الجهاديون الإسلاميون هم المقاتلون الأشاوس في المعارضة السورية المسلحة، وهم الذين حققوا الانتصارات الكبرى على الجيش النظامي، وهم الذين انتزعوا من النظام المنطقة تلو الأخرى. ويقول تقرير فرنسي نشر في مجلة «لوبوان» إن «إحساس هؤلاء الإسلاميين بأنهم يقودون غزوات على طريقة جيوش الفتح الإسلامي الأولى يمنحهم الحماسة والرغبة في القتال حتى الموت». ويشعر الجهاديون في سوريا بالانتشاء والتعالي، ويرون أنهم بدأوا تأسيس دولتهم بعد أن بسطوا نفوذهم وعينوا أمراءهم وأقاموا مؤسساتهم على أرض حرروها بدمائهم. وقال لي أحدهم وأنا أسأله إن كانوا يقاتلون مع علمانيين في ساحة واحدة، فأجاب غاضبا وكأنه يسخر من جهلي: «وهل يوجد علماني على استعداد للموت من أجل بلده!»القول الذي تردده أطياف المعارضة الأخرى المناوئة للإسلاميين، من أن «الأولوية الآن هي لإسقاط النظام الأسدي، وبعدها نرى ماذا نفعل بالنصرة وغير النصرة» يؤسس، عمليا، لحروب مائة عام لا تبقي ولا تذر. وهذا المبدأ، تبنته، وإنْ بصمت، دول حليفة للمعارضة إقليمية ودولية، رأت أن دعم الإسلاميين أو غض الطْرف عنهم، على الأقل، سيؤتي ثمرا نضيجا يشتهى قطافه.اليوم، تتنافس مراكز دراسات غربية، على متابعة الظاهرة، واحتساب عدد الجهاديين الأوروبيين، وتلفت من الآن، أجهزة استخبارات بلدها إلى ضرورة تعقبهم، ووضعهم تحت المجهر باعتبارهم أشخاصا مرشحين بقوة، للقيام بعمليات إرهابية عند عودتهم، علما بأن عددهم بحسب آخر التقديرات لا يزيد على 700 شخص من أوروبا كلها، وليس ألوفا كما هو حال الجهاديين العرب، الذين باتوا يتوافدون من المغرب وتونس وليبيا واليمن والعراق والخليج العربي إلى أرض سوريا لتحريرها. ويطمئن رئيس الاستخبارات الألمانية هانس غيورغ مآسن، الذي يتحدث عن نحو 30 مقاتلا ألمانيا في سوريا، نفسه وأولئك المتحسبين من عودة المقاتلين، إلى أن الجهاديين سيركزون اهتمامهم طوال عام 2013 على سوريا. وكأنما هو يقول لنا بأن أشهرا ما زالت تفصلنا عن مرحلة مواجهة الإسلاميين بعد سوريا.لكن إذا كان للجهاديين من مآخذ على الغرب، تجعلهم على حذر منهم، فهم يعتبرون الأنظمة العربية القائمة وجيوشها غير شرعية. وفي لبنان لا يتوانى أصحاب هذا التوجه عن مهاجمة الجيش، وحتى التعرض له عسكريا، باعتباره جيشا كافرا، وبات ثمة من يظهرون على الشاشات ويستقبلون في برامج تلفزيونية يتحدثون خلالها عن عدم اعترافهم بالدولة اللبنانية ومؤسساتها، منادين بالخلافة بدلا منها، دون أن يرف جفن لقضاء، أو يستدعى أحد لتحقيق، أو يعتبر ذلك، على الأقل، خروجا سافرا عما توافق عليه اللبنانيون وفق دستورهم.هذه ليست إلا بدايات وإرهاصات، لفكر يتعسكر ليس على الأراضي السورية وحدها، لكنه يتمدد في المنطقة بأسلحته وطموحه وروحه الجامحة. والجهاديون الذين يذهبون إلى أرض النصرة في حلب وإدلب والرقة والقصير، لمقاتلة النظام السوري أو تأديب حزب الله، لا يرون في مهمتهم هناك سوى جزء يسير من مهمتهم الأممية الإسلامية الكبرى التي يفترض أن تستكمل، مع مفارقة تجعل إسرائيل كآخر محطات الجهاد. فالفكر الجهادي بعد تجربة أفغانستان والشيشان والعراق ومالي واليمن، لم يعد خفيا. وتلك المجموعات التي تخصصت في القتال الميداني وكان لها فرصة الانتقال من بلد إلى آخر تتكاثر عددا وتتراكم لديها الخبرات الحربية تلو الخبرات.غير صحيح بحسب مجلة «لا نوفل أوبسرفاتور» الفرنسية أن فرنسا وكذلك بريطانيا ومعهما أميركا لم يمدوا المعارضة السورية بالسلاح، وتقول مصادر المجلة إن نوعية الأسلحة تطورت منذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي، لكنها في الوقت نفسه، ثمة تدريبات لعناصر من المعارضة. لكن المجلة تقول إن همة فرنسا واندفاعها لدعم المعارضة بأسلحة أكثر فاعلية فترت، بسبب التخوف من الحركات الإسلامية المتطرفة. وليس صحيحا أيضا أن السُنة في لبنان لم يفتحوا باب الجهاد في سوريا إلا قبل أيام. ودعوة الشيخين أحمد الأسير وسالم الرافعي الاستعراضية، لتشكيل سرايا مقاومة لقتال النظام السوري، شكلية إلى حد كبير؛ إذ إن اللبنانيين يعرفون جيدا أن مقاتلين سُنة وشيعة انغمسوا منذ وقت طويل في الصراع السوري، ولم يكن ينقص انخراطهم هذا سوى الإعلان عنه في مؤتمر صحافي أو بيان علني.الكل يكذب على الكل في سوريا. الجميع متورطون في مكان ما بهذا الصراع الذي بات عبثيا، ما دامت الأطراف على مختلف توجهاتها تعترف أن انتصار فريق على آخر هو أمر لا يبدو قريب المنال، أو سهل التحقيق. نعم الإسلاميون الجهاديون لعبوا دورا كبيرا منذ الشهور الأولى للثورة، وهذا معلوم لدى كل من يعرف الميدان، وهم اليوم جزء وازن في اللعبة، يستخدمهم النظام لتخويف أعدائه كما تستفيد منهم المعارضة وحلفاؤها لتحقيق تقدم على الأرض وتحسين شروط التفاوض. لمرة جديدة يبدو أن الجهاديين يسمنون ليذبحوا في نهاية اللعبة، لكنهم هذه المرة قد لا يقبلون بأن يكونوا وحدهم قرابين على مذبح النفاق الدولي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق