الخميس، 10 مارس 2022

اللغة والدماغ

 


لا شيء يضاهي معرفة الدماغ فتنة، وعبارة " معرفة الدماغ" فيها الكثير من التهوّر ،


 فحتّى اكبر علماء الأعصاب والدماغ يعرفون تماماً أنّ معرفتهم بالدماغ لا تزال عامرة بالنقص...

فالإنسان يكتشف الدماغ، وهو في مرحلة التعرّف على الدماغ.. وفكّ لغازه وأسراره لغزا لغزا، وسرا سرا، ولا يزال في جعبة الدماغ الكثير من الأسرار... ومن حسن حظ من يعيش في هذا الزمن أنّه صار بإمكانه أن يرى الدماغ وهو يعمل عن طريق التصوير بالرنين الوظيفيّ..

كنت أقرأ شيئاً عن الدماغ في كتاب دانيال بينك : عقل جديد كامل، وهو كتاب يفتح الشهيّة على التأمّل وتوليد الخواطر، واستوقفتني نقطة لغوية ، ولكن كلّ نقطة لغوية هي أيضاً نقطة غير لغويّة، نقطة سلوكية او شعوريّة، فالكلام يؤثر في السلوك، والتعابير التي تجسّد ذلك كثيرة، منها: "كلمة تحنّن، وكلمة تجنّن" ، والكلمة كالسكّين تجرح.

كيف يتعامل الدماغ مع اللغة؟

كيف يتعامل الشقّ الأيسر؟

كيف يتعامل الشقّ الأيمن؟

الشقّ الأيسر وهو الشقّ اللغويّ بامتياز، ولكن ماذا يحدث للكلام إن لم يشارك الشقّ الأيمن في العملية اللغوية؟

أخذ الكاتب مشهداً بسيطا من حياة الناس اليومية، لتفصيل مسألة فهم العبارة، وهو:

" افترض انك انت وزوجتك كنتما تعدان العشاء في ليلة ما، وافترض ايضا انه في منتصف عملية التحضير اكتشفت زوجتك انك نسيت شراء اهم مكون في طعام العشاء، ثم افؤض ان زوجتك عندئذ قد أمسكت بمفاتيح السيارة وعلى وجهها علامات الضيق والاستياء، ثم قالت وهي ترمقك بنظرة قاسية:" أنا ذاهبة إلى المتجر" ان كل من له عقل سليم كان سيفهم أمرين من تلك الكلمات التي زوجتك. الأول غنها سوف تتوجه الى السوبر ماركت، والثاني انها غاضبة ومستاءة جدا.

ان نصف كرة مخك الأيسر هو الذي اكتشف الجزء الأول. بمعنى انه قد فك شفرة كلمات الجملة التي قالتها زوجتك، وتعرف على بناء هذه الجملةن وتوصل بالتالي الى معناها الحرفي، ولكن نصف كرة مخك الأيمن قد أدرك الوجه الثاني من الحوار، بمعنى انه بمعنى أنه قد أدرك ان تلك الكلمات التي بدت محايدة تماما " أنا ذاهبة الى المتجر" لم تكن محايدة على الإطلاق ، فالنظرة الشرسة في عينيها، ونبرة صوتها القاسية تشيران الى غضبها واستيائها. "

  ولو لم يتدخّل الشق الأيمن لغاب المعنى العميق للعبارة. يحدث أن يصاب أحد شقي الدماغ بعطب، فيهم شقّ من المعنى ويغيب شق آخر. ففي حال العطب كان من نصيب الشق الأيسر سوف يلاحظ غضب زوجته ولكنه لن يعرف إلى أين هي ذاهبة. 

قرأت ذات يوم عن الدماغ المشطور، وهو حالة يعالج بها الصرع، أو قد يولد المرء دون تلك الوصلات أو الجسور بين شقّي الدماغ فتولد مشاهد موجعة وسرياليّة في آن... وكنت قد نشرت هذه النقطة في كتابي الكتابة على جلدة الرأس...

علاقتنا مع اللغة ليست علاقة كلمات فقط، بل سياقات ونغمات ونبرات ومشاعر ومواقف ، وهذه كلّها يقبض بزمامها الشقّ الأيمن من الدماغ...

للشقّ الأيسر حقيقة اللغة،  وللشقّ الأيمن مجازاتها...

وهل بمقدور حقيقة لغوية أن تعيش لولا بركة المجاز، وأوكسجين المجاز؟؟؟


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق