الاثنين، 11 مارس 2013

"لغة العنف وعنف اللغة : مقاربة لسانية نفسية"


"لغة العنف وعنف اللغة : مقاربة لسانية نفسية"

أ.د. مراد موهوب

أستاذ التعليم العالي بجامعة السلطان مولاي سليمان

كلية الآداب والعلوم الإنسانية – بني ملال

المملكة المغربية

mawhoub63@hotmail.com

 

 

 

-        عناصر البحث :

 

1.   تقديم

2.   الإنسان ذلك "العالم الصغير"

3.   مظاهر العنف اللغوية

أ. المداخل الدلالية: سمات المدلول

ب‌.اللغة تسنين مزدوج

ج‌.  في صوتيات العنف: سمات الدال

4.   سيكولوجيا العنف

أ‌.       في مشاعر العنف

ب‌. نحو تفسير لساني نفسي للعنف

5.   خاتمة

6.   المصادر والمراجع

 

----------------------------------

1. تقديم

 

        "إن الإنسان خلق هلوعا" (المعارج: 19)

"ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودة ورحمة".  

                                                         (الروم: 21)

 

العنف ظاهرة ومفهوم. فهو ظاهرة ذات تجليات مادية ورمزية أفرزتها الإنسانية، أفرادا وجماعات، في مختلف مراحلها التاريخية، أي ظاهرة لها محددات اجتماعية واقتصادية ونفسية وثقافية... كما أنه مفهوم أي بناء نظري تجريدي ينطوي على مداخل ومستويات معرفية متعددة تروم العلوم الإنسانية والطبيعية استكشاف مظاهرها ووصف بنياتها، و تجتهد في إدراك وتفسير آليات اشتغالها.

      إن العنف بهذا الوضع المزدوج - الظاهرة والمفهوم – مسألة تعني الجميع: العالم، والمثقف، والإنسان العادي. فهو موضوع للمعرفة الإنسانية في مستواها التخصصي الواعي وفي مستواها الحسي العام sens commun  اللاواعي. فهو يسترعي اهتمام وفضول علماء النفس والاجتماع والتربية، وعلماء الدين والاقتصاد والتاريخ والإناسة، ورجال القانون والسياسة، واللغة...الخ.

      ونروم في هذا البحث تقديم مقاربة لسانية نفسية psycholinguistique لسلوك العنف، من خلال إبراز مظاهره الدلالية والصوتية، وذلك عبر الإجابة عن التساؤلات الآتية:

1-     كيف يتجسد سلوك العنف لغة وصوتا؟ أي ما هي سماته اللفظية والدلالية (سمات الدال والمدلول)؟

2-     وما هي العوامل الصوتية (العضوية والإدراكية) الثاوية وراء تحققه؟

3-     ثم ما هي محدداته وخصائصه النفسية؟

إن البحث في خصائص العنف اللغوية يعد – في تقديرنا - مدخلا طبيعيا لفهم الآليات الكامنة وراء التمثيلات الثقافية والمعرفية التي تفرزها المجتمعات البشرية بهذا الشأن، سواء على مستوى الفرد أو الجماعة. من هنا تأتي أهمية اللسانيات واللسانيات النفسية، على وجه التحديد، لكونها تمكن من سبر أغوار السيرورات النفسية والمعرفية القابعة خلف كل نشاط لغوي ينتجه الإنسان داخل سياق ثقافي معين.

 

2.  الإنسان ذلك "العالم الصغير"

 

اعتبر الجاحظ الإنسان ذلك "العالم الصغير" الذي يحيا داخل "العالم الكبير" الذي هو الكون، فوصفه بسيل من الملامح التي تظهر روعة هذا المخلوق العظيم، وتشرح لماذا جعله الحكماء "العالم الصغير":

      "فجعلوه العالم الصغير، إذ كان فيه جميع أجزائه وأخلاطه وطبائعه، ألا ترى أن فيه طبائع الغضب والرضا، وآلة اليقين والشك، والاعتقاد والوقف وفيه طبائع الفطنة والغباوة، والسلامة والمكر، والنصيحة والغش، والوفاء والغدر، والرياء والإخلاص، والحب والبغض، والجد والهزل، والبخل والجمود، والاقتصاد والسرَف، والتواضع والكبر، والأنس والوحشة، والفكرة والإمهال، والتمييز والخبط، والجبن والشجاعة، والحزم والإضاعة، والتبذير والتقدير، والتبذل والتعزز، والادخار والتوكل، والقناعة والحرص، والرغبة والزهد، والسخط والرضا، والصبر والجزع، والذكر والنسيان، والخوف والرجاء، والطمع واليأس، والتنزه والطبع، والشك واليقين، والحياء والقِحة، والكتمان والإشاعة، والإقرار والإنكار، والعلم والجهل، والظلم والإنصاف، والطلب والهرب، والحقد وسرعة الرضا، والحدة وبعد الغضب، والسرور والهمم، واللذة، والتأميل والتمني، والإصرار والندم، والجماح والبدوات، والعي والبلاغة، والنطق والخرس، والتصميم والتوقف، والتغافل والتفاطن، والعفو والمكافأة، والاستطاعة والطبيعة، وما لا يَحصى عدده، ولا يعرف حده." من كتاب "الحيوان".

ومن خلال هذا القول البليغ، نجد أن للعنف صفات ومشتقات هي : "طبائع الغضب"، وا"لبغض"، و"الوحشة"، و"الخبط"، و"السخط"، و"الجزع"، و"القِحة"، و"الظلم"، و"الحقد"، و"الحدة (وبعد الغضب)"، و"الهم" ، و"الألم"، و"الجماح".

فهذه الألفاظ الدالة على شعور العنف تمثل حقلا معجميا تنسج فيه علاقات وارتباطات دلالية متنوعة يمكن وصفها وحصرها من الناحية الإحصائية.

 

3.  مظاهر العنف اللغوية :

 

أ. المداخل اللغوية : سمات المدلول

 

 وأول ما قاد المودة بيننا  بوادي بغيض، يا بثين، سباب

                                                           جميل

وما الحقد إلا توأم الشكر في الفتى    وبعض السجايا ينتسبن إلى بعض

                                         ابن الرومي  

           "لم يروا قتالا قط أشد من قتال يكون بين جرذين... فلهما عند ذلك من الجلب والخمش    

      والعض والتنييب والعفاس ما لا يوجد بين شيئين من ذوات الصغار والهواش..."

                                                      الجاحظ: "الحيوان"

     

جاء في "لسان العرب" : "العنف خُرق بالأمر، وقلة الرفق به. وهو التوبيخ واللوم والتقريع...". وعنف عنفا وعنافة بالرجل وعليه : لم يرفق به وعامله بشدة "المنجد في اللغة والأعلام". وأصل كلمة « violence » الفرنسية لفظ « violentia » اللاتيني المشتق من الفعل « violare » الذي يدل على المعاملة بعنف، والإيذاء المذل المهين[1]. كما أورد قاموس "لوبوتي روبير"  Le Petit Robert الفرنسي طائفة من المداخل التعريفية للعنف التي تدل إما على :

-       التأثير في شخص معين إكراها باستخدام القوة أو الإذلال؛

-       أو الفعل الملحق للأذى الذي يتم من خلاله العنف؛

-       أو الاستعداد الطبيعي للتعبير العنيف عن الإحساسات؛

-       أو قوة الشيء القاهرة؛

-       أو المظهر العنيف لحدث ما.

ويظهر من خلال هذه الخصائص الدلالية التعريفية أن للعنف مستويين اثنين: مستوى الفعل، ومستوى الشعور. ففي المستوى الأول، يقابل العنف السلم والنظام اللذين يسبب في خلخلتهما. ويقابل، في المستوى الثاني، التروي والهدوء وكظم الحنق والتحكم في الانفعالات[2].

والعنف هو مجموعة من الأفعال والتصرفات التي تتجسد من خلال استعمال القوة ضد شخص ما، الشيء الذي يترتب عنه أذى وضرر جسدي ونفسي تتفاوت درجتهما بحسب قوة العنف الممارس. كما أنه صفة بشرية طبيعية ملازمة للنفس الإنسانية، هذه النفس التي وصفها القرآن الكريم في آيات عديدة، فمنها المطمئنة و الراضية المرضية، ومنها الأمارة...الخ. فالعنف إذن شعور وانفعال طبيعي محايث لسلوك الإنسان:

"فعندما يخرج الإنسان إلى الحياة، ويتخذ له مكانا ما في الوجود، تعترض رغبتَه رغباتُ الآخرين، فيتولد بالضرورة التدافع والغيرة والحسد والعنف. وهكذا، فالعنف يسم العلاقات الإنسانية ويتواجد في كل لحظة تلاق و أثناء كل تحاور بين الناس"[3].

وليس العنف فقط فعلا ماديا يمارسه فرد ضد فرد آخر، بل هو أيضا حدث لغوي أو فعل كلامي يعبر عن موقف سيكولوجي انفعالي يُنجَز في مقام تواصلي تفاعلي سِمته البارزة التنازع والخصام، فيتولد العداء والكره والبغضاء، بل المضرة والأذى. فهو شعور وانفعال داخلي، وسلوك ورد فعل خارجي. وهذان المظهران - الداخلي والخارجي - تعبر عنهما اللغة في كل مستوياتها الرمزية والبنيوية (الصوتية، والمعجمية، والدلالية، والصرفية، والتركيبية).

فعلى المستويين المعجمي والدلالي، يُتلفظ بالعنف باستعمال طائفة من الكلمات التي تنتمي إلى قاموس مفردات السب والشتم والتهديد والتعنيف والتجريح، وألفاظ تحيل إلى المواضيع المحظورة كالجنس والأخلاق والدين وخدش الحياء وتهين، وتطال العرض والشرف.

وعلى المستوى الصرفي، تُستعمل كل الصيغ الصرفية التي تسمح اللغة بتشكيلها (أفعال، وأسماء بسيطة ومركبة، وأسماء جامدة ومشتقة، وصفات...). وعلى المستوى التركيبي، تستخدم تراكيب متنوعة (فعلية واسمية)، وجمل مختلفة (خبرية، تعجبية، أمرية...) لتأدية معانيه.

وأما على المستوى التداولي، فإن ألفاظ وتعبيرات العنف تمثل أفعالا لغوية  actes de langage  إنجازية وتأثيرية تؤدي وظائف تداولية معينة، وتسهم في بناء الخطابات (discours) العنيفة وتخصيصها بنيويا ونمطيا.

 

 

 

 

 

ب. اللغة تسنين مزدوج :

 

      يرى عالم الأصوات الفرنسي "إيفان فوناحي"[4]  Ivan FONAGY  أن اللغة في مظهرها الكلامي المنجز عبارة عن تسنين مزدوج  Double encodage، أي أنها نسق تعبيري يعبر عن نمطين من المعلومات : أولا، معلومات ذات طبيعة لغوية أولية أو أصلية تجسدها العلامات اللغوية من خلال صلة الاعتباط القائمة بين الدال والمدلول؛ وثانيا، معلومات ذات طبيعة ثانوية أو فرعية ملازمة ومصاحبة للأولى ولا تنسلخ عنها. وقد سمى "فوناجي" هذا النوع الثاني من المعلومات: "الأساليب الصوتية" phonostyles   . وهذه الأخيرة حاضرة بقوة في كل تلفظ صوتي، وتتكفل بالتعبير عن مشاعر المتكلم وإحساساته ومواقفه الانفعالية الواعية واللاواعية. وبعبارة أخرى، فالمستوى الأول يشمل مظاهر اللغة المعرفية والثقافية والعلمية، بينما يختص المستوى الثاني بالجوانب النفسية والشعورية. و توجد بين هذين المستويين الاثنين علاقة تحويل  transformation  وتحريف distorsion  سيميائي ودلالي، أي أن المستوى الثاني - بحكم كونه معبرا عن المظاهر النفسية والشعورية لدى المتكلم - يعمل على خلخلة وتشويش (بل تعديل) المعلومات التي يحملها المستوى الأول، فيغدو، بالتالي، مستوى أكثر إمتاعا ومرحا (وكذلك أكثر غنى) من المستوى الآخر. كما يقوم المستوى الثاني بوظيفة تعبيرية تشخص أعراض ما يتلفظ به المتكلم، وتفصح عن خباياه ومكنوناته الدفينة السليمة منها والعليلة. فمن خلال تعبيراته الصوتية، نستشف أصله ومفصله (الجغرافي، واللهجي، والحرفي، العمري، والجنسي...)، وحالاته الشعورية والانفعالية.

      وبفعل هذا التسنين المزدوج، تصير اللغة نسقا سيميائيا يتضمن مكونين أساسين[5] : مكون النحو هو عبارة عن نظام من القواعد التركيبية والصوتية والدلالية، ويضطلع بتكوين المفردات والعبارات والجمل اللغوية، ومكون معدِل  modulateurينبغي دمجه داخل بنية النحو نظرا لملازمته له. ويعنى هذا أنه يتعين على النظرية اللسانية أن تصوغ نحوا يخصص لهذا المكون المعدِل محلا ووضعا داخل هندسة النحو في اللغات الطبيعية. ومما يسوِغ هذا المطلب أن كل أصوات اللغة التي تنجزها أعضاء النطق المختلفة (الحنجرة، والحلق، واللسان ، والشفتان، والخياشيم الأنفية التي تمثل تجاويف الجهاز الصوتي عند الإنسان) تمر، بالضرورة أثناء عملية التصويت، عبر هذا المحول الذي يضفي عليها طابعا تعبيريا، أي يحولها إلى تعبيرات صوتية أسلوبية. وبذلك تتحول أعضاء النطق عند الإنسان عن وظائفها الإحيائية الأصلية (تنفس، أو هضم، أو مضغ، أو استنشاق...) إلى وظائف تعبيرية تواصلية جمة. وهذه أيضا مفارقة أخرى من مفارقات اللغة العجيبة والعظيمة.

 

 

 

 

ج. في صوتيات العنف : سمات الدال

 

      إن التعبير الصوتي عن المشاعر والإحساسات هو وسيلة للتخفيف من وطأة التهيج النفسي الانفعالي لدى المرء، وتصريفِ هذا التهيج وتقليص حدته. وهنا يكمن دور اللغة المتميز والمتمثل في قدرتها على التعبير عن أشياء مادية ومعاني نفسية ومجردة واسعة ومتباينة بواسطة وسائل لفظية وصوتية محدودة العدد أو فقيرة. ولعل هذه مفارقة أخرى من المفارقات التي تحبل بها اللغات الإنسانية. فمن مفارقاتها الأخرى كذلك كونها، في الوقت ذاته، وسيلة للتواصل والتفاهم وإشاعة قيم الحب، وأداة للعنف والخصام والتنابذ والجدال والتعبير عن الكره والضعينة.   

إن كل تعبير صوتي، حسب فوناجي[6]، هو من منظور التحليل النفسي تحقيق للذة ونوع من اللعب  التصويتي الشبقيérotisme oral ، فكأن أعضاء النطق تؤذي وظيفة تطهيرية نرجسية  une catharsis narcissique    أثناء إصدار أصوات  الكلام.    

لقد عرف ابن جني اللغة بأنها "أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم". فالصوت، إذن، وسيط من وسائط اللغة التعبيرية، إذ يفصح عن مقاصد مستعملها ويكشف عن بواطنه النفسية الواعية واللاواعية. لذا فإن للعنف مظهرا صوتيا تحركه وتتحكم فيه عمليات نفسية عضوية، ثم يتجلى بعد ذلك في شكل موجات صوتية متذبذبة ومتباينة في درجة ترددها وفي حجم سعتها وشدتها وفي مداها الزمني[7]. فالصوت مَعبر لتداعي النفس ومرآة لمناطقها الظاهرة الجلية والباطنية الخفية ومفتاح لاستكشاف عقدها وذُهاناتها وعُصاباتها. وقد اعتبر "جاك لاكان" Jacques LACAN اللاوعي "بنية منتظمة شبيهة بلغة ما" Le langage est structuré comme un langage. فجعل له بنية دلائلية يحتل فيها الدال signifiant (الصوت) موقعا فوق المدلول signifié، بخلاف دي سوسير الذي جعل المدلول يشرف على الدال في إطار علاقة الاعتباط التي تنسج بينهما. ويحتل نظام اللغة، أي النظام الرمزيréel   ordre du – حسب لاكان -    مكانة مهمة إلى جانب النظام الواقعي ordre du réel والنظام الخيالي [8]ordre de l’imaginaire.  

ومن الناحية الصوتية، يتحقق العنف من خلال تدخل كل مكونات الجهاز الصوتي عند الإنسان[9]:

-       ففي مستوى الصدر والبطن، يحدث تقلص كبير لعضلات التنفس.

-       وفي مستوى الحنجرة، يقع تضييق عند مدخل المزمار بتأثير من قوة النشاط العضلي الذي يتم في مستوى العضلات الباطنية السفلى.

-       وفي المستوى الفموي، بينت نتائج التحاليل التصويرية بواسطة الأشعة السينية أن عضو اللسان يتراجع إلى الخلف مصحوبا باتساع حجم الفم أو التجويف الفموي.

وتتصف التلفظات الصوتية العنيفة بالخصائص العضوية التالية[10]:

-       حدوث حركات متقطعة في اللسان. ومرد ذلك إلى حركات العبور السريعة جدا المتبوعة بمراحل تثبيت تؤدي إلى تمديد مدة الأوضاع القصوى في الأصوات (الوضعية الأكثر انغلاقا بالنسبة للصوائت المنغلقة مثل الكسرة /i/ ، والوضعية الأكثر اتساعا بالنسبة للصوائت الأكثر اتساعا مثل الفتحة /a/ التي تتزايد عند إنجازها زاويةُ الفك والمسافة الفاصلة بين الشفتين من 15 ملم إلى 25 ملم.

-       توتر عضلي شديد ومتزايد لأعضاء اللسان والشفتين والحلق. فاللسان، مثلا، يتم حصر مقدمته بشدة على أصول الثنايا بالنسبة لصوت التاء، وعلى الحنك الصلب بالنسبة لصوت الكاف. وتتضاعف، تبعا لذلك، مساحة الاتصال بين العضوين مقارنة مع التلفظ العادي غير العنيف.

وتؤدي الشحنات الدلالية والتشنجات الانفعالية المصاحبة للعنف إلى مضاعفة المدة الزمنية في الصوامت "الصلبة"، أي الصوامت الشديدة والانفجارية مثل التاء والكاف والدال. إذ إنها تطيل مدة الانغلاق وتضيق الممر الهوائي أثناء إنجاز الصوامت الاحتكاكية كالفاء مثلا.

وتتميز التلفظات الصوتية العنيفة كذلك بورود أكبر للصوامت مقارنة بالصوائت (أو الحركات). إذ يلاحظ أن هذه الأخيرة ترد أكثر خلال التعبيرات الصوتية غير العنيفة والهادئة. كما يصاحب التلفظَ العنيفَ تصويت مختنق ومرتج.

أما على المستوى التطريزي  prosodie، فإن التصويت العنيف ينجز بنبرات قوية متعددة. ويعود سبب ذلك إلى قوة النشاط العضلي لأعضاء التنفس في مستوى الصدر والبطن. وغالبا ما تصاحب هذه النبرات المفخمة والقوية بإطالة في مدد الصوامت وباستهلال قوي في الصوائت. ويتحقق تنغيم العبارات والجمل المنطوقة بعنف من خلال منحنيات لحنية مستقيمة متقطعة تتخذ شكل زوايا، وتكون مصحوبة بقفزات وانقطاعات على مستوى خط الشدةintensité .

وقد حدد "بيير ليون"  Pierre LEON سمات العنف التطريزية كالتالي : ينجز التصويت العنيف في طبقة لحنية عالية،  كما نتخلله فواصل لحنية مهمة. ويتحقق بمنحنى تنغيمي منكسر وغير متصل، وبشدة صوتية قوية وغير مطردة، وبإيقاع متسارع، وبنفس زفيري وتقلصات مزمارية (حنجرية)، وكذلك بقوة تلفظية كبيرة[11].

ويظهر من خلال هذه الملامح الصوتية والتطريزية المواكبة لتصويت العنف توظيف رمزي يدل على وجود تشاكل أو تناظر  isomorphismeتام بين شدة وقوة هذه الملامح وبين درجة الانفعال الشعوري القوية التي يحملها شعور العنف، وبمعنى آخر وجود تشاكل بين الصوت (اللفظ) المعبِر وبين المعنى (الشعور) المعبَر عنه.        

 

4.  سيكولوجيا العنف

 

أ. في مشاعر العنف

 

"النفس الجزئية الجسدية كانت ثلاثة أنواع : النفس الشهوانية النباتية وعشقها يكون للمأكولات والمشروبات والمناكحات، والنفس الغضبية الحيوانية وعشقها يكون نحو القهر والغلبة وحب  الرئاسة، والنفس الناطقة وعشقها يكون نحو المعارف واكتساب الفضائل".

إخوان الصفا وخلان الوفا في "رسالة جامعة الجامعة"

"قال الجرذ للغراب: إن أشد العداوة عداوة الجوهر... وليست لعداوة الجواهر من صلح، فإن الماء وإن أسخن...فليس يمنعه ذلك من إطفاء النار..."

                                       كليلة ودمنة

"وعداوة الإنسان للإنسان خلاف عداوة ذلك كله... وأسباب العداوات ضروب... منها المشاكلة في الصنعة... ومنها المقاربة في الجوار".

                                          الحيوان

 

العنف شعور وانفعال، فهو امتزاج بين تجربة نفسية ذهنية ذاتية وتجليات جسدية عضوية محسوسة. ولفظة "الشعور" émotion تقابلها في اللغة اللاتينية كلمة ex-moverte التي تعني حركة نحو الخارج. ويعرف قاموس "لوبوتي روبير" Le Petit Robert الشعور بأنه: "حالة انفعالية قوية يعبر عنها اختلال جسدي وذهني حيث تنتفي ردود الأفعال الملائمة للتكيف مع المحيط". وعرف "دماسيو" Damasio[12] المشاعر بأنها أشكال من الإجابات الكيميائية والعصبية تتمثل وظيفتها في تمكين الجسم من الحفاظ على الحياة من خلال إحداث سلوكات للتأقلم والتكيف. فالشعور بالخوف من خطر محدق يضطرنا إلى الفرار، والغضب من جراء اعتداء أو إهانة ما يدفعنا إلى الرد بما يلزم من وسائل الدفاع والمقاومة، كما أن الإحساس بالفرح نتيجة حدث ما أو نسبب علاقة عاطفية ما يقودنا إلى الرغبة في الحفاظ عليهما لمدة أطول. والمشاعر هي نتاج تنشيط وتفعيل عدد من البنيات الدماغية والعصبية المحددة، كما أنها تتأثر بثقافة الفرد وتطوره النفسي والمعرفي والاجتماعي الذاتي. ويلعب جهاز الإرب système limbique دورا مهما في إنتاج المشاعر والتعبير عنها، وهو يتألف من أجزاء مختلفة ومترابطة هي: اللوزة Amygdale، ونتوء الزنار Cingulum Gyrus، وقرن آمون Hyppocampus، وتحت المهاد .Hypothalamus كما تلعب فلقات الجبين lobes frontaux – وخاصة في الشق الأيسر Hémisphère gauche من الدماغ – دورا أساسا في التعبير عن المشاعر ومراقبتها. كما تحدث تقلبات كيميائية في بعض الهرمونات والأمينات البيولوجية مثل "نورادرينالين" و"سيروتونين"[13].

 وقد ميز دماسيو، كما هو الشأن عند "إيكمن" Ekman[14]، بين ستة أنواع من المشاعر الأصلية الكلية التي تتبدى من خلال تعبيرات الوجه، وهي: الفرح، والحزن، والخوف، والغضب، والاندهاش، ثم الامتعاض، والمشاعر الثانوية الاجتماعية من قبيل الغيرة، والطمع أو الكبرياء، بالإضافة إلى فئة من المشاعر الخلفية مثل الرضا عن النفس  أو التأزم، والهدوء أو التوتر، والتعب أو الحيوية.

إن المشاعر هي بمثابة سيرورات ذهنية دماغية وعضوية لها عدة مكونات (جسدية ولغوية تعبيرية)، ويمكنها أن تتحقق بواسطة عدد من الانفعالات الداخلية والخارجية. وتتميز المشاعر بكونها عبارة عن ردود أفعال تلقائية ذات مدة زمنية قصيرة تحدث انقطاعا فجائيا ولحظيا في التوازن الشعوري عند المرء، على عكس الأحاسيس les sentiments التي تتميز بطول مدتها.

والمشاعر هي ظواهر عضوية نفسية، فهي – حسب "دارون" Darwin[15] – إجابات فورية من الجسم إزاء حالة ما كما أنها نشاطات "موجَهَة". وهي، عند "واطسن" [16]Watson، رد فعل وسلوك اجتماعي. ويميز "ليون" بين الشعور الطبيعي الخالص émotion brute أو الشعور الصادم émotion choc الذي يمثل "اضطرابا" عضويا وبين الشعور المجتمعي émotion socialisée الذي يشكل سلوكا بالمعنى السيكولوجي[17]. وعلى المستوى السيميائي، يمثل الشعور الطبيعي دليلا signe عفويا يعبر عن اضطراب عضوي أو نفسي عابر وعميق بقدر كبير أو قليل.        

وتتحقق المشاعر سواء عند الإنسان أو الحيوان بواسطة عدد من الحركات العضوية (إيماءات وحركات الوجه) والتصويتات الخاصة (الفونيمية والتطريزية). ويرى "ليون"[18] أن التعبير الصوتي عن المشاعر أوالتلفظ بها هو ما يميز الإنسان عن الحيوان. فالإنسان يتمتع – على عكس الحيوان - بالقدرة على إخفاء مشاعره وإظهار خلاف ما يبطن بواسطة اللغة أصواتا ومعجما ودلالة.

 

 

 

ب. نحو تفسير لساني نفسي للعنف

 

الشعور العنيف مبعثه القلق والغضب ومنبعه الخوف. فالإنسان – كباقي المخلوقات – يأبى الأذى ولكنه يلجأ إلى العنف خوفا ودفاعا مستميتا عن ذاته وحفاظا عن حياته العضوية والمعنوية التي يعتبرها مهددة. فالخوف غريزة طبيعية في الإنسان (وفي الحيوان). ويرى خبراء التحليل النفسي psychanalyse أن حياة الإنسان يتنازعها مبدآن :  مبدأ اللذة Plaisir ومبدأ الألم Déplaisir. كما أن العنف تحريف للفطرة، فالإنسان "يسعى في الشر أو في الخير بحسب ما يخضع له من أحكام مجتمعه...إن حب العنف لا يسري في عروقنا، بل يدخل حياتنا بالإرادة والتلقين والتعزيز والاقتباس والقياس. ولو تغيرت هذه الأنماط لما ظهر العنف الجماعي"[19]

ويقدم "فوناجي" تفسيرا طريفا لشعور العنف الغاضب يستند فيه إلى افتراضات النظرية التطورية عند تشارلز دارون نلخصه كالتالي[20] : يقوم الإنسان من خلال حركة عنيفة منبعثة من عضلات القفص والبطن بنفث "السم" والهواء الفاسد من الرئتين. فعند الغضب العدواني يرغب المرء في إفراغ ما في جعبته من مرارة و حنق وغيظ. فيحاول التخفيف من وطأة هذا الضغط النفسي والتقليص من حجمه، وذلك من خلال إبعاده لمادة سامة عالقة في صدره مكونة من حمضيات ثاني أكسيد الكربون. ويعكس هذا الوضع مبارزة متخيلة يصورها التقلص العضلي الشديد لأعضاء النطق التي تتعارك فيما بينها.ولا يكاد الضغط الهوائي تحت المزماري يهز الوترين الصوتيين داخل الحنجرة، فيولد بالتالي صوتا مختنقا. وهكذا تظهر التعبيرات الصوتية العنيفة في شكل جمل مقطعة الأوصال، وصوائت متقطعة، وإيقاعات مجزأة، وتنجز عبر خنق للحنجرة. ويصبح التصويت العنيف هنا بمثابة قذف لمادة مشبعة بالنهم أو "الليبيدو"  libido النرجسي.

ويمكن تجسيد الملامح الصوتية والتطريزية التي تعبر عن المشاعر العدوانية العنيفة في مشاهد الصراع والمبارزة البدائية. فالتوتر العضلي يمكن أن يطابق الاستعداد للصراع أو يصور المبارزة نفسها. فالمسافة الفكية الكبيرة، والفم المنفتح عن آخره يمثلان تهديدا مباشرا موجها للخصم أو العدو، وكذا الفك الأعلى المندفع مع الأسنان العليا التي تعض الشفة السفلى وتضغط عليها. كما يذكر الجرس الصوتي الغامق بأصوات الوحوش الضارية المفترسة، وصوت الحيوان الذكر القوي والمهيمن. ويمكن اعتبار الإنجاز المكرر لصوت الراء بمثابة نهاية للتهديد وتحقيقا رمزيا للمعركة. كما توحي حركات اللسان إلى حركات الجسم والذراعين واليد. إذ ينطلق التعبير المهدد بحركة بطيئة للسان الذي يتراجع إلى الخلف ويقترب من الحلق. كما يتقوس ظهر اللسان ويمتد كالقوس، فيتحجر في هذا الوضع ليندفع فجأة إلى الأمام كالسهم المنطلق. ويذكر تقلص اللسان والجرس الجهوري وحجم الصدر بموقف التهديد وبصراخ الوحش الضاري أو الذكر الفحل القوي والهائج. ويهيئ التراجع والتمدد الطويل إلى الهجوم الذي تصوره حركة اللسان السريعة التي تتقدم بخطوة واحدة.

أما فيما يخص المظاهر التنغيمية التي تجسد مشاعر العنف العدواني، فيمكن تأويل صلابة المنحنى اللحني الأساس على أنه مبارزة تعكس قوة التمدد العضلي ووضع الجسم المتصلب، في شكل متحجر لشخص منقض على خصمه، أو هيئة ملاكم يتحين الفرصة لتوجيه لكمة قاضية. فالفواصل الحادة الموجودة بين نغمات التصويت العنيف يمكن أن تجسد تلك الضربات واللكمات. كما أن تسريع الإيقاع التنفسي وإيقاع ضربات القلب بفعل استهلاك كمية بالغة من الأكسجين أثناء المعركة هو تمثيل وتجسيد تصويري لإيقاع المعركة.

واستناد إلى هذا التمثيل الافتراضي، يُرجع "فوناجي" – تبعا لدارون – المشاعر الأصلية إلى أعمال أو أفعال بدائية، ويمكن رصدها كالتالي[21]:

-      الغضب  <  المبارزة

-       الخوف  <  الفرار

-      القلق  <  التراجع والانكماش

-      الامتعاض  <   الإقصاء

-      الحب  <   التوالد         

 

وهكذا يمكن تصور التعبير الصوتي عن مشاعر العنف بمثابة أحداث بدائية مصغرة ومثبتة على بنية وشكل الرسالة اللغوية التي تحملها. ويعتبر هذا التفسير – في نظر "فوناجي" - أساس النظريات التي وضعها يونغ Young وفرويد Freud في تعريف الشعور، كما أنه يختلف عن تلك التصورات التي قدمها الفلاسفة الغربيون القدامى الذين اعتبروا المشاعر والانفعالات بمثابة اضطرابات عضوية أو نفسية مرضية، أي بمثابة سلوكات منحرفة وغير متكيفة بشكل صحي وطبيعي مع الواقع. من هنا اعتُبرت الوظيفة الأسمى للفلسفة عند ديمقرطيس هي تحرير الإنسان من مشاعره وانفعالاته، لأن "الشعور ضد الطبيعة"[22].

 

5.  خاتمة

 

إن التعبير الصوتي أنسب وأفضل وسيلة للعبير عن مشاعر العنف. فهو ليس حدثا إضافيا وحشويا في ترجمة تلك المشاعر والانفعالات، بل هو العماد المادي والعضوي الأساس الذي يسندها، بل يصوغها ويمنحها أشكالا لغوية منظمة ومقبولة داخل سياق لغوي وثقافي معين، وبواسطته تخرج إلى عالم التلفظ والتواصل، فتتضح محتوياتها النفسية والدلالية العميقة والسطحية.

إن الشعور لغة مكونة من دوال ومدلولات. وهي لغة مجازية رمزية تحيل إلى أفعال وحركات وإيماءات متنوعة تختزل التاريخ الطبيعي والثقافي للمجتمعات البشرية وتعيد صياغته وإنتاجه. من هنا، لا ينبغي الاستمرار في تصور العلامات أو الدلائل اللغوية بمثابة كيانات اعتباطية، كما أقر بذلك دو سوسير، بل إنها تكتلات اعتباطية ومحفزة signes arbitraires motivés كما يؤكد ذلك "فوناجي".

إن التعبير الصوتي عن المشاعر، ومنها مشاعر العنف، يتم في كل مستويات جهاز النطق عند الإنسان (التنفس والتصويت والتلفظ) وفي كل مستويات انتظام الدال الصوتي (المستوى القطعي والمستوى التطريزي). فالأصوات وحدات عضوية وفيزيائية وإدراكية، كما أنها وحدات غير فارغة دلاليا لأنها تسهم بقوة في تشييد وتوجيه المعاني والدلالات النفسية بحكم خصائصها المجازية والثقافية، فضلا عن وظيفتها التعبيرية عن تلك المعاني والدلالات. 

 

 6. المصادر والمراجع:

 

1- المعاجم العربية والأجنبية:

-       لسان العرب

-       المنجد في اللغة والأعلام

-       Le Petit Robert

 

2- المؤلفات

      أ- باللغة العربية:

 

-       الدر إبراهيم (1994):  الأسس البيولوجية لسلوك الإنسان، الدار العربية للعلوم، بيروت، لبنان.

-       كليمان كاترين(2000): التحليل النفسي، ترجمة د. محمد سبيلا وحسن أحجيج، منشورات الزمن، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب.

 

 

ب- باللغات الأجنبية:

 

 

-        Aronson, A.E. (1983), Les troubles cliniques de la voix, Paris, Masson..

-        ِChapelle, G. (1994) : Peut-on penser sans émotions ?, pp.343-349, in : Le cerveau et la pensée : la révolution des sciences cognitives, coordonné par Jean-François Dortier, éditions Sciences Humaines, Auxerre, France.

-        Fonagy, I. (1977), Le statut de la phonostylistique, Phonetica 34, pp. 1-8.

-        Fonagy, I. (1983), La vive voix : essais de psycho-phonétique, Paris, Payot.

-        Fonagy, I.(1989), Statut de l'intonation : intonations au pluriel, Publications du Laboratoire de Phonétique de l'Université de Paris VII, pp. 1-24.

-  Léon, P. (1993), Précis de phonostylistique : parole et expressivité,     Paris, Nathan.

-        Levrat, J. (2003), La force du dialogue, Rabat, Editions Marsam.

-        Michaud, Y. (1998), La violence, Paris, P.U.F.

-        Rouayrenc, C. (1996), Les gros mots, Paris, P.U.F.

-        Staub, F., Brugglmann, L., Magistretti, P., Bogusslavsky, J. (2002): Anatomie des émotions, www.sanp.ch/pdf

 

                

 

 

 



[1]   Michaud, Y. (1998), La violence, p.4
[2]  نفسه، الصفحات : 3-4
[3]  Levrat, J. (2003), La force du dialogue, p.23
[4]   Fonagy, I. (1983), La vive voix : essais de psycho-phonétique, p. 14
[5]   نفسه، ص. 136
[6]   نفسه، ص. 14
 [7]   Aronson, A.E. (1983), Les troubles cliniques de la voix, p.10
[8]   كليمان، ك. التحليل النفسي (ترجمة محمد سبيلا وحسن أحجيج).
[9]   Fonagy, I. (1989à, Statut de l’intonation : intonations au pluriel, p.3   لقد اعتمد "فوناجي" في نتائجه على دراسته لتنغيم بعض الجمل الفرنسية والهنغارية (لغته الأم) المعبرة عن مشاعر العنف.
[10]   Fonagy, I. (1983), La vive voix : essais de psycho-phonétique, p 31
[11]   Léon, P. (1993), Précis de phonostylistique : parole et expressivité, p.136
[12]   Damasio, AR. (1995), L’erreur de Descartes  أورده ستوب ومجمعته في مقال « Anatomie des émotions »
[13]   الدر، إبراهيم. الأسس البيولوجية لسلوك الإنسان، ص. 73
[14]   Ekman, P. Are there basic emotions,  أورده ستوب ومجموعته في مقال « Anatomie des émotions »
[15]    Darwin, Ch. The expression of emotions in men and animals, (1872) أورده "فوناجي في La vive voix, p.33
[16]   A schematic outline of the emotions,  أورده Léon (نفسه، ص. 113)
[17]   Léon, P.  نفسه، ص. 114
[18]   نفسه، ص.5
[19]  الدر، إبراهيم (994)، "لأسس البيولوجية لسلوك الإنسان"(ص. 288).
 
[20]  Fonagy, I. (1983), p.200
[21]   Fonagy, I. Statut de l’intonation : intonations au pluriel, p.3
[22]   Fonagy, I. (1983), p.33

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق