بلال عبد الهادي
هل رأيت رضيعاً يقرأ في المهد؟ أيمكن لطفل في الشهر الأوّل أو الثاني من عمره ان يقرأ بشغف؟ الكاتبة الفرنسيّة "رولاند كوس" لا تستغرب السؤال وتجيب بأن الرضيع قد لا يختلف عن الكبير في علاقته بالكتاب. وهي لاحظت، عبر دراسات ميدانيّة شيّقة في عالم الطفولة، انّ الطفل يمكن له بناء صلة فذّة مع الكتاب من المهد، وكأنّ مقولة اطلب العلم من المهد... ليست مجازاً على الإطلاق. هذا ما تعرضه في ثنايا كتابها "من يقرأ صغيرا يقرأ طوال حياته"، الصادر عن دار "البان ميشال" في فرنسا.
ليس للقراءة عمر، قد يقرأ الولد وهو في الحضانة، أي أنّه بإمكانه أن يقرأ حتى قبل أن يفكّ الحرف. فالكلمات تتحوّل في أذن الرضيع وهو في حضن أمّه إلى ما يشبه الهزّازة، والأنغام. وتقول الكاتبة لا بدّ من أن يكون للطفل مكتبة في غرفته لأنّ وجودها ذو تأثير خلاّب على حواسّه، فالألبومات اليوم بصورها البرّاقة، تثير الطفل، وثمّة كتب تتناول حياته الشخصيّة، أو أشياء مألوفة لديه كألبومات عن البيت وأشيائه والشارع، والحدائق. وتقول الكاتبة إنّ صور الألبومات يقوم برسمها فنانون موهوبون، أصحاب نظرة جماليّة للحياة، ممّا يعني أنّ الطفل يتدرّب منذ نعومة أظفاره على امتلاك الحسّ الجماليّ، والاهتمام بالتفاصيل ممّا يسهّل عليه فيما بعد قراءة الصور واللوحات الفنيّة بخبرة العارفين، وتقول الكاتبة إنّ نظرة من تشبّع في طفولته من الكتب المصوّرة مغايرة وتظهر حسناتها في رحلاته إلى المتاحف.وتلفت الكاتبة إلى عادة سيّئة وهي القراءة فقط عند النوم للصغار، ممّا يجعل الكتاب في نظر الطفل بمثابة منوّم لا غير، وهذا يعرّض العلاقة بالكتاب للتضعضع، فالكتاب بالنسبة للطفل كاللعبة تماماً، وتشير الكاتبة إلى أنّ الطفل لا يحبّ الصوت الرتيب بل أنّه ينجذب لمسرحة الحكاية أي أنْ يترافق السرد مع تعابير الوجه وإشارات اليد, ولذا تتوقّف الكاتبة طويلا عند "الحكواتي" الذي استعاد حيويّته في الغرب، في المدارس ومراكز الترفيه. وللحكواتي مساهمات كبيرة، اليوم، في إيقاف تدهور القراءة. وترى أنّ على الأهل أن يذعنوا لرغبات أبنائهم في القراءة، وتنمية حسّ الاختيار عندهم من خلال الطلب منهم بإحضار القصّة أو الألبوم الذي يودّون سماعه بأنفسهم.
كلّ الأهل يحبّون رؤية أولادهم على صلة طيّبة مع القراءة. وأغلب الناس حاليّاً يشكون من ضمور ساعات القراءة، بسبب دخول منافسين أشدّاء للكتاب إلى عالم التسلية والمعرفة وتزجية أوقات الفراغ، من تلفزيون وألعاب الكترونيّة وانترنت، وكلّها مغرية وجذّابة غير أنّها لا تحلّ معرفيّاً محلّ الكتاب، لأنّ العلاقة بها سلبيّة إلى حدّ ما، ويصعب ضبطها لأنها ساحرة إلى حدّ سلب الإرادة.
وتخصّص فصْلاً لمنْ لا يحبّون القراءة. ماذا تفعل أمام طفل من صلبك يقول لك لا أحبّ القراءة أو أكره الكتاب. كيف تبني علاقة مع ولد مبتوت الصلة مع الكتاب لا يرى فيه إلاّ امتداداً قاحلاً لمقرّرات المدرسة البغيضة؟ المؤلّفة لا تيأس، فهي بارعة في إيجاد الحلول، فتقول علينا بالتسلّل إليه من باب هوايته، أي أن نحوّل هوايته إلى ما يشبه حصان طروادة.
الكاتبة خبيرة، وعلى صلة بطرائق تجعل حتّى الذي لم يفكر طوال حياته في القراءة أن يعيد حساباته. كما أنّ الكاتبة تتناول دور الأهل وأمناء المكتبات والمدارس والبلديّات ودور النشر والرسّامين في تأسيس الشغف بالقراءة. فالكتاب ليس صنيعة كاتب واحد. وتوليد الرغبة في القراءة ليس من اختصاص فرد، فهو عمل جماعيّ. ولا تكتفي الكاتبة بمعالجة مضمون الكتاب لأنها تدرك نصيب الشكل في الترغيب بالقراءة، فالورق والألوان والأحجام كلّها موادّ تحول الشكل عنصر جذب بل هي جزء من شخصيّة الكتاب.
فالطفل الذي لا يفكّ الحرف يفتن بالألوان، بتلك البقع الزاهية المضيئة التي تنبت من صفحات الكتاب، بل رائحة الورق أيضا لها اعتبار في توليد علاقة مع الكتاب. والرضيع وهو ابن شهرين له كتبه الخاصة كما له ألعابه الخاصّة، وتصير كتبه تشبه المكعبات الملوّنة التي يلعب بها أو تصير رفيقا له كدبدوبه. وثمّة كتب بحجم الأطفال أي الكتب العملاقة، حيث الصور تكون بحجم طبيعيّ، هنا تتحوّل شخصية البطل إلى صديق من جيل الطفل وحجمه. وتقول المؤلفة إنّ الكلمات التي تتسرّب إلى أذن الرضيع وهو في حضن أمّه وتأملاته في الصور تختزن كذكريات ورغبات وتصير بذوراً معرفيّة تنمو معه وتذوب في لاوعيه. وتذكر الكاتبة قصّة جدّة أهدت حفيدها الوليد كتاباً، وبعد شهر تتّصل بها ابنتها لتخبرها عن عشق حفيدها للكتاب، تعتبر الجدة أنّ كلام ابنتها ضرب من المبالغات العاطفيّة، ولكم كانت المفاجأة حين التقت بحفيدها ووجدته يتأمل الصور، وهو مسرور بوجود الكتاب إلى جانبه. وتحكي كيف أنّ مدينة كيتني في فرنسا تقيم معرضاً خاصاً بكتب الأطفال الرضّع. وتقول الكاتبة إنّ علاقة الصغار مع الكتاب مختلفة عن علاقة الكبار بل أكثر حميميّة لأنّ الطفل يستعمل كلّ حواسه من شمّ ولمس ونظر وسمع وذوق، ألا يضع الطفل طرف الكتاب في فمه؟ لأنّ الكتاب بالنسبة له ليس كتاباً، انه لعبة ملونة بالصور والحكايات والمذاقات.
إنّ الأمّ وهي تقرأ قصّة لوليدها تكون كمن يقوم بإعطاء هديّة صوتية مغلّفة بالحنان، وترى الكاتبة أنْ لا بدّ، في السنوات الأولى في المدرسة، من أن تنتقل الكتب من البيت إلى المدرسة ومن المدرسة إلى البيت، أي ان القصّة تتحوّل إلى همزة وصل ماتعة بين الصفّ والبيت لتشاركه العيش في أجوائه المختلفة.وحين يصل الولد إلى سن السابعة يحتاج لتعزيز القراءة إلى ان يستمرّ الأهل في مشاركته القراءة، لان نبتة القراءة لا تزال هشّة وطريّة.
وتحكي كيف أنّ الكتاب يمكنه حلّ المشاكل، فتسرد قصّة طفل في الثانية من عمره رفض الذهاب إلى الحضانة فعرضت عليه أمّه أن يرافقه كتابه المفضّل فوافق.ويقول عالم النفس فينكوت أنّ الكتاب، هنا، أشبه ببيت صغير، بيت مجازي يعوّضه، بشكل من الأشكال، عن البيت.
ومعروف أنّ الفارق بين اللغة اليومية ولغة الكتب موجود في كل اللغات، ومن هنا فإن الكتاب يكون بمثابة تعريف بأنماط لغوية جديدة.وتعرف الكاتبة ان الكتب الأدبية تلعب بالكلام، والطفل مفطور على حبّ الإيقاع والقافية، ويطرب للجناس والسجع، وغيرها من الأمور الصوتيّة التي تمتّن لديه العلاقة بين اللغة والموسيقى، كما ان القراءة الباكرة تدرّب الولد ليس فقط على فكّ الحرف وإنّما أيضا على الاستباق وحسّ التوقع بالكلمة التي سوف تأتي بعد الكلمة التي يسمعها، بمعنى أنها ترسّخ عنده أشكال تركيب الجملة.
كما ان أغلب الأطفال الذين لا يرون أهلهم يقرأون أو ليس في بيتهم اهتمام بالقراءة يعانون في المدرسة من تعلّم الحروف، وامتلاك الفوارق بين المتشابهات الصوتيّة.
وتشير الكاتبة إلى الأخطار التي تترصّد القراءة منها تلفزيون الواقع، فالأولاد الذين يعشقون هذا الفنان أو ذاك يتماهون به، وحين لا يرونه يحمل كتاباً، تسقط إلى حدّ ما قيمة الكتاب من نظرهم. ترى ألا ترتفع نسبة القراءة في عالمنا العربيّ لو أنّ هيفاء وهبة مثلاً أو روبي أو نانسي عجرم أو غيرهن قمن ببرامج تشجيعية للقراءة ؟!
وتتكلّم الكاتبة على تجربة قامت بها مدينة ستان الفرنسية، حيث خصّصت البلديّة ميزانيّة ضخمة لإدخال الصغار إلى عالم القراءة. فأخذت مجموعة من الأولاد تتراوح أعمارهم بين "6 و12 سنة "إلى مركز ترفيهيّ، حيث الألعاب بكل أشكالها إلى جانب الكتب المختلفة الأحجام والألوان، وزرعت الكتب في كلّ مكان: في المطبخ، في غرف النوم، في حديقة المركز. كانت النتيجة في هذا الجوّ العابق بالكتب الملوّنة والمصوّرة مذهلة إذ حتى الذين لا يحبّون الكتب وقعوا في شرك المتعة، وتحدّد الكاتبة أنّ المركز الترفيهي كان يخلو من التلفزيون.
لا بدّ من حسن اختيار الكتب للأطفال لأنّ وظيفة الكتاب ليست تسلوية فقط وإنّما لها دور علاجيّ، من الخوف، من الإحساس باليتم، من الشعور بالغربة. فطفل خلاسيّ لا بدّ انّه يشعر بنوع من الأحاسيس مغايرة لمن هو من أبوين من عرق واحد وعليه فإنّ سماعه لحكايات عن أبناء الزواج المختلط تجعله يستوعب حالته الخاصّة.
وتعتبر الكاتبة أنْ لا بدّ، في زمن انفتاح العالم على بعضه بعضاً، من تنويع مصادر قصص الأطفال وتستشهد بكلام لجان بيرو يقول فيه " لا يمكن لأوروبا ان تحقّق ذاتها إلا بقراءة الأدب الأجنبيّ".
وتشير إلى ما يجري في بعض المدن البريطانيّة من تخصيص يوم من كلّ شهر للكتاب.لا تلفزيون ولا فيديو ولا سينما، كتب فقط، فترى الكتاب منتشراً في محلات البقالة وعند اللحامين وفي الأفران.وتلحظ المؤلّفة أنّ هذا اليوم الاحتفاليّ أعطى نتائج قرائيّة جيّدة.
وتنهي رولاند كوس كتابها بكلمة لألبيرتو مانغويل صاحب الكتاب الفاتن" تاريخ القراءة" يقول فيها: "إنّ القارىء المثاليّ يشعر، وهو يطوي الصفحة الأخيرة من كتاب، أنّ العالم، لو لم يقرأه، كان أكثر فقراً ".
ليس للقراءة عمر، قد يقرأ الولد وهو في الحضانة، أي أنّه بإمكانه أن يقرأ حتى قبل أن يفكّ الحرف. فالكلمات تتحوّل في أذن الرضيع وهو في حضن أمّه إلى ما يشبه الهزّازة، والأنغام. وتقول الكاتبة لا بدّ من أن يكون للطفل مكتبة في غرفته لأنّ وجودها ذو تأثير خلاّب على حواسّه، فالألبومات اليوم بصورها البرّاقة، تثير الطفل، وثمّة كتب تتناول حياته الشخصيّة، أو أشياء مألوفة لديه كألبومات عن البيت وأشيائه والشارع، والحدائق. وتقول الكاتبة إنّ صور الألبومات يقوم برسمها فنانون موهوبون، أصحاب نظرة جماليّة للحياة، ممّا يعني أنّ الطفل يتدرّب منذ نعومة أظفاره على امتلاك الحسّ الجماليّ، والاهتمام بالتفاصيل ممّا يسهّل عليه فيما بعد قراءة الصور واللوحات الفنيّة بخبرة العارفين، وتقول الكاتبة إنّ نظرة من تشبّع في طفولته من الكتب المصوّرة مغايرة وتظهر حسناتها في رحلاته إلى المتاحف.وتلفت الكاتبة إلى عادة سيّئة وهي القراءة فقط عند النوم للصغار، ممّا يجعل الكتاب في نظر الطفل بمثابة منوّم لا غير، وهذا يعرّض العلاقة بالكتاب للتضعضع، فالكتاب بالنسبة للطفل كاللعبة تماماً، وتشير الكاتبة إلى أنّ الطفل لا يحبّ الصوت الرتيب بل أنّه ينجذب لمسرحة الحكاية أي أنْ يترافق السرد مع تعابير الوجه وإشارات اليد, ولذا تتوقّف الكاتبة طويلا عند "الحكواتي" الذي استعاد حيويّته في الغرب، في المدارس ومراكز الترفيه. وللحكواتي مساهمات كبيرة، اليوم، في إيقاف تدهور القراءة. وترى أنّ على الأهل أن يذعنوا لرغبات أبنائهم في القراءة، وتنمية حسّ الاختيار عندهم من خلال الطلب منهم بإحضار القصّة أو الألبوم الذي يودّون سماعه بأنفسهم.
كلّ الأهل يحبّون رؤية أولادهم على صلة طيّبة مع القراءة. وأغلب الناس حاليّاً يشكون من ضمور ساعات القراءة، بسبب دخول منافسين أشدّاء للكتاب إلى عالم التسلية والمعرفة وتزجية أوقات الفراغ، من تلفزيون وألعاب الكترونيّة وانترنت، وكلّها مغرية وجذّابة غير أنّها لا تحلّ معرفيّاً محلّ الكتاب، لأنّ العلاقة بها سلبيّة إلى حدّ ما، ويصعب ضبطها لأنها ساحرة إلى حدّ سلب الإرادة.
وتخصّص فصْلاً لمنْ لا يحبّون القراءة. ماذا تفعل أمام طفل من صلبك يقول لك لا أحبّ القراءة أو أكره الكتاب. كيف تبني علاقة مع ولد مبتوت الصلة مع الكتاب لا يرى فيه إلاّ امتداداً قاحلاً لمقرّرات المدرسة البغيضة؟ المؤلّفة لا تيأس، فهي بارعة في إيجاد الحلول، فتقول علينا بالتسلّل إليه من باب هوايته، أي أن نحوّل هوايته إلى ما يشبه حصان طروادة.
الكاتبة خبيرة، وعلى صلة بطرائق تجعل حتّى الذي لم يفكر طوال حياته في القراءة أن يعيد حساباته. كما أنّ الكاتبة تتناول دور الأهل وأمناء المكتبات والمدارس والبلديّات ودور النشر والرسّامين في تأسيس الشغف بالقراءة. فالكتاب ليس صنيعة كاتب واحد. وتوليد الرغبة في القراءة ليس من اختصاص فرد، فهو عمل جماعيّ. ولا تكتفي الكاتبة بمعالجة مضمون الكتاب لأنها تدرك نصيب الشكل في الترغيب بالقراءة، فالورق والألوان والأحجام كلّها موادّ تحول الشكل عنصر جذب بل هي جزء من شخصيّة الكتاب.
فالطفل الذي لا يفكّ الحرف يفتن بالألوان، بتلك البقع الزاهية المضيئة التي تنبت من صفحات الكتاب، بل رائحة الورق أيضا لها اعتبار في توليد علاقة مع الكتاب. والرضيع وهو ابن شهرين له كتبه الخاصة كما له ألعابه الخاصّة، وتصير كتبه تشبه المكعبات الملوّنة التي يلعب بها أو تصير رفيقا له كدبدوبه. وثمّة كتب بحجم الأطفال أي الكتب العملاقة، حيث الصور تكون بحجم طبيعيّ، هنا تتحوّل شخصية البطل إلى صديق من جيل الطفل وحجمه. وتقول المؤلفة إنّ الكلمات التي تتسرّب إلى أذن الرضيع وهو في حضن أمّه وتأملاته في الصور تختزن كذكريات ورغبات وتصير بذوراً معرفيّة تنمو معه وتذوب في لاوعيه. وتذكر الكاتبة قصّة جدّة أهدت حفيدها الوليد كتاباً، وبعد شهر تتّصل بها ابنتها لتخبرها عن عشق حفيدها للكتاب، تعتبر الجدة أنّ كلام ابنتها ضرب من المبالغات العاطفيّة، ولكم كانت المفاجأة حين التقت بحفيدها ووجدته يتأمل الصور، وهو مسرور بوجود الكتاب إلى جانبه. وتحكي كيف أنّ مدينة كيتني في فرنسا تقيم معرضاً خاصاً بكتب الأطفال الرضّع. وتقول الكاتبة إنّ علاقة الصغار مع الكتاب مختلفة عن علاقة الكبار بل أكثر حميميّة لأنّ الطفل يستعمل كلّ حواسه من شمّ ولمس ونظر وسمع وذوق، ألا يضع الطفل طرف الكتاب في فمه؟ لأنّ الكتاب بالنسبة له ليس كتاباً، انه لعبة ملونة بالصور والحكايات والمذاقات.
إنّ الأمّ وهي تقرأ قصّة لوليدها تكون كمن يقوم بإعطاء هديّة صوتية مغلّفة بالحنان، وترى الكاتبة أنْ لا بدّ، في السنوات الأولى في المدرسة، من أن تنتقل الكتب من البيت إلى المدرسة ومن المدرسة إلى البيت، أي ان القصّة تتحوّل إلى همزة وصل ماتعة بين الصفّ والبيت لتشاركه العيش في أجوائه المختلفة.وحين يصل الولد إلى سن السابعة يحتاج لتعزيز القراءة إلى ان يستمرّ الأهل في مشاركته القراءة، لان نبتة القراءة لا تزال هشّة وطريّة.
وتحكي كيف أنّ الكتاب يمكنه حلّ المشاكل، فتسرد قصّة طفل في الثانية من عمره رفض الذهاب إلى الحضانة فعرضت عليه أمّه أن يرافقه كتابه المفضّل فوافق.ويقول عالم النفس فينكوت أنّ الكتاب، هنا، أشبه ببيت صغير، بيت مجازي يعوّضه، بشكل من الأشكال، عن البيت.
ومعروف أنّ الفارق بين اللغة اليومية ولغة الكتب موجود في كل اللغات، ومن هنا فإن الكتاب يكون بمثابة تعريف بأنماط لغوية جديدة.وتعرف الكاتبة ان الكتب الأدبية تلعب بالكلام، والطفل مفطور على حبّ الإيقاع والقافية، ويطرب للجناس والسجع، وغيرها من الأمور الصوتيّة التي تمتّن لديه العلاقة بين اللغة والموسيقى، كما ان القراءة الباكرة تدرّب الولد ليس فقط على فكّ الحرف وإنّما أيضا على الاستباق وحسّ التوقع بالكلمة التي سوف تأتي بعد الكلمة التي يسمعها، بمعنى أنها ترسّخ عنده أشكال تركيب الجملة.
كما ان أغلب الأطفال الذين لا يرون أهلهم يقرأون أو ليس في بيتهم اهتمام بالقراءة يعانون في المدرسة من تعلّم الحروف، وامتلاك الفوارق بين المتشابهات الصوتيّة.
وتشير الكاتبة إلى الأخطار التي تترصّد القراءة منها تلفزيون الواقع، فالأولاد الذين يعشقون هذا الفنان أو ذاك يتماهون به، وحين لا يرونه يحمل كتاباً، تسقط إلى حدّ ما قيمة الكتاب من نظرهم. ترى ألا ترتفع نسبة القراءة في عالمنا العربيّ لو أنّ هيفاء وهبة مثلاً أو روبي أو نانسي عجرم أو غيرهن قمن ببرامج تشجيعية للقراءة ؟!
وتتكلّم الكاتبة على تجربة قامت بها مدينة ستان الفرنسية، حيث خصّصت البلديّة ميزانيّة ضخمة لإدخال الصغار إلى عالم القراءة. فأخذت مجموعة من الأولاد تتراوح أعمارهم بين "6 و12 سنة "إلى مركز ترفيهيّ، حيث الألعاب بكل أشكالها إلى جانب الكتب المختلفة الأحجام والألوان، وزرعت الكتب في كلّ مكان: في المطبخ، في غرف النوم، في حديقة المركز. كانت النتيجة في هذا الجوّ العابق بالكتب الملوّنة والمصوّرة مذهلة إذ حتى الذين لا يحبّون الكتب وقعوا في شرك المتعة، وتحدّد الكاتبة أنّ المركز الترفيهي كان يخلو من التلفزيون.
لا بدّ من حسن اختيار الكتب للأطفال لأنّ وظيفة الكتاب ليست تسلوية فقط وإنّما لها دور علاجيّ، من الخوف، من الإحساس باليتم، من الشعور بالغربة. فطفل خلاسيّ لا بدّ انّه يشعر بنوع من الأحاسيس مغايرة لمن هو من أبوين من عرق واحد وعليه فإنّ سماعه لحكايات عن أبناء الزواج المختلط تجعله يستوعب حالته الخاصّة.
وتعتبر الكاتبة أنْ لا بدّ، في زمن انفتاح العالم على بعضه بعضاً، من تنويع مصادر قصص الأطفال وتستشهد بكلام لجان بيرو يقول فيه " لا يمكن لأوروبا ان تحقّق ذاتها إلا بقراءة الأدب الأجنبيّ".
وتشير إلى ما يجري في بعض المدن البريطانيّة من تخصيص يوم من كلّ شهر للكتاب.لا تلفزيون ولا فيديو ولا سينما، كتب فقط، فترى الكتاب منتشراً في محلات البقالة وعند اللحامين وفي الأفران.وتلحظ المؤلّفة أنّ هذا اليوم الاحتفاليّ أعطى نتائج قرائيّة جيّدة.
وتنهي رولاند كوس كتابها بكلمة لألبيرتو مانغويل صاحب الكتاب الفاتن" تاريخ القراءة" يقول فيها: "إنّ القارىء المثاليّ يشعر، وهو يطوي الصفحة الأخيرة من كتاب، أنّ العالم، لو لم يقرأه، كان أكثر فقراً ".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق