخير والشرّ" ( سفر التكوين، الفصل الثاني، الآية:17) وتذوّق طعمها، أو "شجرة الخُلْد" كما وردت تسميتها في الذكر الحكيم ( سورة طه، الآية: 120)؟.
بعض نقّاد الحكاية يلفتون النظر إلى أمرين ظاهر ومضمر. الأمر الأوّل هو "جزاء نكران الجميل"، أمّا الأمر الثاني الذي لا تقوله الكلمات هو أنّ الموت جزية يدفعها الراغب في المعرفة! ألم يكنْ، في أيّ حال، سبب هبوط آدم من الجنّة هو رغبته في قطف ثمرة من ثمرات "شجرة معرفة الخير والشرّ" ( سفر التكوين، الفصل الثاني، الآية:17) وتذوّق طعمها، أو "شجرة الخُلْد" كما وردت تسميتها في الذكر الحكيم ( سورة طه، الآية: 120)؟.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق