الاثنين، 11 مارس 2013

الالقاب والكنى السورية


 أصول مملوكية وعثمانية ما زالت تعيش في الذاكرة


تتأثر أسماء الأشخاص والألقاب بأحوال المجتمع وتتطبع بطابع البيئة، وذوق الشعب ومزاجه ومستواه الحضاري، وهذا ما يجعلها ذات فائدة للباحثين اللغويين وعلماء التاريخ والانثربولوجيين من حيث التعرف منها الى بعض اللغات القديمة ودراسة نفسية الشعب وذهنيته وقيمه في الاوقات التي تكونت فيها، كما يقول الباحث الفلكلوري «أحمد سعد» في كتابه «معجم اسماء الاسر والاشخاص ولمحات من تاريخ العائلات»، ويمكننا عبر دراسة أسماء هذه الأسر ان نلقي نظرة خاصة على الأحوال الاجتماعية والاقتصادية وعقلية الناس في الوقت الذي اطلقت فيه هذه الأسماء على اصحابها، وتذكر المستشرقة الفرنسية «جاكلين سوبليه» في كتابها «حصن الاسم - قراءات في الأسماء العربية» الذي اصدره المعهد الفرنسي للدراسات العربية بدمشق في العام 1999م ان الاسماء العربية القديمة هي الوحيدة من بين حضارات الشعوب التي لحقها كم كبير من الألقاب والكنى والانساب زيادة في توثيق الشخص المكتوب عنه أو المحكي.

ومن المعروف أن الكنى والانساب الملحقة باسم أي شخص لم تأت سدى، بل لها مبرراتها، وضروراتها، فهي اما لتعريف اكثر بالشخص او لاطلاق صفة محببة عليه، او لمهنة امتهنها في حياته.. وعالم الكنى والألقاب السورية يحمل الكثير من المسميات الطريفة ذات الاصول العثمانية او الفارسية او المملوكية التي ارتبطت بمهن او حرف أو صناعات او وظائف أو صفات كان يتسم بها الجد الاكبر للعائلات التي تنتسب الى هذه الكنى أو الألقاب..

دالي باشا

من هذه الكنى والأقاب «الخازندار»، وهو الشخص الذي كانت وظيفته المحافظة على خزائن الأموال السلطانية في السلطنة العثمانية من نقد وقماش كما جاء في كتاب «الصبح الاعشى» لـ «القلقنشندي» والخزندارية موضوعها التحدث عن الخلع والتشاريف السلطانية في القلعة، والكنى والألقاب التي تنتهي بلفظة دار في الأسماء السورية كثيرة، ومنها تحصلدار الذي كان يحصل ضرائب الحكومة العثمانية من أصحاب الأراضي والأملاك، و«تربدار » وهو حفار القبور، و«دفتردار» الذي كان مولعا بمسك الدفاتر العثمانية السلطانية، و«سلحدار» وهو الشخص الذي كان يتولى الاشراف على مخازن السلاح في السلطة العثمانية.

وهناك كنية «خانكان» مأخوذة من التركية عن الفارسية ، وهي محرفة عن لفظة «الخانقاه»، ومعناها الدار التي يختلي فيها الصوفية لعبادة الله تعالى، وفي التاريخ الاسلامي هي «كالدير» في النصرانية، محل للتعبد والزهد والبعد عن الناس، استعملها العرب مؤنثة، وكنية «الدالاتي» نسبة الى «دالي باشا» رئيس «الدالاتية»، وهم فرقة من الانكشارية، أو الفرسان، كانوا يضعون على رؤوسهم القلابق، وهي قبعات مستطيلة أسطوانية الشكل، وفي تركيا نهر شهير اخذ اسم «الدالاتي» بالقرب من اسطنبول.

حرملك قابي:

ومن الكنى التي ارتبطت بموكب الحج، او ما كان يسمى «المحمل الشامي»، كنية «العكام» وهو الشخص الذي يقود الجمل ويقوم على خدمة راكبيه في قافلة المحمل، و«قيزلار»، والمعنى الحرفي لهذه الكلمة - الكنية «آغا البنات»، وهو اصطلاح تركي كان يطلق على كبير مشرفي قسم النساء، «حرملك قابي»، وعند ترجمة اللفظة الى العربية يصبح اسمه «كبير آغوات دار السعادة».

ومن الكنى والأقاب ما ارتبط بتنظيم الجيوش في العهد العثماني وغيره من العهود، ومنها كنية «الجاليش»، وهي كلمة تركية معناها «مقدمة القلب»، وسمي بذلك لأن ترتيب «جاليش السلطان» في المواقع التي يحضرها يكون عادة في قلب الجيش، وورد في كتاب «النجوم الزاهرة» لـ «ابن تغري بردي الاتابكي» المطبوع في القاهرة عام 1971، عند حديثه عن احدى المعارك : «خرجت ريح شديدة ألقت جاليش ارغون الكاملي على الأرض».. وأرغون الكاملي هو الذي بنى «البيمارستان» المعروف باسمه في العاصمة العربية السورية دمشق، وكنية ال«الشاليش»، وهو اسم لعلم من الأعلام التي كانت جيوش المماليك تحملها في الحروبة وكان من الحرير الأبيض المطرز تعلق في أعلاه خصلة من الشعر، و«الجاويش» او الجاويشية، وهم الذين يركبون في مقدمة موكب الملك في طريقه الى الحرب، والجاويشية أيضاً هم رسل لابلاغ الأوامر وجباية الأموال في الأقاليم، وكنية أوضة باشي، وهو رئيس احدى الفرق الانكشارية التي تقيم عادة في أوضة - أي غرفة- وكان يرأس الاوضة باشية موظف يسمى أوضة باشي، وهناك كنية السباهي - جمع سباهية-، وهم فرقة الفرسان في جيوش العثمانيين.

الشاويش والدادا

ومن الكنى التي ارتبطت بالطرق الصوفية كنية (الشاويش)، ويدعى أبناء (الميدانجي)، وكانت مهمته التحري عمن يريد الدخول في الطريقة (المولوية)، وكنية (مولوي) نسبة الى الرقصة الصوفية المولوية الشهيرة.

وهناك كنية (درويش) من التركية عن الفارسية، وهي مؤلفة من لفظتين (در) وتعني الباب او المدخل، و(ويش) وتعني الواقف الملازم، اي الفقير المستعطي امام باب الله تعالي، وكان (رئيس الدارويش) في الطريقة الصوفية المولوية يسمي (الدادا) وهي كلمة تعني الجد، و(الدرويش) لفظ يطلق علي المتصوفة بشكل عام وعلي اصحاب الاحوال الغريبة الذين يتصرفون بشكل غير مقبول عقلا او شرعا، ومن كنية (درويش) اشتقت كنية (الدراوشة).

ومن القاب المراتب الاجتماعية كنية (الافندي) التي اطلقت في عهد الامبراطورية العثمانية علي اولاد السلطان وافراد عائلته بداية، وكانت التسمية محصورة بالرجال، اما النساء فكانت واحدتهن تدعي (سلطانة افندي) وفي مصر كانوا يدعون الملك باسم (افندينا).

وشاع استخدام تسمية (الافندي) فيما بعد لغير المسلمين ايضا كالارمن والمسيحيين وكذلك الشخصيات التي تمثل مقامات ومناصب رفيعة في الدولة مثل الوزراء وموظفي الحكومة، واستخدمت كلمة (الافندي) ايضا في الاوساط العامية دلالة علي التهكم والسخرية كأن يقال (الافندي زعلان) و(ماذا بيك يا افندي) كما يقول الباحث «عدنان المفتي» في دراسة له بعنوان (طبقة الافندية ـ نشأتها ودورها الريادي في المجتمع وسياساته).

القا وجي والطرابيشي

وثمة كني والقاب اطلقت علي من يمارسون بعض المهن والحرف الشعبية، ومنها (القاوقجي) نسبة الي (القساووق) وهي القلنسوة التي تلبس على الرأس يفصلها صانعها من جوخ او غيره، وكان يطلق علي صانعها اسم (القاوقجي) ومن اشهر الاشخاص الذين حملوا هذه الكنية المجاهد العربي الكبير «فوزي القاوقجي» الذي كان له دور مشرف في الثورة السورية الكبري في العام1925م ضد الاحتلال الفرنسي وفي حرب فلسطين في العام1948م عندما قاد جيش الانقاذ.

وكنية (طرابيشي) نسبة الي الطربوش وهو غطاء اسطواني الشكل كان عامة الناس يلبسونه، وتعني (زينة رأس الامير) وحرفت الي (شربوش) والكلمة محرفة عن اللغة الفارسية (سبوش) وهي وكان (الطرابيشي)

دمشق- الانباء - خليل التقي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق