الخميس، 14 مارس 2013

حسين شبكشي كتب عن ستيف جوبز

شكرا ستيف جوبز!

في خضم الأحداث المتتالية عالميا.. ثورات عربية مشتعلة، وأسعار ذهب متصاعدة، وأسعار سلع أخرى بما فيها النفط تواصل ارتفاعها.. كساد اقتصادي غير عادي يهز أوروبا والولايات المتحدة ويتسبب في أزمات بطالة غير مسبوقة، وتذبذب وتقلبات حادة في البورصات العالمية، وخلل واضح في أسعار العملات.. كادت هذه الأحداث وغيرها تغطي على الخبر الأهم في اعتقادي من الناحية الاقتصادية خلال الأيام القليلة الماضية وهو استقالة الأميركي ستيف جوبز من منصبه التنفيذي بوصفه رئيسا لشركة «آبل» العملاقة للتقنية بعد سنوات مهمة من النجاحات والإنجازات المبهرة واللافتة. استقبل عالم الأعمال هذا الخبر بحزن وفخر ممزوجين؛ حزن لأن ستيف جوبز يترك هذا المنصب لظروف صحية حادة وهو يحارب مرض السرطان الخبيث ولا يزال قادرا على العطاء في منتصف الخمسينات من عمره وهو على رأس عمله وفي قمة عطائه، وفخر نتاج النتائج والإنجازات الهائلة التي حققها ستيف جوبز في حياته المهنية.. الرجل الذي لم يجعل من استخدام آلة الحاسب الآلي مسألة أكثر بساطة فحسب؛ بل وظف التقنية لتكون عاملا في جعل الحياة أبسط في ما يخص الترفيه والتعليم والتطوير والبحث والتواصل والاتصال، وكل ذلك بأسلوب بسيط وغير تقليدي. كان رجلا بسيط الهندام والمظهر لم يغير هندامه لسنوات طويلة؛ بنطال من الجينز، وكنزة سوداء بعنق، وحذاء رياضي أبيض، ونظارة معدنية مستديرة. كان دوما يعتقد أن «المضمون» الذي سيقدمه أهم من المظهر والشكل الذي سيظهر به وعليه. كانت محاضراته وعروضه مضربا للأمثال لما فيها من دقة وجودة وإتقان.. بساطة في الأسلوب واللغة، ولكن وضوح تام في الرسالة والهدف، مما جعل خبراء التواصل والعلاقات العامة يؤلفون الكتب عن أسلوب ستيف جوبز في التواصل والاتصال (ناهيك طبعا عن كتب أخرى حول الرجل في القيادة والإدارة والاستراتيجية، التي برع فيها جميعا). كان لدى ستيف جوبز هوس هستيري بدقائق التفاصيل، وهذا هو الذي جعل «آبل» الشركة التي هي عليها الآن.. كل منتجات الشركة كانت تعيد تقييم مكانة المنتج، فـ«الماك»، وهو اسم التدليل للحاساب الآلي الذي تنتجه الشركة، أعاد اكتشاف جهاز الحاسب الآلي، وأجبر غريمه اللدود بيل غيتس رئيس شركة «مايكروسوفت» العملاقة السابق على أن «يبسط» من نظامه التشغيلي حتى «سوق» النظام التشغيلي الخاص بـ«آبل» ليكون به «ويندوز»، كما هي معروفة القصة للكثيرين. وحتى الموسيقى اليوم باتت لها وسيلة استماع مختلفة عن طريق الخيار الحر الذي يوفره جهاز «آي بود» الذي مكن العالم من أن يختار ما يستمع إليه من قصص وموسيقى وقرآن بشكل حر وسهل، وطبعا كان دخوله المليء بالمجازفة لعالم الاتصالات وإنزاله للسوق منتجا جديدا تماما وهو «آي فون» ليصبح «ضربة معلم» بامتياز ويحتار المنافسون كيف يقلدونه وهم يرونه يلتهم من حصص السوق من عمالقة مثل «نوكيا» و«سوني» و«إريكسون» و«موتورلا»، حتى الـ«بلاك بيري» نفسها؛ الشركة العملاقة في مجال الهواتف الذكية، تترنح بشدة بسبب خسارتها حصص سوق هائلة جراء نجاح «آي فون» وإقبال العالم عليه بشهية ونهم. وطبعا تواصل نجاح ستيف جوبز بـ«هديته» الجديدة وهي جهاز الكومبيوتر اللوحي، أو كما يعرف بـ«آي باد». وأنا شخصيا رأيت بنفسي هذا النجاح وأنا أشاهد بدهشة ابنتي ذات الخمس سنوات وصديقا لوالدي أيضا سبعيني العمر، كلاهما يستخدمه بسهولة ويسر وإعجاب، فأدركت أنني أمام منتج عابر للأجيال والزمن. كنت مرة مع صديق من الغرب أتناول القهوة، وقلت له: «لم يعد ساستكم يبهروننا ولا يعجبوننا، فهم مليئون بالازدواجية والظلم، ولكن ما دام أنكم قادرون في مجتمعاتكم على إنتاج أمثال ستيف جوبز فأنتم ستحصلون على انتباه الشباب عندنا». شكرا ستيف جوبز لقد كانت رحلة شائقة ومثيرة!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق