السبت، 29 ديسمبر 2012

روح ميت تستعير جسد حيّ

كان الناس في الصين القديمة مؤمنين بأن روح الانسان تبقى بعد موته. وجاءت خطة " روح الميت تتقمص جسدا آخر" أصلا من قصة اسطورية صينية قديمة تحكي أن أحد المشاهير في الصين القديمة إسمه تي قواي لي قال يوما لطلابه إن روحه ستصعد الى الجنة بالسماء في زيارة قصيرة، وطلب منهم أن يبقوا جسمه في منزله ولا يفعلوا به أي حركة، وإذا مضى الوقت متجاوزا سبعة أيام وروحه لم تعد من السماء فإنها تبقي في الجنة ولا تعود. إذن يمكن لطلابه أن يعالجوا جسمه بمنزله بحرقه. بعد هذا الكلام فاضت روحه فعلا وصعدت كما يعتقد الى الجنة في السماء بينما ظل جسمه على السرير داخل المنزل تحت حراسة طلابه. وبعد مرور ستة أيام جاء شخص برسالة الى طلابه قال لهم إن أم تي قوآي لي مرضت وطلبت منه أن يعود اليها لرعايتها. فوقع الطلاب في مأزق حرج إذ كانوا لا يعرفون ماذا سيفعلون لابلاغ الخبر لمعلمهم الذي ما زالت روحه في السماء. وأخيرا قرروا حرق جسده لأن الموعد المحدد لسبعة الايام قريب الوصول، فحرقوا جسد معلمهم آملين في أن تعرف روحه في المساء الخبر لتعود الى الأرض بسرعة. وفي اليوم التالي أي اليوم السابع تقول الاسطورة إن روح تي قوآي لي عادت فعلا من الجنة السماوية إلا أنها لم تجد جسمها لتدخل اليه كي يصبح إنسانا طبيعيا كما كان عليه في السابق. ولكنها لم تجد جسمه القديم. وعندما كانت الروح في قلق واضطراب وجدت في الطريق جثة فقير ميت فلجأت اليها بسرعة فأصبحت بذلك فقيرا يتسول في الشوارع. ورغم فقدان كرامته السابقة إلا أنه مقتنع بأنه قد عاد الى انسان طبيعي. فيستخدم الناس هذه القصة بعد ذلك لشرح أن الانسان يمكنه أن ينتهز أي فرصة حتى لو كانت غير مناسبة لتحقيق هدفه أو للجوء اليها للتجنب أو التخلص من نكبة أو خطر.
هناك حادث واقعي شهد خطة " روح الميت تتقمص جسدا آخر " حدث في عام 221 قبل الميلاد. حيث كانت الصين حينذاك في عهد أسرة تشين الملكية التي حققت لأول مرة توحيد البلاد بقيادة الامبراطور تشين شي هوآنغ المشهور. وبعد وفاة هذه الامبراطور العظيم خلفه إبنه الثاني إلا أنه كان امبراطورا ظالما يمارس الحكم الصارم الشديد الذي يجعل المواطنين يعيشون في بؤس وشقاء تحت ظلمه واضطهاده فقام بعضهم بانتفاضات ضده. وذات مرة أرسل الامبراطور مجموعة من المجندين للتوجه الى موقع عسكري هام لاداء مهام الحراسة فيه، إلا أن الأمطار الغزيرة دمرت الطريق واعترضت رحلتهم وجعلتهم متأخرين في الوصول الى موقعهم. ووفقا للقانون الملكي إذا تأخر أي جندي في الوصول الى موقعه المحدد لاداء مهامه فسيُعدم. ومن أجل تجنب الموت والظلم الشديد والاضطهاد الدائم من الامبراطور الظالم قام هؤلاء المجندون بانتفاضة بزعامة تشن شنغ ووو قوآنغ. لكنهما لم يحصلا على الدعم الشعبي اللازم حينذاك، فاستخدما سمعة شخص آخر وهو من أفراد العائلة الملكية يعرف باسم فو سو، وهو الأخ الكبير للامبراطور الظالم، إلا أنه قُتل على يده بسبب مخالفته له في حالة لم يعرف ذلك المواطنون حينذاك، وكان فو سون يتمتع بسمعة حميدة وشعبية كبيرة بين المواطنين وخاصة الفلاحين، فقام تشن شنغ ووو قوآنغ بالانتفاضة باسمه داعيين الى اسقاط حكم الامبراطور الظالم واقامة مملكة جديدة بزعامة فو سو. فسرعان ما نهض جمع المجندين وتبعهم بعد ذلك المزيد من الناس للانضمام الى صفوف الانتفاضة مؤمنين بأن تشن شنغ ووو قوآنغ هما من مبعوثي فو سو الذي أمرهما بقيادة هذه الانتفاضة. فتوسعت صفوف الانتفاضة بسرعة. وقاد الزعيمان تلك الصفوف للزحف الى العاصمة. وبعد العديد من المعارك التي انتصر الفلاحون في كل منها على الجيش الملكي احتل جيش الانتفاضة العاصمة وقتل أخيرا الامبراطور الظالم وأسست مملكة جديدة عاشت سنوات طويلة.
استخدم تشن شنغ ووو قوآن اسم شخص ميت وحصلا على استجابة شعبية واسعة انتهزاها لتحقيق هدفهما وانتصارهما في الانتفاضة. أما في العصر الحديث فتُستخدم هذه الخطة كثيرا في القطاع الاقتصادي والتنافس التجاري بحيث يستخدم المنافس إسم شركة كبرى مشهورة لتوسيع سمعته وسمعة شركته التي ما زالت صغيرة في محاولة لكسب المزيد من الأهلية في المفاوضات أو لجذب المزيد من الشركاء ليتعاملوا معه لتطوير أعمالهم وتحقيق المزيد من الفوائد الاقتصادية.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق