السبت، 16 مارس 2013

صوت الصولجان



 

نعرف سلطان اليد، وسلطان الإشارات باليد، ونعرف ولع العربيّ بالعصا، ولأسامة بن منقذ كتاب جميل جدا عن العصا في تراثنا العربيّ، وللجاحظ كلام كثير ايضاً عن العصا ودورها في تيسير دلالات الكلمات التي يتفوّه بها الخطيب. ونعرف المثل الذي يقول: " من أطاع عصاك فقد عصاك"، و"العصا لمن عصى"، و"العبد يقرع بالعصا، والحرّ تكفيه الإشارة"، وحكاية " العصا والجزرة " في السياسات الدولية والمحلية، و" مسك العصا من الوسط"، ونقرأ عن عصا الكتاتيب في يد الشيخ كما في كتاب "الأيام" السيرة الذاتية البديعة للراحل الكبير طه حسين، ونقرأ عن عصا موسى التي تلقف الأفاعي وتضمر مآرب أخرى، وعن الخبثاء الذين يضعون العصيّ في الدواليب! كما نقرأ عن المتمردين الذين يشقّون "عصا الطاعة".

كان الكاتب البديع لويس بورخيس، وهو على فكرة من حملة العصيّ بسبب ضعف نظره، يقول: إنّ الكتابة امتداد للذاكرة، ومن وحي عبارته أقول: " إنّ العصا هي امتداد للأصابع واليد وهي أيضاً كاللسان ."والصولجان هو العصا بامتياز، عصا السلطان. كانت، أحياناً، تحكي بدل فم السلطان، ومن هنا، ولد  تعبير "صوت الصولجان". صوت مجلجل يستعير من هيبة السلطان تلك القدرة الناطقة.

ومن يكون جوّاب آفاق في اللغات بحثا ًعن العصيّ واستعمالات العصيّ في التعابير والدلالات والكنايات لن يكون بوسعه أن يلقي "عصا" الترحال، لأنّ الجواب جوّاب آفاق وجوّال في بقاع الدلالات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق