لا
تخلو لغة من لغات العالم من تعابير تشكّل بمجموعها ما يعرف بالأقوال المأثورة او
الأمثال السائرة، ولقد لفت نظري هذا التعبير " أنقى من مرآة الغريبة"، وهذه
العبارة تدرّس، بلاغيّاً، بهدف اظهار وظيفة المضاف إليه جمالياً أو وصفياً، أقول
بلاغيّاً لأنّ النحو لا يهتمّ كثيراً لأمر القريبة أو الغربية. ولكن البلاغة عندها
فضول الاستغراق أو التحري والاستقصاء. ماذا تريد أن تقول لنا عبارة "مرآة
الغريبة" ؟ ان المضاف اليه، هنا، هو، بشكل من الأشكال، حذف. كلّ اضافة لغوية
هي، عملياً، حذف. وكلّ حذف هو، في الوقت نفسه، مقارنة خفيّة مع المعلن، الحاضر في
النصّ .لقد
حذفت العبارة كلّ مرآة غير مرآة الغريبة. لقد انهزمت كلّ المرايا أمام مرآة
الغريبة. لكن
الانهزام لا يبدو الاّ من خلال صورة المنتصر القريبة، لكأنّ الإضافة تحبّ استعمال
العدسات المقرّبة !
ووضعت
مرآة الغريبة في المرتبة الأولى بين المرايا.
من
أين جاء الواصف بهذا التعبير؟ الانسان لا يكتب من رأسه. يفتكر أنه يكتب من
رأسه.عمليّاً أفواه الناس محابر أقلام الكاتب.أفكاره تخرج من سلوك الناس، من
حركاتهم، من حواسّهم، من رغباتهم المكنونة، من احلامهم المرئية، ومن حالاتهم
النفسية.
الغريبة،
اجتماعيّاً، هشّة ليست كالقريبة (الغربة تجعل الإنسان هشّاً). سهام النقد والعيون
تصوّب عليها أكثر من غيرها. من هنا، يجب أن تحمي نفسها من الانتقاد وعبث الأفواه
الجائرة والعيون الماكرة. وكيف تحمي نفسها وهي لا يمكنها أن ترى نفسها لتنقيح
جمالها الاّ عبر مرآة مجلوّة وصادقة؟ من هنا، كان اهتمامها في الدفاع الفائض عن
نفسها/جمالها بامتلاك مرآة تفضل جودتُها جودةَ "مرآة القريبة" التي
يحميها محيطها الأليف من غريب النظرات.
الغريبة
تطلب النجدة من المرآة، والمرآة يمكن ان تخدش كمخالب الهرّة. ثمة اسطورة يونانية
عن امرأة خرافية كانت خصلات شعرها حيّات، كانت نظراتها تقتل أو تحجّر من تراها، لم
تنتصر عليها الاّ مرآة، مرآة راحت تحدّق في عيني المرأة الخرافية فقضت عليها. عيون
المرايا نجلاوات! والمقصود بالعبارة ليس توصيف حال الغريبة وإنّما توصيف جودة
المرآة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق