السبت، 16 مارس 2013

"المستحيل"..لن يكون صينياً

بقلم غزوان بريك، خبير إعلامي في إذاعة الصين الدولية

لم تعرف الأمة الصينية عبر تاريخها الطويل كلمة "المستحيل"، فهي وإن عانت طويلا من ويلات الحروب والنزاعات والكوارث الطبيعية ، إلا أنها رفضت دائماً الرضوخ، ولم تستسلم أبداً كما فعل البعض ممن ربط مصيره بقرارات غير وطنية، فتعرض للنهب والظلم، وبات مجرد تابع ينفذ قرارات الآخرين، بدلاً من الاعتماد على عقول وسواعد أبنائه.

لن نخوض في أعماق التاريخ أكثر، فالعصر الحديث يشهد ويؤكد بأن الأمة الصينية نفضت عن كتفيها غبار الزمن الصعب، ونهضت من تحت ركام ظروفها الصعبة والاستثنائية، لتسطر للعالم بحروف من ذهب "أسطورة" بكل معنى الكلمة، بعد أن أثبتت في فترة قصيرة لا تقارن بعمر الزمن، ولا بتاريخ نشأة الحضارات والأمم، بأنها أمة عظيمة وجبارة.. أمة تستحق الأفضل، ما دامت تملك العزيمة والإصرار، فقالت للعالم: " المستحيل ليس صينياً ".

فيما تتواصل أعمال الدورتين (النيابية والاستشارية)، وبعد انتخاب رئيس وأعضاء المجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، وهو أعلى جهاز استشاري في البلاد، ما تزال بعض الأصوات النشاز تشكك بشكل وطبيعة النهج الجديد الذي ستتخذه الحكومة الصينية الجديدة، بهدف النيل من نجاحات الصين المستمرة وتصاعد مكانتها دولياً، فتارة يتهمون التجربة الديمقراطية الصينية بأنها استنساخ للديمقراطيات الغربية، على الرغم من تأكيدات القيادة الصينية الصريحة والمعلنة بضرورة التمسك بثبات بقيادة الحزب الشيوعي والالتزام بنظام التعاون بين الأحزاب المتعددة والمشاورات السياسية، وتارة أخرى يشككون بقدرة الحكومة الجديدة على مواصلة صناعة الإنجازات والارتقاء بمعدلات النمو الاقتصاية التي جعلت من الصين ثاني أكبر اقتصاد عالمي الخ .. من الإنجازات والاختراقات التي تحققت خلال الفترة السابقة، وكل ذلك لتثبيط عزيمة الصينيين حكومة وشعباً، ولا سيما خلال هذه المرحلة الحساسة من تاريخ الصين.

لكن وبغض النظر عن كل ما يقال، ." ألم تكن الخطوات الأولى لسياسة الإصلاح والانفتاح عام (1978) أصعب من الظروف الحالية بكثير؟، ألم تكن الظروف السياسية والاقتصادية الصينية في وضع سيئ؟ ألم تكن الضغوط والتحديات المفروضة على الحكومة والشعب قاسية ودقيقة وحاسمة ؟.
ورغم ذلك كله، بزغ الفجر الجديد للتنين الصيني، وتوالت المكاسب وتعاظمت الإنجازات، وبالتالي فإن الحكومة الجديدة لن تقبل أبداً أن تكون أقل كفاءة من سابقتها، ولن تدخر جهداً لتعزيز مسيرة التطور وتحويل الوعود إلى حقيقة، ولن تسمح مطلقاً بالمساس بنهج الإصلاح والانفتاح وستواصل عملها بدقة وإصرار ومواكبة روح العصر، دون نسيان حكمة الأجيال السابقة، فكلمات الزعيم الراحل "دينغ شياو بينغ" حاضرة دائماً في عقولهم:
"عبور النهر مع تلمس الحصى".

نتائج هذه الحقائق بدأت فعلياً بالظهور على أرض الواقع بعد اختتام أعمال المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني وما تم تطبيقه من سياسات جديدة وجدية كخفض الإنفاق ومحاربة الفساد وتعزيز سلطة القانون وزيادة تحرير العقول الخ...فيما تشير خطة الإصلاح المؤسسي لمجلس الدولة وتحويل وظائف الحكومة المقدمة للدورة التشريعية الوطنية، وما سينجم عنها من خفض لعدد الوزارات من (27) إلى (25)، لأهمية العمل الملتزم لتحجيم البيروقراطية والتدخل الإداري في السوق والقضايا الاجتماعية، كما تؤكد من جهة أخرى أن الديمقراطية التشاورية الصينية هي نموذج ديمقراطي خاص بالصين، يتخذ من الدستور وميثاق المؤتمر والسياسات ذات الصلة أساساً، كما يدمج التشاور والمراقبة والمشاركة لضمان حقوق جميع أبناء الشعب.

تمضي الصين بخطى ثابتة نحو عصر جديد، متسلحة بسياساتها الحكيمة، واقتصادها المتين، وستستفيد الحكومة الجديدة من الإرث الغني الموروث لتواصل بفكر جديد إرساء مزيد من الإصلاحات لتحقيق أهداف الخمسية الثانية عشرة وكسب رهانات العشرية الحاسمة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق