الثلاثاء، 19 مارس 2013

في حرم الرمز الصيني

بدأ اهتمامي بدراسة الحضارة الصينية منذ خمس سنوات تقريباً، فاكتشفت بعضاً من أدبها وفكرها وحكمتها. ولكن كنت أقرأ ذلك إما بالعربية وإما باللغة الفرنسية. ولا أنكر أنّ الكتب العربية المهتمة بالحضارة الصينية قليلة العدد. ولا أزال اذكر كيف أني كنت أواجَه من قبل أصحاب المكتبات بشيءٍ من الاستغراب حين أطلب منهم كتبا تتناول الحضارة الصينية أو اللغة الصينية. كانوا ينظرون إلي بشيء من الذهول ثم يحاولون تلبية طلبي. ولكن كنت أخرج، أغلب الأحيان، خائباً من المكتبات التي لم تتأقلم بعد مع يقظة الصين الحديثة.
ومع تقدّم قراءاتي عن الحضارة الصينية، شعرت أني لن اقطف الثمار المطلوبة من اهتمامي إذا بقيت اللغة الصينية بمنأى عن قدراتي. ولكن أين أتعلم اللغة الصينية وأنا في لبنان الغارق كأغلب الدول العربية حتى أذنيه في اللغة الفرنسية أو الإنكليزية، وحيث لا مكان للغة الصينية تحت سماء لبنان؟! وسائل الاتصال الحديثة ترفض فكرة المستحيل، فأية لغة، اليوم، في متناول سمعك وعينيك بفضل الانترنت والأشرطة المدمجة وغيرهما من وسائط المعرفة. ولكن هل يمكن تعلم أصوات لغة ما من دون أستاذ يشرف على لسانك؟
ظلّ الأمر كذلك إلى أنْ علمت أنّ "جامعة الجنان" في طرابلس اتفقت مع وزارة الثقافة الصينية لإدراج تعليم اللغة الصينية في قسم الترجمة. وانشاء دورات خاصة للراغبين في اكتساب هذه اللغة القائمة على الصور لا على الأبجدية. وجدت رغبة العمر تطرق أبواب مدينتي، وبدأ مشواري مع تعلم اللغة الصينية.
وهنا لا بد من ذكر فضل الأستاذ لي الذي كان علّمنا خمس دورات على امتداد سنتين بإخلاص أصحاب الرسالات. وأشهد له بالجهد الذي بذله لإزالة الصعاب التي كانت تعترض أفواهنا وأقلامنا، وكيف كان يهتمّ بأسئلتنا ويقوم بتحضير إجابات مفصلة عنها. كان الأستاذ لي إلى جانب تعليمنا اللغة الصينية يقوم بإعداد كتاب تعليمي للغة الصينية، واقترح عليّ إن كان بمقدوري أن أقوم بترجمة نصوص الكتاب إلى العربية، وهي ثقة من طرفه أعتزّ بها. رحبت بالفكرة، على صعوبتها، كنوع من التعبير عن شكر الأستاذ لي إذ بفضله صار بإمكاني تناول الحضارة الصينية مباشرة من معينها اللغوي العذب، دون وسيط لغة أخرى.
أخي القارىء،
إعلمْ إن اللغة لا تنفصل عن الاقتصاد. واللغة تكتسب جزءاً لا يستهان به من قوتها من اقتصادها. والنمو الاقتصادي السريع في الصين يرافقه إقبال عالمي على تعلم اللغة الصينية في أميركا وأوروبا. وما فروع معهد كونفوشيوس التي تفتتح سنويا في أنحاء العالم إلاّ خير شاهد على ازدياد الراغبين في تعلم اللغة الأقدم في العالم.
أخي القارىء،
إعلم إنّ تعلم اللغة الصينية لا يفتح لك فقط أبواب المستقبل وإنما يمنحك القدرة على التجوال في آلاف السنوات من عمر الحضارة الصينية العريقة وحكمتها الخالدة.
وختاما أتمنى لك، عزيزي القارىء، سفراً ميموناً في تضاعيف هذا الكتاب عملاً بالحكمة العربية القائلة: "اطلب العلم ولو في الصين". وأظنّ أنّه آن الأوان لوضع هذا المثل موضع التطبيق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق