الأربعاء، 6 مارس 2013

اليوم العالمي للغة العربية

. محمد عبد المطلب

في عام 1973 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها العشرين قراراً باعتماد اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية المقررة في الجمعية العامة ولجانها الرئيسية، وفي عام 2010 قررت الاحتفال بالأيام الدولية للغات الرسمية الست المعتمدة لديها، وتبع ذلك أن أصدر المجلس التنفيذي لليونسكو قراراً بأن يكون يوم 18 من ديسمبر/كانون الأول من كل عام يوماً عالمياً للغة العربية.

ولا شك أن قرار الأمم المتحدة واليونسكو كانت له ركائزه من البعد التاريخي لهذه اللغة، بوصفها واحدة من أعرق اللغات السامية، وقد زاد هذا العمق التاريخي سمواً، نزول القرآن الكريم باللغة العربية، وهو ما امتن به الله على العرب في عشر آيات، في مثل قوله تعالى: «كتاب فصلت آياته قرآناً عربياً لقوم يعلمون» (فصلت 3).

وهذا العمق التاريخي والتكريم السماوي انضاف إليه اتساع مساحة المتعاملين بالعربية إلى ما يقرب من أربعمئة وخمسين مليون نسمة يعيشون في العالم العربي، والدول المجاورة، وكثير منهم ينتشرون في كل بقاع الأرض شرقاً وغرباً.

ويتسع انتشار العربية - على نحو من الأنحاء - عندما نتابع علاقتها بالمسلمين في كل أنحاء العالم، وعددهم يقرب من المليار ونصف المليار نسمة، إذ إن صَلاتهم تحتاج إلى بعض الكلمات والجمل العربية، وهو ما يحرضهم على الإلمام بهذه اللغة التي نزل بها القرآن الكريم، فضلاً عن أن هذه اللغة تؤدى بها كثير من الشعائر الكنسية المسيحية.

والحق أن الشعر كان الأسبق في الاحتفاء باللغة العربية، لأن الشعر هو فنها الأول، وتزداد عناية الشعر باللغة عند إحساسه بالمخاطر التي تحيط بها، أو التي تتعرض لها، أو ظهور المنافسات من اللغات الأخرى، ذلك أن الحفاظ على اللغة، هو حفاظ على الهوية، وحفاظ على العمق التاريخي والثقافي للأمة العربية.

وقد كانت نظرة الشعراء القدامى للغة نظرة إعلاء، ومن ثم كان اعتزازهم بصيانتها من اللحن، يقول الشاعر (سويد اليشكري) الذي عاش الجاهلية والإسلام، تـ 60 هـ:

فإن في المجد همّاتي وفي لغتي علويّة، ولساني غير لحان

وفي العصر الحديث يقول أحمد شوقي:

إن الذي ملأ اللغات محاسناً جعل الجمال وسره في الضاد



وينظر حافظ إبراهيم للغة بوصفها ركيزة التلاحم بين أبناء الأمة العربية، ويؤكد هذا التلاحم بين مصر والشام بقوله:

أم اللغات غداة الفخر أمهما وإن سألت عن الآباء فالعرب



وكان الشعراء حريصين على إحاطة العربية بالحب والحماية، يقول الشاعر الفلسطيني (إبراهيم طوقان)

حنوت على أم اللغات فصنتها وكنت لها الصرح المنيع الممردا



أما الشاعر اللبناني (شكيب أرسلان) فيذكر بفضل العربية على أبنائها في قوله:

أدركت في اللغة العرباء منزلة لها على كل فحل كل إدلال



وعندما تتعرض اللغة للخطر يسرع الشعراء منبهين أبناءها إلى ذلك الخطر، ويدقون أجراس الإنذار لإيقاظ الوعي بما تتعرض له الهوية القومية من مخاطر بضياع اللغة، يقول الشاعر اللبناني (سابا رزيق) 1889م منبهاً، وكأنه كان يخترق حاضره إلى المستقبل الذي تعيشه العربية اليوم:

أرى لغة الأجداد في عقر دارها تسام الأذى من كل أحمق أهوج

يـطلقـهـا أبنـاؤها وبـناتــهـا لخطب ولاء الأعجمي المدبــــج



ويحذر الشاعر المصري علي الجارم من ضياع اللغة بقوله:

وحببوا لغة العرب الفصاح لهم فإن في خذلانها للشرق خذلان



لقد جاءت نظرة الشاعر (سابا رزيق) مخترقة الزمن، لأن اللغة العربية تعيش اليوم مأزقاً يهددها بالضياع، فقد فشت العجمة، وانتشر اللحن، وأصبح الجهل بالعربية مجال فخر للمتمسحين بالحداثة والعولمة، ومن ثم يكون من الواجب علينا جميعاً أن نحول الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية إلى سلوك منهجي لحمايتها، ووضعها في مكانها الصحيح من سلم القيم العلمية والتعليمية، فلا حضارة بلا لغة، ولا نهضة بلا لغة، ولا هوية بلا لغة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق