الأحد، 3 مارس 2013

سيمياء الحواس في كتاب الحيوان للجاحظ/ د. حسن الربابعة


ملخص

تهدف هذه الدراسة إلى إبراز توظيف مصطلح " السِّيمياء" في تراث العرب عامة, وتوظيف الجاحظ له خاصة.

لقد أبرزتْ نتائج الدراسة, مصطلح " السِّيمياء" مصطلحاً عربياً, شاع ذكره وتوظيفه بمعنى " العلامة" في القرآن الكريم وتراث العرب.

ومن أهم نتائج هذه الدراسة, أنَّ الجاحظ وظف " البيان" بمعنى السِّيمياء, وقصده " الفهم والإفهام" بأي وسيلة كانت, سواء أكانت بالإشارة, أو اللفظ, والعقد, وغيرها, وطبق الجاحظ سيمياء الحواس الخمس, على الحيوان في كتابه.

محتوى " سيمياء الحواس في كتاب "الحيوان" للجاحظ"

( في النظرية).

أ. مصطلح السِّيمياء " نظام العلامات" عند علماء الغرب.

ب. ملخص القول في نظرية السيميائية عند أبرز علماء الغرب.

ج. مناقشة نظريتهم وإثبات المصطلح عربياً من القرآن الكريم والحديث الشريف وتراث العرب.

د. السيميائية عند الجاحظ في مؤلفيه : البيان والتبيين وكتاب الحيوان

( في التطبيق)

2- سيمياء الحواس عند الحيوان في كتاب " حيوان الجاحظ".

أ. السِّيمياء البصرية ومصادرها عند الجاحظ.

ب. السِّيمياء السمعية.

ج. السِّيمياء الشميَّة.

د. السِّيمياء الذوقية.

ه. السِّيمياء اللمسيَّة.

3. الخاتمة.

4. المصادر والمراجع.

1. ( في النظرية)

(1-أ)

مصطلح السِّيمياء

شاع مصطلح السِّيمياء أو نظام العلامات منذ ما يقارب من منتصف القرن التاسع عشر, وبداية القرن العشرين, على أيدي عدد من علماء الغرب, ومنظّريهم, منهم دو سوسير"De Saussure" العالم الألسني السويسري من جهة, والفيلسوف الأمريكي بيرس" Peirce" من جهة ثانية, ودراسات غيرو" Guiraud" التي تتناول العلامات غير الألسينة من جهة أخرى, فما ملخص نظرية كلَّ منهم أولاً, وهل لمصطلح السِّيمياء وجود في تراثنا ثانياً؟ وهل طبَّقه الجاحظ في كتابه الحيوان ثالثاً؟

إنَّ مصطلح السِّيمياء يعني نظام العلامات, وهو يبحث في اللغات والإشارات والتعليمات, على الرغم من أنَّ بعض الدَّرسة يفرّقون بين مصطلحي سيميولوجيا"Semiology" ويسمونها علم العلامات والسيميوتيك "Semitotic" ويسمونها "العلامية" وعندهم أنَّ الأول يبحث في الإشارات عامة, ويذهبون إلى أن الثاني يبحث في دلائل نظام إشاري معيّن, فإذا بحثتْ في إشارات معينة, وألبسةٍ محددَّة في قُطْرٍ معيّن, فالعمل هو " علامة اجتماعية", وإذا بحثت الحوار في الشعر أو المسرح فالعمل هو " علامية أدبية" على أن بيرس "Peirse" يرى أن المصطلحين " Semiology" و "Semitotic" يعنيان السِّيمياء, وهما تغطيان المضمار نفسه(عدنان بن ذريل: اللغة والدلالة, آراء ونظريات, ص50, 51)؛ وانظر الدكتور محمد كَشَّاش: اللغة والحواس، رؤية في التواصل والتعبير بالعلامات غير اللسانية, المكتبة العصرية, صيدا, ط1, 2001, ص 19).

أمَّا دو سوسير " De saussure" فاعتبر اللغة المنطوقة جزءاً من السِّيمياء فقال: " اللسان عبارة عن نسق من الدلالات التي تعبر عن المعاني" ومن ثم يمكن مقارنُتها بالكتابة وبالأحرف الأبجدية عند المصابين بالصمم والخرس, وكذلك مقارنُتها بالطقوس الرمزية وبأشكال الآداب وسلوكها, والإشارات المتعارفة بين الجنود وغيرها, ويرى دو سوسير أن يجعل السِّيمياء جزءاً من علم النفس العام (د. محمد كشاش: اللغة والحواس, ص19 ينقل رأي سوسير عن كتابه في اللغة الفرنسية التالي:

De saussure Course De linguitique general, pp.33 ويرى أن مصطلح الدلالة مأخوذة من الإغريقية " Semenion").

أما الاتجاه الثاني فيمثله بيرس "Peirce" الذي يرى نظرية عامة في العلاقات ودعاها السيميوتيك "Semiotique" أو السِّيمياء يعُدُّ فيها " إنَّ المنطق في معناه العام هو مذهب علامات شبه ضروري كما حاولت أن أظهره, وأضاف أنه لم يكن باستطاعته يوماً ما أن يدرس أي شيء رياضيات كانت أو أخلاقاً, أم تاريخ علوم دون أن تكون الدراسة سيميائية:

P.Guirauda: La seَmiologie, que sais-je?No:1421,p:6, et Oswud Ducrot et Todorov: Dictionnaire Encyclopeَdique des science, du langue. E.D due seuil, Paris, p: 113, P. foulquie et R. Saint Jean: Dictionnaire de La Langage philosophie, p: 622, et R. Lafer : vocabulaie de Psychopeَdagogie… ,p. 949.

وثمَّةَ اتجاه ثالث تزعمته فئة اعتبرت الفنون والآداب أشكال اتصال تعتمد على أنظمة المعلومات التي صدرت بدورها عن نظرية عامة للعلامّة(محمد كشّاش: اللغة والحواس, ص19).

ولعلَّ الأدقَّ من الاتجاهات السابقة, وأكثرَها تداولاً مذهبُ غيروGuiraud هو" الدراسة التي تتناول العلامات غير الألسنية"( Guiraud: La Semiologe, Que Sais- Je? No 1421, p 5.).

وافترق علماءُ الألسنية في تحديدِ السِّيمياء, باختلاف حدودِ العلامات فمنهم من ضيَّقها مثل " كلاوس" "G. Klaus" فَقَصَرَ مجالَه على الألفاظِ, وآخرون توسعوا قليلاً مثل مورس" Ch. Morris" وسيبيوك "Th. Sebeok" اللذين وضعا تحت لوائه العلامات التي يستعملُها الحيوان, وتعدَّى آخرون الحدود المرسومة متوسعين في دلالات السِّيمياء إلى مجال اشتمل بالإضافة إلى الاتصال الحيواني " Zoo Semiotique"( عادل فاخوري: تيّارات في السِّيمياء, ص7-8).

وعد إيكو" U. Eco" الحقول التي يتضمَّنُها السِّيمياء وما يدخل تحت نطاقها, فجاءت على نحو علامات الحيوانات, علامات الشَّمِّ, الاتصال بواسطة اللمس,مفاتيح المذاق, والاتصال البصري, وأنماط الأصوات والتنغيم" Intonation" والتشخيص الطبي, وحركات أوضاع الجسد, والموسيقا, واللغات الصورية, واللغات المكتوبة, والأبجديات المجهولة, وقواعد الآداب, والأيدولوجيات, والموضوعات الجمالية والبلاغية, وهي موضوعات تُمُتُّ إلى السِّيمياء بصلة كبيرة(عادل فاخوري: تيارات في السِّيمياء, ص8؛ محمد كشاش: اللغة والحواس, ص20).

وثمَّةَ ملحظة أخيرة في مجال نظرية السيميائية هي زعم غيرو "Guiraud" بأن نظرية العلاماتِ " نشأتْ منذُ بدايةِ هذا العصر- القرن العشرين- النظرياتُ العامة للعلامات"( Guiraud: La Semiologe, Que Sais- Je? No 1421, p 7.).

ووردت في بعض المراجع تاريخ نشوء السيميائية في أوائل القرن العشرين على يد الفيلسوف الأمريكي(Peirce) من جهة, والعالم السويسري (De Saussure) من جهة أخرى, وفي المرجع نفسه أنَّ " من الستينات ومجال علم السِّيمياء يُظْهِرُ نشاطاً متزايداً على كافة الصُّعُد, ففي أكثر من بلد أخذت تتألف جمعيات تعنى بهذا العلم, أقدمها الجمعية الدولية للدراسات السيميائية

(1969م)"( International Association for Semiotic Studies (وانظر عادل الفاخوري: تيارات في السِّيمياء, ص7-11)؛ (وانظر محمد كشاش: لغة الحواس, ص20-21).

(1-ب)

وملخَّصُ القولِ في نظرية السِّيمياء عندهم ما يلي:

أولاً: أنَّ السِّيمياء والسيماء بمعنى واحد وانَّ معناهما " نظامُ العلامات" ولئن فرَّقَ بعضُهم بينهما؛ فإنهما يَصُبَّان أخيراً بمعنى " علامة اجتماعية " أو " علامة أدبية".

ثانياً: أنَّ السِّيمياء أوسعُ من اللغة, إذ إنَّ اللغةَ جزءٌ من السِّيمياء فإشارة الخرس لغة, وإن لم ينطق بها كما ذكر سوسير " De Saussure".

ثالثاً: فقد اتفق على نشأة علم السِّيمياء في الغرب منذ القرن التاسع عشر, وازداد نشاطه منذ عام 1969م.

(1-ج)

أمّا من مناقشة المصطلح

" سيماء أو سيمياء" التي عندَهم بمعنى واحد, فإن معجمَ لسان العرب لابن منظور أشارَ إلى المُصْطَلحِ نَفْسِهِ بمعنى واحد في مادة " سوم" فقال: " والسَّوْمَةُ والسيمة, والسيما والسِّيمياء" بمعنى العلامة(ابن منظور: لسان العرب, مادة سوم).

وهما يُمَدْانِ ويُقْصَران؛ وبمعنى العلامة كما يحتج ابن منظور بالشواهد على مادته.

وتابعَ ابنُ منظور ترجمةَ مادة " سوم" فقال: سوم الفرس بمعنى جعل عليه السِّمة واحتج بقوله تعالى: " حِجَارَةً مِّن طِينٍ * مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ " قال الزجاج روي عن الحسن أنها مُعَلَّمة ببياض وحُمرة, وقال غيره: مسوَّمة بعلامة يُعْلَمُ بها أنها ليست من حجارة الدُّنيا, ويُعْلَمُ ب " سيماها" أنها حمأ, عذب بها, وقال الجوهري( يعني في الصحاح, أحد مصادر ابن منظور) مسوَّمة عليها مثلُ الخواتيم, والسُّومة: علامة تُجْعَلُ على الشاة, وفي الحرب أيضاً, ومنه وَسَمَتُ: أسِمُ, والأصل في سيما وسِمَى فحُوِّلَتُ الواو من موضع الفاء فوضعت في موضع العين كما قال:

ما أطيبه! وأيطبه! فصار سِوْمى, فحولت الواو ياءً لسكونها وانكسارها, وفي التنزيل: " وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ " قال أبو زيد: الخيلُ المسوَّمةُ هي المرسلُة وعليها رُكبانها, والخيل المسوَّمة هي التي عليها السيما والسُّومة وهي العلامة وقال ابن الأعرابي السِّيمُ هي العلامات على صُوْفَ الغنم, وقال تعالى: " مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ " وأيضاً قرئ بفتح الواو معلِّمين, وفي الحديث " إنَّ لله فرساناً من أهل السماء مسوَّمين" أي معلَّمين, وفي الحديث " قال يوم بدر, سَوِّموا فإنَّ الملائكَة قد سُوِّمت" أي اعملوا لكم علامة يعرِفُ بها بعضُكم بعضاً, والسيما مقصورة من الواو. قال تعالى: " سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ " قال الجوهري وقد يجيء السيما والسيميا ممدودين, وأنشد لابن عنقاء الفزازي يمدح عمليةَ حين قاسمه ماله:

غلامٌ رماهُ الله بالحُسْنِ يافعاً له سيمياءُ لا تَشُقُّ على البَصَرِ

بمعنى يفرح به من ينظر إليه, وقال الأصمعي السيما: السِّيمياء ممدودة, أنشد شَمَّرٌ في باب السيما مقصورة للجعدي:

ولهم سيما, إذ تُبْصِرُهُمْ بَيَّنَتْ ريبةَ من كانَ سأل

(ابن منظور: لسان العرب, مادة سوم)

وتجدُ في مادة " وسم" وسماً وسمة معنى أَثَّرَ فيه بسمة أو كي والهاء( سمة) عوض عن الواو, وفي الحديث أنّه r كان يَسِمُ إبلَ الصدقة أي يعلِّمُ, واتسم الرجل إذا جعل لنفسه سِمة يُعْرَفُ بها, وأصل الياء واو, والسمة والوسام ما وُسِمَ به البعيرُ من ضروب الصُّورَ, والمِيْسَمُ: المكواةُ أو الشيءُ الذي يُوْسَمُ به الدوابُّ, والجمع مواسم ومياسم, والمِيسم اسم للآلة التي يُوَسمُ بها, قال الشاعر:

ولو غيرُ أخوالي أرادوا نقيصتي جعلت لهم فوقَ العرانينِ مِيسماً

وقال تعالى: " سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ " نجعل له علامة على خرطومه(أنفه) يميَّزُ بها, والوسم والوسمة: شجرة وَرَقُها خضاب, وهي في لغة العرب " وسمة" وهي العظلم يُخْتَضَبُ به باليمن, يختضبُ بورقه الشعرُ, ويقال امرأة ذات مِيْسَم: إذا كان عليها أثرُ الجمال, وفلان وسيم أي حَسَنُ الوجه والسيما(انظر المادتين " سوم" و " وسم" عند محمد فؤاد عبد الباقي, المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم).

ونخلصُ إلى القول بأن مصطلحي " سيماء Semiology وسيمياء Semitotic " على خلافهما اللغوي والدلالي عند الغرب يصبان بمعنى واحد هو العلامة هذا المعنى نجده في لسان العرب: سيما سيمياء بالمد والقصر, وبمعنى واحد أيضاً كما ذكرنا ذلك في مادتي "وسم" و" سوم" اللغويتين, مما يدلُّ على أنَّ العربَ وظفوا هذا المصطلح في مصنفاتهم منذ ألف وخمسمائة سنة, اعتماداً على مصادر المادة المعجمية من نص قرآني وحديث شريف, وشعر عربي وغيرها.

أمَّا النصوصُ القرآنية فأنارت في دلالات السمة فيها خمسَ عشرة مرة من مادتي " سوم" و "وسم " أنارت الأولى؛ ثماني دلالات, والثانية سبعاً على النحو التالي(انظر المادتين "سوم" و"وسم" عند محمد فؤاد عبد الباقي: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم):قوله تعالى: " وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ "( الأعراف, آية 167).

ويسومُهم بمعنى بالذُلِّ وأخذ الجزية منهم, وهو معنى حسي, حركي, يأخذ الجزية منهم راغمين.

وقوله تعالى: " يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ "( البقرة, آية 49), بمعنى يذيقونكم أشد العذاب( تفسير الجلالين للآية), وقوله تعالى: " يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ"( الأعراف, آية 141) يفهم منه أنَّ السَّوْمَ هو تكليفُهم أشدَّ العذاب, وهو ينتقلُ إلى علامةِ تعذيبٍ نفسي حسّي, وهو بمعنى يَعرِضون عليكم اسوأ العذاب, والحديثُ عن بني إسرائيل إذ إن من معاني سامَ ناقته على الحوض, وتسام العالة( الناقة) على الشرب بمعنى عرضَها عليه, لأنها رُوِّيت بالنهل(الزمخشري: أساس البلاغة, تحقيق الأستاذ عبد الرحيم محمود, دار المعرفة, بيروت, لبنان, 1982, ص 225- 226 مادة " سوم").

وقوله تعالى: " يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ "( آل عمران, آية 125) بكسر الواو وفتحها(تفسير الجلالين, تفسير الآية) بمعنى معلَّمين, فقاتل الملائكة مع المسلمين في يوم بدر على خيل بُلْقٍ, وهي علاماتهم(تفسير الجلالين, تفسير الآية).

وقوله تعالى: " زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالله عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ "( آل عمران, الآية 14) والمسوَّمة هي من ذوات الغُرَّةِ والتحجيل(تفسير ابن كثير, دار الفكر للطباعة والنشر, بيروت, ط1, 1981 ,مجلد1, ص353, من تفسير الآية).

وذُكِرَتْ سماتُ الحجارة التي رُمي بها قومُ لوطٍ غيرَ مرة, بمعنى المُعَلَّمة عليها اسمُ من يرمى بها لقوله تعالى عزَّ وجلّ: " مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ "

( هود, آية 83) والحجارة تلك من طين مستحجرة قويةٍ شديدةٍ, ومشويّة, معدّة لهم في السَّماء, ومعلَّمةٌ مختومةٌ عليها أسماء أصحابها, كُلُّ حَجَرٍ مكتوبٌ عليه اسمُ الذي يَنزِلُ عليه, وهي مطْوقةٌ بها نُضْحٌ من حُمرة, أنزلت على قوم لوط, مجتمعين في قرية سَدوم أو متفرّقين, فبينما أحدُهم يحِّدثُ إذ جاءه حجرٌ من السماء فدمَّره(تفسير ابن كثير, مجلد 2, ص456).

وقوله تعالى: " لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ * مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ "( الذاريات, آية 34) وعليها آسْمُ من يُرْجَمُ بها(تفسير الجلالين, تفسير الآية), فنلحظ من دلالات سَوَم علاماتٍ نفسيةً لِعَرْضِهم على أشدِّ العذاب, مراراً كالعَلَلِ والنَّهَل, وحسّيةً كالصُّوَرَ الذوقية, كذوقهم للعذاب, والبصرية كالخيل المسومة يوم بدر بالغرر والتحجيل, والحجارة المسومة على أهل السوء, تقذفُهم مُعَلَّمة, عليها اسمُ كُلِّ عاصٍ فتقتلُه, والصورُ البصريةُ الحركيةُ يوم بدر, إذ أمدهم الله تعالى بملائكةٍ لهم علاماتٌ على خَيلٍ بُلْقٍ, وعليهم عمائمُ صفرٌ وبيضٌ أرسلوها بين أكتافهم(الجلالين, تفسير الآية من آل عمران).

أمَّا السِّيمياء فقبست في القرآن الكريم على الشجر,وسيمياء الرجال على الأعراف, وسيمياء المنافقين, والمجرمين وعلى وجوه المؤمنين من أثر السجود كما يلي مُفصّلاً:

قال تعالى: " هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَآءً لَّكُم مَّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ "

( النحل, آية 10) بمعنى ترعون فيه أنعامكَم ومنه الأبلُ السائمة(ابن كثير, تفسيره مجلد 2, ص 565).

وقوله تعالى: " وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ "( الأعراف, آية 46) والسيماء هي بِيضُ وجوهِ المؤمنين,وسودُ وجوهِ الكافرين(تفسير الجلالين, تفسيره الآية).

وقوله تعالى: " وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاٍ يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُواْ مَا أَغْنَى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ "( الأعراف, آية 48) يتكرَّرُ المعنى بيض وجوه المؤمنين, وسواد وجوه الكافرين, وعلاماتُ المنافقين لحنٌ في أقوالهم؛ فإنّ سيماهم علامةُ نفاقهم, ولحنُ القول آلتُها, قال -عزَّ وجلَّ- ينبئ نبيه عن سمات المنافقين: "* وَلَوْ نَشَاءُ لأرينا كهم فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَالله يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ "

( محمد, آية 30).

وللمجرمين سماتٌ معروفة هي اسوداد الوجه وزرقة العين(الجلالين, تفسير الآية) " يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ "( الرحمن, آية 41) أما سيمياء المؤمنين فبيضُ الوجوه؛ في الآخرة لكثرة سِجودِهم لله في الدنيا, " سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ "( الفتح, آية 29) وللفقراء المؤمنين سيمياءُ هي العفة عن الطلب, وعدمُ الإلحاح في طلباتهم لقوله تعالى: " لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ الله لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ الله بِهِ عَلِيمٌ "( البقرة, آية 273) وعلى ذلك يتَّضِحُ بأنَّ السِّيمياء معروفة عند العرب قبل خمسة عشر قرناً وليس كما زعم منظرو الغرب لها, كما أثبتنا في النصوص.

(1-د)

السيميائية/ البيان عند الجاحظ

وأمّا قولهم بأنَّ السِّيمياء أوسعُ من اللغة, واللغةُ فرعٌ منها, فهو صحيح استدلَّ الجاحظُ على ذلك بقوله: " وجميعُ أصنافِ الدلالات على المعاني من لفظ وغير لفظ, خمسةُ أشياء لا تنقصُ ولا تزيدُ؛ أولُها اللفظُ, ثم الإشارةُ, ثم العَقْدُ, ثم الخَطُّ، ثم الحالة التي تسمّى نصبة"( الجاحظ: البيان والتبيين, تحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون, دار الفكر, بيروت, ط4, د.ت, مجلد 1, ج1, ص 76).

فالجاحظُ يحقِّقُ عِلْمَ العلامات, بأنْ راح يفصِّلُ الإشاراتِ التي تنقل المعاني, ويشرحُ كيفيتَّها, فالإشارةُ باليد والرأس والعين والحاجب والمِنْكَب, أمّا إذا تباعد الشخصان فبالثوب والسيف, وتختلفُ دلالاتِ إشارة السيف, فقد يتهدد رافعُ السيف والسوطِ, فيكون زاجراً أو مانعاً رادعاً,ويكونُ وعيداً وتحذيراً, ويحِّددُ الجاحظ المواقفَ الاجتماعيةَ التي تستدعي التعبيرَ بها كقوله: " وفي الإشارة بالطَّرْفِ والحاجب وغير ذلك من الجوارح, مرفق كبير ومعونة حاضرة في أمور يسترُها بعضُ الناس من بعض, ويخفونها من الجليس وغير الجليس, ولولا الإشارة لم يتفاهم الناس معنى خاص الخاص"

( الجاحظ: البيان والتبيين, مج1, ج1, ص 78).

والعَقْدُ هو الحسابُ, وهو دون اللفظ والخطِّ كما فَسَّرَه البغدادي " والعقدُ نوعٌ من الحساب يكونُ بأصابعِ اليدين, يقال له حسابُ اليد, وقد ورد منه في الحديث, "وَعَقدَ عَقْدَ التسعين" وهو يشتمل على معان كثيرة(البغدادي: خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب, دار صادر, بيروت, ط2(د.ت), مجلد 3, ص147), وقد ألفوا كتباً وأراجيز كأرجوزة ابن المغربي ومنها قوله في عقد الثلاثين:

واضممها عند الثلاثين ترى كقابض الإبرة من فوق الثرى

بمعنى تحصل الثلاثون بوضع إبهامك إلى طرف السبابة أي جمع طرفيها كقابض الإبرة.

وأمَّا النََّصْبَةُ فهي الحالُ الناطقة بغيرِ لفظ, والمشيرةُ بغير يد, ومن أمثلتها في نَطْقِ الجمادِ بدلالةِ الحال, كقول الفضل بن عيسى بن أبال " سلِ الأرضَ, فقل من شقَّ أنهارَكِ, وغرسَ أشجارَكِ, وجنى ثمارَكِ؟ فإن لم تجْبكَ حواراً, أجابك اعتباراً"( الجاحظ: البيان والتبيين, مج1,ج1, ص 81؛ وانظر: أبو هلال العسكري: كتاب الصناعتين, تحقيق علي محمد البجاوي, ومحمد أبو الفضل إبراهيم, المكتبة العصرية, صيدا, بيروت, 1986, ص14 وفيه نسب القول إلى الرّقاشي).

وبجملة الإشارات والعلاقات يتمكَّنُ الإنسانُ من الإفصاح بغير مقام, بمعنى أنَّها لغاتٌ؛ يَتِمُّ التفاهمُ بها بين العباد, ولولا معرفة العباد لمعنى الحساب في الدنيا, لما فهموا عن الله عزَّ وجلَّ الحساب في الآخرة, وفي عدم اللفظ وفساد الخط والجهل بالعقد, فسادُ جُلِّ النِّعم, وفقدانُ جمهور المنافع, واختلالُ كُلِّ ما جعله الله عزَّ وجلَّ لنا قواماً,ومصلحة ونظاماً(الجاحظ: البيان والتبيين, مج1, ج1, ص80).

واتَّجَهَ الجاحظُ إلى كتابه " الحيوان" فذكر مبادئ العلاقاتِ المتعددة, تحت عنوان كبير هو " البيان" الذي جعله الله تعالى سبباً بينهم( الناس) ومعبراً عن حقائق حاجاتهم... ثم لم يرض لهم من البيان بصنف واحد بل جمع ذلك ولم يفرّقْ, وَكثَّرَ ولم يقلل, وأظهرَ ولم يُخْفِ, وجعلَ آلةَ البيان التي يتعارفون معانيهم, والترجمانَ الذي إليه يرجعون عند اختلافهم في أربعة أشياء, وفي خَصلة خامسة, وإنْ نفقت عن بلوغِ هذه الأربعة في جهاتها, فقد تبدَّلَ بجنسها الذي وضعت له, وصرفت إليه, وهذه الخصال هي: اللفظ, والخط, والإشارة, والعقد, والخصلة الخامسة ما أوجد من صحة الدلالة وصدق الشهادة, ووضوح البرهان في الإجرام الجامدة الصامتة والساكنة التي لا تتبيَّنُ ولا تَحِسُّ ولا تَفْهَمُ, ولا تتحرك إلا بداخلٍ يدخلُ عليها, أو عند ممسك خلى عنها, بعد أن كان تقييدهُ لها, ثم الأقسام ورتَّبَ المحسوسات, وحصَّل الموجودات, فجعلَ اللفظَ للسامع, وجعلَ الإشارة للناظرَ, وأشرك الناظرَ واللامسَ في معرفة العَقْدِ, إلا بما فضَّل الله نصيبَ الناظر في ذلك, على قدر نصيب اللامس, وجعل الخطَّ دليلاً على ما غاب من حوائجه عنه, وسبباً موصولاً بينه وبين أعوانه, وجعله خازناً لما لا يأمنُ نسيانَه, مما قد أحصاه وحفظَه, واتقنه وجمعه, وتكلَّفَ الإحاطةَ به, ولم يجعلْ للشّامِّ والذائقِ نصيباً(الجاحظ: كتاب الحيوان, تحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون, منشورات المجمع العالمي العربي الإسلامي, بيروت, ط23, 1388ه- 1969م, ج1, ص44-46).

لقد صرح الجاحظ بِذكره أربعة أقسام للبيان ولم يُسَمِّ الخامسة, فجعلَ اللغةَ من عناصر السِّيمياء, بالإضافة إلى حديثه عن المواقف التي ترتضي الشَّكْلَ المعيَّنَ من الأصناف المذكورة, وربطَها بالمقام, وهو " حديث علم النفس الاجتماعي من دون أن يسميه"( محمد كشاش: اللغة العربية والحواس, ص 28), ومثل هذه الدراسة المتأخرة ل " سوسير" عدَّ فيها السيميائية أكبرَ من اللغة, واللغةُ جزءٌ منها, وألحقَها بعلم النفس عامة, وعلمِ النفس الاجتماعي خاصة(محمد كشاش: اللغة العربية والحواس, ص 27-28), وعليه فإنَّ الجاحظَ سبَّاقٌ في نظريته, سواءٌ أكان سوسير أُطَّلع على آراء الجاحظ هذه, أم لم يكن اطّلع عليها, كما أثبتنا من قبل, ولعلَّ خيرَ ما يثبتُ نظريةَ السيميائيةِ عند الجاحظ تعريفُهُ البيانَ, وهدفه؛ إفهاماً وتفهيماً, بغضِّ النظر عن العلامة التي تنقله فيقول: " والبيانُ اسمٌ جامع لكلِّ شيء, كشفَ لك قناعَ المعنى, وهتكَ الحجاب دون الضمير, حتى يفضي السامع إلى حقيقته, ويهجمَ على محصوله كائناً ما كان, ذلك البيان, ومن أي جنس كانَ الدليل, لأن مدارَ الأمر والغاية التي تجري القائل والسامع, إنما هو الفهم والإفهام, فأي شيء بلغتَ الإفهامَ وأوضحتَ عن المعنى فذلك هو البيان في ذلك الموضع"( الجاحظ: البيان والتبيين, مج1, ج1, 75-76).

ويبدو أنَّ الجاحظَ فتح لمن بعده منافذَ السيميائية, فجاءَ بعده ابن قتيبة يفسِّرُ ما أورده الجاحظ في كتاب " العلم والبيان" ومن وسائلَ غيرِ لفظية إذا تمكّن بها من تبليغ المقاصد كالاستدلال بالعين والإشارة والنَّصبة, من أمثلة الاستدلال بالعين لمعرفة الحُبِّ والبغض من خلال حركة العين, حجته قول الأعرابي:

إنْ كاتمونا القِلى نَمَّتْ عيونُهُمُ والعينُ تُظْهِرُ ما في القلبِ أو تَصِفُ

(ابن قتيبة: عيون الأخبار, طبعة مصورة, عن دار الكتب المصرية, القاهرة, 1343ه- 1977م, مج1, ج2, ص 181)

وارتقت السِّيمياء إلى درجات؛ أصبحَ لِكُلِّ موقفٍ الإشاراتُ التي تخصُّه, وهي تقوم مقامَ ألفاظه, فمواقف العِشْقِ لها علاماتُها, كما سجّلها ابنُ عبد ربه:

وللحبِّ آياتٌ إذا هي صَرَّحَتْ تبدَّتْ علاماتٌ لها غُرَرٌ صُفْرُ

فباطِنُهُ سُقْمٌ, وظاهِرُهُ جَوى وأوّلُه ذِكْرٌ وآخِرُهُ فِكْرُ

(ابن عبد ربه: كتاب العقد الفريد, تحقيق أحمد أمين, وأحمد الزين, وإبراهيم الأبياري, دار الكتاب العربي,بيروت, ج2, ص 317)

وظهرت السيميائية عند كُلٍّ من الرَّاغب الأصبهاني في " محاضرات الأدباء" وجعفر السراج في " مصارع العشاق" وابن قيم الجوزية في كتابه " روضة المحبين " وغيرهم ممن توقَّف عند انموذجات منهم الباحث الفذّ(محمد كشاش: اللغة والحواس, ص23-27), ودراساتُهم خارجةٌ عن إطار دراستنا, إذ جاءت جميعها بعد الجاحظ.

إنَّ الجاحظَ لم يتوقف عند ذكره الحواس الخمس وتراسلها عند الإنسان فحسب بل استوقفته حواس الحيوان الخمس أيضاً, وقدم إنموذجات كافية على حواس الإنسان والحيوان, وهي التي نعرضها بشواهد تطبيقية تالية.

2. سيمياء الحواس عند الحيوان

( في التطبيق)

إنَّ مصطلحَ السِّيمياء عند الجاحظ أصلٌ واللغةُ فَرْعٌ, كذا تُدَارُ مصطلحاته على سيمياء الحواس عند الحيوان, وعليه فقد عني الجاحظ عناء مميَّزاً ب " سيمياء الحيوان" فناف ذكره عنده عن(380) ثلاثمائة وثمانين حيواناً, برياً, وبحرياً وجوياً, وعرضَ مشاهدَ من حركاته وسكناته, وعاداتِه ولغاتهِ ورائحتِه, طيِّبِها ونتنِها, وأوقاتِها وأسبابِها, وعذوبةِ صوتهِ وقبحِه ومتى؟ وأين؟ واستوقفته سيمياءُ الأطعمةِ, لذاذاةً من عشب ولحم, يستحسنُها إشارةَ رضا, كَشُرْبِ الطير, سيمياءَ لطافة, من جهة, ويستقبحُ لَطْعَُ الماءِ والدمِ من أسد وكلب, من جهة أخرى ليس من منظور الجاحظ فحسب, بل من سيمياء( إشارة) الحيوان الذي يأبى أن يأكلَ أنواعاً من الأطعمة والأشربة, بمجرد أنْ يَشُمَّها أو يتذوقَها كالهرِّ من الحار والحموضة, على أنها سيمياء " إشارة" رفض بل هي لغة سيميائية.

وتنبَّهَ إلى صورٍ لمسية, نعومةً كجلدِ الحية, وخشونةَ الضب, والتفتَ إلى سيمياءِ علم نفس الحيوان, شجاعة وجُبْناً فَلِمَ تخشى الماشيةُ من الذئب والأسد؟ والحَّيةُ من القنفذ؛ الذي يعتمد فني قتال هما: السرعة في الانقضاض عليها, أولاً؛ فيعضها في أي مكان من جسمها, ثم يُسْرِعُ بالتكوِّرِ ثانياً, ولِمَ يخشى القنفذُ من الثعلب؟ ألأنه يبولُ عليه فيتمدَّدُ برغم من درعه الشوكي, فينقضُ الثعلب على مراق بطنه فيأكله؟ ولماذا يضعفُ الذئب عندما يُجْرَحُ؟ ولماذا يختفي الأيّل عندما يبدِّلُ قرونَه؟ أو عندما يَسْمَن؟ لأنَّ هذه الحيوانات تشعرُ بضعفِها أمامَ أعدائها فتنتظر أن تقوى لتعودَ إلى مَسَرحِ الحياة.

ولماذا يُصَادُ الأيلُ والطيرُ بالصَّفير؟ ولماذا تُصِرُّ الإبل آذانَها عند الحُداء؟ أليست سيمياء( لغة الصوت) التي تُطْرِبُ الحيوانَ, فيصيخ إليها بمسامعه فيصطاد أو يخبُّ في سيره؟ وأمّا إن كان الحيوانُ أصمَّ كالحيةِ فإن صَخَبَ الصوت الصارخ من خارج جُحره يخرجه بأمواجه على جسده, وليس من أذنيه.

إنّ الجاحظ كما ترى لا يعرضُ من السِّيمياء( إشارات ولغات الحيوان) المختلف من حواسه الخمس, ثم يدرس سيمياء من نفسيته, فحسب بل يفسِّرُ سيمياء الحواس أحياناً مما يكرهُ ويُحِبُّ,فكيف نتعاملُ معه؟ وما مصادر الجاحظ في سيميائه حيوانه؟

ولعلَّ خير ما يبيِّنُ ملامح من سيمياء الحواس عند الحيوان جدول تشجيري تالٍ:

(2-أ) سيمياء بصرية

(2-ب) سيمياء سمعية

(2-ج) سيمياء شمية

(2-د) سيمياء ذوقية

(2-ه) سيمياء لمسية

(2-أ)

سيمياء الحاسة البصرية

عرضَ الجاحظُ صُوَراً حسيَّةً بصريةً متعددةً للحيوان, في حالات متعددة منها صورٌ ثابتة للحيوان, ومتحرِّكة تَدُبُّ على الأرض, أو يَنْقَضُّ عليها طيرُ السماء, فيتقاذفُها بين مخالبه, أو مصطرعةٌ بين فأر وعقرب, أو حيةٌ وقنفذ, أو ثعلب وقنفذ, في سلسلة من العَداوات بالفطرة يتغذّى بعضها الآخر, ويلحظُ الجاحظ حركةَ العين وسكونَها لبعض الحيوانات كالأسد والحية, وتحريكَ الفكِّ الأعلى للتمساح بدل الأسفل عند غيره من الحيوان, يرقبُ خِداعَ الزَّواحف, ويعرفُ آثارَها " وإذا ما شكَّ بمعلومة عرضت له, اعترف بمفهوم العالم الباحث, أنَّهُ لا يقنعُ بكل ما سمع إلا بعد أن يجرِّبَ على بعض ما تلقّى. لقد سخَّر عقَلهُ لخدمةِ ما وصل إليه, من تجارب في ضوء إمكانات العصر, الذي عاش فيه بعد أنْ كانت ملاحظاتُه الحسيَّةُ النفسيَّةُ تُشكِّلُ جزءاً أساسياً من تجاربه, كما نرى مشاهد منها.

أمَّا من أبرز الصورِ البصريةِ التي عرضَها,فكان للأرنب, والحية والقنفذ والثعلب, والهرّ والعقرب والأسد وغيرها, وهي جميعها من السيميائية البصرية فكيف كانت؟

أمّا من صور الأرنب الثابتة " فإنها تنامُ مفتوحةَ العينين"( الجاحظ: كتاب الحيوان, ج3, ص 406, وسأشير بعد الآن بالحيوان ج/ص).

ويتأمَّلُ في صغر كعبها وقصر يديها(ج3/399, ج6/315, ج1/271).

ولمْ يكتفِ الجاحظُ بعرضِ هذه الصور التي التقطها بتأنٍّ, وفي حالة ثباتها فحسب, بل عرضَ لنومِ الذئب على زعم العرب, وهو يتراوح بين عينيه فتكون واحدة مطبقة نائمة, والأخرى مفتوحة حارسة(ج3 /406).

إنَّ نقلَ صورةَ الذئب هذه تتراسل بصرية ونفسية, لأنَّ إغماضَ عينٍ وفتح الأخرى تشي بحذره, وعدم اطمئنانه على نفسه من بني جنسه.

أمَّا قِصَرُ الأيدي للأرنب فتنبعث منها دلالات لصورة حركية, فإنها لقصر يديها تؤثر الصَّعْداء, والحضرَ( الارتفاع في العدو), ولهذا فلا يَلْحَقُ بها في صعودها, إلا محمودُ الكلاب(ج3/399و ج6/351), ويتابعُ حركةَ صيدٍ بين كلب وأرنب" فالكلبُ أشدُّ ما يكون حرصاً إذا كان خَطْمُهُ يَمَسُّ عُجْبَ ذنب الأرنب"( ج6/357).

ويترصَّدُ حركةَ كلبٍ من جهة, وكمون أرنب من جهة أخرى في فصل الشتاء, وفي يوم ثلج, إذ تضربُ الرِّيْحُ بِبَرْدِها فيعودُ كُلُّ طَبَقٍ من ثلج كأنه صفاةٌ ملساء, فيتخرَّقُ الكلبُ ساعتتئذ, " يشتدُّ عَدْوُهُ" بين يدي كَلاّبهِ, يوظِّفُ حاسَّة شَمِّه, وقوَّةَ بصره, ولا يزالُ كذلك حتى يَقِفَ على أفواهِ تلك الحُجرة, حتى يثيرَ الذي فيها بتنفيسه, لأن الأنفاسَ وبخارَ الأجواف, وما يخرُجُ من الحرارة المستنكَنة في عمق الأرض ترِّققُ الثلج وتثقبُه؛ وذلك خفيٌ غامضٌ لا يقع عليه قابض ولا راعٍ, وليس يقع عليه إلا الكلبُ الصائد الماهر(ج2/118-119).

إنَّ الجاحظَ يقدِّمُ صورةً بصريةَ حركية شمية, تتراسل معها الحواس, فيعرض ذكاءَ كلب في معرفته حُجر أرنب, في يوم ثلج, يكتشف جُحور الأرانب, في وقت يصعب على الرعاة أن يفعلوا ذلك؛ لأنَّ الكلبَ يوظِّفُ حاستي شَمِّه وبصره, فهو من جهة وسيلة صيد, ومن أخرى يمكن توظيفه للقضاء على الضارِّ من الحيوان, أو تربيتهِ, إن كان نافعاً من مملكة الحيوان, في مثل هذا الطقس في أي مكان أو زمان.

وينقلُنا الجاحظ إلى حركةِ صراع بصرَّية, بين عُقاب وأرنب, إذ يشيرُ إلى مثال طويل, عند لعب السنور بالفأر فيقول: " وقد يفعل مثل ذلك بالأرنب ويفعل مثل ذلك السنور بالفأرة"( ج5/ 252).

وبالصور الحركية الصراعية, ينقلُنا الجاحظُ إلى مشهدٍ اصطراعي, بين قنفذ وحية فيقول: والقنفذُ لا يُبالي أيَّ موضع قبض من الأفعى, وذلك أنه إنْ قبضَ على رأسهِا أو على قفاها فهي مأكولة على أسهلِ الوجوه, وإنْ قبضَ على وَسَطِها أو على ذيلها, جذبَ ما قبض عليه فاستدار وتجمَّع, ومنحَهُ سائرَ بَدَنهِ, فمتى فتحت فاها, لتقبضَ على شيء منه, لم تَصِلْ إلى جِلدهِ مع شوكه النابت فيه, والأفعى تهربُ منه وطلبُهُ لها وجراءُته عليها على حَسَبِ هَرَبِها منه وضعفِها عنه(ج4/169).

إنَّ الصورة التي يعرضُها الجاحظ هي صراع بين الأعداء, فهي- وصفاً- حركية لمسية, ونفسية, لأن الحيَّةَ تخافُ من القنفذ فِطْرَة, وإنَّ الجاحظَ لسبَّاقٌ في فكرته هذه, للأستاذ( بكلاند عام 1830م) الذي أجرى تجربةً مماثلة, إذ أعطى ثعبان حشيش إلى قنفذ, ففردَ القنفذُ نفسَهُ وعضَّ الثُّعبان بقوة, وبسرعةٍ تكوَّر حول نفسه, وكرَّرَ هذه الحركةَ ثلاثَ مرات؛ فمزَّقَ ظهرَ الزاحف بالعضة الثالثة, ثم مرَّر جِسْمَ الثعبان كُلَّه خلال فكيه؛ محطماً عظامه,وفي النهاية أكلَ الثعبانَ مبتدءاً بالذيل, إن القنفذَ يفضِّلُ أكلَ الأفعى السّامَة, فيتعاملُ معها بالعضِّ والتكور في الحال, حتى إذ لدغته الأفعى فتصيب الدرع الشوكي للحيوان, ولا تخترقُ أنيابُها جلدَ القنفذ(محمد الراوي: موسوعة حيوانات العالم, دار أسامة للنشر والتوزيع, عمان, ط1, 2000م, ص 184-185).

ويعرضُ الجاحُظ صورةً بصريَّةً حركية يصطرع الهِرِّ والعقرب, فيسترخي العقربُ بيد السِّنور, فيلعبُ بها ساعةً من الليل, وهي مسترخيةٌ مستخذيةٌ لا تضرُّ به, والسنانيرُ من الخَلْق الذي لا تسرعُ فيه السُّموم(ج4/215و ج2/252), ويلعبُ القِطُّ بالفأر حتى وإن كان القط في الأرض, والفأرةُ في السَّقْفِ, ولو شاءَتْ أن تدخلَ بيتها لم يكن للسِّنورِ عليها سبيلٌ, فتتحيَّرُ فيقول السنور بيده كالمشير بيساره ارجع, فإذا رجعت الفأرةُ أشار بيمينه أنْ عدْ فتعود, وإنما يَطلبُ من الفأرة أن تعيا أو تزلقَ أو يُدار بها( تدوخ), ولا يفعل ذلك بها ثلاث مرات حتى تسقطَ إلى الأرض, فيثبَ عليها, فإذا وثبَ عليها لَعِبَ بها ساعة, ثم أكلَها, وربما خلّى سبيلَها, وأظهرَ التغافلَ عنها, فتمعنُ بالهرب, فإذا ظنَّتْ أنها نَجَت, وثب عليها وثبةً فأخذها, فلا تزال كذلك كالذي يُحِبُّ أن يسخرَ من صاحبه, وأن يخدَعَه... وأن يورِّثَهُ الحسرةَ والأسفَ, وأنْ يلذَّ بتنغيصه وتعذيبه(ج5/ 252), فالمتلقي يلحظ صورةً حركيةً حسيَّةً ونفسية ولمسيَّة ممتشجةً؛ في معرض تقديمهِ تجربةً للمتلقي, أمّا الحركيةُ البصريةُ فالقِطُّ, على الأرض, وفأرٌ في سقفِ المنزل, وهو قريبٌ من جحره, يمكنُ أن يدخلَهُ بأمان, لو أراد دون أن يتخشّى أذى القِطّ, لكنَّ الصورةَ النفسية تبرزُها غريزةُ خوف الفأر من القط, تمنعه مِنْ أن يدخلَ بيته, لأنَّ توظيفَ القطِّ للغةِ الإشارة التي تُعَدُّ أبلغَ من لغة المُواء هي المانعة, فما إنْ يشيرُ القِطَُّ إلى الفأر تارةً بيمينه, وتارة بشِمالهِ, حتى ينصاعَ الفأر للإشارة, فلا يجرؤ أن يدخلَ بيته, وما هي إلا ثلاث مرّات, حتى يدوخَ فيسقطَ على الأرض من السقف, بين يدي القط فيأكلَه, إن شاء أو يلهوَ به, متلذذاًً بتنغيصه وتعذيبه قبل أكله.

إنَّ الإشارةَ من لغة الحيوان التي بها يتفاهم بعضُه مع بعض, ويطولُ الحديث المتقصي لمئات المشاهد البصرية, في كتاب الحيوان إذْ إنَّ قليلاً من الصور البصرية, تغني عن كثيرها في الاستدلال, فلنأخذْ عدة مشاهد أخرى مقتضبة, منها إن جميعَ الحيوان الماضغَ الأكل, يحرِّكُ فَكَّهُ الأسفلَ عند الأكل, إلا التمساحَ فإنه يحرِّكُ فَكَّهُ الأعلى(ج1/310), إنها ملاحظة تُعَدُّ أولى خطوات البحث العلمي, كما يلحظ أنَّ لأجفانِ الإنسان أشفاراً وليس ذلك للدواب إلا في الأجفان العالية

(ج1/310),كما لاحظ أنَّ عَيْنَ الجرادةِ وعينَ الأفعى لا تدوران(ج1/310).

أمَّا مصادر الجاحظ عن الصور الحسية فمتعددة يبيِّنُها الجدول أولاً تمهيداً للتمثيل عليها ثانياً:

مصادره في الحيوان

القرآن الكريم

الحديث النبوي

الشعر العربي والأمثال

أقوال الناس

آراء صاحب المنطق

تجارب الجاحظ

وتراسل الحواس

أمَّا مصادرُهُ من القرآن الكريم, فأشار إلى عددٍ من الحيوان ممّا ذكره الله تعالى في كتابه وهو خالقُ الحيوانِ ومبدعُه, وهو أصدقُ القول مما لا مراء فيه, فأشارَ الخالقُ عَزَّ وجلَّ إلى العنكبوت التي تبني بيتاً, مؤنّثاً إياها, لا مذكراً إياها جنساً, لأن الأنثى هي التي تبني بيتها أولاً, وتقتل الأنثى ذكرَها, وهو الهدم ثانياً, وولد العنكبوت أعجبُ من الفرّوج, لأنه يظهرُ إلى الدنيا كاسباً محتالاً مكتفياً, وهو الذي أفاده الجاحظ من قوله تعالى: " مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِ الله أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ "( العنكبوت, آية 41)

وقال على أثر ذلك: " وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ "( العنكبوت, آية 43), ويعرض مشهداً لعنكبوت ينسج خيطاً خارجاً من دُبْرِهِ محتجّاً بالشعر العربي.

كأنَّ قفا هارونَ إذْ قام مُدْبِراً قفا عَنْكَبُوتٍ سُلَّ من دُبرِها غَزْلُ

(البيت للشاعر الحداني, انظر: ابن سلام: طبقات فحول الشعراء, ص17, أنقل عن المحقق, وانظر الحيوان ج5/412)

وهاهو يعرض مشهد صيده الذباب, ويشبِّهُهُ بصيدِ الفهود, فإذا رأى الذبابَ لطيء بالأرض, وسكَّنَ أطرافَه, وإذا وثبَ لا يخطئ, وهو من آفات الذُّبان, ولا يصيدُ إلا ذبابَ الناس, وله ست عيون(ج5/412), إن لطوءَ العنكبوت دالٌّ على مدلول صيد, حانَ الوثوبُ عليه, يوظِّفُ العنكبوتُ سِيمياء السكون والحركة والترقب والوثب القاتل, يجمعُ الصورَ الحسّيةَ من بصرية, وحركية ونفسية, ولمسية ذوقية في سيمياء حواس العنكبوت.

ومن مصادره الحديث النبوي الشريف فيدرج حديثاً معنعناً ينهى الرسول الكريم r وهو الرفيق بالإنسان والحيوان معاً- ألاَّ يُقتلَ من الدوابِّ أربع فقال:" عن ابن جريح عن ابن شهاب عبد الله بن عتبة عن ابن عباس أنَّ رسول الله r قال: " من الدواب أربع لا يقتلن: النملة والنحلة والصُّرد والهدهد"( ج4/17).

إن الجاحظ يستثني قتل النملة المؤذية, مما ينسحب على كل ما يؤذي, استئناساً بحديث آخر للرسول الكريم r يرويه أبو هريرة بقوله: " سمعت رسول الله r يقول: نزل نبي من الأنبياء تحت شجرة, فقرصته نملة, فأمر بجهازه( متاعه) فأُخرِجَ من تحتها, ثم أمر بقتل النمل فأحرقت, فأوحى الله إليه, أفي أنْ قرصتْكَ نَملة أهلكتَ أمةً من الأمم يسبّحون الله تعالى؟!" فهلا نملة واحدة"( ج4/18), إنها رفق الرسول الكريم بالحيوان, إلا المؤذي فيقتل منه, ولا يُعاقبُ الكل بذنب البعض, والصورةُ حِسّية حركية لمسية, تقرُصُ ويوقَدُ عليها النَّار, شاهدُه ُحديثُ الرسول الكريم r.

ومن مصادره تجاربه, فقد تناهى إلى الجاحظ " أن من وسائل قتل النمل أن يُصَبَّ في أفواه بيوتها القَطِرانُ والكبريتُ الأصفر, ويُدَسَّ في أفواهها الشَّعَرُ, وقد جربنا ذلك فوجدناه باطلاً"( ج4/36), ومن مصادره رؤيته بيضَ الحيات " وقد رأيت بيض الحيات, فإذا هو بيضٌ مستطيلٌ أكدرُ اللونِ أخضرُ, وفي بعضه نَمَشٌ ولَمَع, فأمّا داخلُه فلم أرَ قيحاً قَطُّ, ولا صديداً خَرَجَ من جرحٍٍ فاسد, إلا والذي في بيضها أسمج منه وأقذر"( ج1/170), فتلحظ توظيَفُه الصورةَ البصريةَ الشميّة المتراسلةَ الحواسِّ في عرضه الصورة .

ومن مصادره عن علم الحيوان أقوال صاحب المنطق( أرسطو: صاحب كتاب الحيوان) فيعرضُ الجاحظُ أقوالَ صاحبِ المنطق, ويُخْضِعُها إلى المنطق والتجربة, ثم يَحْكمُ بعدها على مدى صِدْقِها أو كذبِها, فتارةً لا يفهم من صاحب المنطق قوله: " قال صاحب المنطق ويكون بالبلد التي تُسمى " طبقون" حيةٌ صغيرة, شديدةُ اللَّدغ, إلاّ أن تعالجَ بحجر, يخرج من بعض قبور قدماء الملوك" فيرد الجاحظ: " ولم أفهم ذلك؟" ولم كان ذلك؟( ج4/227).

إنّه احتكامٌ إلى العقل, وعَرْضٌ للموضوع عليه, فالجاحظ لم يفهم ذلك, وظل سؤاله عنه قائماً.

ويستفيدُ من إشارة صاحب المنطق من علم الحيوان لينقلَهُ فائدة إلى علم الإنسان, فإذا وقف صاحب المنطق عند " لدغ الحية للأيل, وذهابه لأكل السلاطين للشفاء من سُمِّها " فإن الجاحظ يوسِّعُ دائرة الفائدة وفكرتها, بتعميمها على الناس فيقول" فلذلك تُظَنُّ أنَّ السراطين صالحة لَّلديغ من الناس, قال صاحب المنطق" وإذا وضعت أنثى الأيل ولداً أكلت مشيمتها, فيظن أن المشيمة شيءٌ يُتداوى به من عِلَّةِ النّفاس(ج4/227), كما يعمِّمُ رأي أرسطو بأنَّ السلحفاةَ إذا أكلت الأفعى أكلت بعدها من الصعتر مراراً كثيرة, فإذا أكثرت من ذلك هلكت"( ج4/227).

إنه يعرض علم التداوي بالأعشاب من السموم التي أدركت خطرَها السلحفاة, فأكلتْ من سُمومِ الحية, ثم تداوت بالصَّعتر الجبلي, أليست محركة للاستطباب البشري من السُّموم؟!

ثم أليسَ أَكْلَةُ السلحفاة من الزعتر دالاً سيميائياً على مدلول أكلها من سُمِّ الحية؟ والجاحظُ يعرضُ قول غيره إليه نقلاً عن كتاب الحيوان لأرسطو, بأن ريحَ شجرِ السُّذاب يشتدُّ على الحيَّات, فما كان من الجاحظ إلاّ أنْ جَرَّبه على الحيات, فلم يضرَّها قال: " فألقيتُ على وجوهِ الأفاعي جُرَزَ السَّداب( الفيجن), فما كان عندها إلا كسائر البقل(ج5/365)." فالجاحظُ لا يقبلُ ما يُنْقَلُ إليه, على عواهنه فيعرضُه على التجربة- إن أمكن ذلك- ثم يردُّ على ما نُقل إليه, فيخطِّئ صاحبَ الحيوان, إن لم يجده صحيحاً, كما ترى في المثال السابق.

ومن مصادر الجاحظ ما يعرضه من آراء العامة عما يوردونه من علم الحيوان عن صوره الحسية, فيدرجُ معلوماتِهم عنه بقوله حيناً: " وفي حديث العامة(ج6/306) " أو " زعمَ لي بعضُهم عن رجل"( ج1/184) أو يذكرُ اسم الراوي كقوله: زعم محمد بن جهم أنَّ العيون التي تضيء بالليل(ج4/116-229-231) أو ينقض آراء من ادّعوا أنَّ في النحل أنبياء, محتجِّين بقوله تعالى: " وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ "( المائدة’ آية 111).

فيردُّ الجاحظُ على ُجهّالِ الصوفية في ذلك وهم الذين زعموا أن الحواريين أنبياءُ الله لقوله عز وجل:" وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُواْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ" فظنّوا خطأ أنَّ الإيحاء إلى النحل كإيحائه إلى الحواريين, قال الجاحظ يرد عليهم: " وما خالف إلى أن يكون في النحل أنبياء؟ بل يجب أن تكون النحل كُلُّها أنبياء لقوله -عزَّ وجلَّ- على المخرج العام " وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ " ولم يخصَّ الأمهاتِ والملوكَ واليعاسيب, بل أطلقَ القولَ إطلاقاً, ثم يقولُ الجاحظ" وبعد, فإن كنتم مسلمين فليسَ هذا قولَ أحد من المسلمين, وإلا تكونوا مسلمين فلم تجعلون الحجة على نبوة النَّحل كلاماً هو عندكم باطل!؟( ج4/ 424- 425).

أمَّا الزعُم الذي أورده الجاحظ من حديث العامة؛ أن البراغيث إذا كثرت على الثعلب, تناول فروة بفيه ثم يغمسُ نفسَهُ بالماء, قليلاً قليلاً, حتى يجتمعَ البراغُيث في الصوفة فيقذفَها, فإن كان هذا الحديثُ حقاً فما أعجبه! وإن كان باطلاً فإنهم لم يجعلوه إلا للفضيلة التي فيه من الخبث والكيَسِ(ِج6/306), لقد ظلَّ الجاحظ متحفّظاً على ما سمعه عن الثعلب المبرغث وصوفته, بدليل معلوماته " زعم" إلى أن جاء بعدَه علماءُ فأثبتوا ما قاله الزاعمُ بأنَّ " الثعلب إذا كثرت براغيثُهُ دخلَ النهرَ قليلاً قليلاً, فتصعدُ البراغيثُ من الماء إلى أن تتجمع في قطعة الصوف التي في فمه, فيلقيها في الماء ثم يهرب"( الدكتور كارم السيد غنيم, موسوعة عجائب ضواري الماء والبراري, عجائب الذئاب والثعالب, دار الفكر, ط1, 1994م, ص 101).

أمَّا الزعمُ الثاني, فعن رجل من أهل الكوفة من بني تميم أن الكلبةَ تعرِضُ للسبع حتى تلقحَ, وليس في الأرض أنثى يجتمعُ على حُبِّ سَفادِها, ولا ذكرٌ يجتمعُ له من النزوح إلى سَفاد الأجناس المختلفة, أكثر في ذلك من الكلب والكلبة(ج1/ 184).

أمَّا الزعُم الأخير فهو لمحمد بن جهم " فقد زعم أنّ من العيون التي تسرج ليلاً عيونَ الحية", وذكر قصة مشهورة أنّ رأسَ حيةٍ مقطوعاً, كان تحت سريره يسرجُ فلما أزاحه وأطفأ سراجه, لم يسرج شيء"( ج4/ 116).

ومن مصادره الشعر في رصد مشاهد الحيوان من آثار الحيات في الرمال قال المتنخِّل الهذلي(جمهرة أشعار العرب, ص130).

كأنَّ مزاحفَ الحيَّاتِ فيها قبيلَ الصُّبحِ آثارُ السِّياطِ

وقال آخر(نهاية الأرب, 10/146):

كأنَّ مزاحِفَها أنسعُ جَرزْتَ فرادى ومثناتِها

(ج4/ 175)

ومن مصادره المثل العربي في عرض مشاهد من الصور الحسية البصرية وغيرها, شأنه في عرضه البصري لمشي الفرس, رافع الرأس متبختراً في مشيته, يشبه به على المثل بمشية الثعلب " فتمشي الفرس مشي الثعلبية" على أمالي القالي(ج2/185), والمخصص: لابن سيده(ج11/177).

ومن أمثال العرب ظلم الحية فقيل: " أظلمُ من الحية" لأنها لا تتخذُ لنفسها ولا لبيضها ولا لأولادها بيوتاً, بل تظلمُ كُلَّ ذي جُحْرٍ جُحْرَهُ, فتخرُجه منه, أو تأكلُه إن ثبت لها, والعرب تقول للمسيء " أظلم من حية"( ج4/149).

ومن مصادره في حيوانه عرضه نظرية ماني في الحواس الخمس, إذ إنَّ في كُلِّ حاسة متوناً من ضده من الأجناس الخمسة, فمتى نظر الإنسان نظرة رحمة, فتلك النظرة من النُّور, ومتى نظرَ نظرةَ وعيد, فتلك النظرةُ من الظلمة, وكذلك جميعُ الحواس, فإن قيل للمنّاني( اتباع ماني المجوسي) ( تفصيل مذهبه في الفهرست 327- 337, ليبسك) وفيه أن مبدأ العالم من كونين: النور والظلمة(ج4/81 حاشية الصفحة للمحقق, و ج4/ 441-442) فإن قيل له: ما تقولُ في رجلٍ قال لرجل: يا فلانُ, هل رأيتَ فلاناً؟ فقال المسئول: نعم, قد رأيته أليس السامع قد أدى إلى الناظر, والناظر قد أدى إلى الذائق؟! وإلا فلم قال اللسان: نعم! إلا قد سمع الصوتَ صاحب اللسان؟! وهذه المسألة قصيرة كما ترى, ولا حيلة له بأن يدفعَ قوله(ج4/442).

ألا ترى عرضَ الجاحظ لآراء ماني في كوني النور والظلمة, وهما مصدرا تجربة بصرية حسية, أولاً وأنَّ عَرْضَ الصورة الحسيةِ يتراسلُ فيها البصر والسمع والذوق فيها ثانياً, وأنَّ الجاحظَ يوافقُ ماني على ما ذهب إليه في ما يسمى اليوم بجواز " تراسلية الحواس" " Correspondence" وأنَّ الجاحظَ يُسلِّمُ في هذه المسألة ولا حيلةَ له في دفعها ثالثاً, وأن الجاحظ رابعاً يعرضُ هذه المشاهدَ الحسيةَ متراسلةً حيناً آخر على منحنى تطبيقي كما ترى.

(2-ب)

سيمياء الحاسة السمعية والتجربة ومصادره فيها

والصُّوَرُ السمعية تستوقفُ الجاحظَ من عدة ضروب منها: قبحُ الصوت وجمالُه أولاً وتوزيعُ الأصوات على السباع والطير والحشرات وغيرها ثانياً وتأثيرُ الصوت نفسياً على بعض الحيوانات ثالثاً, والأهم من كلِّ ذلك دعوتُه إلى التأني في فهم لغة الحيوان رابعاً.

أمَّا الصوتُ عنده فقبيح أو جميل, وهو لغة من سيمياء حواس الحيوان, وقبح الصوت متعدِّدٌ من قبح, وسماجة ومفزع, وزعه على سباع الحيوان, كابن آوى والخنزير والأسد والذئب(ج1/288), كما وزَّعه على شحيج البغال وسماجة صوتها(ج1/288), وعلى الطاؤوس من الطير على أنهم يتشاءمون به(ج1/288), وبعضُ الناس لهم أصوات أسمج من أصوات الكلب, كان ذلك في معرض دفاع صاحب الكلب عنه أمام صاحب الديك(ج1/288).

ومن قُبْحِ الصوتِ المفزع, صوتُ الصَّدى والبوم في الليل(ج2/402, 298, ج6/250), فعدَّدَ الجاحظُ تسميات الطير الخارج من وكرِه ليلاً, منها البومةُ والصَّدى والهامَةُ, والضوَّعُ , والخَفَّاشُ, وغرابُ الليل, واحتجَّ بالشعر الذي يستقبحُ هذا الصنف من أصوات الطيور:

فلا تزقّون لي هامةً فوق مرْقَبٍ فإنَّ زُقاءَ الهامِ أخبثُ خابثِ

(البيت لخزيمة بن أسلم كما هو في بلوغ الأرب: ج2/312, وفي حيوان الجاحظ,

ج2/ 299)

وقول عبد الله خازم لا يكترث بِزُقاءِ هامة, لأنه أروى الدماء أخذاً بالثأر بالمروين من قبل:-

فإنْ تكُ هامةٌ بِهَراةَ تزقو فقد أزقيت بالمروينِ هاما

(المروان هما مرو الشاحجان ومرو الروز بخراسان, والبيت في المخصص لابن سيده, 8/162 وحيوان الجاحظ, ج2/299, وحاشية المحقق)

ومن قبيحِ الصفات طنينُ البعوضِ والذبابِ, فأسماهما غناء, واحتجَّ بقولِ حضرمي بن عامر في طنين الذباب:

مازال إهداءُ القصائدِ بينَنا شَتْمَ الصَّديقِ وكثرةَ الألقابِ

حتى تركتَ كأنَّ أمرَكَ بينهم في كُلِّ مَجْمَعَةٍ طنينُ ذُبابِ

(الحيوان, ج3/315 وطنين الذئاب يضرب به المثل للاستهانة به, الثعالبي: ثمار القلوب, طنين الذئاب, ص397 في كل مجتمع, وليس مجتمعه)

وأدرج الجاحظ نقيق الضِّفدع, واحتجَّ بالشعر, إذ لا ينقنق إلا وقد ملأ نصف شدقه ماء, فنقيقُه دال على مدلولِ ماء, كما قال الشاعر:

يُدْخِلُ في الأشداق ماءً بنصفه كيما يَنِقَّ والنقيقُ يُتْلِفُهُ

(ج3/ 266)

وأمَّا من جمالِ الصوت وعذوبتهِ فصوتُ الفاختة(ج1/194), وهديل الحمام(ج2/295, وج3/343), واستوقفَهُ صوتُ الفتيّ الضئيل من فراخه, وعرضَ لمراحل تطوُّرِ صوتِه, إذ كُلَّما زُقَّ مراراً فتحَ الزَّقُّ جِلْدَة غَبَبَهِ, وحوصلتِهِ, فخرجَ الصوتُ أغلظَ وأجهرَ, وهو الذي أسماه الجاحظ " تدرجَّه في الهديل"( ج3/174).

كما يستوقِفُهُ صوتُ العندليب, فيوظِّفه باللغة الفارسية( هزار دستان) بمعنى ألف لحن, مما يدلُّ على سِعَةِ ثقافته, ويعزو اسَمه لكثرة ألحانه(ج5/289), ويدرجُ من أصوات الطير صوت الببغاء الذي " تهيأ له من الحروف أكثر"( ج5/289), ويستحسنُ من أصواتِ الطير صوتَ القمرية, لجماله المطرب ضحى وعشية, محتجاً بقول الشاعر جهيم بن خلف:

وقد شاقني نَوْحُ قُمْرِيَّةٍ طروبِ العشى هتوفِ الضُّحى

مُطوَّقةٍ كسيت زينةً بدعوة نوح لها إذ دعا

(ج3/ 200-201, والحمام أنواع ج3/146)

ولمْ يفتِ الجاحظَ أن يتنبّه إلى هديل الحمام, فرحاً أو ترحاً, على حالة المتلقي, فهي نائحةٌ حيناً, ومغنيةٌ حيناً آخر, مطوقة حسناء, بدعوة نوح لها, رمز فؤل وسلام, بعد الطوفان, فتبرز الحواس البصرية والسمعية والنفسية, بعد أن أضلَّت فرخها, فما زالت تبكي عليه كما هو في شعر جهم بن خلف(الأبشيهي: المستطرف في كل فن مستظرف, 2/ 221- 228؛ ابن قتيبة:عيون الأخبار, 4/114):

تغنَّتْ عليهِ بلحنٍ لها يُهيِّجُ للصبِّ ما قد مضى

ولم أرَ باكيةً مِثْلَها تُبكِّي ودمعتُها لا تُرى

أضلَّتْ فُريخاً فطافتْ له وقد عَلَقَتْهُ حِبالُ الرَّدى

فلما بدا اليأس منه بكتْ عليه وماذا يردُّ البكا

وقد صادهُ ضَرِمٌ مُلْحِمٌ خفوقُ الجناحِ, حثيثُ النّجا

(ج3/ 199)

إن هديل الحمام لغة من السيميائية, ذو دلالة على فَرَحٍ أو تَرَح, حسب المنظور النفسي للمتلقي.

ويدرجُ الجاحظ أثرَ الصوت نفسياً على بعض الحيوان, فها هو يعرضُ تأثيرَ صوتِ الرعد على بعض السَّمك, ينقل مزاعمَ صاحب المنطق, وأنه يرمي بيضه في أعلى الماء, قبل انتهاءِ الآجل, أو يتعطَّل عليها أياماً بعد موعد البيض(ج4/193-194).

وللصوتِ دورُه النفسيُّ, في إخراجِ الحية من جُحْرِها وهي صمّاء, بصوتِ الراقي, فالحوّاءُ إذا دنا من جحرها, وصفَّقَ بيديه, وأكثرَ من ذلك, خرجت من جُحرها, كذلك يَخْرُجُ الضَّبُّ والضَّبْعُ, وشاهدٌ الجاحظِ قولُ كُثّير الشاعرِ, أنَّ الحيةَ الصمَّاء تخرجُ بالصوت والتصفيق:

وسوداءُ مطراقُ إليَّ من الصَّفا أنيٍّ إذا الحاوي دنا فصدا لها

والتصدية بمعنى التصفيق كما يفسرها الجاحظ من قوله تعالى: " وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ "( الأنفال, آية 35) ويعزو الجاحظ ذلك إلى نكران الصوت.

وللصوتِ دورُه في صيد الفهدِ والآيِّل من الغزلان, ذلك أنَّ كلاً منهما يطربُهُ الصوتُ الحسنُ, " لِحُسْنِ إِصغاءِ الفهد إليه"( ج6/47).

وتسترخي آذان الأيائل لسماعِها الصوتَ الحسن من صفير وغناء, فلا تنامُ ما دامت تسمعُ ذلك, من حاذق الصوت, فيأتي الصيادون من خلفها ويثبون عليها, وإن كانت قائمة الأذنين فليس إليها سبيل(44/193).

والأصوات في الطبيعة منوَّعة منها صوت الصاعقة وهو قاتل, ومنها ما يُسِرُّ النفسَ, حتى يفرطَ عليها السرور, فتقلقَ, حتى ترقصَ, وحتى ربما رمى الرجل بنفسه من حالق, ومنها ما يُكْمِدُ ويزيلُ العقل, كالأصوات الشجية والقراءات الملحنة(420/192), وللأصوات تأثيرُها في الإنسان والحيوان كما رأينا, فبها ينوِّمون الصبيان والأطفال(ج4/192), كما أن لها أثراً في سرعة حركة الإبل, إذا حدا بها الحادي, فَتُصِرُّ لحُدائهِ آذانَها, وتزدادُ نشاطاً في مَشيها, وبالأصوات يجمعُ الصيادون السَّمَكَ في حظائرهم, بعد أن يضربوا بِعِصيِّهم ويعطعطون( بتتابع أصواتهم واختلاطها) فُتقبلَ أجناسُ السمك شاخصةَ الأبصار, مصغيةً إلى تلك الأصوات, حتى تدخلَ في الحظيرة, ويُضربُ بالطاس للطير, وتصادُ بها, كما يُضربُ للأسد بالطاس, فتروِّعُها تلك الأصوات(ج4/ 192- 193).

أمَّا دعوة الجاحظ المهمة فهي التأنّي في فهم لغة الحيوان, ليتمَّ تعلُّمُها بأعلى قدر الحاجة إليها, فهاهو يقول: " والجملة إنَّ من أعون الأسباب على تعلم اللغة, فرطَ الحاجة إلى ذلك, وعلى قدرِ الضرورة إليها في المعاملة, يكونُ البلوغُ فيها, والتقصير عنها(ج2/290), ويضربُ مثالاً على لغة السنانير " القطط" وقد تهيأ لها من الحروف العددُ الكثير, ومتى أحببتَ أن تعرفَ ذلك, فتسمعْ تجاوبَها, وتوعدَ بعضِها لبعض, في جوف الليل, ثم أحص ما تسمعُهُ, وتتبَّعْه, وتوقفْ عنده, فإنك ترى من عدد الحروف, ما لو كان لها من الحاجات والعقول والاستطاعات ثم ألفتها لكانت لغة صالحة الموضع متوسطة الحال(ج2/289), أليست دعوة الجاحظ هذه موجهة إلى الإنسان ليفهم لغة الحيوان, ليسهلَ التعامل معه, حسب غرائزه وطلباته؟ بل دعوة إلى الملاحظة(Observation) والاستفتاء( Questionnaire) وهما المهمتان الرئيسيتان في الدرجات الأولى من البحث العلمي الحديث من أسس علم النفس التجريبي.

(2-ج)

سيمياء الحاسة الشميَّة

تنبه الجاحظ إلى الصور الشمية, ولعلَّ حاسةَ الشمِّ أسبقُ الطرق للحسّ عند الحيوان, لأنه بها يعرف طعامهَ وشرابهَ, وعدوَّه فينفرُ منه أو يقاتله, وصديقَه فيأتلفٌه.

لقد برز من صور الجاحظ أمور منها: درجه أولاً روائح كريهةً وطيبةً, أدارها على الحيوان المفترس, كالكلب والذئب, والبري؛ كالظليم, والقوارض كالفأر, والزواحف كالظربان, والطير كالعُقاب, والهدهد, وحدَّدَ قوةَ شَمّها ومكانه ثانياً, وفسر أحياناً أسباب طيبه ونتنه ثالثاً, كان ذلك من انموذجات نعرضها بعضاً من كل, في ضوء في ما يستوعبه البحث, ولعلَّ أهمَّ من كل ذلك تنبهُهُ, إلى حاسةِ الشَّمِّ عند الحيوان التي تقوم الدراسات الحديثة بمثلها.

لقد ذكر الجاحظ قوة شم الحيوان كالكلب والذئب, أمَّا الكلبُ فلا يخفى في شَمِّه الميتَ من المجوس من المتماوت, ولا يُنْقَلُ مجوسي إلى الناوس, إلاّ بعد أن يمرَّرَ الكلبُ عليه فيشمَّهُ(ج1/375, وج2/289), ولا يحتالُ الثعلب على الكلب, وإن كانت في أوكارها يوم جليد, (ج2/119),والكلب خبير في مطاردة التيوس من قطيع الظباء, مع أنها أشدُّ عدواً, وأطولُ وثباً, لأنه يعلم أن التيس إذا عدا شوطاً أو شوطين, حقب ببوله وتعسَّر عليه, فَسَهُلَ صيده(ج2/117), وعليه فيمكنُ الاستفادة من الكلب, في فحص المشمومات, ومعرفةِ أحيائِها من أمواتها, واكتناه الطرائد في وكناتها, خاصة أيام الصقيع,ولعلَّ قوَّةَ شمِّه, وإن كان معصوبَ العين, تعادلُ بها حركةَ رأسه, بنفس الطريقة التي نحرِّك بها عيونَنا, عند قراءة السطر تلو السطر, إذا مررت قفصاً دوَّاراً به أرنب, أمام كلب معصوب العينين(لورس ملني وزميلته, الحواس في الإنسان والحيوان, ص181).

وأمَّا الذئُب فصادقُ الشم, شديدُ الحس, والاسترواح, كما وصفه الشاعر العقلي(الجاحظ: البيان والتبيين, 1/82؛ وابن منظور: لسان العرب: ريح).

يستخبرُ الرِّيحَ إذا لم يسمعِ بمثلِ مقراعِ الصَّفا الموقَّع

(ج1/34)

إنَّ الشاعرَ يصفُ الذئبَ على شِدَّةِ مسمعيه, بِسِمَةِ الشمّ واستخبارِ الريح, وهاتان السمتان: السمعية والشمية تجدُهما في الدراسات الحديثة, فالذئب يُميِّزُ بين أكثر من أربعين رائحة في وقت واحد, ويلتقط الرائحة المحمولة على متن الريح من مسافة(2.4) كيلو مترين وأربعمائة متر؛ معتمداً على الظروف المناخية, على أنه قوي السمع للترددات المنخفضة التي تردداتها 250 ذبذبة/ث كما يسمع الترددات عالية التذبذب التي تزيد عن 26,000 ذبذبة/ث(كارم السيد غنيم: موسوعة عجائب ضواري الماء والبراري, مرجع سابق, ص22).

وشمُّ الظليمِ طيرِ البرِّ قوي, " إذ يكون على بيضه, فيشمُّ القانِصَ من أكثر من غلوة, ويبعد عن رئاله, فيشمُّ ريحَها من مكان بعيد, أليست حاسة الشمِّ لغةً من السيميائية يفهم النعام منها وجود عدو قريب منه, وإن لم يسمع بأذنيه؟ ويستشهد الجاحظ بإنشاد يحيى بن نجيم زمعة إليه:

أَشَمُّ مِنْ هِيْقٍ وأهدى من جَمَل

(ج4/133)

فالجاحظ يستنشدُ غيرَ شاعرٍ, للتدليل على قُوّةِ شَمِّ الظليم من النعام, فيقول الجاحظ: " وأنشدني عمرو كركرة يشيد بقوة شم النعام أيضاً, تعزيزاً لفكرته": " ما زال يشتم اشتمام الهيق"( ج4/133).

ويعزو الجاحظُ سببَ تغطيةِ القِطِّ لرجعه؛ لئلا يشمَّهُ فأر, فيهربَ من المكان(ج2/263), فتغطيةُ القطّ دالّ إشاري حركي نفسي, لمدلول شمّ الفأر, وهي لغة سيميائية الحيوان, وتوقَّفَ الجاحظُ عند روائح كريهة, تنبعث من الأسد والحية والتّيس,والظربان, ومن فرخِ العُقاب والهُدهد, موزعة على الحيوان الضاري, والزواحف والطير, وقد حاول تفسيرَ أسبابِ بعض الروائح حيناً, ويعزفُ عنها حيناً آخر, أما من أسبابها فرائحةُ الأسد كريهة, لقلة ريقه(2/213), ومثلها تيوسُ الغنم وقتَ الضِّراب(ج3/514), وجلدُ الكلب كريهُ الرائحة إذا بَّلهُ المطر(ج1/226, 229, ج5/466), والهدهدُ وفرخُه ذوا رائحة كريهة لأنَّ الهُدهدَ يبني عُشَّهُ من عُذرة النَّاس

(ج2/318, ج3/510), والظربان والحية لهما رائحة كريهة منتنة لم يذكر لهما سبب, فالظربان, تفرِّق الإبل؛ فَسِلاحُها في مؤخرتها(ج6/317), وريحُ جحره أنتن(ج1/247), ومثله الخُنْفُساء(ج3/349), والثعلبُ سلاحه غُدّة في ذيله يطرد بها أعداءه(ج6/377), وفرخُ العُقاب والغُراب قذر منتن يروي الجاحظ عن الأصمعي(ج2/318), لم يبيِّنْ السبب, ومن الفهد تنبعث رائحة طيبة فيستدلُّ عدوُّه بها عليه

(ج6/47), إنها لغات سيميائية كبيرة, منها دال ومدلول, وفيها فهم وإفهام احتج بها الجاحظ, ويقارن بين الروائح أحياناً, فرائحةُ شُواء العقرب كرائحة الجراد(ج4/44و ج5/356), لقد أبرز الجاحظ صنوفاً من صور حاسة الشم طيبة وكريهة, وزَّعها على الحيوان والطير, وعزا أحياناً أسباب انبعاث الرائحة وتأثيرها على أعدائها نفعاً وضراً, مما يمكِّنُ المتلقي من أنْ يتداركَ ما يَضُرُّ حيوانَه, فيبتغي منفعَتَه في حياته, كما يمكنُ أن يحتالَ على الحيوانِ لصيده, بأنْ يَمْسَحَ من جلده على ثيابه, فيلتبس بريحه على الحيوان فيصيدَه, أو يطلقَ مادة كيميائية تبلِّدُ أعضاء الشَّمِّ في الحيوان كَسَمَكِ القرش, أو تطردَه عنه, وتطردَ غيره من الحيوان حفاظاً على حياة الإنسان, شأنُ المشروعات التعاونية على طول الشواطئ البحرية لاكتشاف مواد تنفرُ أسماك القِرش منها, حتى لا تقتربَ من السواحل فتؤذيهم, كما تنبه إليها مؤخراً باحثان هما: لورس ملني وزميلته(الحواس, ص 184), ولعلَّ كُرْهَ الحيَّاتِ من ذواتِ الجرس, للرائحة البشرية, أنَّ رعاة البقر في ولاية تكساس يحيطون أنفسهم بحبال, يلمسونها بإيديهم قبل نومهم, فتنفرُ عنهم الحيات الخطرة, التي كان يمكن أن تعضَّهم وهم نيام, ورائحةُ أبي العفن " الظربان" وغيرها من المواد ذاتِ الرائحة النفاذة, أشدُّ أثراً من ذلك(لورس ملني: مرجع سابق, ص186).

لقد أشار الجاحظ إلى وسائل حماية الإنسان نفسه, من شرِّ الأسد إذْ أدرجَ حكايةَ أبي ثعلب الأعرج, أنّهُ لما مرَّ على وادي السِّباع, عرضَ له سَبُعٌ فقال له المكاري: " لو أمرت غلمانك, فأوقدوا ناراً, أو ضربوا على الطِساس, ففعلوا, فأحجم عنهم"( ج4/485). فأُنشدَني له ابن أبي كريمة في حبه بعد ذلك للنار ومدحه لها(ج4/48).

إنَّ هذه الحكاية تصف خطورةَ الأسد ووسائلَ حمايةِ الإنسان نفسَه منه, بإيقاد النار, أو الضربِ على الطِساس,فإذا كانت حاسةُ الشمّ القوية للحيوان تعرِّضُ الإنسان للخطر, ويمكن أن يقيَ نفسَه برائحةٍ مضادة, فإنَّ وسائلَ أخرى بصرية لمسية كإشعال النار, والضربِ على الطساس, يمكنُ أن تطردَ الأسد, وتقي الإنسانَّ شرَّهُ, على أن يكونَ الإنسانُ عرف نفسيَّة الحيوان, وعرفَ فيه مكامنَ الضعف والقوة, وهذا تلفُّتٌ مبدع من الجاحظ قبل اثني عشر قرناً من الزمان, فأشار إلى ما يمكن أن يتعاملَ الإنسان معه في ضوء ما يعرفه عنه, إنْ خيراً فخير, وإن شرّاً فشرٌّ.

(2-د)

سيميائية الحاسة الذوقية

لقد تنبَّهَ الجاحظُ إلى الطعوم وتذِّوقِها, فترصَّدها في كثير من الحيوان؛ فإحاسات الذوق لدى الإنسان والحيوان, لا تتعدّى أربعةً هي على الأغلب هي: الملوحة والحلاوة والحموضة والمرارة أولاً, وتنبّه إلى تراسيلة الحواس, وأهمية حاسة الشم على حاسة الذوق بقوله الطعم تَبَعٌ للرائحة, خبيثُها لخبيثها وطيِّبُها لطيّبها, ثانياً(ج4/44),وفسَّر ثالثاً أسبابَ إقبالِ الحيواناتِ أحياناً على تذوِّق المطعوم والمشروب وكرهه, فكيف يمكن للإنسان أن يتعاملَ مع ذائقة الحيوان فيصيدَه إن كان نافعاً, أو يتخلصَ من أذاه إن كان ضاراً؟.

لقد أبرز الجاحظ أربعة طعوم رئيسة هي: الملوحة, والحلاوة, والحموضة, والمرارة, وهي التي نصَّ عليها العلم الحديث(لورس ملني وزميلته: الحواس في الإنسان والحيوان حدود حاسة الذوق, ص203-219),كما ذكر غيرها نحو كدرِ الماء وغليظِه, وطعمِ الزعتر والطعام الحار والصافي من الماء العذب, أدارها على بعض حيوان البر والبحر؛ فالإبلُ لا تحبُّ من الماء إلا الغليظَ, والخيلُ تكرَهُ الماءَ الصافي وتحبُّ العذوبة, حتى ربَّما ضَرَبَ الفرسُ بيده الشريعةَ ليثوِّرَ الماءَ, ثم يشربَهُ, والبقرُ يعافُ الماءَ العكر, ولا يشربُ إلا الصافي, والظباءُ تكرعُ في ماء البحر الأجاج, وتخضُمُ الحنظلَ المرَّ(ج2/ 142- 143), ولم يبيِّنْ الجاحُظ أسبابَ ذلك, وليس مطلوباً منه, فتلحظُ سيمياء ذوقية لأصناف الحيوان, من راغب للماء الغليظ الكدر كالإبل, ومحب لعذوبته مع كره صفائه كالخيل, وتجدُ البقرَ يعافُ الماءَ العكر, ولا يشرب إلا الصافي على عكس ما تحبُّه الإبل والخيل, كما تجدُ رغبة الظباء بالماء المالح, وهي تخضم الحنظلَ المُرَّ, ولم يبيِّنْ الجاحظ أسبابَ ذلك, وليس مطلوباً منه تفسير كل ذلك, لكنَّ ملاحظاتِه الأوليةَ المتأنيةَ, في رصد أذواق الحيوان, تُعَدُّ جمعَ معلومات مستقصية, لأذواق الحيوان, فيعرفُ المتلقي ما يحبُّهُ الحيوان وما يكرهُه, والجاحظُ لا يتوقفُ أحياناً عند عرضه الصورة الذوقية فحسب, كما ذكرنا, بل يفسِّرُ أحياناً سبب ذلك, ذلك ما فسَّره من خروج الأسد للتملُّح؛ بطلبه شُرْبَ الماء المالح, بعد أن حسا الدماء وأكل اللحم, وكلاهما-حلو- فها هو يقول: " والأسْدُ إذا كثرت من حسو الدماء- والدماء حلوة, وأكل اللحم- واللحم حلو- طلبت الملحَ لتتملّحَ به, وتجعلَهُ كالحَمْضِ بعد الخَلّة, ولولا حُسْنُ موقعِ الملح لم يُدْخِلْهُ الناسُ في أكثر مطاعمهم, والأسدُ يخرُجُ للتملّح, فلا يزالُ يسيرُ حتى يجدَ ملاحَّةً فإذا تملَّحَ رجعَ إلى موضعه"( ج3/ 260).

ولعلَّ مما يفادُ من النصِّ السابق, حاجةُ الأسد إلى طعمين؛ حلوٍ ومالح, من جهة ثم من أخرى دراسةُ نفسية الحيوان, ورصُده عند مياه مالحة واصطيادُه, فإن كان ضاراً قُتِل, وإلا أُخِذَ إلى حدائقِ حيوان, إن كان نافعاً, أو تربيتُهُ في غابة, بتمليح مياه له, لسدِّ حاجته.

ولعلَّ مثلَ هذه الدراسة تنبّه إليها الدكتور لورس ملني وزميلته إذ قالا:

" والفلاح الذي يزوِّدُ حيواناتِه, بكتلة من ملح الطعام, يقيها شرَّ الإصابة بنقص ملح الطعام في أجسامها, ويوفِّرُ عليها الحاجةَ إلى الرحيل, إلى حيث تجد ملحاً تلعقه(لورس ملني وزميلته: الحواس عند الإنسان والحيوان, ص210)" وما ينسحبُ على الأسد ينسحبُ على الغزال الذي يُحِبُّ الماء الأُجاج(ج5/ 143, وج6/137), كما يمكن توفيرُ الحنظل له على مُرِّ طعمه, فيجدُ الغزال ضالته فيه(ج5/ 143, و316), وهذا مما أشار إليه الدكتور لورس فقال: " ومن السهل استدراجُ الغزلان والظباء وغيرها من الحيوانات المهجّرة, إلى حيث يمكنُ رؤيُتها بوضعِ ملحِ الطعام, في موضعٍ يمكِّنُها من الوصول إليه"( المرجع السابق, ص210) ويقال مثله عن جزع السِّنور من الطعام الحارّ(ج2/55),وأنه لا يذوق الحموضة(ج2/55), فالجاحظ يعرض طعوم الطعام والشراب على أصناف من حيوانه, مرغوبات ربما تقدم لها, وَمقليَّات يَحْسنُ ألا تقدم إليها.

وتنبّه الجاحظُ إلى حاستي الشم والذوق عند الحيوان " بأنَّ الطعم تبعٌ للرائحة, خبيثها لخبيثها, وطيبها لطيبها"( ج4/44) فقدم حاسة الشم, على الذوق, وهو الذي أثبته العلم الحديث, بأن براعم الذوق أقلُّ من براعمِ الأنف, وإن مما يلزم الإنسان للشعور بالذوق نحو 25,000 خمسة وعشرين ألف ضعف من عدد الجزيئات اللازمة لتنبيه حاسة الشم(الدكتور لورس ملني وزميلته, ص207).

ويوظِّفُ الجاحظُ تجربتَه الشخصية حيناً, و تجربة أهلِ البصرة حيناً آخر, للإدلاء بشهادة, على قدوم سَمك البرستوج من بلاد الزَّنْج إلى دجلة البصرة, على بعد المسافة, في وقت محدَّد من السنة, لأنهُ يستعذبُ الماء من دجلة فيقول: " ونحنُ بالبصرة نعرفُ الأشهرَ التي يُقِبُل إلينا فيها هذه الأصناف من السمك مرتين كل سنة, وهنالك سمكٌ يقال له البرستوجُ يُقبل من بلاد الزَّنْجِ, يستعذبُ الماء من دجلة البصرة يعرف ذلك جميع الزنج والبحريين(ج3/ 261), وفي موقع آخر, يصفُ رحلةَ السمك المذكور وعناءَه, وطولَ رحلته, ليصلَ إلى عذب الماء في دِجلةِ البصرة, ويعود إلى بلاده, بعد أنْ صيد بعضه: "والبرستوج سمك يقطع أمواج الماء ويسبح إلى البصرة من الزنج ثم يعودُ ما فَضُلَ عن صيد الناس إلى بلاده وبحره(ج3/ 263), فالجاحظ كما ترى يوظِّفُ الصورَ الذوقية بأنواعها المشهورة الرئيسية والفرعية على حيوان البر والبحر, ويلاحظ بعضَ ما يُحِبّهُ الحيوان ويكرهه, ويقتربُ إلى المنهج العلمي الحديث, في الإفادة من الحيوان أو دفعِ ضرّه, يضرب مثلاً أن القنفذ والسلحفاة وابن عرس, إذا نهشت الحية تأكل الزعتر البري(ج7/ 133), فهل في الزعتر مادة تقاوم السموم؟ إن الجواب في المختبرات".

(2-ه)

سيمياء الحاسة اللمسية

لقد أبرز الجاحظُ انموذجات من الصورِ اللمسية من خلال الطقس أولاً ووسائل اللمس ثانياً فأدارها على الإنسان والحيوان بصنوفه المختلفة, فجلّى بهما نشاط الحيوان وخموله وفوائده ومضارَّه, وكيف يتعامل الإنسان معه ضاراً ونافعاً؟ محتجاً بأدلة من شعر, ومثل, وملاحظات وتجارب, تبينه على رفعة قدرة أحد أبرز علماء الحيوان في عصره على أقل تقدير.

أمَّا الطقسُ ودورُه في إبراز انموذجات من الصور اللمسية فنعني به فصول السنة الأربعة والحرِّ والقرِّ, والليل والنهار, والرياح وتأثيراتها, على نشاط الحيوان وكسله, وغير ذلك مما حفزنا إلى ترسيم مخطط هيكلي أولاً لدراسته ثانياً.

الطقس وأثره على الحيوان

الفصول الأربعة

الليل والنهار

الحرّ والقرّ

الرياح

عناصر أخرى

أما الفصول الأربعة فذكرها الجاحظ في معرض حديثه عن مجيء قواطع السمك أجناس متعددة, فتقيم في خليج البصرة مدة شهرين وثلاثة, فإذا مضى ذلك الأجل وانقضت عدة ذلك الجنس, أقبل الجنس الآخر, في جميع أقسام شهور السنة, من الشتاء والربيع والصيف والخريف, في نوع من السمك غير النوع الآخر(ج3/261), مما يفهم أنَّ لكلِّ فصل دوراً في استحضار نوع خاص من السمك, ولا ريبَ في أنَّ السمكَ يَحُسُّ بقدوم الفصل الذي يرغبه, فيسعى فيه إلى خليج البصرة, وفيه ينشطُ نوع خاص منه, ويرتحلُ نوع آخر, لما للفصول من دور عليها, وللفصول دورُها في حيوان الجاحظ, ففي الشتاء يموتُ البعوض(ج5/ 106), ويكمن التمساح في عُشّه(ج4/ 145), ومثلُه الحيَّاتُ تسكنُ بطن الأرض, ومنها من يسكن في صدوع الصخر(ج4/ 145), وفي الصيف يقوى سلطان البعوض؛ وفي ظلمة الليل خاصة(ج3/ 27, ج5/ 402), وتنشط الحيات(ج4/ 212), ويستقبلُ الجملُ شعاع الشمس(ج6/ 364), وتدورُ الحرباء مع الشمس حيث دارت(ج6/ 364), ويتعرَّضُ الأيِّل لحرارتها لينبتَ قَرنُه(ج4/ 427), ويستروحُ الذئبُ بالنسيم إذا جاع(4/131), ويفتحُ فاه للنسيم ليبردَ جوفُه, من اللهيب الذي يعتري السِّباع, ولأن ذلك يمدُّ قوته, ويقطعُ عنه ببرودته ولطافة الريق, وإذا عدا الذئب احتشى ريحاً(ج4/ 131),ويحتجُّ الشاعر بقول الراجز العكلي(البيان والتبيين, 34), في استخبار الذئب للريح يوظف حاسة الشم والحس والبصر بقوله(الحيوان, ج4/ 134):

يستخبرُ الرِّيحَ إذا لمْ يسمعِ بمثلِ مقراعِ الصَّفا الموقَّع

وعرض الجاحظ استحالةَ الهواء إلى ماء والعكس صحيح, وعندها لا يُستغربُ أن يستروحَ الذئبُ بالريح بديلاً, فها هو يقول: " وزعمَ أصحابُ الأعراض أنَّ الهواء سريعُ الاستحالة, إلى الماء, وكذلك الماءُ إلى الهواء, للمناسبة التي بينهما للرطوبة والرقة, ويدلُّ على ذلك اجتذاب الهواء للماء له, وملابسته له, عند مص الإنسان بفيه فم الشَّرَّابة( مصّاصة) وكذلك الهواء فيه ظلامُ الليل, والحدقة لا ترى من الضياء العارض في الهواء ما تباعد منها"( ج5/ 90) وفي معرض مشابهة أخرى بينهما يقول: " ويتشابهان أيضاً لسرعةِ قبولِهما للحرِّ والبرد, والطيب والنتن, والفساد والصلاح

(ج5/91), فترى في نصه إثباتاً على أن الرِّيح به رطوبةً, يطفئ بها لهب الذئب, إذا تعب في عَدْوِه, وأنَّ الماءَ والهواء بهما عناصر أكسجين وهيدروجين على ما هو معروف, وهي نظرية قريبة من المنهج العلمي الحديث".

وسائل اللمس في حيوانه

عرض الجاحظ صنوفاً من وسائل اللمس وزعها على الإنسان وصنوف الحيوان المختلفة وأدوارها كما يلي:

التسلسل
وسيلة اللمس
الملموس
إيجاز الوسيلة
المرجع
1.
الفم
الفم
تقبيل الإنسان لإنسان.
ج3/177
2.
المنقار
المنقار
تقبيل الحمام بعضه بعضاً
ج3/177
3.
فم القراد
جلد غيره
من الإبل والبقر
ج5/439
4.
فم الحية
درة الشاة
الحية الرضاعية ترضع درة الماشية
ج4/ 109
5.
فم وحافر
عدوه
البرذون يعضُّ ويرفُس من غير أن يهاجم
ج2/127
6.
الذَّنب
موقع سقوط الذباب
ذنبُ الحيوان يَذُبَّ به موقع سقوط الذباب عليه
ج6/465
7.
ذنب التمساح
عدوه وصيده
يقتل بذنبه عدوَّه أو يصيدُه مثل سمك القرش
ج5/ 446
8.
الأنف
ذنب الطريدة
مثل أنف الكلب إذ يمس عجب ذنب الأرنب فيسرع
ج6/ 375
9.
الإبرة
ملدوغها
إبرة العقرب و االزنبور
ج5/ 446- 447
10.
القرن
عدوه
قرن الثور والجاموس يدفع خصمه أو يدافع به عن نفسه.
ج5/ 446- 447
11.
الناب
عدوه
ناب الأفعى والخنزير والفيل
ج5/ 446- 447
12.
الزَّرَق
الصقر
زَرَقٌ الحُبارى ينتفُ ريش الصقر
ج5/ 446- 447
13.
الكفّ
عدوه
كف العُقاب يدفعُ به عنه الأذى وبه يصيد
ج5/ 446- 447
14.
صيصية
عدوه
شوكة رجل الديك يدفع بها خصمه
ج5/ 446- 447
15.
أقاطيع الشاة
الحية
تقتل أقاطيع الشاة الأفاعي إذا مرت بها
ج4/ 214
16.
الخرطوم
جسم العدو
البعوض والذباب ولدغه جسم الإنسان والحيوان
ج5/ 105
17.
الريش
الناتف
نتف ريش الحمام يوهن المنكبين والغاية تعليمه والقص أفضل
ج3/ 277

لقد عرض الجاحظ وسائلَ متعددة من وسائل اللمس ذكرنا منها سبعة عشر نوعاً, وزعت مسلسلة؛ وسائلها؛ لامسة وملموسة, وإيجاز الوسيلة, وتبَّين أنَّ الوسائل هذه, توظَّفُ إما دفاعاً عن النفس, أو تطفُّلاً على أجسام غيرها كالقراد, أو تسبِّبُ الأذى بالخرطوم والناب للإنسان والحيوان المتنوّع, ولعلَّ الوصفَ وحدَه غير كافٍ, كما يفهم من حيوان الجاحظ, لأن تحديدَ الداء, وإن كان مهماً, بحاجة إلى وصف الدواء, فها هو يصف العسل وفوائده منها: " إذ ألقي في العسل اللحم الغريض, فاحتاج إليه صاحبه بعد شهر, أخرجه طرياً لم يتغير(ج5/ 429), وهو وصف يفيد المتلقي, كيف يحفظ غذاءه سليماً مدة طويلة, ثم يحدِّدُ العسلَ النقي؛ بأنه إذا قطرت منه قطرة على وجه الأرض, فإن استدارت, كما يستدير الزئبق ولم يتفشَّ عند ملامسته الأرض, ولم يختلط بشيء, فهو صحيح, وأجوده الذهبي لونه(ج5/ 429), واهتمامه بالعسل لأنه دواء؛ استناداً إلى حديث الرسول الكريم r , بأن رجلاً اشتكى بطنه فقال: "اسقه عسلاً " فعاد يستشفي النبي الكريم ثلاث مرات, وفي الرابعة قال له: صدق الله وكذب بطنك"( صحيح البخاري 7/ 123 وصحيح مسلم 126), ولما شربه شفي, والعسل مادة لامست الجهاز الهضمي للإنسان, وهو دواء من بعض الأمراض, فلم يفت الجاحظ التنبيه إليه غذاء وشفاء؛ محتجاً بأصدق الحديث, ويستعين بتجربته الشخصية بما لاقاه في جلده كآثار الحكة, والجرب من لدغة البعوض فضلاً عن آثاره في قلق الإنسان وحجته أيضاً قول الراجز فيه(ج5/ 405).

وليلةٍ لم أدرِ ما كِراه أمارِسُ البعوضَ في دُجاها

كُلُّ زجولٍ خَفْقُ حشاها سِتٌّ لدى إيفائها شُواها

لا يَطْرَبُ السامعُ من غِناها حَنَّانَةٌ أعظمُها أذاها

ويستشهد بحجة أستاذه النظام عن البعوض, وآثره على رجل, عوقب مكتوفاً في منطقة كَثُرَ بعوضُها, فأزرقَّ وانتفخَ في مدة يسيرة بين صلاتي المغرب والعشاء لكثرةِ لسعِ البعوض له(ج5/ 399), ووصفَ الجاحظُ غِطاءً يقي منه " كلل" وهو سترٌ رقيق يخاط كالبيت يتوقى به من البعوض(لسان العرب, مادة كلل), وهو غطاء وقاية مؤقت من جهة, ودليلٌ على تحضرٍ في عهد الجاحظ من أخرى, إذ يستخدم الناموسيات للوقاية منه أحياناً في عصرنا الحاضر, كما يصفُ دواءً تطلى به الخصيتان المنفوختان, بأن يُرمى بالعقرب في الزيت, حتى إذا تفسخت واستقرَّ بالزيت, يدهنُ الخُصى المنفوخة فتذهبُ جلدتها, ويذهب الوجع والورم(ج5/ 400-401), وسواء أصحت التجربة أم لم تَصِحّ, فإن الجاحظَ وصفَ الداء, وحاول ما أمكنه أن يصفَ الدواء, لداخل الجسم وخارجه, فوظف سيمياء حواس الحيوان معززة بتجارب متعددة من جهة, ومصادر متنوعة من جهة أخرى, وكانت بغيته في كل حال " الفهم والإفهام".

3. الخاتمة

أبرزت الدراسة مصطلح السِّيمياء مصطلحاً عربياً قديماً, عرفه العرب من القرآن الكريم, وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم, والشعر والمثل, من تراثهم القديم, قبل أن يعرفه نقاد الغرب ويزعموا نبأ ولادته قبل قرن مضى.

لقد تقصَّى الجاحظُ أبعادَ البيان المختلفة, من لفظ ينطق أو خط يُكتب, أو إشارة تُفهم, أو عَقد حسابي يُدرك, أو علم نفس اجتماعي يُمارس, فشمل بنظريته هذه عوالم الإنسان والحيوان والجماد, فالأرضُ البديعةُ إن سأْلتها مَنْ شَقَّ ماءَكِ وأنبت زرعَكِ, فإن لم تجبك مقالاً أجابتك حالاً, وتنَّبه إلى سيمياء الحواس الخمس وتراسِلها, واستوقفه سعةُ حاسة الشمِّ أكثرَ من الذوق, ووقف عند إبراز أبعاد نظرية السيميائية, وقصدها هو " الفهم والإفهام" وعليه فإن الإشارة إن تبودلت بين اثنين, ناظر ومنظور إليه, فهي لغة ومنها علم الإشارات بين قط يشيرُ بيده, إلى الفأر في سقف بيت, أمام جحره, وليس للقط عليه سلطة, إلا أن يشير بيده فيرجعَ, بعد أن كادَ يدخلُ في جحره, ثم يشيرُ بالأخرى, فيعودُ الفأر القهقرى, وما هي إلا عدة حركات جَيئة وذهاباً وإذْ بالفأر يدوخ ويسقط أمام القط, فيعبث به حيناً, ويهزأ به أخرى ثم يزدرده.

إنَّ نظريةَ الجاحظ في الفهم والإفهام هي الغاية الكبرى من السيميائية التي تُعَدُّ أمَّ اللغات, واللغة فرع عليها ومنها, إذ إن أية دلالة أو إشارة تُفهم المتلقي, ما تريُده, تُعَدُّ فرعاً من لغة الفهم والإفهام, وهذا مما طبقه الجاحظ على سيميائية الحواس بدلالاتها ومدلولاتها.

لقد عزَّزَ الجاحظُ نظريتَه بمصادر يتكئ عليها منها؛ القرآن الكريم والحديث الشريف والشعر العربي, والمثل وكتاب الحيوان, لأرسطو والشهود المعاصرون, وبعضُ تجاربه التي توافرت لديه, فبرز في كلِّ دراسته منقِّباً عن الحقيقة, محقِّقاً لها, دارساً لتراثه, محصياً لكثير من حيوان البرِّ والبحر والجو, يرصدُ حركاته وسكناته,عاداته، أعداءه وأصدقاءه, متغلغلاً في نفسية بعضه, يعرفُ من إشاراته وحركاته ولمساته وأنفاسه وأذواقه, ما يحبُّهُ ويكرهُهُ,ويوصي بإلماح خفي, أو تصريح جلي, كيف يتعاملُ الإنسان مع الحيوان أيدِّجُنُهُ إن كان نافعاً كالكلب والقط؟ أو يقتُله إن كان ضاراً كالفأر والبعوض,ويومئ بدراسات لاحقة, للتأكد من فوائد الزعتر البري, ضد السُّميات, لملحظته من أكل السلحفاة والقنفذ, إذا أكلت حيات سامة, وشاهده دال ومدلول عليه.

إنَّ الجاحظ لم يكتفِ بسيمياء حاسة للحيوان’, فحسب, بل دلّل على سيمياء الحواس الخمس عند الحيوان بأنموذجات تطبيقية, فأشبعَ وأقنع, وعليه فلا غروى أن يعدَّ في كتابه الحيوان إن لم يكن مؤسس علم سيمياء الحيوان, أن يعدَّ أحد أبرز المنظرين فيه, قبل عشرة قرون من دراسات السيميائيين في منتصف القرن التاسع عشر على أكثر تقدير.

4. المصادر والمراجع

· القرآن الكريم.

· الأبشيهي, محمد بن أحمد, المستطرف في كل مستظرف, دار الجيل, بيروت, طبعة جديدة,(د.ت).

· البغدادي, الشيخ عبد القادر بن عمر: خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب, دار صادر, بيروت, ط1, (د.ت).

· الثعالبي, عبد الملك بن محمد: ثمار القلوب في المضاف والمنسوب, تحقيق وشرح إبراهيم صالح, دار البشائر, دمشق, ط1, 1414ه- 1994م.

· الجلالان, " تفسير الجلالين" تفسير الإمامين الجليلين؛ جلال الدين محمد بن أحمد الحلي, وجلال الدين عبد الرحمن السيوطي مذيلاً بكتاب لباب النقول في أسباب النزول للسُّيوطي, قدم له المحدث المحقق الشيخ عبد القادر الأرناؤوط, وراجعه وضبط قراءته الدكتور أحمد خالد شكري, دار ابن كثير, دمشق, الطبعة الحادية عشرة, 1420ه- 1999م.

· الجاحظ, أبو عثمان عمرو بن بحر: البيان والتبيين, تحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون, دار الفكر, بيروت, ط4,(د.ت).

· الجاحظ, أبو عثمان عمرو بن بحر: كتاب الحيوان, تحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون, المجمع العلمي الإسلامي, منشورات محمد الداية, بيروت, ط2, 1388ه- 1969م.

· الراوي, محمد: موسوعة حيوانات العالم, دار أسامة للنشر والتوزيع, عمان, ط1, 2000م.

· الزمخشري, محمود بن عمر: أساس البلاغة, تحقيق الأستاذ عبد الرحيم محمود, دار المعرفة, بيروت, 1982م.

· سلام, محمد بن سلام الجمحي: طبقات الشعراء مع تمهيد للناشر الألماني, جوزف هل- دراسة من المؤلف والكتاب للمرحوم الأستاذ طه أحمد إبراهيم, دار الكتب العلمية,بيروت, ط2, 1408ه- 1988م.

· عبد الباقي, محمد فؤاد: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم, دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع, ط2, 1401ه- 1981م.

· ابن عبد ربه, أحمد: العقد الفريد, تحقيق أحمد أمين, وأحمد الزيد, وإبراهيم الأبياري, دار الكتاب العربي, بيروت,(د.ت).

· العسكري, أبو الهلال: كتاب الصناعتين, تحقيق علي محمد البجاوي, ومحمد أبو الفضل إبراهيم, المكتبة العصرية, صيدا, بيروت, 1986م.

· القرشي, أبو زيد محمد بن أبي الخطاب: جمهرة أشعار العرب,دار المسيرة, بيروت, طبعة حديثة منقحة, 1398ه- 1978م.

· ابن قتيبة, عبد الله بن مسلم: عيون الأخبار, طبعة مصورة عن طبعة دار الكتب المصرية, القاهرة, 1343ه- 1925م.

· كارم السيد غنيم: موسوعة عجائب ضواري الماء والبراري, دار الفكر العربي, ط1, 1994م.

· كثير, أبو الفداء إسماعيل القرشي: تفسير ابن كثير, دار الفكر للطباعة والتوزيع, بيروت, 1401ه- 1981م.

· كشاش, محمد( الدكتور): اللغة والحواس, رؤية في التواصل والتعبير بالعلامات غير اللسانية, المكتبة العصرية, صيدا, بيروت, ط1, 1422ه- 2001م.

· ملني, لورس " Lourse. Milne" وزميلته مارجري " Margery Milne" الحواس في الإنسان والحيوان, ترجمة الدكتور ثابت قصبجي, المؤسسة الوطنية للطباعة والنشر, بيروت, نشر الكتاب بالاشتراك مع مؤسسة فرنكلين للطباعة والنشر, بيروت, نيويورك, 1996م.

· منظور, محمد بن مكرك " ابن منظور": لسان العرب, دار صادر, بيروت, ط1, 1410ه- 1990م.

- مراجع مترجمة وأجنبية:

· باكو, ناتالي " Nathalie Pacout" لغة الحركات, ترجمة سمير شيخاني, دار الجيل, بيروت, ط1, 1415ه- 1995م.

· بيز, ألن " Allan Pease": لغة الجسد, تعريب سمير شيخاني, منشورات دار الآفاق الجديدة, بيروت, ط2, 1417ه- 1997م.

· بيل, جورج " George Beal": نظام الشيفرة, إعداد قسم الترجمة بدار الرشيد, ودار الجديد, دمشق, بيروت, ط1, 1414ه- 1994م.

· توسان, برنار " Bernard Toussaint": ما هي السيميولوجيا؟ ترجمة محمد نظيف, افريقية الشرق, المغرب, ط2, 1994م

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق