كتبهابلال عبد الهادي ، في 10 نيسان 2011 الساعة: 13:53 م
ومر بعد ذلك في عرض السمر : ما تقلد امرؤ قلادةً أفضل من
سكينة . فقال : ذكرتني شيئاً كنت مهتماً به قديماً ، والآن قرعت إلى بابه ؛ ما
السكينة ؟ فإني أرى أصحابنا يرددون هذا الاسم ولا يبسطون القول فيه . فكان من
الجواب : سألت أبا سليمان عن السكينة ما هي ؟ فقال : السكائن كثيرة : طبيعية ،
ونفسية وعقلية ، وإلهية . ومجموعة من هذه بأنصباء مختلفة ، ومقادير متفاوتة
ومتباعدة . والسكينة الطبيعية اعتدال المزاج بتصالح الأسطقسات ، تحدث به لصاحبه
شارةٌ تسمى الوقار ، ويكون للعقل فيها أثر باد ، وهو زينةالرواء المقبول . والسكينة
النفسية مماثلة الروية للبديهة ، ومواطأة البديهة للروية ، وقصد الغاية بالهيئة
المتناسبة ، يحدث بها لصاحبها سمتٌ ظاهر ورنو دائم وإطراقق لا وجوم معه ، وغيبة لا
غفلة معها ، وشهامة لا طيش فيها . والسكينة العقلية حسن قبول الاستفاضة بنسبة تامة
إلى الإفاضة ؛ ومعنى هذا أن القابل مستغرق بقوة المقبول منه ، وبهذه الحال يحدث
لصاحبها هدى يشتمل على وزن الفكر في طلب الحق مع سكون الأطراف في أنواع الحركات .
والسكينة الإلهية لا عبارة عنها على التحديد ، لأنها كالحلم في الانتباه وكالإشارة
في الحلم ، وليست حلماً ولا انتباهاً في الحقيقة ، لأن هذين نعتان محمودان في عالم
السيلان والتبدل ، جاريان على التخيل والتجوز بزوائد لا ثبات لها ونواقص لا مبالاة
بها ، روحانية في روحانية ، كما يقال : هذا صفو هذا ؛ وهذا صفو الصفو ومن لحظ هذه
الكيفية وبوشر صدره بهذه الحقيقة استغنى عن رسوم محددة بألفٍ ولام ، وحقائق مكنونة
في عرض الكلام ؛ وإذا جهلنا أشياء هي لأهل الأنس بلغات قد فطروا عليها ، وعبارات
أنسوا بها ، كيف نجد السبيل إلى الإفصاح والإشارة إليها . فهذا باب واضح ، والطمع
في نيله نازح ؛ وإذا كان المنال صعباً في الموضع الذي عمدنا إليه ، فكيف يكون حالنا
في البحث عما في حيز الألوهية وبحبوحة الربوبية ، ولا كون هناك ولا ما نسبته للكون
؛ وأقوى ما في أيدينا أن نتعلل بالوجود ، فالموجود والوجدان والجود ، وهذه كلها
غليظة بالإضافة إلينا وفوق الدقيقة بالإضافة إلى أعيانها .فعلى هذا ، الصمت أوجد
للمراد من النطق ، والتسليم أظفر بالبغية من البحث . قال البخاري : فشيء كهذا
بدقيقه وإشكاله ، وغموضه وخفائه ، كيف يظهر على جبلة بشري وبنية طينية وكمية مادية
وكيفية عنصرية ؟ . فقال : يا هذا ، إنما يشع من هذه السكينة على قدر ما استودع
صاحبها من نور العقل ، وقبس النفس ، وهبة الطبيعة ، وصحة المزاج ، وحسن الاختيار
واعتدال الأفعال ، وصلاح العادة ، وصحة الفكرة ، وصواب القول ، وطهارة السر
ومساواته للعلانية ، وغلبته بالتوحد ، وانتظام كل صادر منه ووارد عليه . وها هنا
تمحى الجبلة البشرية ، وتتبدد الجبلة الطينية ، وتبيد الكمية المادية وتعفو الكيفية
العنصرية ، ويكون السلطان والولاية والتصريف والسياسة كلها لتلك السكينة التي قدمنا
وصفنا لها ، واشتد وجدنا بها ، وطال شوقنا إليها ودام حديقنا نحوها ، واتصل رنونا
إليها ، وتناهت نجوانا بذكرها . وهذا هو الخلع الذي سمعت بذكره ، واللباس الذي سألت
عنه ، أعني خلع ما أنت منه إنسان ، ولبس ما أنت به ملك . الله المستغاث منكم ، ما
أشد بلواي بكم ، لم تتحركون إلا إلى ما لا سكون لكم فيه ؟ ولم تسألون عما لا اطلاع
لكم عليه ؟ سلوا ربكم أعيناً بصيرة ، وآذاناً واعية ، وصدوراً طاهرة ، وقوة متتابعة
، فإنكم إذا منحتموها هديتم لها ، وإذا حرمتموها قطعتم دونها ، ولا حول ولا قوة إلا
بالله . قال البخاري : وقد تركنا يا سيدنا حديث السكينة المجموعة من هذه الجملة
بأنصباء مختلفة . فقال : لا عجب أن ينشأ العالم بكل ما فيه في هذه الحوة التي لذنا
بها وحاولناالوصول إليها ؛ وأي شيء أعجب في هذا المقام ، رسم أو قوام ، أو ثبات أو
دوام ، إلا له نصيب من عناية الله تعالى الكريم . نعم ، والسكينة المجموعة من كل ما
سلف القول فيه تقاسمها نوع الإنسان بالزيادة والنقصان ، والغموض والبيان ، والقلة
والكثرة ، والضعف والقوة ، وهذا يتبين بأن تقسم الطيش والحدة والعجلة والخفة على
أصحابها ، فتجد التفاوت ظاهراً . وكذلك إذا قسمت الهدوء والقرار والسكون والوقار
على أهلها ، فإنك تجد التباين مكشوفاً والاختلاف ظاهراً . ثم قال : أما السكينة
التي هي في أعلى المراتب فهي لأشخاص فوق البشر ، وليس لهم نسبة من الخلق إلا الخلقة
الحسية والعشرة البشرية ، وإلا فهم في ذروة عالية ، ومحلة إلهية . قال : وأما
السكينة التي تلي هذه فهي للأنبياء على اختلاف حظوظهم منها لأنها مرتبات تنقسم بين
المنام واليقظة انقساماً متفاوتاً بالعرض الحامل للصدق وللشبيه بالصدق ، وللحق
وللقرب من الحق ، وللصحيح والتالي للصحيح ، ثم يختلف بيانهم عن ذلك بالتعريض
والإيضاح ، والكناية والإفصاح ، والتشبيه والاستعارة . قال : فأما السكينة التي
تتلو هذه فهي التي تظهر على طائفة تخلف الأنبياء ، وذلك أن بقايا قواهم يرثها الذين
صحبوهم ، واستضاءوا بنورهم ، وفهموا عنهم ، ولقنوا منهم ، ودخلوا في زمرتهم ،
وحاكوهم في الشمائل والأخلاق ، وسلكوا منهاجهم في القيادة والسياق ، وصلحوا سفراء
بين الأبعدين ، كما كانوا سجراء للأقربين ، وهم الذين يفسرون الغامض ، ويوضحون
المشكل ، ويبسطون المطوي ، ويشرحون المكنى ، ويبرزونالمراد والمعنى ، ويوطدون
الأساس ، ويرفعون الالتباس ، وينفون الوحشة ويحدثون الإيناس . وأما السكينة الباقية
فهي مفضوضة على اتباع هؤلاء بالسهام العلوية ، والمقادير العدلية ، والمناسيب
العقلية ، من غير جور ولا حيف ، ولا انحراف ولا ميل . فقال البخاري : أهي - أعني
السكينة - في معنى فاعلة أو مفعولة ؟ فقال : الفضاء أعرض مما تظن ، وإن كان في غاية
العرض ؛ والذروة أعلى من أن ترام وإن كان الإنسان يطلبها بالبسط والقبض . هي بوجه
في معنى فاعلة إذا شعرت بتأثيرها ، وبوجه آخر في معنى مفعولة إذا شعرت بتأثرها .
وبوجه آخر ، ليست من هذين القبيلين في شيء إذا لحظتها في معانيها قبل تأثيرها
وتأثرها ، وأنت تعتبر حد الفاعل والمفعول من شكل اللفظ ووزن الترتيب ، بشائع العادة
وقائم العرف ، والسكينة وراء هذا كله بالحق والواجب والصحة والتمام فإنها صراط الله
للمخصوصين بالاستقامة عليه ، فإذا شهدت المخصوص بها كانت عبارتك عن الملحوظ منها
مشاكلةً لعبارتك عن أخلاق رضية وأحوال مرضية ، وإذا شهدت ذلك المعنى من معاني الحق
كانت عبارتك متلجلجةً لا نظام لها ولا تعادل ولا اتساق على العادة الجارية والحال
الطارئة ؛ فأحق ما ينبغي لطالب الحكمة واللائذ بهذه الحومة أن يبحث وينظر ، ويكشف
وينقر ، ويستقصى ويسبر ويسأل ويستبصر ؛ حتى إذا بلغ هذه الآفاق ، وشهد هذه الأعلام
، ووجد الصواب الذي لا شوب فيه ، وصادف اليقين الذي لا ريب معه ، وعرف الاستبانة
التي تغني عن البيان ، وذاق المعنى الذي هو فوق العيان ، أمسك وانتهى ، ووقف
واستغنى لا لعرض ظلام غشيه ، ولكن لسطان شعاعٍ ملكه ؛ لأن ذلك النور محيط بكلشيء
دونه ، ومستولٍ على كل شيء تحته . وكان يقول في هذا الفن إذا جد به الكلام وبدا منه
المكتوم وشرد عنه الخاطر ما لا يوعى بحفظ ، ولا يروى بلفظ . وإنما كان أصحابنا
ينتظرون منثوره بهذه الحروف لفظاً لينظموا منه شذراً وعقداً ، وكانوا إذا تلاقوا
اشتركوا في تقويم ذلك كله ، وتعاونوا على تحبيره ، وتصادقوا على مفهومهم منه ،
وتجنبوا المنازعة والشغب عليه ، وأخذوا بالعفو والممكن منه ، لئلا يفوتهم المعنى ،
ولا يتحيرون في المنتهى . وسأله الأندلسي في هذا المجلس عن الأمم وأحوالها ، ونقصها
وكمالها فقال : اشتركت الأمم في جميع الخيرات والشرور ، وفي جميع المعاني والأمور :
اشتراكاً أتى على أول التفاوت ووسطة وآخره ، ثم استبدت كل أمة بقوالب ليست لأختها ،
واشتراكهم فيها كالأصول واستبدادهم كالفروع ، وفيما اشتركوا فيه المحمود والمذموم .
ولم يجز في الحكمة الإلهية غير هذه القسمة ، لأن الاشتراك لو سبق بلا تفاوت لم يكن
اشتراكاً ، والتقاسم لو عري من الاتفاق لم يكن تقاسماً ، فصار ما من أجله يفترقون ،
به يجتمعون ، وما من أجله ينتظمون ، به ينتثرون . فعلى هذا اشتركوا في الأخلاق
واللغات ، والعقائد والصناعات ، وجر المنافع ودفع المضار ، مع اختلافهم فيها بنوع
ونوع . ألا ترى أن لغة الهند غير لغة الروم ، وكذلك الصناعة والعقيدة وما يجري
مجراهما ، إلا أنهم مع هذه الأصول والقواعد تقاسموا أشياء بين الفطرة والتنبيه ،
وبين الاختيار والتقدمة ، فصار الاستنباط والغوص والتنقير والبحث والاستكشاف
والاستقصاء والفكر ليونان والوهم والحدس والظن والحيلة والتحيل والشعبذة للهند
والحصافة واللفظ والاستعارة والإيجاز والاتساع والتصريف والسحر باللسان للعرب ؛
والروية والأدب والسياسة والأمن والترتيب والرسوم والعبودية والربوبية للفرس .فأما
الترك فلها الشجاعة . والعرب تشاركها إما بالزيادة وإما بالمساواة ؛ وليس للترك بعد
هذا حظ ولا دراية إلابقسط من الظل من الشخص . والعرب مع منطقها البارع لها المزية
المعروفة على الترك بعد في السياسة وإن كانت قاصرةً ؛ وأما الزيج والسودان فغلبت
عليها الفسولة وشاكلت البهائم الضعيفة ، كما شاكلت الترك السباع القوية . قيل له :
إن أبا زيد قد عمل كتاباً في أخلاق الأمم . قال : قد رأيته وقرأته وقد أفاد ، وكل
من تكلم على طريقة الحكماء الذين يتوخون من الأمور لبابها ، ويصرفون عنها قشورها ،
فله السابقة والتقدم على من يخبط كفلان وفلان . ومن جحد بلاغة العرب في الخطابة
وجولانها كل مجال وتميزها باللسان فقد كابر ، ومن أنكر تقدم يونان في إثارة المعاني
من أماكنها وإقامة الصناعات بأسرها ، وبحثها عن العالم الأعلى والأوسط والأسفل فقد
بهت . ومن دفع مزية الفرس في سياستها وتدبيراتها وترتيب الخاصة والعامة بحق ما لها
وعليها فقد عاند . وهكذا من دفع ما للهند ، فليس من شخص وإن كان زرياً قميئاً إلا
وفيه سر كامنٌ لا يشركه فيه أحد ، وإذا كان هذا في شخص على ما قلنا ، فكيف إذا نظرت
إلى ما يحويه النوع . وهكذا إذا ارتقيت إلى الجنس ، وهذا لأن عرض الجنس أوسع من عرض
النوع ، كما أن عرض النوع أوسع من عرض الشخص ، وليس دون الشخص تحت ، كما أنه ليس
فوق الجنس فوق . وأما انقسام هذه الثلاثة على هذا فليكون فضاء العالم غاصاً بالطرف
والوسط والأفق وليكون سحاً بالغاً من المصدر إلى المورد .وعلى هذا لولا الجنس لم
يوجد نوعٌ ، ولولا النوع لم يوجد شخص . وكذلك العكس . قال أبو سعيد الطبيب :
أللعالم العلوي أجناس وأنواع وأشخاص ؟ قال : كيف يخلو العالم العلوي من هذا التقسيم
، وإنما هذا الذي لحقنا في العالم السفلي حكاية ذلك العالم العلوي حذو النعل بالنعل
والقذة بالقذة . فقال له مستزيداً : فهل في البسائط الإلهية أجناس وأنواع وأشخاص ؟
فقال : لا ، إلا أن يتخذ شيء من هنالك قراره في معارض العالم السفلي بقوة العالم
العلوي ، وذلك كالبرق إذا خطف ، والنسيم إذا لطف . قال : فهل ينال البسائط نقصٌ
بالإخبار بالأجزء المركبة عنها كما ينال المركبات كمالٌ بالأجزاء البسيطة عنها ؟
فقال : لا ، لأن ما علا يؤثر ولا يقبل التأثير ؛ وما سفل يتأثر . ألا ترى أن ما علا
من الكواكب لا يتصل بشيء دونه ، وما سفل منها يتصل بما علا عنه . وقال له أيضاً :
إذا قلنا : الروحانيات ، فماذا ينبغي أن يلحظ منها ؟ فقال : الروحانيات على أقسام ؛
فقسم منها متبدد في المركبات من الحيوان والجماد ، وقسم منها مكتنفٌ للحيوان
والجماد ، وبحسب هذا الاكتناف هو أبسط وألطف من القسم الأول المتبدد ؛ وقسمٌ منها
فوق القسم المكتنف ، وهو الذي منه مادة المحيط ؛ وقسم آخر فوق هذا الممتد ، ثم فوق
هذا ما لا يملكه وهم ، ولا يدركه فهم ؛ وذلك أنه في جناب القدس وحيث لا مرام لشيء
من قوى الجن والإنس . وسألت أبا سليمان فقلت : إن علي بن عيسى الرماني ذكر أن
التمكين من القبيح قبيح ، لأن التمكين من الحسن حسن . فلو كان التمكين من القبيح
قبيحاً مع كونه من الحسن حسناً كان حسناً قبيحاً ؛ وهذا تناقض ؛ كيف صحة هذا الذي
أومأ إليه ؟ فقال : أخطأت ، لأن التمكين وحده اسمٌ مجرد لشيء محدد ، والأسماء
المحددة دلالتها على الأعيان لا على صفات الأعيان أو ما يكون من الأعيان أو ما يكون
في الأعيان . والتمكين معتبر بما يضاف إليه ويناط به ، فإن كان من القبيح فهو قبيح
لأنه علةالقبيح ، وإن كان من الحسن فهو حسن لأنه سبب الحسن . وهذا كما تقول : هذا
الدرهم نافع أو ضار ؟ فيقال : إن صرفته فيما ينبغي فهو نافع ، وإن أنفقته فيما لا
ينبغي فهو ضار ، وكذلك السيف في الآلات ، وكذلك اللفظ في الكلمات ، والإضافة قوة
إليهة سرت في الأشياء سرياناً غريزياً قاهراً متملكاً قاسراً ، فلا جرم لا ترى
حسياً أو عقلياً أو وهمياً أو ظنياً أو علمياً أو عرفياً أو عملياً أو حلمياً أو
يقظياً إلا والتصاريف سارية فيها ، والإضافة حاكمة عليها . وهذا لأن الأشياء بأسرها
مصيرها إلى الله الحق ، لأن مصدرها من الله الحق ، فالإضافة لازمة ، والنسبة قائمة
، والمشابهة موجودة . ولولا إضافة بعضنا إلى بعض ما اجتمعنا ولا افترقنا ، ولولا
الإضافة بيننا الغالبة علينا ما تفاهمنا ولا تعاوناً . قال : إذا كنا بالتضايف
نتوالى ، فبأي شيء بعده نتعادى ؟ قال : هذا أيضاً بالإضافة ، لأن الإضافة ظل ،
والشخص بالظل يأتلف ، وبالظل يختلف . وقال : ويزيدك بياناً أن العدم والوجود شاملان
لنا ، سائران فينا فبالوجود نتصادق ، وبالعدم نتفارق . وسأل مرة عن الطرب على
الغناء والضرب وما أشبههما . فكان من الجواب : قيل لسقراط فيما ترجمه أبو عثمان
الدمشقي . لم طرب الإنسان على الغناء والضر ؟ فقال : لأن نفسه مشغولةٌ بتدبير
الزمان من داخل ومن خارج ، وبهذا الشغل هي محجوبة عن خاص مآلها . فإذا سمعت الغناء
انكشف عنها بعض ذلك الحجاب ، فحنت إلى خاص ما لها من المثالات الشريفة والسعادات
الروحانية من بعد ذلك العالم ، لأن ذلك وطنها بالحق . فأما هذا العالم فإنها غريبة
فيه ، والإنسان تابع لنفسه ، وليست النفس تابعة للإنسان ، لأن الإنسان بالنفس إنسان
، وليست النفس نفساً بالإنسان ، فإذا طربت النفس - أعني حنت ولحظت الروح الذي لها -
تحركت وخفت فارتاحت واهتزت . ولهذا يطرح الإنسان ثوبه عنه ، وربما مزقه كأنه يريد
أنينسل من إهابه الذي لصق به ، أو يفلت من حصاره الذي حبس فيه ، ويهرول إلى حبيبه
الذي قد تجلى له وبرز إليه . إلا أن هذا المعنى على هذا التنضيد إنما هو للفلاسفة
الذين لهم عناية بالنفس والإنسان وأحوالهما . وأما غيرهم فطربهم شبيهٌ بما يعتري
الطير وغيرها ، وانصرفت .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق