التورية في أسماء الحيوان
والنبات
"دراسة دلالية معجمية في كتاب الملاحن لابن دريد"
تاريخ قبوله للنشر: 11/10/2010م
كمال أحمد المقابلة *
ملخص
يُعدّ كتاب (الملاحن) من أهم الآثار اللغوية التي خلّفها ابن دريد
الأزدي، وهو كتاب يبحث في دلالات الألفاظ، ويهتم بالدلالات الثانوية للّفظ.
وتهدف هذه الدراسة إلى بيان
الدلالة المورّى بها في أسماء الحيوان والنبات دون غيرها، وذلك من خلال مقابلتها على
معاجم الألفاظ، ومعاجم المعاني، والمعاجم المتخصصة في أسماء الحيوان والنبات.
وجاءت الدراسة في مقدمة وثلاثة مباحث وخاتمة؛ عرض
المبحث الأول لرأي الفقهاء في مسألة القَسَم على التورية، ويعرض المبحث الثاني
للتورية في أسماء الحيوان، ويقع في مطلبين. ويعرض المبحث الثالث للتورية في
أسماء النبات، ويقع في مطلبين. أما الخاتمة فسأجمل فيها أهم النتائج التي
توصلت إليها الدراسة، وأهمها:
- لكتاب الملاحن أهمية كبيرة في الحقل الدلالي، لما له
من أثر في الكشف عن الدلالات الممكنة للفظ الواحد.
-
هناك خلاف بين الفقهاء في مسألة القسم على المعنى المورّى به، وعدمه
أولى.
- قد تدلّ أسماء بعض الحيوانات
على النبات، مثل (العِجْلة)، وهو نبات مستطيل له ثمر.
Abstract
The book (Almlahen) is considered as one of the most signficant language heritage of Ibn Duraid al-Azdi, discusses the semantics, and is concerned secondary semantic indications.
This study aims at pointing out the
equivocating indication in animals and plants names rather than others,
through comparison with semantics dictionaries, meanings dictionaries, and the dictionaries specialized in the names of animals and plants.
The study was divided into an introduction,
three sections and a conclusion.
|
*
|
|
Section one pointed out scholars' opinion in the
issue of oath on equivocation. Section two discussed equivocation in animals' names, which was
divided into two parts. Section
three discussed equivocation in plants' names in two parts. The conclusion included the most significant findings of this study:
- The book (Almlahen) has a great significance in semantics, because of its impact in detecting the possible connotations of the one term.
- There is a disagreement among scholars on the issue of oath on the equivocated meaning, and its nullity is more proper.
- Some animals' names may indicate names of
plants, such as (ejlah), a rectangular plant with a
fruit.
|
المقدمة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، محمد بن عبد الله وعلى
آله وصحبه الطيبين الطاهرين، وبعد؛
فيُعدّ كتاب الملاحن للعلاّمة
ابن دريد من أهم الآثار اللغوية التي خلّفها ابن دريد الأزدي في حقل
الدلالة والمعجمية، وهو كتاب يبحث في دلالات الألفاظ، ويهتم بالدلالات الثانوية
للفظ، وغاية المؤلف من تأليفه كما ذكر في مقدمة
كتابه، إيجاد مخرج لمن يحلف يمينا على شيء
ويريد غير المعنى الظاهر، كأن تقول: والله ما أكلت صقرا، وتريد اللبن شديد
الحموضة.
ويقوم مفهوم مصطلح (الملاحن([1]))
عند ابن دريد في كتابه على الانزياح الدلالي في استعمال اللفظ من الدلالة العامة
إلى الدلالة المعجمية الخاصّة، وهو ما عُرف
عند البلاغيين بمصطلح (التورية)، حيث يستعمل الكاتب أو الشاعر أو المتكلِّم كلمة تحتمل معنيين: أحدهما
قريب ينصرف إليه الذهن وهو غير مقصود، والآخر
بعيد غائب عن الذهن وهو مقصود. وقد استفاد ابن دريد من ظاهرة المشترك
اللفظي وأقام عليها كتابه. وقريب من هذا ما عُرف عند البلاغيين أيضاً بـ (أسلوب الحكيم) في أحد مفهوميه.
وتهدف هذه الدراسة إلى بيان الدلالة
المورّى بها في أسماء الحيوان والنبات دون غيرها،
وذلك من خلال مقابلتها مع معاجم الألفاظ، ومعاجم المعاني، والمعاجم المتخصصة
في أسماء الحيوان والنبات.
- وجاءت الدراسة
في مقدمة وتمهيد وثلاثة مباحث وخاتمة؛ أما المقدمة فسأعرض فيها لأهمية الكتاب ومقصد الدراسة. وسيعرّف
التمهيد بـ: منهج ابن دريد في كتابه
(الملاحن)، وسيأتي المبحث الأول تحت عنوان: الرأي الفقهي في مسألة القَسَمِ
على التورية. وسيعرض المبحث الثاني للتورية في أسماء الحيوان، ويقع في مطلبين:
الأول: ما دلّ ظاهره على حيوان ومقصده خلاف
ذلك. الثاني: ما دلّ باطنه على حيوان وظاهره خلاف ذلك. أما المبحث الثالث
فسيعرض للتورية في أسماء النبات، ويقع في مطلبين:
الأول: ما دلّ ظاهره على نبات ومقصده خلاف ذلك. الثاني: ما دلّ باطنه على نبات وظاهره خلاف ذلك. أما الخاتمة فسأجمل فيها أهم
النتائج التي توصلت إليها الدراسة
-بإذن الله-.
-بإذن الله-.
تمهيد
منهج ابن دريد في كتابه الملاحن
أنشأ ابن
دريد في كتابه (الملاحن) مائة وخمساً وثمانين جملة افتتحها بقوله:
"وتقول"، وكان يُتبِع كلَّ جملةٍ ذكر المعنى اللغويّ البعيد الغائب عن
الذهن وهو المقصود، ويكتفي بهذا دون ذكر
المعنى العام الشائع لهذه الكلمة؛ لأنه يَفترض أن يُعرف بداهة. ونجد ابنَ
دريد يورد الشواهد الشعرية على هذه المعاني
المورّى بها.
لذا عمدنا في هذه الدراسة إلى
إيراد المعنى الاصطلاحي شائع الاستعمال بين الناس إلى جانب المعنى المورّى به مع
إضافة بعض الشواهد القرآنية التي جاءت قليلة عند ابن دريد.
صدّر ابن دريد كتابه بمقدمة بيّن فيها سبب تأليفه لهذا الكتاب، يقول: "هذا كتاب
ألّفناه ليفزع إليه المجبر المضطهد على اليمين، المُكره عليها، فيعارض بما
رسمناه، ويضمر خلاف ما يُظهر، ليسلم من عادية الظالم، ويتخلّص من جنف الغاشم، وسميناه
"كتاب الملاحن" ثمّ يبين بعد ذلك معنى الملاحن فيذكر أنه يدلّ على الفطنة، معتمداً على قول الرسول e:
"إنّكم تختصمون إليّ ولعلّ بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض
فأقضي له على نحوٍ مما أسمع منه ..."([2])،
أي اللحن في المعنى([3]).
فابن دريد قدّم لنا مادة
لغويّة بلغت الغاية في الأهمية عند اللغويين
والبلاغيين على حدٍّ سواء، وهي مادة مكثّفة
ومختصرة إلا أنها غنية بالدلالات والشواهد، اخترنا منها أسماء الحيوان والنبات لإبراز ما فيهما من تورية فذكرنا الدلالة
الاصطلاحية إلى جانب الدلالة اللغوية متتبعين ذلك في معاجم اللغة والمعاجم المتخصصة بأسماء الحيوان والنبات، سائلين
المولى أن يوفقنا لما فيه النفع والفائدة.
المبحث الأوّل
الرأي الفقهي في مسألة
القَسَم على التورية
الرأي الفقهي في مسألة
القَسَم على التورية
ذكر ابن دريد سبب تأليفه هذا الكتاب فقال: "ليفزع إليه
المُجبَر المُضطَهد على اليمين، المُكرَه عليها، فيعارضَ بما رَسَمْناه، ويُضْمِرَ
خلاف ما يُظهر ليسلم من عادية الظالم ويتخلص من جنف الغاشم".
ويقول في
موطن آخر: "وكلُّ ما كان في الفرس من
أسماء الطير فلك أن تحلف عليه نحو الحمامة والقطاة وما أشبه ذلك"([4]).
فقوله: "فلك أن تحلف عليه"، دلّ على إجازته للقَسَمِ على
التوريــــة.
ولمّا كان
ابنُ دريد عالم لغة لا فقيها، آثرت أن أُضمّن هذه الدراسة مبحثا يبيّن رأي الفقهاء بمسألة الحلْف على شيء مع إظهار النية
والتورية في دلالته، وبعد استقصاء المسألة عند المُحدّثين والفقهاء وجدت المرويات
الآتية:
-
روى مسلم بسنده من طريق أبي صالح عن أبي هريرة t قال، قال رسول الله e: "يمينك على ما يصدقك عليه صاحبك"([5]).
قال الإمام
النووي هذا الحديث محمول على الحلف باستحلاف
القاضي فإذا ادعى رجل على رجل حقاً فحلَّفه القاضي فحلف وورّى فتوى غير ما نوى
القاضي انعقدت يمينه على ما نواه القاضي ولا تنفعه التورية، وهذا مجمع عليه.
فأما إذا
حلف بغير استحلاف القاضي وورّى تنفعه التورية
ولا يحنث سواء حلف ابتداء من غير تحليف
أو حلّفه غير القاضي وغير نائبه.
- وقال الصنعاني في سبل السلام: الحديث دليل على أن
اليمين تكون على نيّة المُحلِّف ولا ينفع منها نيّة لحالف إذا نوى بها غير ما
أظهره.
- وقال الجزيري: يجوز الاستثناء سراً إذا لم يحلف على حق
الغير كبيع أو إجازة أو نحو ذلك؛ لأن اليمين
يكون حينئذ على نيّة المُحلِّف وهو لا يرضى الاستثناء([7]).
- قال القرطبي في تفسيره: "من وجبت عليه يمين في حق
وجب عليه فحلف وهو ينوي غيره لم تنفعه نيته ولا يخرج بها عن أثم تلك اليمين"([8]).
· وقال ابن حجر: اليمين على نية الحالف لكن فيما عدا حقوق
الآدميين فهي على نية المُستحلِف ولا ينتفع بالتورية في ذلك إذا اقتطع بها حقاً
لغيره.
·
وقال السرخسي ما معناه([9]):
إن وَرَّى ليدفع الظلم عن نفسه جاز له ذلك
وإن كان في حقوق الناس فلا يجوز؛ لأن اليمين على نية المستحلف.
·
وقال ابن الوكيل الشافعي في الأشباه والنظائر: "اليمين على نية الحالف
إن كان مظلوماً وعلى نية المستحلف إن كان ظالماً"([10]).
·
وقال ابن رشد: اتفقوا على أن اليمين على نية المستحلف في الدعاوي واختلفوا
في غير ذلك مثل الأيمان على المواعيد فقال قوم على نية الحالف وقال قوم على نية
المستحلف.
·
وقال ابن قدامة: في الحلف نية القاضي المستحلف
للخصم سواء أكان موافقاً لمذهبه أم لا أو استشهد بحديث مسلم([11]).
خلاصة
الرأي في المسألة:
وحاصله أن اليمين على نية الحالف في كل الأحوال إلا إذا
استحلفه القاضي أو نائبه في دعوى
توجهت عليه "فتكون على نيّة المستحلف"([12]).
كما أنّ التورية في القَسَم لا تجوز شرعا إذا
أوقعت ظلما على أحد، أو هضمت حقا لأحد، وتجوز
إذا دفعت ظلما عن أحد، أو أثبتت حقا لأحد.
المبحث الثاني
التورية في أسماء الحيوان
ذكر ابن
دريد الحيوان كثيرا في كتابه الملاحن، ولم يكن ذكره الحيوان مطَّردا وفق نسق معيّن، إنما جاء مبثوثا في صفحات الكتاب من
بدايته حتى نهايته، فعمد الباحث إلى تمييز الأسماء الدالّة على الحيوان، واستخراجها،
ومن ثمّ تصنيفها إلى صنفين: يدلّ الأول بظاهره على حيوان ولكنّ المعنى الباطن
شئ آخر تماما، ويدلّ الثاني بباطنه على حيوان ولكن الظاهر شئ مختلف تماما، من هنا
جاء هذا المبحث في مطلبين:
المطلب الأول:
ما دلّ ظاهره على حيوان ومقصده خلاف ذلك:
لمّا كان محور الدراسة دلاليا وجد الباحث نفسه أمام منهج واحد في دراسته، وهو المنهج المعجمي الذي
يعرض لدلالة الألفاظ كلّ واحدة على حِدة، إلا ما وُجِد فيه تآلف واتّفاق، أدرجه
سردا معتمدا على العلائق الدلالية بين أطرافه. ومن هذه العلائق تصنيف الحيوانات وفق طبيعتها وجنسها، وذلك على النحو الآتي:
أولاً: الدواب: وهي ما دبّ على الأرض من ذوات الأربع، وآكلة الأعشاب منها تسمّى: بهائم.
وكان الجمل
من أكثر الحيوانات التي عثر الباحث على أسماء تدلّ عليه، إنْ في الظاهر وإنْ في الباطن، يقول ابن دريد: وتقول:
"والله ما ليَ جَمَلٌ ولا مَلَكْتُه"([13]).
فالجمل
بمعناه الظاهري معلوم الدلالة، ولكنّ المعنى المورّى به هنا سمكة من سمك البحر([14])،
وقال ابن دريد في الجمهرة: "وجَمَلُ البحر حوت من حيتانه"([15]).
ومن
الأسماء المتصلة بالجَمَلِ القَلوص، يقول ابن دريد: وتقول:
"والله ما أخذت لفلان قَلوصاً ولا رأيتها"([16]).
فالقَلوص
في لغة العرب الناقة، ولا يقال للذكر (قلوص)([17]).
والمعنى المورّى به هنا فرخ الحُبارى([18])،
يقول الشاعر([19]):
... قَلوصُ حُبارى ريشها قد تَمَوَّرّا
البقرة والثور: قال: وتقول: "والله ما أخذتُ لفلانٍ بَقَرَةً ولا ثَوْراً"([20]).
فالبقرة والثور هما ذانك الزوج من
الحيوانات الداجنة اللذان يستفاد منهما، ولكن المعنى المورّى به
هنا أن البقرة هي العيال الكثير، يقولون: جاء فلان يسوق بقرة أي عيالاً([21]).
والثور:
القطعة العظيمة من الأَقِطِ([22]).
ومن
الأسماء المتصلة بالبقرة العِجْلة، قال ابن دريد: وتقول:
"والله ما عندي عِجْلة ولا أَمْلِكُها"([23]).
فالعجلة في ظاهر اللفظ هي أنثى العِجْل، ولكن المعنى
المورّى به عند ابن دريد هو ضرب من الشجر([24])،
يقول ابن دريد في الجمهرة: "...
والعِجْلَةُ ضَرْبٌ من النبت والجمع عِجَل"([25]).
وجاء في
معجم أسماء النباتات: العجلة نبات يستطيل مع الأرض وهو الوشيح، قال أبو حنيفة:
أطيب كلأ وليس ببقل، وقيل هي شجرة ذات ورق
وكعوب وقصب، لينة مستطيلة لها ثمرة مثل رجل الدجاجة([26]).
الظَّبيُ والظَّبْيَةُ: وتقول: "والله ما صدت ظَبْيَةً ولا ظَبْيَاً"([27]).
فالظبي في ظاهر اللفظ يدلّ على ذلك النوع من الغزلان وكذلك الظبية([28])،
ولكن المعنى المورّى به هنا أن الظّبي كثيبُ([29])
معروف، قال الشاعر([30]):
وتعطو يرخص غير شَئْنٍ كأنـه
أساريعُ
ظبي أو مساويك إسْحِلِ
والظبية في ظاهر اللغة هي أنثى الظبي، ولكنّ المعنى المورّى به هنا هو حياء الفرس (فرجها)([31]).
والظبية كذلك خريطة يجعل الرّاعي فيها أداته([32]).
الحمار: وتقول:
"والله ما أملك حماراً ولا أخذت من فلان حماراً قط"([33]).
فالحمار بظاهر اللفظ معلوم الدلالة، ولكن المعنى المورى به هنا أحد الحجرين اللذين
تُنصب عليهما العلاة([34])،
وهي صخرة رقيقة فيجفف عليها الأقط، وفي ذلك يقول الشاعر([35]):
لا ينفع الشاويَّ فيها شاتُهُ
ولا حمــــــاراه ولا عَــــــلاتُــــــــه
ومن
الأسماء المتصلة بالحمار الأتان: يقول
ابن دريد في كتابه الملاحن: وتقول: "والله ما رأيت له أتاناً قط ولا
أخذتها منه"([36]).
فالأتان في
لغة العرب أنثى الحمار([37]).
وظاهر النص يدلّ على ذلك، ولكن المعنى الباطني المورّى به هنا هو الصخرة التي تكون في بطن
الوادي، وتسمّى: أتان الضحل.
ومنها أيضا كلمة الجحشة: يقول ابن
دريد: وتقول: "والله ما عندي جَحْشَةٌ ولا أملكها"([38]).
والجحشة في استعمال العرب هي صغير الأتان([39]).
وقد ورّى المؤلف بها هنا بالصوف الملفوف كالحلقة يضعها الرجل في ذراعه ليغزلها([40]).
فالحمل
صغير الغنم/ الخروف، والعنز ما هو معلوم من
الحيوان الداجن، والمعنى المورّى به
هنا أن الحَمَل السحاب الكثير الماء([42])،
قال الشاعر([43]):
كالسحل البيض جلا لونَها
سَحُّ نجاءِ الحَمَل الأسْـــــــوَلِ
والحمل
أيضاً بُرجٌ من بروج السماء.
أما المعنى المورّى في كلمة (العنز) فهو الأكمة السوداء. قال الشاعر([44]):
وإرمٌ أخرسُ فَوق عَنْز
والإرَمُ عَلَمٌ من الحجارة ينصبونه في
الطريق ليستدلّ به.
الكَلْبُ والفَهْدُ: وتقول: "والله لا أملك كَلْباً ولا فَهْداً، ولا أعرف لهما
موضعاً"([45]).
فالكلب والفهد حيوانان معروفان من فصيلة
السباع، جاء في اللسان (كلب): الكلب كل سبع عقول، وقال ابن سيدة: "وقد غلب
الكلب على هذا النوع
النابح"([46])،
ولكنّ المعنى المورّى بهما هنا أن الكلب مسمار في قائم السيف([47])،
قال الشاعر([48]):
توسمت كليبه فقلت لصاحبي
همـا شاهدا عدل له فتوسمــــــــا
كــــــأنّ نــــابيــــــه من التغريــــــــــد
صريــــــرُ فَهْــــــدٍ واسـطٍ جديــــــد
الثعلب: جاء في
كتاب الملاحن شاهدٌ شعريٌّ نصّه: "وثعلبُ العامِلِ فيها مُنْكَسِرُ"([51]).
والثعلب في لغة العرب هو ذلك الحيوان الذي
يتصف عادة بالمكر والخداع. ولكن التورية فيه
هنا أنّه طرف الرمح الداخل في جبّة السنان([52]).
والعامل هنا هو ما دون السنان بذراعين أو أكثر. والجمع عوامل([53]).
ثانياً: الطيور: وهي ما دلّ على كلّ ذي جناحين سواء طار بهما أو
لم يطر، ونوردها على النحو الآتـــــي:
الصَّقْـــــرُ: وتقــــول: "والله مـــا عنـــــدي صّقْــــــرٌ
ولا
أملكه"([54]).
فالصقر
بمعناه الظاهري طائر جارح، ولكن يورى به لأكثر من معنى، فهو إما أن يكون بمعنى دبس
الرطب([55])،
وعند بعضهم يكون بمعنى الخُطط من الشَّعر في باطن أذن الفرس([56])،
وعند آخرين هو اللبن الحامض أشد حموضة تكون([57]).
الإوز: وتقول: والله ما عندي إوزّ ولا
أملكه"([58]).
والإوز في
لغة العرب هو ذاك الطائر الذي يشبه البط، وهو
المعنى الظاهر، والمعنى المورّى به هنا أن الإوز تأتي بمعنى الرجل القصير
الضخم، والإوزة هي المرأة القصيرة الضخمة([59]).
الحمامة والقطاة: يقول ابن دريد: "وكلّ ما كان في الفرس من أسماء
الطير فلك أن تحلف عليه نحو الحمامة والقطاة وما أشبه ذلك([60]).
فالحمامة والقطاة طائران معروفان، ولكن
المعنى المورّى بهما هنا أن الحمامة من الفرس ما دلّ على الموضع الذي يصيب الأرض من صدر الفرس إذا ربض (القصّ) والقطاة مقعد الردف،
أي ما بين الوركين، وهو ما يقع خلف الفارس([61]).
والدِّجاجةُ
معروفة عند العرب والفروجة فرخها، ولكنّ المعنى المورّى به هنا هو أن الدِّجاجةَ:
الكبّةُ من الغزل، والفروجة: الدرّاعـــة،
أي ثوب المرأة المصنوع من الصوف([63]).
وتقول: "والله ما أخذت له بيضة ولا
فرخاً"([64]).
فالبيضة
بيضة الحديد نوع من السلاح سميت بذلك لأنها على شكل بيضة النعام([65]).
والفرخ في
ظاهر اللفظ تدل على صغير الطائر([66])،
ولكن المعنى المورّى به هنا فرخ الهامة وهو
مستقر الدماغ، قال صاحب اللسان: "وفرخ الرأس: الدماغ على التشبيه كما
قيل له العصفور، والفرخ: الزرع إذا تهيأ للانشقاق بعدما يطلع([67]).
المطلب الثاني:
ما دلّ باطنه على حيوان وظاهره خلاف ذلك:
ذكر ابن دريد في كتابه الملاحن أسماء تدل في السياق الذي جاءت منه على أسماء
لحيولنات، ولكن ظاهرها يدل على إنسان أو نبات
أو جماد.
ومن هذه
الأسماء كلمة عليّ: يقول ابن دريد: وتقول: "والله ما رأيت
عليّاً ولا كلمّت بكراً"([68]).
فظاهر كلمة (علي) تدل على أنه شخص اسمه عليّ، ولكن
المعنى المورّى به الفرس شديد الخلق، يقول الشاعر([69]):
وكــــلُّ عليٍّ قُـــصّ أسفلُ ذيلِـــــه
فَشَمَّرَ
عن ساقٍ وَأَوْظِفَةٍ عُجْرِ
والبيت يصف فرساً قلّ لحم قوائمه (أسفل ذيله) وكثُر لحم أعلاه.
فقوله بكراً يوحي بأن المقصود شخص اسمه بكر، ولكنّ
المعنى المورّى به الفتيُّ من الإبل([71]).
فالحشيش في
ظاهر الدلالة النبات من الأعشاب، ولكنّ المعنى المورّى به هنا: ولد الشاة أو
الناقة إذا مات يبقى في بطنها حتى تطرحه في العام المُقبل([73]).
فالسن في
ظاهر اللفظ هو الذي في فم الإنسان، ولكن المعنى المورّى به عند بعض العرب هو الثور الوحشي([76])،
يقول الشاعر([77]):
يخور فيها
كخوار السنّ.
الكاتب: وتقول:
والله ما كتبت له وما عرفت له كاتباً"([78]).
كلمة كاتب
في الظاهر تدل على من يقوم بالكتابة، ولكن المعنى المورى به هنا أن الكاتب هي البغلة إذا ضممت شفريها بحلقة([79])،
قال الشاعر([80]):
لا تأمَنَـــــنَّ فَزَارِياً خلـــوت بــــــه
على
قَلوصِكَ واكْتُبْها بأسيار
ومعنى أخبرت: ما ذبحت لهم خُبرة، وهي شاة يشتريها قوم
يقتسمونها بينهم([82])،
وقد يذهب الفهم إلى المعنى الظاهر
بأنها من الإخبار بالقول.
وكلمتا أوس
وأويس في استعمال العرب تدلان على علمين، والتورية فيهما أنهما اسمان من أسماء
الذئب"([84]).
يقول الشاعر([85]):
كما خامرت في حِضْنها أمُّ عامــــــر
لدى
الحبل حتى غال أَوْسٌ عيالَها
وأويس
تصغير تحقير تفاؤلاً أنهم يقدرون عليه.
وقال آخر([86]):
يا ليت شعري عنك والأمر أمم
ما
فعـل اليوم أويس في الغنــــــم
وقرينة
التورية في المثال السابق قوله: ولا كلمتهما. فيتبادر إلى الذهن أنهما شخصان لأن
الذي يُتكلم معه الإنسان لا الذئب.
الليل والنهار: تقول: "والله ما أعرف لفلان ليلاً ولا نهاراً"([87]).
فالليل والنهار معلومان من الأوقات، ولكنّ المعنى المورى بهما
هنا أن الليل يدل على ولد الكروان([88])،
والنهار يدل على ولد الحبارى([89]).
العنبر: وتقول: "والله ما عندي عنبر
ولا ملكته"([90]).
فالعنبر في
ظاهر الدلالة العطر المسموم([91]).
ويقال
بالنون ويقال بالميم بهذا المعنى، أما إذا قيل
بالنون فقط فهو الترس لا غير([92]).
أما المعنى
المورّى به هنا فهو سمكة بحرية كبيرة تُتخذ من جلدها التراس([93]).
ومــــن
هنا يقال للترس عنبر.
قال الشاعر([94]):
يَقْدُدْ حبيكَ البيض ذرواً يختلــي
غُلْفَ
السواعد في طِراق العنبر
يريد السيف
مع طراق الترس.
الرِّجل: وتقول:
"والله ما ضربت لفلان يداً ولا رِجْلاً"([95]).
فظاهر المعنى يدلّ على رجل الإنسان التي يمشي بها، ولكنّ المعنى المورّى به أن الرِّجل في لغة العرب هي القطعة العظيمة من الجراد([96])،
قال الشاعر([97]):
فإن لم أصبّحكمْ بها مستطيرةً
كمـــا
زَهَـت النَّكباءُ رِجْلَ جـــــراد
ومن هذا الباب أيضاً قولك: "والله ما
قدّمت في هذا الأمر رجلاً ولا أخرتها"([98]).
ومن الكلمات التي يورّى بها بمعنى الجراد أيضاً كلمة (خِرْقة).
تقول: "والله ما عند فلان خِرْقةٌ
يلبسها"([99]).
فالخرقة:
القطعة من الجراد([100]).
قال الشاعر([101]):
صُبَّتْ على مزرعة ابن واصلٍ
خِرقـــــةُ
رِجْــــلٍ من جـــــراد نـــــــازل
أبو سلمان: وتقول: والله ما لقيت أبا سلمان ولا كلمته"([102]).
فظاهر النص
يوحي بأنّ أبا سلمان كنية لرجل، ولكن المعنى المورّى به أنه ضرب من الجعــلان([103]).
قـــال ابن دريد في الجمهـــــرة ...
وأبو سلمان دويبه شبيهة بالجعل([104]).
وقال مجد
الدين ابن الأثير: "أبو سلمان هو الجعل وقيل: هو الوزغ، وقيل دويبة تشبه
الجعل له جناحان"([105]).
وقال ابن الأعرابي: أبو سلمان كنية للجعل وقيل: هو أعظم الجعلان، وقال كراع: كنيته أبو جعران([106]).
المبحث الثالث
التورية في أسماء النبات
ذكر ابن دريد أسماء للنبات كثيرة، وجاءت منثورة في صفحات الكتاب دون نسق معيّن، فعمد الباحث إلى إحصائها وتصنيفها وفق دلالتها ظاهرا وباطنا، فكان لزاما تقسيم المبحث إلى مطلبين:
يوضّح الأول ما دلّ ظاهره على نبات وباطنه
خلاف ذلك، ويوضّح الثاني ما دلّ باطنه على نبات وظاهره خلاف ذلك، وبيان ذلك
في الآتي:
في الآتي:
المطلب الأول:
ما دلّ ظاهره على نبات ومقصده خلاف ذلك:
أورد ابن دريد في ملاحنه كلمات تدلّ في ظاهرها على نبات
ولكن السياق الذي استعملت فيه يدلّ على شئ مختلف تماما عن النبات. أما
الأسماء بدلالتها الظاهرة فهي إمّا تدل على الشجر
ومتعلقاته من أغصان وأوراق، وإما تدلّ على الثمر، وإما تدلّ على الحشائش والأعشاب،
من هنا رأى الباحث أن يقسّم هذا المطلب إلى ثلاثة أقسام على النحو الآتي:
أولاً: ما دلّ ظاهره على الشجر ومتعلّقاته:
ومن ذلك
كلمتا: النخل والشجر: يقول ابن دريد: وتقول: "والله ما عرفت لفلان
نخلاً ولا شجراً"([107]).
فالنخل في
ظاهر الدلالة شجرة التمر المعروفة([108])،
والشجر اسم جنس للنبات المثمر، ويجمع على شجرات وأشجار.
ولكن
المعنى الباطن المورّى به هنا أن النخل
"مصدر نخلت الشيء أنخله نخلاً، والشجر من قولهم: تشاجر القوم، إذا
اختلفوا"([109]).
وفي القرآن الكريم قوله تعالى: ]فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ
حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ[([110]).
قال ابن دريد في الجمهرة: والنخل مصدر نخلت الدقيق وغيره أنخله نخلاً، وما سقط منه فهو نخالة
ونخال([111]).
وفي اللسان: "النخل: شجر التمر،
والجمع: نخل ونخيل ونخلات، والنخل تنخيلك الدقيق بالمنخل لتعزل نخالته عن لبابه، والنخالة أيضاً
ما نخل من الدقيق"([112]).
قال ابن
دريد في الجمهرة: وكل شيء تداخل بعضه في بعض
فقد تشاجر، وتشاجر القوم بالرماح، إذا تطاعنوا بها وكذلك التشاجر في الخصومة إذا
دخل كلام بعضهم في بعض([113]).
وفي اللسان([114]):
اشتجر القوم: تخالفوا، وشجر بينهم الأمر يَشْجُرُ شَجْراً تنازعوا فيه.
ومن
الكلمات المتّصلة بالنخل العسيب: وتقول:
"والله ما أخذت من أرض فلان عسيباً"([115]).
فالعسيب في ظاهر الدلالة هو عسيب النخل وهو السّعف قبل أن ييبس، ولا يُسمى عسيباً حتى يجرد عنه
الخوص([116])،
وفي اللسان: العسيب: جريدة من النخل مستقيمة
دقيقة يُكشط خوصها. أي الأهداب.
أما المعنى
الباطن المورّى به عند ابن دريد أنّه جبل معروف، قال الشاعر([117]):
أجارتنـــا إن المزار قريــــــب
وإني مقيم ما أقام عسيب
وعسيب الفرس: عَظْمُ ذنبه، وفي الجمهرة: "وعسيب الفرس فقار ذنبه التي عليها منابت الهلب، والهلب
شعر الذنب. وكان الأصمعي يقول: العسيب فقرة من فقر الظهر"([118]).
وفي اللسان: العسيب والعسيبة: عَظْم
الذَّنَب، وقيل مستدقه وقيل: منبت الشعر منه([119]).
الكرمة: وتقول:
"والله ما أفسدتُ لفلانٍ كَرْماً ولا دخلته"([120]).
فالكَرْمُ في ظاهر الدلالة ما دل على شجرة العنب أو أرض زرعت بها([121]).
ولكن المعنى المورّى به هنا أنّها تدل على القلادة([122]).
قال الشاعر([123]):
لقـــــد ولـــــدت غســـــان ثالبـــــة الشّــــــوى
عدوسُ
السُّرى لا يقبلُ الكرْمَ جيدُها
التين: وتقول:
"والله ما أملك تيناً ولا لي أرض فيها تين"([124]).
فالتين في ظاهر الدلالة ثمر معروف([125])، ويقطف صيفاً من
شجرة تسمى باسمه، والمعنى المورّى به هنا أن التين اسم جبل معروف في بلاد
الشام([126])،
وقيل في غطفان([127]).
قال
الشاعر([128]):
صُهبُ التّلالِ أتين التِّيْن عن عُرُض
يُـــــزجيـــــن
غيمـــــاً قليـــــلاً مـــــاؤه شَبِــــمـــــا
فظاهر النص يدل على ورق الشجرة وما ينبت على أغصانها، ولكن المعنى المورّى به أن الورق:
"نضح من الدم على ثوب أو غيره إذا لم يكن كثيراً فاحشاً"([130]).
قال الشاعر
يصف جروحاً بحمار وحش([131]):
ترى به من كل مرشاش الـــــــورق
كثامر الحُمّاض من هَفْتِ العَلَق
وفي اللسان: الورق: ورق الشجرة والشوك والكتاب ...
والورق من الدم ما استدار منه على الأرض، وقيل هو الذي يسقط من الجراحة علقاً قطعاً، قال أبو
عبيدة: أوله ورق وهو مثل الرّش([132]).
ثانياً: الثمار:
ومن الأسماء
التي تدلّ بظاهرها على ثمار الأشجار الكلمات الآتية:
الثمرة: وتقول:
"والله ما خرّبت لفلان قرية، ولا أتلفت له ثمرة"([133]).
فالثمرة ما تنتجه الأشجار "وثمر كل
شيء من الشجر، ثَمَرَةٌ وثِمَارٌ وثَمَرٌ، والشجر الثامـــــر
الذي بلغ أوان أن يثمر"([134]).
والثمرة في
المعنى الباطن المورّى
به طرف السوط من القدّ([135]). وقال صاحب اللسان: ثمرة السوط طرفه ... وثمر السياط عقد أطرافها([136]).
به طرف السوط من القدّ([135]). وقال صاحب اللسان: ثمرة السوط طرفه ... وثمر السياط عقد أطرافها([136]).
فالحشفة في
ظاهر الدلالة الرديء من التمر([138])،
وهو من التمر ما لا طعم له ولا لحاء ولا حلاوة، فإذا يبس صلب وفسد([139]).
وقال الجوهري: "الحَشَفُ أردأ التَّمر،
والحَشَفُ اليابس الفاسد من التمر،
وقيل: الضعيف الذي لا نوى له كالشيعب"([140]).
أما الحشفة
بدلالتها الباطنة فتدل على صخرة رخوة تنفرد في فضاء من الأرض([141]).
والحشفة حشفة الذكر([142]).
وذكر صاحب
اللسان أن الحشفة رأس الذكر، والحشفة صخرة رخوة في سهل من الأرض([143]).
الأُبُلة: وتقول:
"والله ما رأيت الأُبُلة قَطُّ ولا أعرفها"([144]).
فيأكل ما رُضَّ من تمرها
ويأبى الأُبُلةَ لم تُرْضَضِ
أما المعنى المورّى به فهو اسم امرأة نبطية ماتت بأرض العرب،
وجاء قومها يطلبونها فأنكرها
العرب([147]).
وجاء في
معجم البلدان: الأُبُلة: بلدة على شاطئ دجلة البصرة العظمى في زاوية الخليج الذي
يدخل إلى مدينة البصرة، وهي أقدم من البصرة([148]).
الجوز: وتقول:
"والله ما أخذت لفلان جوزاً ولا بعته ولا أمرت بإتلافه"([149]).
فالمعنى
القريب هنا الجوز الذي يؤكل، وهو شجرة مثمرة من الفصيلة الجوزية، قال ابن منظور:
"وأصل الجوز فارسي، وقد جرى في كلام العرب وأشعارها، وخشبه موصوف عندهم
بالصلابة والقوة"([150]).
أما المعنى البعيد المورّى به فهو الوسط، "وجوز كل شيء وسطه"([151]).
والأجواز:
الأوساط([152]).
الثومة: وتقول:
"والله ما أكلت ثومةً ولا مضغتها"([153]).
فالثوم شجر معروف، وفي اللسان: "الثوم هذه البقلة معروف، وهي ببلد العرب كثيرة منها بري ومنها
ريفي واحدته ثومة"([154]).
والمعنى
المورّى به هنا: قبيعةُ السيف تشبيهاً([155]).
وقال صاحب
اللسان: والثومة قبيعة السيف على التشبيه
لأنها على شكلها([156]).
والقبيعة التي على رأس قائم السيف، وهي التي يدخل القائم فيها وربما اتخذت
من فضة على رأس السكين، وفي الحديث: كانت قبيعة سيف
فالشعيرة واحدة الشعير من البذور المعروفة، ولكنّ المعنى المورى به هنا رأس المسمار من الفضة أو
الحديد في قائم السيف([159])،
قال الراجز([160]):
كأنَّ وكْــــــتَ عينــــه الضريـــرة
شعيــــــرةٌ في قائــــم مسحـــــــــورة
أي رأس
المسمار.
وجاء في
الجمهرة: "وشعيرة السيف من فضة أو حديد، وهي رأس الكلب، والكلب:
المسمار في قائم السيف"([161]).
وفي اللسان: "والشعيرة هنّة تصاغ من فضة أو حديد على شكل
الشعيرة تدخل في السيلان فتكون مساكاً لنصاب السكين والنصل، وقد أشعر السكين: جعل لها شعيرة، والشعيرة: حلي يُتخذ من فضة
مثل الشعير على هيئة الشعيرة"([162]).
ثالثاً: الورود:
ومنها:
الزنبق: وتقول: "والله ما ملكت زنبقاً
ولا أخذته من فلان ولا اغتصبته عليه"([163]).
فالزنبق في ظاهر الدلالة: الورد([164])،
أي الزهر وهو نبات
معروف في الشام بهذا الاسم، "وكانت العرب تسميه السوسن الأبيض وسون أزاز. وهو جنس زهر من الفصيلة الزنبقية، أنواعه
وضروبه كثيرة"([165]).
وقــــــال صاحـــــب اللسان: الزنبــــــق،
دهــــــن
الياسمين([166]).
وحنّت بقــاع الشام حتى كأنمــــا
لأصواتها في منزل القوم زنبق
أي الزمارة أو المزمار. قال صاحب اللسان: والزنبق: الزمارة أو المزمار([169]).
الآس: وتقول:
"والله مالي أرض فيها آس ولا أملك آساً"([170]).
فالآس عند العرب في ظاهر اللفظ ضرب من الرياحين، وقال
أبو حنيفة في (النبات) يثبت في السهل والجبل وخضرته دائمة حتى يكون شجراً
عظاماً، واحدته: آسة([171]).
وقال الشاعر([172]):
بــــه الظيــــان
والآس
فالظيان
ياسمين البر، والآس الرياحين.
هذا فيما يدل على ظاهر الدلالة في استعمال العرب، أما المعنى المورّى به هنا فهو العسل أو بقية من
العسل.
وقال ابن
منظور في اللسان: الآس: العسل، وقيل هو منه
كالكعب من السَّمنِ([173]).
وقال ابن
دريد في الجمهرة: الآس باقي العسل في موضع
النحل([174]).
وعن أبي عمرو:
الآس:
أن تمر النحل فيسقط منها نقط من العسل على الحجارة([175]).
رابعاً: الحشائش:
ومنها: الحشيش: وتقول: "والله
ما أخذت
حشيشاً ولا استهلكته ولا عرفت مكانه"([176]).
فالحشيش في
ظاهر الدلالة: ما تنبته الأرض من أعشاب غير مثمرة([177]).
ولكن المعنى المورّى به هنا أنه ولد الشاة أو الناقة يموت في بطنها ويبقى حتى تطرحه في العام
المقبل، جاء في الجمهرة([178]):
قال أبو عبيدة: خرج الولد من بطن أمه حشيشاً وأحشوشاً: إذا خرج يابساً ميتاً وقد
أتى عليه حول. وفي اللسان([179]):
أحشّت المرأة والناقة وهي محشُّ: حشّ ولدها في رحمها أي يبس وألقته حشاً ومحشوشاً
وأحشوشاً.
القضيب: وتقول:
"والله ما حملت بيدي قضيباً قط ولا رفعته"([180]).
فالقضيب في
ظاهر الدلالة النبات الذي يقتضب ويُحمل في
اليد، ومنه قوله تعالى: ]وَعِنَباً وَقَضْباً[([181]). وجاء في الجمهرة: "والقضيب: كل نبت من الأعضاء
التي تُقطع"([182]).
وفي اللسان: ... والقضيب: الغصن. وهو أيضاً كل
نبت من الأغصان له ُقضَب، والجمع قُضُب وقُضْبان([183]).
أما المعنى
الباطن المورّى به هنا أن القضيب وادٍ معروف باليمن([184]).
وقال صاحب اللسان: "وقضيب: واد معروف بأرض قيس، فيه قتلت مراد عمرو بن أمامة، وفي ذلك يقول
طرفة([185]):
ألا إن خيـــــر النــاس حيـاً وهالكـــــــاً
ببطن قضيب عارفاً ومناكراً([186])
التِّبْن: وتقول:
"والله ما عندي تِبنٌ ولا يحويه مِلْكي"([187]).
والتبن في لغة العرب معروف، وهو "عصيفة الزرع من
البُرّ ونحوه"([188]).
واحدته: تبنة.
ولكن
المعنى المورّى به هنا أنّه الإناء العظيم من
الخشب الذي لم تحكم صنعته([189])،
وقال ابن دريد في الجمهرة: التبن: العسّ
العظيم من الخشب يُجلب فيه([190]).
وقال صاحب اللسان: التبن بكسر التاء وسكون الباء: أعظم الأقداح، يكاد يروي
العشرين، وقيل: هو الغليظ الذي لم يُتنوق في صنعته"([191]).
قال ابن
بري وغيره: ترتيب/الأقداح: الغمر، ثمّ القعب يروي الرجل، ثم القدح يروي الرجلين، ثم
العسّ يروي الثلاثة والأربعة، ثمّ الرفد، ثم الصحن مقارب التبن([192]).
القصب: وتقول:
"والله ما أملك قَصَبَاً ولا له عندي؟"([193]).
فالقصب في
ظاهر المعنى نبات يعيش على أطراف الأودية،
ومنه قصب السكر([194]).
ولكن
المورّى به هنا أنه "كل عظم فيه مخ"([195]).
وفي اللسان: "القصب": كل عظم
مستدير أجوف ... فيه مخ"([196]).
وقال الأصمعي: قصبة العضد: عظمها، وكلّ عظم أجوف فيه مخ فهو قصبة، والجمع قصب، مثل
العضدين والساقين والفخدين والذراعين"([197]).
*
*
المطلب الثاني: ما دلّ باطنه على نبات وظاهره خلاف ذلك:
حيث أورد
ابن دريد كلمات تدلّ بباطنها على نبات من شجر
أو ثمر أو حشائش، ويتحدد ذلك بالسياق الذي جاءت فيه، ولكن ظاهرها إذا نُزع
من سياقه فإنّه يدلّ على شيء مختلف تماما.
ومن ذلك
كلمة: النجم: وتقول: "والله ما تنجمت قط ولا عرفت وقت طلوع
النجم"([198]).
فظاهر النص يوحي بعلم
التنجيم، والنجم على ذلك ما نراه ليلاً في
السماء، أما المعنى الباطن فهو: كلّ ما نجم من الأرض من نبات مما لم يكن له ساق([199]).
وجاء في الجمهرة: "النجم
ما نجم من البقل على غير ساق، والفصل بين النجم والشجر أن النجم يُذهبه الصيف فلا يبقى له
أثر، والشجر يبقى له ساق"([200]).
وفي اللسان: المُنجّم
والمُتنجّم الذي ينظر في النجوم بحسب مواقيتها
وسيرها، والنجم في النبات ما نبت على وجه
الأرض ونجم من غير ساق وتسطح فلم ينهض([201]).
وعليه يكون المعنى الباطن للتنجيم: أن تحفر
عن أصول النجم فتأكله([203]).
الجفنة: وتقول: "والله ما حضرت لفلان جفنة قط ولا
رأيتها"([204]).
فالجفنة في
ظاهر الدلالة معروفة عند العرب، وهي القِدْرُ الكبير أو ما يشبهها "وهي أعظم
ما يكون من القصاع"، والجمع جفان وجُفُن([205]).
وجمعها
حسان بن ثابت على (جَفِنَات) يقول([206]):
لنا الجَفِناتُ الغُرُّ يلمعن بالضحى
وأسيافنـــــا
يقطــرن من نجـــــدة دمــــــاً
والمعنى الباطن المورّى به هنا هو: أصل الكَرْم([207]).
جاء في
الجمهرة: ... والجفن: الكرم، وقال قوم بل أصل الكرم جفنة"([208]).
وفي
اللسان: "والجفنة ضرب من العنب، والجفنة:
الكرم، وقيل: الأصل من أصول الكرم، وقيل قضيب من قضبانه، وقيل ورقه"([209]).
وأياً كانت الجفنة فهي تدل على العنب أو ما يتصل به من شجره.
القوس: وتقول:
"والله ما أخذت لفلان قوساً ولا أملك قوساً"([210]).
والقوس في
ظاهر المعنى معروفة هي التي يُرمى بها العدوُّ
أو الصيد([211])،
ولكن المعنى المورّى به هنا أنها تدلّ على باقي التمر في الجلّة([212]).
والجلّة وعاء يُحمل به التَّمرُ بعد جنيه.
فدلالة سعدان الظاهرة من السياق اسم علم،
وقد سمت العرب به، وفي تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني: سعدان بن بشر الجهني، وسعدان بن سالم، وسعدان بن يحيى([214]).
أما الدلالة الباطنة المورّى بها لكلمة سعدان أنّه
ضرب من النبات معلوم([215]).
قال ابن دريد في الجمهرة: "... والسعد أصول
ألبان الإبل([216]).
وجاء في معجم أسماء النبات: "وقال أبو حنيفة:
من الأحرار السعدان وهي غير اللون حلوة، يأكلها كل شيء، وليست بكبيرة، وهي من أنجع
المرعى([217]).
الخلى: "والله ما أخليتُ فلاناً في
منزِلٍ ولا غيرِه"([218]).
فظاهر الدلالة يشير إلى الخلوة والتفرد بالشخص، ولكن
الدلالة الباطنة للخلى: الحشيش([219]).
وجاء في الجمهرة: الخلى وهو الحشيش، والخلى: الرَّطب([220]).
وفي اللسان: الخلا: الرَّطب من النبات واحدته خلاة([221]).
وقال الجوهري: الخلى: الرَّطب من الحشيش([222]).
البعل: وتقول: "والله ما عرفت
لفلانة بعلاً ولا زوجاً"([223]).
فالبعل
في لغة العرب هو الزوج([224]).
أمـــــا المعنــى المــــورّى
به هنا فهو النخـــــل
المستبعل الذي يشرب ماء السماء.
جاء في
الجمهرة: والبعل النخل الذي يشرب بعروقه
ويستغني عن المطر ... واستبعل النخل إذا صار بعلاً([226]).
الخاتمة:
توصلت
الدراسة إلى جملة من النتائج أهمها:
-
اللحن في العربية يدلّ على: اللحن النحوي في حركات
أواخر الكلم، ويدل أيضا على اللحن اللغوي في دلالات الألفاظ ومعانيها.
-
اللحن اللغوي في دلالات الألفاظ هو ما عُرف عند البلاغيين بالتورية أو بـ(أسلوب
الحكيم) في أحد مفهوميه.
-
تكون اليمين على نية الحالف في كل الأحوال إلا إذا استحلفه القاضي أو نائبه
في دعوى توجهت عليه "فتكون على نيّة المستحلف".
-
التورية في القَسَم لا تجوز شرعا إذا أوقعت ظلما
على أحد، أو هضمت حقا لأحد، وتجوز
إذا دفعت ظلما عن أحد، أو أثبتت حقا لأحد.
-
الجَمَل أكثر الحيوانات التي تحمل أسماءً في التورية وذلك لشيوع ألفته
واستعماله عند العرب.
-
النخيل أكثر النباتات التي تحمل أسماءً في التورية وذلك لكثرة الاعتماد
عليها في الطعام ولشيوعها في البيئة العربية.
-
تأتي أسماء الحيوان لتدل أحيانا على النبات
مثل: العجلة التي ظاهر دلالتها أنثى العجل وباطنها
ضرب من النبات مستطيل.
- تأتي أسماء النبات لتدل أحيانا على
الحيوان مثل: الحشيش الذي ظاهر دلالته النبات
وباطنها ولد الناقة يموت في بطنها.
- تأتي أسماء الحيوان لتدل في باطنها على حيوان آخر مثل:
القلوص، فظاهر دلالتها الناقة وباطنها فرخ الحبارى.
الهوامش:
ينظر: الجمهرة،
ج3، ص139.
(61) ومن أسماء الطيور التي يُسمى بها أجزاء من الفرس:
الفرخ/ العصفور: وهو دماغ الفرس أو هامتها، ما يقع وسط الرأس. الصلصل/ وهو ناصيته البيضاء. اليعسوب/ ذكر
النحل: غرّة دقيقة في الفرس. الفراش/ حشرة: ما يحجب الدماغ من شعر أعلى الرأس. السّماني/ عصفور صغير: ويدل على بياض العين. الذباب/ حشرة: وهو الناظر
الذي في سواد العين. الصّرد/ وهو عرق في الساق.
الخطاف/ موضع عقب الفارس. الرخمة/ تشبه الحمامة: وتدل على اللحم الذي في باطن الفخدين. الفرايان/ عظما
الوركين الناتئان.
حنّت حنيناً كثؤاج الســــــنّ
في قصب أجوف مرثعن
(89) الجمهرة: ج2، ص421، وأنشد بيتاً منحولاً للأخطل، ذكره صاحب
اللسان مرتين غير منسوب في مادتي (خطل)
و(غفف)، والبيت هـــــو:
يديــــر النهــــار يُحشِّر لــــه
كما عالج الغفّة الخيطل
(117) البيت لأمرئ
القيس، ينظر ديوان الشاعر قصيدة رقم (97)، ص357، وذُكر في الجمهرة، ج1،
ص286، وفي اللسان، (عسب). وفي معجم البلدان لياقوت الحموي
(عسيب)، دار
صادر بيروت، 1977م.
تالله يبقى على الأيام ذو حيد
بــمشمخـــرٍّ بـــه الظيّــــان والآس
وروايته في شعر
مالك الهذلي في شرح أشعار الهذليين للسكري:
ج1، ص439 وهي:
يا ميُّ لن يعجز الأيام ذو خدم
بــــمشمخــــرٍّ بـــــه الظيـــــان والآس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق