الأحد، 3 مارس 2013

أسرار الأسنان

قرأت امس مثلا عربيا مأثورا. لا يخلو من طرافة ولعب لغويّ وصدق عمليّ. والمثل المأثور يقول:" كلّ سرّ جاوز الاثنين شاع". المثل المتولّد من هذا المثل، والامثال منجاب، ومن الطريف قراءة تحولات الامثال. المعروف ان الامثال لا تحبّ من يلعب بالفاظها كثيرا، وان كانت لا تبالي بالاماكن التي توضع بها. فهي ذات طبيعة ثنائية : جامدة من حيث الالفاظ ولينة من حيث الدلالات.
واللعب بالامثال متعدد منه اللعب الصوتي، او ان شئت الابدال الصوتي، ابدال حرف بحرف في مثل قد لا يغير معناه الكلّي بل يذهب الى تعميق معناه الاول، كما في مثل كلبيّ يقول:" حطو دنب الكلب اربعين يوم في القالب قام طعج القالب" . طعجة القالب تعمق عدم امكانية "تجليس" ذنب الكلب بل وافساد القالب الذي يريد اصلاح اعوجاج ذنب الكلب. المثل المستولد يمنح المثل العتيق رهْجة غير منكورة.
المل الذي سمعته امس او قرأته يقول:" كل سرّ جاوز الأسنان شاع". نلحظ ان الاثنين تنازلت عن عرشها لصالح الاسنان. ولكن الملاحظ ذلك القرب الحميم بين الاسنان والاثنين. فالثاء في متداول الالفاظ انسحبت من بين الاسنان حقيقة، فالتلفظ بالثاء يتطلب مغامرة لسانية هي وضع طرفه تحت رحمة الاسنان.

المثل الجديد يلعب على الاثنين، وعلى الواحد.
المثل الجديد يتوخى  الحذر الشديد. سرّك  حتى يكون سرّا عليه ان يبقى طيّ نفسك، لا تقله لأيّ احد، لا تسمح له بأن يعبر اسنانك، فالناس في عالم الاسرار ليسوا آبارا عميقة الاغوار وانما "غرابيل" ثرثارة!
كل سرّ جاوز الاسنان شاع وعضّ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق