قرأت عن فيروس رقمي اسمه
" سترنكنهوايت"، وهو يغار على اللغة الانكليزية، وغير راض عن الأخطاء
اللغوية الكثيرة التي يراها تسرح وتمرح على هواها في صفحات الانترنت. فقرر ان يمنع
كلّ رسالة ترسل بالبريد الإلكتروني من الوصول الى المرسل إليه في حال كان فيها
أخطاء لغوية. حارس رقميّ متشدد يسهر على راحة الكلمات والتراكيب. لم يكتفِ
هذا الفيروس بالجانب اللغويّ بل هو لا يتقبل ارتكاب الأخطاء في علامات الترقيم،
يعيد الرسالة إلى صاحبها طالبا منه تصحيح رسالته مع إعلامه بأماكن الخطأ. مدقق
لغوي غريب الأطوار، قرصان يستثمر مقدرته في الدفاع عن اللغة الانكليزية. وماذا لو قام عربيّ بليغ
لغويا ورقميا بعمل برنامج عربي ينشر حواجزه الرقمية الطيّارة في فضاء الآنترنت
ويمنع أي رسالة عربية غير مطابقة لمواصفات النحو من العبور ويعيدها القهقرى إلى
صاحبها؟
فلترة رقمية
هناك برامج فلترة رقمية
تتعامل مع اللغة بطريقة غريبة. وعادة ما تستعمل هذه الفلاتر أو المرشّحات أو
المصفِّيات لإبعاد المواقع الإباحية عن العيون وهي تنبت كالفطر. ولكن كيف تتعامل
هذه المرشحات التي تملك معجماً بالكلمات المحظورة مع الكلمات؟ سآخذ مثالا واحدا
يعطي فكرة عن ذلك. كلمة analysis كلمة لا غبار عاليها
لغوياً، وليس في معناها ما يوحي بأنها كلمة خارجة على قانون الأخلاق، ولكن المرشح لا يعتبرها من الكلمات اللائقة
ويقوم بحذفها وذلك أنه رأى في حروفها الأربعة الأولى كلمة تخدش بشرة الحياء الرقيقة أو يخلّ بالآداب
وهي كلمة anal أي
الشرج.
عمليا كلمات كثيرة في كل
لغات العالم تكون في منتهى الأخلاقية ولكن إذا نظرت إلى مقاطعها مقطعا مقطعا تكتشف
أن مقاطعها ليست أكثر من كلمات نابية. هناك برامج " حنبليّة"! ماذا يكون
مصير كلمات كثيرة حين تقع بين يدي هذا الجلاّد اللغويّ، والرقيب العتيّ الذي لا
يرحم ولا يحترم أصول تكوين الكلمات. لا ريب في أنّ الحاسوب يحتاج إلى فتّ خبز كثير
حتى يستوعب أشياء كثيرة من عالم اللغة، فحتّى غوغل محرّك البحث الأضخم لا يزال يقع
في فخاخ اللغة، ليس من السهل الانتصار في كلّ الميادين على اللغة، وربّما السبب
كما يقول علماء اللغة وعلماء الذكاء
الاصطناعيّ هو الكذب، فالكمبيوتر لا يكذب، ولا يعرف أن يكذب، ولا بدّ من إيجاد
طريقة لتلقينه فنون الكذب! وأيّ دور للكذب في المجال اللغويّ؟ نعرف أنّ الحقيقة
حقيقتان على الأقلّ، والحقيقة في المجال اللغويّ لها حافظ أمين هو المجاز، فالمجاز
عكس الحقيقة بقدر ما الكذب عكس الحقيقة. وعليه فالحقيقة يحيط بها الكذب كما يحيط
بها المجاز. ومن لا تزال الترجمة الآلية تحتاج إلى مرشد بشريّ لأنّها لم تبلغ بعد
سنّ الرشد. يتبلبل ذهن " الخوارزميّات" حين تضعها على المحكّ مع عالم
اللغة المفتوح على شتّى أنواع المجازات والاستعارات.
هناك كلمات عربية كثيرة
بحكم الميتة في اللغة العربية ، ولكنها حيّة ترزق في لغات غير عربية: إسبانية،
ايطالية، برتغالية، فرنسية، انكليزية...
مصير كتاب
الكتاب حين يخرج من المطبعة ينفصل عن كاتبه،
تصير له حياته الشخصية، تجربته الشخصية، وعلاقات لا يعرف عنها الكاتب شيئا. أي
كاتب يستطيع أن يدّعي انه يعرف سيرة حياة كتابه؟
أين ذهب، مع من تغدّى،
على أي طاولة استراح، كيف قضى ليلته الأولى؟ مع من اقتناه؟ الى اي بلد راح مهاجرا؟
والى اي ابجدية التجأ. هل كان يخطر ببال المتنبي انه سيولد في الصين شخص يحبّ
العرب، فقرر ان يتخصص في العربية، ويكتب عن العرب ويترجم مجموعة من القصائد إلى
اللغة الصينية ومنها قصائد للمتني مثلا؟ حتّى غوغل لا يدّعي انه يعرف سير الكتب
التي تملأ صفحاته. حياة الكتاب تؤمن بتقمص الأرواح. وهل الترجمة غير شكل من اشكال
التقمّص؟ تخلع الكلمات الفاظها وترتدي أبجديات لا يعلمها كاتب الكتاب، ولا يحسن
التعامل معها.
ما هي ردّة فعل نجيب
محفوظ رحمه الله وهو يرى مثلا كتابه المترجم الى اليابانية حين يقع بين يديه، هل
هو كتابه؟ أليس من المضحك مثلا ان يقع كتاب كاتب بين يديه كتبه كلمة كلمة ولكن
يجهل ان يقرأ منه كلمة لأنه يعود اليه من لغة مجهولة؟ لا اعرف ما هي ردّة فعل
الكاتب حين يقع بين يديه كتابه وقد ترجم الى لغة لا يعرف كوعها من بوعها! شعور
غريب ومريب. يكتشف الكاتب انه يجهل كلّ ما يعرف. يتحوّل إلى اميّ لا يألف الألف من
العصا! بين يدي كتاب كتبه بيديه, فسبحان
من جعل من اللغات آيات !
eBay
اللغات التي تستعمل الحرف
اللاتيني تملك فرصة لا تملكها العربية ( ولكن هذا لا يعني ان العربية لا تملك فرصا
كثيرة) وهي استخدام الحرف الكبير (M) والحرف الصغير. (m)، ولكلّ حرف شروط استخدام
ووظائف استخدام.
الحرف الكبير يكتب في اول
الجملة، او يبدأ به اسم العلم، لكن الحاسوب نسف قواعد كتابية راسخة كثيرة،
وأميركا، على التحديد، امة تحب المغامرة والمبادرة، وهل اميركا غير
ثمرة من ثمرات المغامرات الكولومبية؟
وضعت عنوانا لهذه الفقرة
عبارة بالحرف اللاتيني وهي اسم موقع مبيعات شهير، ولكن لا لأتكّلم على عبقرية
منشئه في ميدان التسويق وتوليد الأفكار وإنما لسبب لغويّ حيث نلحظ ان الكلمة
eBay
بدأت بحرف صغير بخلاف الشائع والمألوف وثنّت بحرف كبير، وكذلك اسم الموقع التالي linkedIn
حيث نلحظ ان الحرف ما قبل الأخير (I) كتب بالحجم الكبير بخلاف تقاليد
الكتابة. ثقافة الدوت كوم غيّرت من علاقة الأصابع بكتابة الحروف وقواعد
كتابية كثيرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق