الثلاثاء، 12 مارس 2013

قصيدة محمّد مهدي الجواهري في المعرّي



قِفْ بالمعَرَّةِ وامسَحْ خَدَّها التَّرِباواستَوحِ مَنْ طَوَّقَ الدُّنيا بما وَهَبا
واستَوحِ مَنْ طبَّب الدُّنيا بحكْمَتَهِومَنْ على جُرحها مِن روُحه سَكَبا
وسائلِ الحُفْرةَ المرموقَ جانِبُهاهل تبتَغي مَطْمَعاً أو ترتجي طلَبا ؟
يا بُرجَ مفْخَرةِ الأجداث لا تهِنيأنْ لم تكُوني لأبراج السَّما قُطُبا
فكلُّ نجمٍ تمنَّى في قَرارتهلو أنَّه بشُعاعٍ منكِ قد جُذبا
والمُلْهَمَ الحائرَ الجبَّارَ ، هل وصَلَتْكَفُّ الرَّدى بحياةٍ بَعْدَه سَبَبا؟
وهل تَبدَّلْتَ رُوحاً غيرَ لاغبةٍأم ما تزال كأمسٍ تشتكي اللَّغَبا
وهل تخبَّرْتَ أنْ لم يألُ مُنْطَلِقٌمنُ حرّ رأيكَ يَطْوي بعْدكَ الحقَبا
أم أنتَ لا حِقَبلً تدري ، ولا مِقَةًولا اجتواءً ، ولا بُرءاً ، ولا وصَبا
وهل تصَحَّحَ في عُقْباكَ مُقْتَرحٌممَّا تفَكرتَ أو حَدَّثْتَ أو كُتِبا ؟
نَوِّر لَنا ، إنَّنا في أيّ مُدَّلج ٍممَّا تَشكَّكْتَ ، إنْ صِدقاً وإنْ كذبا
أبا العلاءِ ، وحتى اليومِ ما بَرِحتْصَنَّاجهُ الشَعر تُهدي المترفَ الطَّربا
يَستنزلُ الفكرَ من عَليا مَنازلهِرأسٌ ليمسحَ من ذي نعمةٍ ذنَبا
وزُمرةُ الأدبِ الكابي بزُمرتهِتفرَّقَتْ في ضَلالاتِ الهوى عُصَبا
تَصَّيدُ الجاهَ والألقابَ ناسيةًبأنَّ في فكرةٍ قُدسيَّةٍ لقبا
وأنَّ للعبقريّ الفذِّ واحدةًإمَّا الخُلودَ وإمَّا المالَ والنَّشبا
من قبلِ ألفٍ لَو انَّا نبتغي عِظةًوعَظْتَنا أنْ نصونَ العلمَ والأدبا
على الحصيرِ .. وكوزُ الماء يَرفدهُوذِهنُه .. ورفوفٌ تحمِلُ الكتبا
أقامَ بالضَّجَّةِ الدُّنيا وأقعدَهاشيخٌ أطلَّ عليها مُشفقاً حَدِبا
بَكى لأوجاعِ ماضيها وحاضرِهاوشامَ مُستقْبَلاً منها ومرتقبَا
وللكآبةِ ألوانٌ ، وأفجعُهاأنْ تُبصرَ الفيلسوفَ الحُرَّ مكتئِبا
تناولَ الرثَّ من طبعٍ ومُصطَلحٍبالنقدِ لا يتأبَّى أيَّةً شجبا
وألهمَ الناسَ كي يَرضَوا مغبَّتهمأن يُوسعوا العقلَ ميداناً ومضطَربا
وأنْ يَمدُّوا به في كلِّ مُطَّرحٍوإنْ سُقوا مِن جَناه الويلَ والحرَبا
لِثورةِ الفكرِ تأريخٌ يحدّثُنابأنَّ ألفَ مسيحٍ دونَها صُلِبا
إنَّ الذي ألهبَ الأفلاكَ مِقولُهوالدَّهرَ .. لا رَغَباً يرجو ولا رهَبا
لم ينسَ أنْ تشمَلَ الأنعامَ رحمتُهُولا الطيورَ .. ولا أفراخَها الزُغُبا
حَنا على كلّ مغضوبٍ فضمَّدهوشجَّ منْ كان ، أيّاً كان ، مغتصِبا
سَلِ المقاديرَ ، هل لازلتِ سادرةًأمْ أنتِ خجلى لِما أرهقتهِ نصبا؟
وهل تعمَّدتِ أنْ أعطيتِ سائبةَهذا الذي من عظيمٍ مثْلِه سُلبا
هذا الضياءَ الذي يَهدي لمكمنّهلِصّاً ويُرشدُ أفعى تَنفُثُ العَطَبا
فانْ نَخَرتِ بما عوَّضتِ من هبةٍفقد جنيتِ بما حمَّلتهِ العصبا
تلمَّسَ الحُسنَ لم يمدُدْ بمُبصرةٍولا امتَرى دَرَّةً منها ولا حلبا
ولا تناولَ من ألوانها صُوراًيَصُدُّ مبتعِدٌ منهنَّ مُقتربا
لكنْ بأوسعَ من آفاقها أمداًرَحْباً ، وأرهفَ منها جانباً وشَبا
بعاطفٍ يتبنَّى كلَّ معتلِجٍخفَّاقه ويُزكّيهِ إذا انتسبا
وحاضنٍ فُزَّعَ الأطيافِ أنزلهاشعافَه وحباها معقِلاً أشِبا
رأسٌ من العَصَبِ السامي على قفصمن العظام إلى مهزولةٍ عُصِبا
أهوى على كُوَّةٍ في وجههِ قدَرٌفسَدَّ بالظلْمةِ الثُقْبينِ فاحتجبا
وقال للعاطفات ِ العاصفاتِ بهِألآنََ فالتمسي مِن حُكْمهِ هربا
ألآنَ يشربُ ما عتَّقتِ لا طفَحاًيُخشى على خاطرٍ منه ولا حبَبا
ألآنَ قولي إذا استوحشتِ خافقَههذا البصيرُ يُرينا آيةً عَجبا
هذا البصيرُ يُرينا بين مندرِسٍرثِّ المعالم، هذا المرتَعَ الخصِبا
زنجيَّةُ اليلِ تروي كيف قلَّدهافي عُرسها غُرَرَ الأشعار ..لا الشهبا
لعلَّ بين َ العمى في ليلِ غُربتهوبين فحمتَهِا من أُلفَةٍ نسبا
وساهرُ البرق والسُمَّارُ يُوقِظهمبالجزع يخفق من ذكراه مضطرِبا
والفجرُ لو لم يلُذْ بالصبح يَشربهمن المطايا ظِماءً شُرَّعاً شُربا
والصبحُ ما زال مُصفرّاً لمقرّنَهِفي الحُسْن بالليل يُزجي نحوه العتبا
يا عارياً من نَتاجِ الحُبِّ تكرمةًوناسجاً عَفَّةً أبرادَهُ القشُبا
نعوا عليكَ – وأنت النور – فلسفةًسوداءَ لا لذَّةً تبغي ولا طرَبا
وحمَّلوكَ – وأنت النارُ لاهبةً -وِزرَ الذي لا يُحسُّ الحُبَّ ملتهبا
لا موجةُ الصَّدرِ بالنهدينِ تدفعهولا يَشقُّ طريقاً في الهوى سَربا
ولا تُدغدِغُ منه لذَّةٌ حُلُماًبل لا يُطيقُ حديثَ اللذَّةِ العذِبا
حاشاك ، إنَّكَ أذكى في الهوى نفسَاًسََمْحاً ، وأسلسُ منهمْ جانباً رطِبا
لا أكذبنَّكَ إنَّ الحُبَّ متَّهمٌبالجَور يأخذ مِنَّا فوقَ ما وَهبا
كم شيَّعَ الأدبُ المفجوعُ مُختضَراًلدى العيونِ وعندَ الصدر مُحتَسَبا
صَرعى نَشاوى بأنَّ الخَودَ لُعبتُهمحتى إذا استَيقظوا كانوا هُمُ اللُعَبا
أرتهُمُ خيرَ ما في السّحْرِ من بُدءٍوأضمرتْ شَرَّ ما قد أضمرتْ عُقبا
عانَى لَظَى الحُبِّ " بشَّارٌ " وعُصبتُهفهل سوى أنَّهم كانوا له حَطبا
وهل سوى أنهم راحوا وقد نذرواللحبِّ ما لم يجب منهم وما وَجبا
هل كنتَ تخلدُ إذ ذابوا وإذ غَبرُوالو لم ترُضْ منِ جِماحِ النفس ما صَعُبا
تأبى انحلالاً رسالاتٌ مقدَّسةٌجاءت تقوِمُ هذا العالَمً الخَربا
يا حاقِرَ النبعِ مزهُوّاً بقوَّتهِوناصراً في مجالي ضعفهِ الغَرَبا
وشاجبَ الموت من هذا بأسهمهِومُستمِنّاً لهذا ظِلَّهُ الرَّحبِا
ومحرِجَ المُوسِرِ الطاغي بنعمتهِأنْ يُشرِكَ المُعْسِرَ الخاوي بما نهبا
والتَّاجُ إذ تتحدَّى رأسَ حاملهِبأيِّ حقٍّ وإجماعٍ به اعتصبا
وهؤلاءِ الدُّعاةُ العاكفونَ علىأوهامهم ، صنماً يُهدون القُرَبا
الحابطونَ حياةَ الناس قد مَسخواما سنَّ شَرْعٌ وما بالفطرة اكتُسِبا
والفاتلونَ عثانيناً مُهرّأةًساءتْ لمحتطِبٍ مَرعى ومحتطَبا
والمُلصِقونَ بعرش اللهِ ما نسجتأطماعُهم : بِدعَ الأهواءِ والرِيّبا
والحاكمونَ بما تُوحي مطامعُهممؤِّولينَ عليها الجدَّ واللَّعبا
على الجلود من التدليس مَدرعةٌوفي العيون بريقٌ يخطَف الذهبا
ما كان أيُّ ضلالٍ جالباً أبداًهذا الشقاء الذي باسم الهُدى جُلبا!
أوسَعْتَهم قارصاتِ النقدِ لاذعةًوقلتَ فيهم مَقالاً صادقاً عجبا
" صاحَ الغرابُ وصاحَ الشيخُ فالتبستْمسالِكُ الأمر: أيٌّ منهما نعبا "
أجللتُ فيك من الميزات خالدةًحُرَّيةَ الفكرِ والحرمانَ والغضبا
مجموعةً قد وجدناهُنَّ مُفرَدةًلدى سواكَ فما أغنيننا أربا
فربَّ ثاقبِ رأيٍ حطَّ فكرتَهغُنمٌ فسَفَّ .. وغطَّى نورَها فخبا
وأثقلَتْ مُتَعُ الدُّنيا قوادِمَهُفما ارتقى صُعُداً حتَّى ادَّنى صَبيا
بَدا له الحقُّ عُرياناً فلم يَرهُولاحَ مقتلُ ذي بغيٍ فما ضَربا
وإنْ صدقتُ فما في الناس مُرتكِباًمثلُ الأديب أعان الجورَ فارتكبا
هذا اليراعُ ، شواظُ الحقّ أرهفهسيفاً . وخانعُ رأيٍ ردَّه خشبا
ورُبَّ راضٍ من الحرمان قِسَمتهفبرَّر الصبرَ والحرمانَ والسغبا
أرضى ، وإنْ لم يشأ ، أطماحَ طاغيةٍوحالَ دونَ سوادِ الشعب أن يثبا
وعوَّضَ الناسَ عن ذُلٍّس ومَتربَةٍمَنَ القناعةِ كنزاً مائجاً ذهبا
جيشٌ من المُثُلِ الدُّنيا يَمُدُّ بهذوو المواهبِ جيشَ القوَّةِ اللَّجبا
آمنت بالله والنورِ الذي رسمَتْبه الشرائعُ غُرّاً منهجاً لَحِبا
وصُنتُ كَّل دُعاةِ الحقِّ عن زَيغٍوالمُصلحينَ الهداةَ ، العُجْمَ والعَرَبا
وقد حَمِدتُ شفيعاً لي على رَشَديأُمّاً وجدتُ على الإسلامِ لي وأبا
لكنَّ بي جنَفَاً عنِ وعي فلسفةٍتقضي بأنَّ البرايا صُنِّفتْ رُتَبا
وأنَّ مِن حِكمةٍ أنْ يجتني الرُّطَبافردٌ بجَهد ألوفٍ تعلكُ الكَرَبا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق