الخميس، 7 مارس 2013

ضروب البلاغة

قال أبو سليمان: البلاغة ضروب: فمنها بلاغة الشعر ومنها بلاغة الخطابة ومنه بلاغة النثر، ومنها بلاغة المثل، ومنها بلاغة العقل، ومنها بلاغة البديهة، ومنها بلاغة التأويل.
قال: فأما بلاغة الشعر فأن يكون نحوه مقبولاً، والمعنى من كل ناحية مكشوفاً، واللفظ من الغريب بريئاً، والكناية لطيفة، والتصريح احتجاجاً، والمؤاخاة موجودة، والمواءمة ظاهرة.
وأما بلاغة الخطابة فأن يكون اللفظ قريباً، والإشارة فيها غالبة، والسجع عليها مستولياً، والوهم في أضعافها سابحاً، وتكون فقرها قصاراً، ويكون ركابها شوارد إبل.
وأما بلاغة النثر فأن يكون اللفظ متناولاً، والمعنى مشهوراً، والتهذيب مستعملاً، والتأليف سهلاً، والمراد سليماً، والرونق عالياً، والحواشي رقيقة، والصفائح مصقولة، والأمثلة خفيفة المأخذ، والهوادي متصلة، والأعجاز مفصلة.
وأما بلاغة المثل فأن يكون اللفظ مقتضباً، والحذف محتملاً، والصورة محفوظة، والمرمى لطيفاً، والتلويح كافياً، والإشارة مغنية، والعبارة سائرة.
وأما بلاغة العقل فأن يكون نصيب المفهوم من الكلام أسبق إلى النفس من مسموعه إلى الأذن، وتكون الفائدة من طريق المعنى أبلغ من ترصيع اللفظ، وتقفية الحروف، وتكون البساطة فيه أغلب من التركيب، ويكون المقصود ملحوظاً في عرض السنن، والمرمي يتلقى بالوهم لحسن الترتيب.
وأما بلاغة البديهة فأن يكون انحياش اللفظ للفظ في وزن انحياش المعنى للمعنى، وهناك يقع التعجب للسامع، لأنه يهجم بفهمه على ما لا يظن أنه يظفر به كمن يعثر بمأموله، على غفلةٍ من تأميله، والبديهة قدرةٌ روحانية، في جبلةٍ بشرية، كما أن الروية صورةٌ بشرية، في جبلةٍ روحانية.
وأما بلاغة التأويل فهي التي تحوج لغموضها إلى التدبر والتصفح، وهذان يفيدان من المسموع وجوهاً مختلفة كثيرةً نافعةً، وبهذه البلاغة يتسع في أسرار معاني الدين والدنيا، وهي التي تأولها العلماء بالاستنباط من كلام الله عز وجل وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم في الحرام والحلال، والحظر والإباحة، والأمر والنهي، وغير ذلك مما يكثر؛ وبها تفاضلوا، وعليها تجادلوا، وفيها تنافسوا، ومنها استملوا، وبها اشتغلوا؛ ولقد فقدت هذه البلاغة لفقد الروح كله، وبطل الاستنباط أوله وآخره، وجولان النفس واعتصار الفكر إنما يكونان بهذا النمط في أعماق هذا الفن؛ وها هنا تنثال الفوائد، وتكثر العجائب، وتتلاقح الخواطر، وتتلاحق الهمم، ومن أجلها يستعان بقوى البلاغات المتقدمة بالصفات الممثلة، حتى تكون معينةً ورافدةً في إثارة المعنى المدفون، وإنارة المراد المخزون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق