كتبهابلال عبد الهادي ، في 2 نيسان 2011 الساعة: 21:41 م
من الغريب الواقع أن حملة العلم في الملة
الإسلامية أكثرهم العجم، وليس في العرب حملة علم، لا في العلوم الشرعية ولا في
العلوم العقلية، إلا في القليل النادر. وإن كان منهم العربي في نسبه، فهو أعجمي في
لغته ومرباه ومشيخته، مع أن الملة عربية، وصاحب شريعتها عربي. والسبب في ذلك أن
الملة في أولها لم يكن فيها علم ولا صناعة، لمقتضى أحوال السذاجة والبداوة، وإنما
أحكام الشريعة التي هي أوامر الله ونواهيه، كان الرجال ينقلونها في صدورهم، وقد
عرفوا مأخذها من الكتاب والسنة، بما تلقوة من صاحب الشرع وأصحابه. والقوم يرمئذ عرب
لم يعرفوا أمر التعليم والتآليف والتدوين، ولا دفعوا إليه ولا دعتهم إليه
الحاجة.
وجرى الأمر على ذلك زمن الصحاية والتابعين وكانوا يسموق المختصين بحمل ذلك. ونقله القراء أي الذين يقرأون الكتاب وليسوا أميين، لأن الأمية يومئذ صفة عامة في الصحابة بما كانوا عرباً، فقيل لحملة القرآن يومئذ قراء، إشارة إلى هذا. فهم قراء لكتاب الله والسنة المأثورة عن الله، لأنهم لم يعرفوا الأحكام الشرعية إلا منه. ومن الحديث، الذي هو في غالب موارده تفسير له وشرح قال صلى الله عليه وسلم: " تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي " . فلما، بعد النقل من لدن دولة الرشيد فما بعد احتيج إلى وضع التفاسير القرآنية، وتقييد الحديث مخافه ضياعه، ثم احتيج إلى معرفة الأسانيد وتعديل الناقلين للتمييز بين الصحيح من الأسانيد وما دونه، ثم كثر استخراج أحكام الوقائع من الكتاب والسنة وفسد مع ذلك اللسان، فاحتيج إلى وضع القوانين النحوية، وصارت العلوم الشرعية كلها ملكات في الاستنباط والاستخراج والتنظير والقياس، واحتاجت إلى علوم أخرى هي وسائل لها: من معرفة قوانين العربيه وقوانين ذلك الاستنباط والقياس والذب عن العقائد الإيمانية بالأدلة لكثرة البدع والإلحاد، فصارت هذه العلوم كلها علوماً ذات ملكات محتاجة إلى التعليم، فاندرجت في جملة الصنائع.
وقد كنا قدمنا أن الصنائع من منتحل الحضر، وأن العرب أبعد الناس عنها، فصارت العلوم لذلك حضرية وبعد العرب عنها وعن سوقها. والحضر لذلك العهد هم العجم أو من في معناهم من الموالي وأهل الحواضر، الذين هم يومئذ تبع للعجم في الحضارة وأحوالها من الصنائع والحرف، لإنهم أقوم على ذلك للحضارة الراسخة فيهم منذ دولة الفرس، فكان صاحب صناعة النحو سيبويه والفارسي من بعده والزجاج من بعدهما، وكلهم عجم في أنسابهم. وإنما ربوا في اللسان العربي، فاكتسبوه بالمربى ومخالطة العرب، وصيروه قوانين وفناً لمن بعدهم.
وكذا حملة الحديث الذين حفظوه على أهل الإسلام أكثرهم عجم أو مستعجمون باللغة والمربى لاتساع الفن بالعراق.
وكان علماء أصول الفقه كلهم عجماً كما يعرف، وكذا حملة علم الكلام وكذا أكثر المفسرين. ولم يقم بحفظ العلم وتدوييه إلا الأعاجم. وظهر مصداق قوله صلى الله عليه وسلم: " لو تعلق العلم بأكناف السماء، لناله قوم من أهل فارس " .
وأما العرب الذين أدركوا
هذه الحضارة وسوقها وخرجوا إليها عن البداوة فشغلتهم الرياسة في الدولة العباسية
وما دفعوا إليه من القيام بالملك عن القيام بالعلم، والنظر فيه، فإنهم كانوا أهل
الدولة وحاميتها وأولي سياستها، مع ما يلحقهم من الأنفة عن انتحال العلم حينئذ بما
صار من جملة الصنائع. والرؤساء ابداً يستنكفون عن الصنائع والمهن، وما يجر إليها،
ودفعوا ذلك إلى من قام به من العجم والمولدين. وما زالوا يرون لهم حق القيام به،
فإنه دينهم وعلومهم، ولا يحتقرون حملتها كل الاحتقار. حتى إذا خرج الأمر من العرب
جملة وصار للعجم، صارت العلوم الشرعية غريبة النسبة عند أهل الملك، بما هم عليه من
البعد عن نسبتها، وامتهن حملتها بما يرون أنهم بعداء عنهم مشتغلين بما لا يغني ولا
يجدي عليهم، في الملك والسياسة كما ذكرناه في فصل المراتب الدينية. فهذا الذي
قررناه هو السبب في أن حملة الشريعة أو عامتهم من العجم.وجرى الأمر على ذلك زمن الصحاية والتابعين وكانوا يسموق المختصين بحمل ذلك. ونقله القراء أي الذين يقرأون الكتاب وليسوا أميين، لأن الأمية يومئذ صفة عامة في الصحابة بما كانوا عرباً، فقيل لحملة القرآن يومئذ قراء، إشارة إلى هذا. فهم قراء لكتاب الله والسنة المأثورة عن الله، لأنهم لم يعرفوا الأحكام الشرعية إلا منه. ومن الحديث، الذي هو في غالب موارده تفسير له وشرح قال صلى الله عليه وسلم: " تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي " . فلما، بعد النقل من لدن دولة الرشيد فما بعد احتيج إلى وضع التفاسير القرآنية، وتقييد الحديث مخافه ضياعه، ثم احتيج إلى معرفة الأسانيد وتعديل الناقلين للتمييز بين الصحيح من الأسانيد وما دونه، ثم كثر استخراج أحكام الوقائع من الكتاب والسنة وفسد مع ذلك اللسان، فاحتيج إلى وضع القوانين النحوية، وصارت العلوم الشرعية كلها ملكات في الاستنباط والاستخراج والتنظير والقياس، واحتاجت إلى علوم أخرى هي وسائل لها: من معرفة قوانين العربيه وقوانين ذلك الاستنباط والقياس والذب عن العقائد الإيمانية بالأدلة لكثرة البدع والإلحاد، فصارت هذه العلوم كلها علوماً ذات ملكات محتاجة إلى التعليم، فاندرجت في جملة الصنائع.
وقد كنا قدمنا أن الصنائع من منتحل الحضر، وأن العرب أبعد الناس عنها، فصارت العلوم لذلك حضرية وبعد العرب عنها وعن سوقها. والحضر لذلك العهد هم العجم أو من في معناهم من الموالي وأهل الحواضر، الذين هم يومئذ تبع للعجم في الحضارة وأحوالها من الصنائع والحرف، لإنهم أقوم على ذلك للحضارة الراسخة فيهم منذ دولة الفرس، فكان صاحب صناعة النحو سيبويه والفارسي من بعده والزجاج من بعدهما، وكلهم عجم في أنسابهم. وإنما ربوا في اللسان العربي، فاكتسبوه بالمربى ومخالطة العرب، وصيروه قوانين وفناً لمن بعدهم.
وكذا حملة الحديث الذين حفظوه على أهل الإسلام أكثرهم عجم أو مستعجمون باللغة والمربى لاتساع الفن بالعراق.
وكان علماء أصول الفقه كلهم عجماً كما يعرف، وكذا حملة علم الكلام وكذا أكثر المفسرين. ولم يقم بحفظ العلم وتدوييه إلا الأعاجم. وظهر مصداق قوله صلى الله عليه وسلم: " لو تعلق العلم بأكناف السماء، لناله قوم من أهل فارس " .
وأما العلوم العقلية أيضاً فلم تظهر في الملة إلا بعد أن تميز حملة العلم ومؤلفوه.
واستقر العلم كله صناعة، فاختصت بالعجم وتركها العرب، وانصرفوا عن انتحالها، فلم يحملها إلا المعربون من العجم، شأن الصنائع كما قلناه أولاً. فلم يزل ذلك في الأمصار الإسلامية ما دامت الحضارة في العجم وببلادهم من العراق وخراسان وما وراء النهر. فلما خربت تلك الأمصار وذهبت منها الحضارة، التي هي سر الله في حصول العلم والصنائع، ذهب العلم من العجم جملة لما شملهم من البداوة. واختص العلم ألامصار الموفورة الحضارة. ولا أوفر اليوم في الحضارة من مصر فهي أم العالم وإيوان الإسلام وينبوع العلم والصنائع. وبقي بعض الحضارة فيما وراء النهر، لما هناك من حضارة بالدولة التي فيها، فلهم بذلك حصة من العلوم والصنائع لا تنكر. وقد دلنا إلى ذلك كلام بعض علمائهم في تآليف، وصلت إلينا إلى هذه البلاد، وهو سعد الدين التفتازاني. وأما غيره من العجم، فلم نر لهم، من بعد الإمام ابن الخطيب ونصير الدين طوسي كلاماً يعول على نهايته في الإصابة. فاعتبر ذلك وتأمله تر عجباً في أحوال الخليقة. والله يخلق ما يشاء لا إله إلا هو وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وحسبنا الله ونعم الوكيل والحمد لله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق