الخميس، 4 أبريل 2019

لغة الشعوب ركن في ثقافتها وهويتها



يتناول هذا البحث محور " لغة الشعوب ركن في ثقافتها وهويتها" تبعا للبنود التالية:

1-  اللغة العربية ركن في ثقافة الامة وهويتها القومية

2-  التكوين الثقافي للمجتمعات ودور اللغة في تحديد هيتهتا

3-  استخدامات اللغة في الحوار الثقافي بين الشعوب

4-  الاستشراق والاستغراب: المعطيات والضرورات

5-  من حرب اللغات الى تكاملها في التجربة الانسانية

6-  الحوار بين الثقافات ودور اللعة في تفعيله.


لغة الشعوب ركن في ثقافتها وهويتها


مقدمة


اللغة أهمّ عنصر من عناصر وجود الشعوب، بل هي، كما هو معروف، المائز الأكبر بين عالمين: عالم الإنسان وعالم الحيوان. والتعريف القديم الذي يحدّد الإنسان بأنّه حيوان ناطق، تعريف لا يخلو من كثير من الصواب. سأحكي عن الصرخة، ورمزيّة صرخة الطفل الأولى، صرخة الجنين الخارج للتوّ من رحم أمّه([1]). أعتقد أنّ الطفل هو الوحيد الذي يستفتح  حضوره في هذا العالم بصرخة، فلم أسمع عن حيوان من الحيوانات اللبونة يخرج من بطن أمّه وبين شفتيه صرخة يستقبل بها عالمه الجديد. وليس السبب فيما أظنّ هو تلك النظرة التشاؤميّة التي كان يرى شاعرنا ابن الروميّ من خلالها العالم وذلك حين قال:

لِمَا تُؤذن  الدنيا  به  من    صروفها        يكون  بكاء   الطفل   ساعة     يولد
وإلاّ   فما    يبكيه    منها  ؟ وإنها        وماليَ     إلاَّ      كفُّها        مُتَوَسَّدُ
إذا   أبصر   الدنيا   استهل     كأنّه        بما  سوف  يلقى  من  أذاها     يُهَدَّدُ


بل الأقرب إلى الصواب، ربّما، هو ما يقوله بعض العلماء حول هذه الصرخة باعتبارها ليست أكثر من تمرين عضليّ لجهازه النطقيّ التي سوف يكون سلاحه الأبيض أو الأحمر في العالم الجديد الذي خرج اليه.

لا ريب في أنّ أركان الثقافة عديدة، هناك الركن الغذائيّ ( وهنا أودّ الإحالة إلى مؤلفات الإناسيّ الفرنسيّ/ العالم الانتروبولوجيّ كلود ليفي استروس في مصنفاته الشهيّة حول المآكل([2])، وهناك الركن الدينيّ، وهو ركن لا يمكنك أن تجد شعباً من الشعوب يتخلّى عنه، أو يسقطه من حسابه الروحيّ ( قد تعثر عينك في العالم على فرد ملحد مثلاً، ولكن لن تجد في العالم شعباً ملحداً أو شعباً أخرسَ!)، وهناك الركن الهنداميّ وهو ركن ثقافيّ بامتيار. وأذكر، هنا، نقطتين: الأولى تتعلّق بعبارة وردت على لسان الأديب العربيّ عبّاس محمود العقاد، وهي عبارة لا تخلو عند التأمّل من حصافة، يقول فيها: "إنّ الإنسان حيوان لابس".  والنقطة الثانية تتعلّق بالفكرة التي طرحها الناقد الفرنسيّ اللامع رولاند بارت في كتابه الطريف " نسق الموضة" ( [3]) حيث يربط ببراعة بين الهندام وشكل الحضارات من جهة، وبين الهندام وطريقة تشكيل الكلام، من جهة ثانية، إذا إنّه اعتمد في دراسته للأزياء على فرديناند ده سوسير واسثمر المفاهيم التي وضعها ذلك العالم الألسنيّ في كتابه " محاضرات في الألسنيّة العامّة"( [4]) كالدال والمدلول والمرجع. وهناك الركن اللغويّ الحاضن لكلّ الأركان الأخرى المذكورة.

دائما أقول : الحقيقة تؤخذ من فم الأطفال. وثمّة قول مأثور عربيّ طريف عن الصغار والأطفال : " خذوا أسرارهم من صغارهم". وسأروي هنا ما لا تنكره العين، عن لقاء بين طفلين افتراضيين في ربيعهما الثالث، ثمّ تتبّع سلوكهما بعين أديبنا الكبير عمرو بن بحر الجاحظ، لأفترض أنّ الطفل الأوّل عربيّ مسلم، والثاني هنديّ مسلم، ولا تجمعهما ديانة واحدة فقط، بل يجمعهما، أيضاً، مذهب واحد، وأرصد علاقتهما فيما بينهما، وأتأمّل تفاصيل اللقاء بينهما، أرقب درجة الحرارة او الفتور والبرود على شفاههما بل وعلى حركاتهما([5]) - إن لغة الجسد، فعليّاً، لا تقلّ أهميّة عن لغة عن لغة الكلام- . لا أظنّ أنّ أحداً لن يلحظ الصدمة على شفاههما أو الاستغراب في عيونهما الصغيرة رغم ما يوحّدهما من مذهب روحيّ، ثمّ أقوم بالتجربة نفسها ولكن مع طفلين آخرين من ديانتين مختلفين ولكن تجمعهما لغة مشتركة واحدة : الطفل العربيّ الأوّل مسيحيّ، والطفل العربيّ الثانيّ مسلم، وأرقب طريقتهما في الدردشة، ونوعيّة العلاقة التي تقوم بينهما. ألحظ ان الخلاف الدينيّ بين الطفلين لم يكن حاجزاً بينهما كما كان الخلاف اللغوي. اللغة، في البدء، حاجز. ماذا أريد أن أقول هنا؟ أريد بكلّ بساطة أن أصف ما أرى، وأن أقول من وراء ذلك ان اللغة هي الركن الأوّل في أركان الحضارات. هي الأبجدية التي تتشكّل من حروفها مفاهيم الدين والدنيا. فالأشياء لا تمتلك حضورها الفعليّ الاّ بالتسمية. وهناك من يذهب الى اعطاء آية " وعلّم آدم الأسماء كلّها" تفسيراً لا يخلو من وجاهة، يفسّرها على ان الله عزّ وجلّ قد اعطى آدم السلطان على الأشياء كلّها. فالتسمية ، هنا، شكل من أشكال السلطة على المسمّى.

اللغة ركن أساس من أركان الحضارات، ولكنّها ليست ركناً فحسب، فالأركان بمفردها مكان غير صالح للسكن. هل رأيت إنساناً يتخّذ الأركان مسكنا؟ ولكنّها جدران الحضارات وسقوفها وغرفها ومطبخها وحمّامها وشرفاتها وشبابيكها وأبوابها وأثاثها ومدّخراتها، ولكن أيّة لغة؟ وهل اللغة الواحدة هي لغة،عمليّاً، واحدة؟

 أكتفي بالإشارة إلى ما تراه عيناي من كتابات على أغلفة بعض القصص والروايات المترجمة إلى الفرنسيّة من اللغة الإنكليزية مثلاً، حيت أجد تحت اسم الكاتب أحياناً عبارة قد يجدها البعض من قبيل لزوم ما لا يلزم، ولكنّها عبارة تحبّ أن تصف بصدق لغة الكتاب المترجم، فتقول العبارة: اللغة الإنكليزية الأميركية او البريطانية او الأوسترالية او الكنديّة. لأنّ واضع العبارة يدرك برهافته ومن خلال خبرته الثقافيّة أنّ اللغة الانكليزية البريطانية غير الأميركية وغير الأوستراليّة، وهذه نقطة مهمّة لأنّ الجغرافيا ذات سلطان غير منكور على علاقتي مع اللغة. وتعاني الأفلام الكندية من نظرة أبناء فرنسا لها، وقد تبيّن لاحقاً بعد دراسة هذه الظاهرة ان السبب لا يعود الى ان الفرنسيّ لا يهتمّ بالمواضيع التي تتناولها السينما الكندية، ولا لسوء الإخراج او ضعف قصة الفيلم وإنّما السبب الأساس هو لغويّ. اللكنة الفرنسيّة الكيبيكية غريبة عن أذن السامع الفرنسيّ ممّا دفع موزّعي الأفلام إلى وضع شريط مكتوب بالفرنسية في أسفل الشاشة للسماح للفرنسيين بتتبّع الكلمات التي تتفوّه بها أفواه تحكي اللغة نفسها ولكن بلكنة مختلفة لم تألفها أذن الفرنسيّ. وهذا ما نراه أيضاً في مجال اللغة العربيّة، إنّ ابن المشرق العربيّ تعاني أذنه وهي تجهد في متابعة اللهجات المغربية، ولكن هذه المعاناة هي فرصة جميلة يجب ان تنتهز لابتكار حلول ناجعة تقلّص الفجوات بين اللهجات، وهذه نقطة لا يكفي أن يعالجها رجالات اللغة، بل لا بدّ من تآزر حميم بين مختلف العلوم والفنون.  ثمّة فروق قد تكون بسيطة، وبسيطة جدّاً، ولكنّها تلعب دور العلامات الفارقة بين الشعوب المختلفة باللغة الواحدة على غرار ما تلعبه العلامات الفارقة بين الأصوات المتشابهات([6]). ومن الحكمة ان لا يندّد بالفروقات التي تطال المستويات اللغوية كافّة: الصوتيّة، والنحويّة، والصرفيّة، والدلاليّة والعرفيّة. هذه الفروقات شديدة الأهميّة والخصوبة باعتبارها في أهميّة العلامات الفارقة في الأشخاص. لا أظنّ أنّ أحداً يحبّ أن يستغني عن علاماته الفارقة، بل هي علامات مساهمة في رسم الحدود بين المتشابهات، وإعطاء خصوصيّة محبّبة، فالمفردة الواحدة قد تتبدّل دلالتها، وإن بشكل طفيف، بحسب التنوّعات الجغرافية أيضاً. وهنا أذكر قولاً للناقد الراحل إحسان عبّاس حين كان مقيماً في السودان، لقد لاحظ أنّ علاقة السودانيين مع كلمة " خريف" هي غير تلك العلاقة التي يبنيها أبناء بلاد الشام مع المفردة نفسها. فالطقس، بكلّ بساطة، يلوّن معاني الكلمات. علاقة السودانيّ مع كلمة الخريف هي على شاكلة علاقة أبناء الشام مع كلمة ربيع. من الطبيعيّ جدّاً أن تتلوّن اللغة، اية لغة كانت حين تمتدّ جغرافيا على أراض شاسعة([7]). وهنا ترضخ اللغة لعوامل الجغرافيا كما يرضخ الإنسان نفسه لهذه العوامل([8]). لقد تعامل العرب مع مصطلح " فساد اللغة" في بدايات تدوين العربية بطريقة صادقة، وغيورة على صحة اللغة العربية، ولكن هل يمكننا ان ننظر اليوم الى عبارة " فساد اللغة" كما نظر اليها القدماء، ونقدّم لها الدواء نفسه الذي قدّموه؟ وهل ينجع الدواء نفسه؟ وهل بقي الدواء نفسه صالحا للاستعمال؟ وهي أي هذه النظرة الى التطوّرات اللغوية باعتبارها فساداً كانت نظرة من منطلقات أخلاقيّة أو دينيّة، وهي مسألة عانت منها كلّ اللغات في بداياتها، والعربية ليست استثناء، فأغلب اللغات القديمة كانت لا تعترف الاّ بنفسها، وتؤمن بتفوّقها على سائر لغات العالمين([9]). ولكن هذه النظرة ظلمت اللغة العربية نفسها، أو ظلمت بعض اللهجات لأسباب مواقعها الجغرافيا على حدود لغات أخرى، أو ما يمكن أن يسمّى بلهجات الأطراف. كان يمكن بدل إنكار اللهجات العربية التي ترعرعت على حدود لغات أخرى استثمارها بشكل أفضل بل كان يمكن اعتبارها مختبراً لغويّاً في الهواء الطلق تدرس فيه أحوال اللغات حين لقائها بل قل حوارها مع لغات أخرى، بل قل، أيضاً، دراسة هذه الحالة من منطلق " حسن الجوار" اللغويّ على غرار ما نعهده في العلاقات الاجتماعية([10]).

اللغة العربية ذات تاريخ خارق للمعتاد من الناحية الزمنيّة أو من ناحية الامتداد الزمنيّ والعمر الطويل، ولا تشاركها في ذلك إلاّ لغات ضئيلة منها اللغة الصينية على سبيل المثال، خارق ليس بقواها الذاتية وانّما بقوى المفاهيم الدينيّة التي اتصلت بها وبكتاب" لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد" ( فصلت- 42). لقد حضن المقدّس اللغة العربيّة ورعاها وحماها من ألاعيب الزمن، والمقدّس دعم لوجستيّ لا يستهان به، ولكنّ القداسة بمفردها ليست قادرة على حماية لغة من اللغات، فها اللغة الهيروغليفية التي تعني حرفيّاً " النقش المقدّس"، قد سحبت من التداول، ولم تسعفها قداستها أو تشفع لها في الاستمرار حيّة ترزق على أفواه الناس. ويمكن رصد اللغات المقدّسة الكثيرة في العالم والتي منها مثلاً اللغة السنسكريتية المقدسّة والتي لم يكن مآلها أفضل حالاً من مآل اللغة الهيروغليفية القديمة، ولغات أخرى كانت مقدّسة ولكن لم تستطع هذه القداسة أن تحميها من الاندثار. الاستمرار يتطلّب شيئاً آخر غير القداسة.

 نعيش، اليوم، في عالم معولم، وهذه نعمة من النعم. العولمة نعمة على الأذن العربيّة. ثورة المعلومات فرصة، أيضاً، للأذن العربية كي تسمع عديد التجلّيات للصوت العربيّ الواحد، وللذهن العربيّ كي يتدرّب على سماع كل الأشكال والتنويعات المنطوقة للصوت الواحد. هذا لا يعني أنّ العولمة حسنات محض، فالعولمة سيف ذو حدّين شأنها  في ذلك شأن أيّ فكرة أو أداة  في هذا العالم. العولمة، من وحي مصطلح لغويّ، تشبه ما يسمّى في العربية بـ" الأضداد اللغويّة"([11]).

أتعمّد أن أطرح في قاعات الدرس أسئلة أريد من خلالها تبيان الطريقة التي يفكّر بها الطلاب في قسم اللغة العربية في الجامعة اللبنانية على مختلف السنوات التعليمية، من طلاب السنة الأولى الى طلاب مرحلة الماجستير. والأسئلة تكون بسيطة شديدة البساطة، من قبيل : ما هي اللغة الأمّ؟ وما الفرق بين الفصحى([12]) واللهجة( [13])؟ ما الفارق بين الفصحى والفصيحة؟ من الأسبق النثر أم الشعر؟ تردني من أفواه الطلاب، أحياناً، أجوبة شديدة الطرافة والظرافة([14])، وإن لم يكن لها أسس علميّة، أو موضوعيّة ولكنّها تسمح لنا بمعرفة أنّ ما نظنّه بديهة من البدائه يحتاج إلى إعادة نظر.

كان عدد قليل من قال لي بوضوح مبين إنّ اللغة العربية الفصحى ليست لغتنا الأمّ. عدم اعتبار الفصحى هي اللغة الأمّ ليس منقصة بحقّ الفصحى التي نكنّ لها محبّة روحيّة ولغويّو لا ينكرهما فمُ عربيٍّ عاقل. يعيش الطالب وفي ذهنه أنّ الفصحى هي اللغة الأمّ. نادراً ما خطر ببال أحدهم أن يقول لي: ان اللغة التي تتفوّه بها أمّي هي اللغة الأمّ. أو أن يقول لي: ان لهجتي هي لغتي الأمّ. بينما سمعت الجواب الذي أظنّه، الى حدّ بعيد، صائباً، وكان مفاجئاً لأذنيّ، من طفل لم يتجاوز الثالثة من عمره، أي أنّ علاقته باللغات كانت لا تزال طرية وعفويّة. قرّرت، ذات يوم، أن أحكي مع ابني الصغير في اللغة الفصحى، لتمرين أذنيه على سماع النغمة الفصيحة للعربية، فاجأني جين أجابني: "بابا حْكِي مْنيحْ"( يا والدي، تكلّم بشكل سليم)، كانت الضحكة ترافق كلماته على ذلك الكلام الغريب الخارج من فمي. ضحكة تنمّ على أنّه تخيّل أنّي أمارس معه لعبة جديدة. طبعاً، نظرته الى الفصحى نظرة سلبية، فيها الكثير من الاستغراب، ولكنّها نظرة طفل بريء، نظرة واقعية لا تغلّها الآيديولوجيّات، ولا تشوبها الأحقاد العرقية، أو غيرها. والآيديولوجيّات والأفكار المسبقة تحجب الرؤية أغلب الأحيان عن جوهر الأشياء.

لا استشهد بكلام ولدي قاصداً اتّهام الفصاحة – والعياذ بالله-  بعدم الملاحة. إيماني باللغة الفصحى يمكن أن ألخّصه بالعبارة التالية: " الفصحى هي خلاص العرب وسرّ نهوضهم"، ولكن أحبّ أن أضيف أيّ نوع من أنواع الفصاحة؟

إنّ الفصاحة عادة ما نكتسبها من الكتب، وفي المدرسة من كتب القراءة وكتب النحو، ومن كتب التاريخ والجغرافيا، ومن كلّ موادّ التعليم العربيّة. أحبّ هنا فقط الإشارة الى كتب القراءة العربيّة في صفوف المرحلة الابتدائيّة، وإلى كتب النحو في الصفوف الابتدائية، وأسأل: هل أنتجت لنا هذه الكتب طلاّباً علاقتهم حميمة مع الفصاحة. وما أقصده بالفصاحة هو أمر بسيط جدّا، هو المقدرة على ارتجال خطاب قصير بلغة سليمة لا تشوبها الاخطاء النحوية. لغة لا تتوخّى الجمال، فالجمال اللغويّ أمر يفيض عن حدود الكتابة السليمة. ما معنى أن يدرس طالب على امتداد المراحل الابتدائيّة والتكميليّة والثانويّة دروساً في اللغة والأدب ثمّ يقف عاجزاً أمام ورقته البيضاء حين يريد  أن يعبّر عن مكنون نفسه؟

من الظلم وضع الحقّ على الطلاّب، ولا بدّ من البحث عمّن يتحمّل المسؤولية. في رأيي إنّ من يتحمّل المسؤوليّة هو المناهج التعليمية والكتب نفسها. ولكن الكتاب كائن من ورق لا يمكن تحميله المسؤوليّة. من يتحمّل المسؤوليّة هو من صنّف كتب القراءة والنحو. وألّف كتب القراءة والنحو، هو أستاذ من أساتذة الأدب وأستاذ من أساتذة النحو، ولكن لا أحبّ وضع الحقّ كاملاً، أيضاً، على أساتذة اللغة، وأنا أعرف أن استاذ العربيّة عليه ان يخوض معركة ضروساً في هذا الوقت المعولم. معركة مفتوحة على عدّة جبهات، ومن هذه الجبهات جبهتان اساسيتان:  جبهة العلوم المحض، وجبهة اللغة الأجنبية الثانية من فرنسية او انكليزيّة، تضاف اليهما جبهة ثالثة، وهي جبهة نخاف أن نفتحها لأنّها تواجه بالصدّ بل تواجه بما هو أمرّ من الصدّ، تواجه بالتشكيك في الانتماء، وهنا تحضرني عبارة وردت على لسان أبي العلاء المعرّي، في رسالة "الأيك والغصون"، وهي عبارة عالية النبرة يخاطب فيها النحو قائلاً: يا نحو، حقّ لما كتب منك النحو. ولا اظنّ ان احدا من العقلاء يستطيع أن يطعن في ولاء ابي العلاء للعربيّة وهو أحد سَدَنَتِها الكبار، وأكثر العلماء معرفة بصرفها ونحوها وأسرارها البلاغيّة وخفاياها الدلاليّة([15]). ليس المطلوب، في أي حال، من القيّمين على العربيّة، في الزمن الراهن الانتصار في هذه الجبهات. الانتصار، هنا، له طعم الهزيمة، وإنّما المطلوب منه أن لا ينهزم، أن يبني جسوراً لا قلاعاً بين العربية والعلوم، وبين العربيّة واللغة الأجنبيّة، وبين ما تتطلّبه العربية الحديثة من إعادة نظر، بل قل فتح باب الاجتهاد اللغويّ من أجل إنقاذ العربيّة نفسها وتجديد دمها وحماية عظمها من الترقّق ولحمها من الترهّل.

كنت قد قرأت في كتاب عن تعليم اللغات الاجنبية في الصين إجابة طريفة عن سؤال موجّه الى طلبة اللغة الانكليزيّة: لماذا تدرسون اللغات الاجنبية؟ كانت إجابات الطلاب الصينيين: ان سبب تعلمهم للغات الاجنبية هو حبّهم للغتهم الأم وإخلاصهم لوطنهم. أدهشني هذا الجواب غير المتوّقع، فعندما تسأل طالباً يتخصّص مثلاً في الأدب الفرنسيّ او الإنكليزي فانّه، في الأغلب، سيجاوبك جواباً تنتظره أذناك، كأن يقول: لأنني أحبّ الأدب الفرنسي أو لأنّني أحب "الأمّ الحنون"، ونادرا ما يكون تعلّم اللغة الأجنبية لأهداف وطنيّة أو " طهطاويّة" نسبة الى رفاعة رافع الطهطاويّ  الذي اختار دراسة الفرنسية خدمة لمتطلبات النهضة، بل قد يستغرب البعض أن يكون حبّ المرء للغة غير لغة بلده ضرباً من ضروب الوطنيّة.

وكنت قد رويت هذه الحكاية لأستاذ لغة انكليزيّة في احدى الجامعات في لبنان، فوجد ان الجواب الصينيّ يثير السخريّة.


2-                التكوين الثقافيّ للمجتمعات ودور اللغة في تحديد هويّتها.

إنّنا نعيش في عالم جديد، تغيّرت فيه النظرات إلى أمور كثيرة، ومنها النظرة إلى اللغة. فبدءا من بدايات القرن التاسع عشر، بدأت ملامح عالم لغويّ جديد بالتشكّل، عالم يحاول استكشاف صلات القرابة بين اللغات. لا ريب في أنّ النظرة كانت لا تزال بنت النظرة الدينيّة، إلى حدّ ما، وهذا ما يمكن ملاحظته من خلال تسمية عائلات اللغات تسميات توراتية مشتقة من أسماء أبناء نوح، ومنها عائلة اللغات السامية([16]). ولكن كان علم الأحياء يطلّ برأسه من خلال المصطلحات التي استخدمت في تصنيف اللغات أيضاً ([17]). ولا يزال العالم اللغويّ في عزّ شبابه وفتوّته ولكن لا يمكن له أو لغيره أن يدّعي ان علم اللغة وصل الى " سنّ الرشد" ، أو انه قد احترق درساً، أو قتل درساً، وفي هذين القولين عنجهية علمية غير مقبولة. فكثير من الأسرار لا تزال تغلّف هذا العالم المدهش، أسرار يعمل علم الأعصاب والبيولوجيا بمؤازرة علم اللغة وعلم النفس وعلم الاجتماع وعلم الانتروبولوجيا والذكاء الصناعيّ على استكشاف مجاهله، وهي مجاهل بنت مكانين: رحم المرأة ودماغ الجنين([18]). والعلوم تتقدّم بخطى بطيئة، ولكنّها حثيثة، في رفع الغلالات غلالةً غلالةً عن وجه هذا المجهول المطويّ داخل الجمجمة وأقصد كيفيّة تشكّل اللغة في الدماغ وكيفيّة تعامل الدماغ معها([19]).

ان علم الانتروبولوجيا اللغويّة الذي وضع أركانه علماء اجتماع وانسان من بلدان عديدة في اوروبا (  بريطانيا وفرنسا والمانيا)  واميركا. وقام في صياغته صياغة نظرية وعملية كلّ من العالم الانتروبولوجي مالينوفسكيّ والعالم اللغوي فيرث([20]) لا بدّ من أن يستثمر استثمارا صالحاً في عملية وضع المناهج ذات الصلة بتعليم اللغة وتعزيز حضورها في أذهان المتلقّين.

ولنا في تراثنا العربي نظرات ثاقبة قدّمها عديد من علمائنا القدامى الأفاضل، ولا أقصد فقط علماء اللغة، فاللغة العربيّة بحكم ارتباطها بنصّ دينيّ يتوسّل العربية لغة خطاب، صار لزاماً على كلّ من يتطرّق الى الخطاب القرآنيّ ان يكون مزوّداً خير زاد من أدوات اللغة، بل ان علماء أصول الفقه وضعوا اللغة كبند أول، بل شرط أوّل من شروط الاجتهاد الدينيّ، فالجاحظ له نظرات حصيفة، وكذلك إخوان الصفاء، والفارابيّ، والغزاليّ، وابن سينا، ابن حزم، وابن خلدون، وعلماء وفلاسفة آخرون لم يكن اختصاصهم النحو ولا اللغة، ويمكن الاستفادة من تحديث نظرتهم، وكتب البلدان والرحلات([21] ولقد قام الدكتور عبد السلام المسدّي على سبيل المثال بإصدار كتاب قيّم عن علاقة اللغة بغيرها من العلوم ([22]) .

سأحاول هنا، الاستشهاد ببعض الاقوال العربية، النثريّة والشعريّة، لأسلط الضوء على مقدرة اللغة على تغيير وجهة الأمور: "ما فيك يظهر على فيك"، "اذا فتحت فاك عرفناك" ،"ربّ حرف أدّى إلى حتف" ، ولكن ربّما كانت منجاة الإنسان  ايضا معلقة بحرف، واشير هنا الى قصة معاوية بحسب ما يرويه الرواة عن ابيات سمعها إبّان حرب صفّين فغيرت سلوكه وغيّرت وجهة الحرب. ورد في كتاب " المصون في الأدب" ما يلي: دخل الحارث بن نوفل بابنه عبد الله إلى معاوية، فقال: ما علّمتَ ابنك؟ قال: القرآن والفرائض. فقال: روّه من فصيح الشّعر فإنه يفتّح العقل، ويفصّح المنطق، ويطلق اللسان، ويدلّ على المروءة والشجاعة. ولقد رأيتني ليلة صفِّين وما يحبسني إلاّ أبيات عمرو بن الإطنابة حيث يقول:


أبتْ لي عفّتـي وأبـى حـيائي      وأخذي الحمدَ بالثمن الـرَّبـيحِ

وإعطائي على المكروه مـالـي  وضربي هامةَ البطلِ المُشـيحِ

وقولي كلَّما جشأتْ وجـاشـتْ  مكانكِ تحمَدي أو تستـريحـي

لأدفعَ عن مآثـرَ صـالـحـاتِ  وأحمى بعدُ عن عرضٍ صحيح

بذي شطَبٍ كلون الملح صـاف  ونفسٍ ما تقَرُّ على الـقـبـيح([23])

وما ورد على لسان معاوية في هذا الشاهد هو ما يجب استثماره، فالكلام يغيّر سلوك الناس، وليست هذه مهمّة الشعر وحده  بحسب ما ورد على لسان معاوية، وحين أقول يغيّر سلوك الناس، لا بدّ من أخذ الحذر، ولعلّ قدرة الكلام على تغيير سلوك الناس، هو ما جعل العالم اللغويّ الاميركيّ تشومسكي يقف بصلابة امام المذهب السلوكيّ في علم اللغة، ويجعله يقف من النظرية السلوكية هذا الموقف الرافض. ما أريده قوله، هنا، هو انه يفترض بنا ان نستثمر علم اللغة النفسيّ، وعلم التواصل الحديث، بحسب ما ورد عند أعلامه، ومنهم، فاتسلافيك([24])، على سبيل المثال، او ما ورد في كتاب " الكلمات وتاثيرها على العقل"، حيث نقرأ في مقدمة الكتاب: "اللغة هي اقوى اداة لدينا، لأننا بدونها سنجد انفسنا نعيش في حالة من التشوّش العاطفي. لقد اعطانا دماغنا الامكانية للتواصل بطرق استثئنائية ، ويمكن للطريقة التي نختار بها كلماتنا ان تحسّن الوظيفة العصبية للدماغ، والواقع انه يمكن لكلمة واحدة ان تؤثر على تعبير الجينات التي تنظّم الإجهاد الفيزيائي والعاطفيّ"([25])، كما يمكن أيضا استخدام اللغة كعلاج لأزمات نفسية وغير نفسية، وهذا ما يقوم به علم قائم برأسه، اسمه " العلاج بالقراءة"([26]).


3-                استخدامات اللغة في الحوار الثقافي بين الشعوب

بدأ العالم يكتشف أهمّية ليس لغته الأم، وانّما لغات غيره، وليس فقط اللغات الحضاريّة المهمّة، وانّما اللغات الصغيرة، وهذا ما اشارت إليه اليونيسكو في رسالة تخصّ لغة لا يتكلّمها الا اثنان، وفي الرسالة فكرة رائعة حاولت ان تشير الى اهميتها ودورها. كل لغة هي منجم ذهب، الى اي شعب من شعوب العالم انتمت. باعتبار ان كل لغة هي تجربة انسانية، فيها ما في أيّ تجربة انسانية من غنى وأفكار وأمثال. واشير هنا الى أمرين، الأمر الاول له علاقة بالبيئة والأمر الثاني له علاقة باللغة. والأمران على صلة بالهنود الحمر. الأمر الاول : إمكانية الاستفادة من الهنود الحمر بيئياً من خلال تلك العلاقة الروحية مع الطبيعة، طبعا الزمن لا يسمح لنا بالعيش على طريقة الهنود الحمر، ولكن من العبارات التي لفتت نظري ان الهنود الحمر لا يزرعون حتى لا يجرحون شعور الأرض([27])، لأنّ الزراعة تتطلّب الحراثة أي شقّ التربة، ويستخدمون في حياتهم اليومية ما هو ميّت من الطبيعة النباتية، فلا يخطر ببال احد منهم قطع غصن شجرة أخضر. ويحاول علماء البيئة استلهام روحية حياة الهنود الحمر كخلاص من التلوّث البيئي الذي ينهك اوكسجين العالم. وحكايات  الهنود واقاصيصهم فيها الكثير من الحكمة والنباهة في معالجة وادارة شؤون الحياة، بل وهذا ما انتبه له أيضا حكماء هذا العالم حيث ورد في دراسة عن موت لغة وما يسببه ذلك من خسائر معرفية لا يستهان بها ما يلي : إن اختفاء أي لغة يعني انكماش وتقلص الثورة الفكرية والمعلومات التي يخزنها الإنسان ويعبر عنها عن طريق تلك اللغة. ومن الأمثلة على ذلك الأعشاب الطبية والتي لا يعرفها سوى المطلعين على الثقافات التقليدية، وعندما تختفي لغاتهم وثقافاتهم ستختفي أيضاً المعلومات عن هذه الأعشاب وخصائصها العلاجية([28]).

امّا النقطة الثانية فهي لا تخلو من طرافة، اذ هناتك في المكسيك لغة لا يتحدث بها اليوم الا شخصان، ولكن نشأت خصومة بين هذن الشخصين، فتوقف استخدامها مثمة وساطات حثيثة لاصلاح ذات البين بينهما، لمعاوةدة التحدث بينهما وتسجيلها وحفظها. وهنا لا يمكن نكران الدور الذي تلعبه من هذه الناحية وهو محاولة تسجيل حي للغات امهددة بالانقراص لحفظها صوتيا باعتبارها كنز معرفي.


4-              الاستشراق والاستغراب: المعطيات والضرورات

لا أحد ينكر الدور الإيجابيّ الذي قام به الاستشراق من خلال إلقائه الضوء على كثير من جوانب تراثنا، ولن أسلّط الضوء على النواحي السلبيّة، وهي، في نظري، قليلة مقارنة بالإيجابيّات، والحسنات يذهبنا السيئات! يكفي أن نشير الى تحقيق مئات الكتب من تراثنا العربيّ تحقيقاً شديد الدقّة العلمية والإتقان، وأظنّ اننا تعلّمنا منهم كيف نعيد طباعة التراث طبعا محققاً من خلال علم المخطوطات. لقد غيّر الاستشراق نظرتنا إلى تراثنا، ولفت نظرنا إلى أمور لم نكن نعلم بأهميّتها أو لم نحسن التعامل معها. وهنا اكتفي بالكلام على نقطتين من تراثنا، هما: شهرزاد، ولياليها في كتاب الف ليلة وليلة، وكتاب رسالة الغفران للمعرّي، ثم أعكف من بعد إلى ضرورة انشاء أقسام في جامعاتنا الوطنية تحت عنوان " علم الاستغراب". ظلّ كتاب " الف ليلة وليلة" وهو " كنز الحكمة" بحسب تعبير باسكال بونكور([29]) كتاباً منبوذا عربيّا، يعامل معاملة الجواري. في العربية تقسيم طبقيّ حاد على الصعيد اللغويّ، هناك لغة البلاط والطبقة العالية او الخاصّة وخاصّ الخاصّ([30])، ويمكن أن امثلها بكتاب " مقامات الحريريّ"  الذي كان له رواج عظيم، وما يدلّ على رواجه هو كثرة المخطوطات التي تتضمّن المنمنمات، فالمننمات لم تكن تدخل إلى أيّ كتاب([31])، الاّ اذا كان ذا شأن من منظور حماة اللغة وسدنتها، ككتاب كليلة ودمنة مثلا. من يتأمّل كتاب " المقامات"  الحريريّة ويتتبّع شروحاته الكثيرة، يعرف أنه كتاب لا تسهل قراءته، يحتاج القارىء لمعرفة التجوّل فيه الى دليل من الأدلاّء يساعدونه في التقاط معنى الكثير من الكلمات والاقتباسات التي عمد الحريري الى إدراجها في مقاماته وهي مفردات واقتباسات بعضها منقبة لا ترى وجه معناها الاّ عبر شارح. اما الف ليلة وليلة فهي حكايات بلغة بسيطة متقشفة لا تخلو من أخطاء لغوية([32]). وكان العربيّ ينظر إليها نظرة امتهان، بل إنّ البعض لا يزال ينظر اليها نظرة فوقيّة مقارنة لها مع نصوص كانت العناية بلغتها عناية فائقة، لغة لا تخلو من عمليات تجميل كثيرة كتلك التي نراها في ايامنا هذه مع البوتوكس والسيليكون. لغة قد تكون جميلة ولكنها لغة يبدو عليها التصنّع والتصنيع، بحسب النظرية التي ذهب اليها  الناقد الحصيف شوقي ضيف([33]).

من الذي انقذ شهرزاد من الإهمال والأثمال؟  أليس هو الاستشراق، الذي أعاد اليها الاعتبار والنضارة، بعد ان اكتشف خصوبتها الخيالية، ومهارتها في السرد، لقد كان الاستشراق يقوم بدور شهرزاد نفسه الذي قامت به لإنقاذ نفسها من طيش شهريار وبطشه. ولكن شهرزاد حين أنقذت نفسها بالحكايات أنقذت، في الوقت نفسه، بنات جنسها، ولكنها أنقذت، أيضاً، شهريار وأعادته الى جادّة الصواب والرشد. يمكن القول إنّ الاستشراق أنقد شهرزاد حين ترجمها أوّل ما ترجمها الى اللغة الفرنسيّة، أنقذ شهرزاد وأنقد شهريار وأنقذ كتاب الف ليلة وليلة. كتب كثيرة لا تستعيد عافيتها الاّ بالترجمة أو الهجرة، وتاريخ الترجمة لا يخلو من طرائف كثيرة. سواء بالترجمة او باللجوء الى حروف لغة أخرى كما هو حال مصير بعض الكتب العربية التي كتبت بالحرف اللاتينيّ في الأندلس أيّام محنة محاكم التفتيش لإنقاذها وإنقاذ اصحابها من التلف والعقاب.

ولكن ما قام به الاستشراق هو، أيضاً، إنقاذنا من نظرتنا إلى ألف ليلة وليلة تلك النظرة التي كانت لا تخلو من الاحتقار للركاكة اللغوية التي تغزو فم شهرزاد، والحكايات النابية التي كانت تتفوّه بها أمام شهريار. لقد أعاد الاستشراق الاعتبار إلى ألف ليلة وليلة ، فأعدنا الاعتبار إليها، وعاملناها معاملة جديدة فيها الكثير من المحبّة والتقدير، ومن الدالّ أن تكون أول رسالة علمية قامت بها امرأة في العالم العربيّ لنيل شهادة الدكتوراه هي الرسالة التي أشرف عليها طه حسين واعدّتها سهير القلماويّ. ومع عودة الاعتبار الى شهرزاد فانها لا تزال بكل الرموز التي يمكن ان نشتفّها في خطر، فلقد قامت منذ عدّة سنوات محاكمة حوكمت بها شهرزاد في مصر. مجموعة من المحامين الذين يناصبون شهرزاد العداء طالبوا بمحاكمتها وقصّ لسانها ومنعها من نشر الغواية والدعارة في المطبوعات المصرية. طالبوا بتمزيق صفحات «ألف ليلة وليلة». هل يعرف الانسان العربي ان أشهر امرأة «عربية» في العالم هي شهرزاد، وأن «ألف ليلة وليلة» رصيد عربي لا يشاركها فيه أي كتاب آخر؟ كنت أقرأ عن تجوال «ألف ليلة وليلة» في العالم، فاكتشفت أنه أشهر كتاب عربي خارج الجغرافية العربية والاسلاميّة وليس القرآن الكريم، أي ان الناس غير المسلمين الذين سمعوا بـ«ألف ليلة وليلة» هم أكثر بكثير ممّن سمعوا بالقرآن الكريم. فاجأتني هذه المعلومة إذ كنت أظن مثل كثيرين ان القرآن الكريم هو الكتاب العربي الأكثر شهرة وليس كتاب «ألف ليلة وليلة».

وما حدث مع كتاب الف  ليلة وليلة حدث مع أبي العلاء المعرّي، الذي جزّ رأس تمثاله في سوريا على يد الحركات المتطرفة، فالمعرّي، في نظر أغلب الناس، شاعر، ونادرا ما سلطت الاضواء على نثره، الى ان جاء احد المستشرقين وهو أثين بالاسيوس وقال ان ثمة صلة بين "رسالة الغفران" وبين كتاب الكوميديا الإلهية التي كتبها دانتي أليغييري ، هنا كانت كلمة المستشرق ضوءا اخضر للذهاب الى نثر المعري والاهتمام برسالته وكشف غناها ومداليلها، فهي" لزوم ما لا يلزم"، اذا شئنا، النثرية، تحمل الكثير من الافكار التي وضعها في لزومياته ضمن إطار متخيّل تدور أحداثها في العالم الآخر.

ماذا اريد أن أقول؟

ان الاستشراق اضاء لنا اجزاء كثيرة من تراثنا وكان له فضيلة لفت نظرنا اليها. أحيانا يكون الشيء في متناول عين المرء وسمعه، ولكن لا يراه ولا يسمعه، إلاّ اذا جاء غريب وأبان دهشته، هنا نكتشف أنّ ما في حوزتنا يستحقّ التبجيل. وهذا ما يشير إليه المثل بطرف خفيّ: زامر الحيّ لا يطرب.

بالنسبة لعلم الاستغراب، أظنّ أنه من الضروري فتح اقسام في جامعاتنا الوطنيّة بغية معرفة أمرين: تكوين صورة عن صورة الآخر عن نفسه، وتكوين صورة، أيضاً، عن طريقته في النظر إلينا، وذلك من باب بناء جسور فعلية بين الأنا والآخر([34]). لا أحد ينكر، فيما أظنّ، أنّ الصورة التي يرسمها كلّ طرف عن الطرف الآخر لا تزال محكومة بنزاعات موروثة، وصراعات مستجدّة[35]، تتداخل فيها عوامل كثيرة: اقتصادية، دينية، جغرافية.  كان قد اشار حسن حنفي، الى اهمية ولادة علم الاستغراب وهو واجب ضروريّ، ولكن هنا احب توسعة مفهوم الاستغراب، للدلالة على دراسة الآخر، كل الآخرين، فليس هناك غريب بسمنة وغريب بعسل كما يقال. ماذا نعرف، اليوم، عن الآخر؟ وعن أيّ أخر نتكلّم حين نتكلّم؟ اننا عادة ما نتكلّم على العالم الغربيّ، أوروبا والولايات المتحدة الأميركيّة. ولكن لا الولايات المتحدة الأميركية هي الآخر، ولا أوروبا هي الآخر. علم الاستغراب المطلوب عليه أن يكون علما منفتحاً على الآخر، ما هي الكتب المكتوبة بلغتنا وبأقلام كتّابنا عن كندا او البرازيل او الارجنتين او المكسيك او كوبا، او روسيا، او نيكاراغو او عن الصين أو عن اليابان، ان احد اهم كتب اليابان لم يترجم الاّ مؤخرا الى العربيّة الكوجيكو([36] ) رغم ما يمثله لليابانيين من قيم روحية وميتولوجيّة. سأروي حادثة طريفة حصلت معي، وهي حادثة تكرّرت في أكثر من مكتبة. بدأت اهتمامي باللغة الصينية والحضارة الصينية منذ عام  2002 تقريباً، وكنت أحبّ ان اتصيّد الكتب العربيّة التي تتناول تاريخ الصين وحضاراتها ولغتها عن الصين في المكتبات ومعارض الكتب. كنت حين ادخل المكتبة وأسأل صاحبها ان كان عنده كتب عن الصين، أتفاجأ من ردّة فعله كما كان هو، بدوره، يتفاجأ بطلبي. ثم يحاول صاحب المكتبة ان يسترجع في ذهنه اسماء الكتب التي تحويها مكتبته عن الصين فلا يجد صدى لكتاب، ثمّ يسألني مستغربا اهتمامي بكتب لا يهتمّ بها أحد عن دولة لا تثير الفضول العلميّ عند العربيّ الحديث كما لم تثر فضول العربيّ القديم على غرار ما أثارته حضارة اليونان وفلاسفتها([37]). لقد نشطت الى حد ما، حديثا، ترجمة الكتب الصينية، ولكن هنا ايضا لا بد من اضاءة وهي ان الكتب الصينية المترجمة لم تترجم من الصينية وانما ترجمت من طريق لغة ثالثة الانكليزية او الفرنسية أو الالمانية، ونادرا ما ترجمت الكتب مباشرة من معين اللغة الصينية. وان كان المتابع اليوم يلحظ ان  بعض الكتب ترجمت الى العربية من الصينية مباشرة بفضل قلّة من المتخصّصين باللغة الصينية. الترجمة هي ضرب من الحوار بين الأمم والشعوب. لدى كلّ امّة كتب تعتزّ بها، وتعتبرها معبرة عن روحها ومكنونها، سواء كانت كتب دين او ادب او تاريخ أو شعر. كيف يمكننا ان نفقه روح شعب ان كانت كتبه التي تمثل روحه ليست في متناول القارىء العربيّ. هل يمكن لشخص ما أن يفقه روح الصين بشكل عميق ان لم يتعامل مع كتاب" الأغاني"([38]) الصينيّ، ولم يدرس الأثر البليغ الذي تركه هذا الكتاب في طريقة تفكير الصينيين. ما قلته عن الصين يمكن ان اقوله عن اليابان او كوريا او الهند؟ لأفترض اني اردت ان اقرأ بلغي العربيّة اهم كتاب في نظر الكوريّ هل تسعفني المكتبات، ولكن اذا ذهبت الى اللغة الفرنسية او الانكليزية او الالمانية فاني حكما سأرى أنّ هذه الكتب متوفّرة بهذه اللغات.

ما اردت تبيانه هو انّ الاستغراب، كلمة ليست واضحة تماماً، لأنّها تشير من حيث الجذر على الأقلّ الى الغرب، ولكن هل يكفي علم الاستغراب بمفرده دون ان يرافقه في بلادنا علم يمنحه مداه الأرحب،  هو علم الاستشراق أيضاً أي دراسة الشرق الكبير والغنيّ والناهض نهضة نأمل أن نرى مثيلا لها في عالمنا العربيّ؟ أو بتزويد هذا العلم ليس معنى الغريب، أي كلّ ما هو ليس أنت؟ وهنا يصير هذا العلم هو " علم الآخر"([39]

لقد ورثنا من اجدادنا عاهة يمكن ان اسميها مزمنة،  ولا بدّ من معالجتها للشفاء منها، وهي عدم الاهتمام بأدب الشعوب وأساطيرها، فلقد وضعنا جانبا في القديم الادب المسرحي اليوناني ، والان نحن نمارس الامر ذاته تقريبا مع آداب وأساطير الشعوب الأخرى.

من المثير للتامّل ان علاقتنا بالصين والهند علاقة قديمة جدّا، ولكن ما الذي نقلناه الى العربية من آداب وأساطير هاذين الشعبين العريقين، احب الاشارة الى اسم كونفوشيوس، فرغم انه الشخصية الابرز بين حكماء الصين لم يصلنا اسمه الى العربية الا عبر شكله اللاتيني بعد ان انفتحنا على الغرب واستوردنا منه اسم كونفوشيوس. لقد بحثت ولا أزال عن ذكر الصين وتقميش المعلومات عنها عساي احظى باسم كونفوشيوس، ان اسمه لا وجود له حتى في كتاب ابن بطوطة التي عاش في الصين سنوات عديدة ونقل الكثير من عاداتها وتقاليدها وان في مبالغة أحيانا، بل وما أثار انتباهي هو تناوله لمسألة أدهشته حين رأى صورته معلّقة في الأسواق. واحب أن الفت النظر اليها، لأنها معلومة، تدل على ذهنية الصيني في التعامل مع الأغراب.

أردت أنْ تكون هذه الطُّرْفة مدخلاً لحكاية أخرى وردت في رحلة ابن بطوطة (وهو من رجالات القرن الثامن الهجري) الذي زار الصين وأقام فيها فترة من الزمن، وترك لنا مشاهداته وانطباعاته في رحلته الشهيرة التي توارى اسمها الفعليّ من الاستعمال وصرنا نكتفي باستخدام عبارة " رحلة ابن بطوطة " للإشارة إلى كتابه، ولا بأس من التذكير بعنوان الرحلة الأساس الذي يوجز فحواها وهو: "تحفة النظّار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار". والكتاب، بالفعل، رحلة مشوّقة لجوّاب آفاق لا تتعب قدماه ( يقال إنّ ابن بطوطة قطع مسافة 120 ألف كلم. على امتداد 28 سنة)، وهي لا تخلو من التحف والغرائب والعجائب. ويستفيد علماء الإناسة والاجتماع ودارسو عادات وسلوك الشعوب والجغرافيّون والمؤرّخون من محتويات حكاياته التي تشبه الوثائق الحيّة النادرة، ولقد ترجمت رحلته الممتعة، لأهميّتها الوثائقيّة، إلى لغات عديدة كالفرنسيّة والإنكليزيّة والصينيّة.

كان ابن بطّوطة يتكلّم على الصناعة في الصين، ونظرته مغايرة تماماً لنظرة العرب الراهنة إلى الصناعة الصينيّة التي ترمز إلى الرخْص وعدم الإتقان. ولكن الصناعة الصينية بدأت، فيما يبدو، تستعيد ما كانت عليه في الماضي القديم أيّام ابن بطوطة الذي اعتبر: "إنّ الصين من أعظم الأمم إحكاماً للصناعات، وأشدّهم إتْقاناً لها، وذلك مشهور من حالهم، قد وصفه الناس في تصانيفهم فأطنبوا فيه". وهذا ما يقوله، أيضاً، صاعد الأندلسيّ صاحب كتاب "طبقات الأمم". جاء كلام ابن بطوطة هذا في بداية حديثه عن فنّ الرسم عند الصينيين. ومن له إلمام بالفنّ الصينيّ يعرف مهارتهم في الرسم وقيمته الروحيّة في طقوس حياتهم اليومية، وثمّة عبارة عربية تقول: " فضيلة العرب في لسانهم وفضيلة الصينيين في يدهم"، فهم حِرفيّون من الطراز الأوّل، ولأصابعهم فصاحة ألسنة العرب وبيانها! يقول ابن بطّوطة:" وأمّا التصوير فلا يجاريهم أحد في إحكامه من الرُّوم ولا من سواهم، فإنّ لهم فيه اقتداراً عظيماً". ولكن التصوير لم يكن لمجرّد الرسم بل كان له مآرب أخرى، كعصا موسى، أَمنيّة وتوثيقيّة وعمليّة. وقديماً قال المثل الصيني:" الصورة تساوي عشرة آلاف كلمة"، فالصورة إيجاز والكلمة إطناب. يروي ابن بطوطة حكايته مع الصورة في الصين فيقول: "ومن عجيب ما شاهدت لهم من ذلك، أني ما دخلت قطّ مدينة من مدنهم ثم عدت إليها، إلاّ ورأيت صورتي وصور أصحابي منقوشةً في الحيطان والكواغِد- أي الورق- موضوعة في الأسواق. ولقد دخلت إلى مدينة السلطان فمررت على سوق النقّاشين ووصلت إلى قصر السلطان مع أصحابي ونحن على زيّ العراقيين، فلمّا عدت من القصر عشيّا مررت بالسوق المذكورة، فرأيت صورتي وصور أصحابي منقوشةً في كاغِدٍ قد ألصقوه بالحائط، فجعل كلّ واحد منا ينظر إلى صورة صاحبه لا تخطىء شيئاً من شبهه. وذُكر لي أنّ السلطان أمرهم بذلك وأنّهم أتَوْا إلى قصره ونحن به، فجعلوا ينظرون الينا ويصوّرون صورنا، ونحن لا نشعر بذلك. وتلك عادتهم في تصوير كلّ من مرّ بهم. وتنتهي حالهم في ذلك إنّ الغريب إذا فعل ما يوجب فراره عنهم، بعثت صورته إلى البلاد وبُحِث عنه، فحيثما وجد شبه تلك الصورة أُخذ".

ولعلّ ما يقوله الرحّالة ابن بطوطة يؤكّد مقولة كنت قد قرأتها عن التجسّس الصينيّ ومفادها: "إنّ الصينيّ يتجسّس كما يتنفّس". والتجسّس، في أيّ حال، ضرورة أمنية ووسيلة دفاعية، والدولة التي لا تعير جهاز تجسّسها الرعاية الكافية لا بدّ من الشكّ في حُكْمها وحكمتها معاً! ولا أعتقد أنّ أحداً يشكّ في حكمة بلد نسبت، منذ القدم، إلى أهله الحكمة المشرقيّة الثاقبة.

ولكن ثمّة نقْطة لم يتناولْها ابن بطوطة في حديثه عن الصورة إذ لم يذكر لنا هل اشترى هو وأصحابه صورهم أم أبوا ذلك تجنّباً لإثم قد يلطّخ أياديهم المؤمنة باعتبار أنّ التصوير محرّم في الإسلام بحسب ما يذهب اليه بعض الفقهاء العرب من المسلمين؟

ومن الطريف، في أيّ حال، البحث عن صورة وجه الرحّالة ابن بطوطة، ( ثمّة روايات عديدة تكون حبكتها الأساسية البحث عن مخطوطة!) في أسواق الصين ومتاحفها أو في سجلاتها التاريخيّة التي كانت تقيّد كلّ شاردة وواردة داخل أراضيها الشاسعة، فقد يتمّ العثور عليه- والدنيا لا تخلو من المصادفات والأعاجيب- وتكون بذلك أوّل وأقدم صورة "منقوشة في الكاغِد" لرجل عربيّ، فاتن السيرة، تصل إلينا من وراء أسوار الصين وتكون- إذا استعرنا مقطعاً من عنوان كتابه- " تحْفة النظّار"، نتعرّف من خلالها على ملامح وجهه الحقيقيّة بدل الاكتفاء بتأمّل ملامحه المتخيّلة.

وحين الكلام عن الاستغراب من المفيد جدّا الاشارة الى كتاب البيروني" تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة"، وهو كتاب بديع عن الهند من الداخل بشتّى وجوهها، ومن المفيد جدّاً أن يدرس هذا الكتاب وتستخرج منه قواعد لا تخلو من رحابة عن كيفيّة النظر الى الآخر، ودراسته من دون خلفيّة مسبقة تنمّط النظر إلى ما نراه وتحنّط المعنى الثاوي في السلوك.

5-                من حرب اللغات الى تكاملها في التجربة الانسانية

اللغات تخوض الحروب كما شعوبها، ولكن تختلف طبيعة المعارك. ومن يراقب المصطلحات المتناولة يجد هناك تعبيرين " حوار الضارات" و " صدام الحضارات" ، يمكن النظر الى ذلك من الباب اللغوي، فهناك " حوار لغات" كما هناك " صراع لغات"، واذا كانت اغلب الحروب اسبابها العميقة اقتصادية يمكن ان نجد ايضا ان الحروب اللغوية هي، بشكل من الاشكال، حروب اقتصادية تدرّ ملايين الدولارات الى تجّار الحروب اللغويّة. ومن يتأمّل نظرة الشعوب الى لغاتها يمكنها ان يلفط طرف خيط الصراعات، واذا ما تناول الخيط يمكن ان يغير من طبيعة العلاقة، ينقلها من قلب المعركة ليضعها على طاولة الحوار. هناك مسألة مهمّة أجد انه من الجيّد ان نلقي عليها بعض الاضواء، وهي نظرة ابن حزم، شعوب كثيرة تقدّس لغتها، لم يكن ابن حزم من هؤلاء، كان ظاهرياً، وظاهريته حرّرت نظرته الى اللغة والى اشياء كثيرة، وهذا ما احبّ ان اتناوله في هذه النقطة، لاستثمار ما يمكن ان يستثمر منها على صعد عدّة، ومنها ما يخصّ صعيد النظر بموضوعيّة ورحابة إلى اللغات.

ابن حزم، فقيه الأندلس الظاهريّ الأكبر، معروف بآرائه الجريئة، وعدم التفاته إلى ردود الأفعال التي يغيظها الاختلاف بقدر ما يغيظها العقل، والتفكير العلميّ، والتي لا تطيق الاعتقاد بطبيعة الشيء المتعدّدة، ولا تؤمن بمحدوديّة النظرة الواحدة ولو كانت نظرة نسر. ومن آرائه الكثيرة رأي لغويّ نادر عرضه مفصّلاً في كتابه الضخم "الإحْكام في أصول الأحْكام"([40]) الذي يعتبر من أهمّ ما ألّف في “أصول الفقه”. والقضيّة التي يتناولها يغاير بها كثيراً من رجالات اللغة العربيّة الذين عشقوها إلى حدّ ذهابهم إلى اعتبارها اللغة الأولى، والأكمل، والأنقى، والأعجب، والأغرب، والأفصح، وطبعاً، الأفضل ( وما أكثر صيغ “أفعل التفضيل” التي ألصقت بالعربية!). وابن حزم ينكر ذلك أشدّ الإنكار، ولا يرى أيّ فرق بين اللغة العربيّة وغيرها من اللغات. في أيّ حال، كثيرة هي الشعوب التي اعتبرت أنّ لغتها هي اللغة البكر، اللغة الأصل، لغة آدم وحواء. وللباحث الفرنسيّ موريس أولندرMaurice Olender   كتاب رصين وشيّق جداً بعنوان:" لغات الجنّة"([41]) ، “Les langues du Paradis”، وصيغة الجمع في العنوان تعود إلى تعدّد الشعوب التي نسبت لغتها إلى الفردوس قبل سقطة أبينا آدم الذي أغرته بالمعصية “شجرة الخُلْد” (طه:120). ولم يكن العرب هم وحدهم من ذهب إلى الاستئثار بلغة أهل الجنّة، واعتبار أنّ التعدّد اللغويّ وليد الرغبات الأرضيّة الآثمة التي تجلّت في مشروع بناء برج بابل للصعود إلى عرش السماء بحسب الرواية التوراتيّة. في الفصل الحادي عَشَرَ من "سفر التكوين"([42]).

اعتبر فقيه الأندلس ابن حزم أنّ الحجج التي يعرضها أصحاب أفضليّة العربية على غيرها من اللغات واهية واهنة ليس لها أيّ أساس وطيد من الصحّة أو المستند القرآنيّ. لا يرى ابن حزم أنّ العربيّة أفضل اللغات، بل هي لا تختلف، سلباً أو إيجاباً، عن أيّ لغة من اللغات الغابرة أو الحاضرة في وقته. ويعتمد في تفصيل رأيه على جملة من الآيات القرآنيّة، وهو يقول رأيه هذا لأنّ اعتبار العربيّة أفضل اللغات نوعٌ من الهرطقة الفكريّة التي قد تؤدّي، من وجهة نظره، إلى ما لا تحمد عقباه. يرى ابن حزم أنّ كلّ لغة هي آية من آيات ربّ العالمين، وهذا بيّن في قوله تعالى: ” ومن آياتِه خلقُ السماواتِ والأرضِ واختلافُ ألسنتِكم وألوانِكم”( الروم:22). فكلّ لغة هي، بحسب قول ربّ العالمين في القرآن، من الآيات البيّنات. ومن هنا فإنّ شأن العربية هو شأن أيّ لغة أخرى، إنّ تفضيل لغة على أخرى كتفضيل جنس على آخر، أو لون على آخر، أو اعتبار أنّ دم بعض اللغات أحمر ودم بعضها الآخر أزرق! وهذا ظلم كبير لحكمة الجغرافيا وتعاليم المناخ وحنكة الأقاليم. إنّ نزول القرآن باللغة العربيّة لا يجعل منها، بحسب رأْي ابنِ حزم، لغةً أفضلَ من غيرِها، وهو يعتمد في تفصيل كلامه هذا، على نصوص قرآنيّة. فالله، سبحانه وتعالى، لم ينزل كتاباً واحداً، ولم يستعمل لغة واحدة في كتبه السماويّة، فكلّ رسول يحمل معه كتاباً بلسان قومه، “وما أرسلنا من رسولٍ إلاّ بلسان قومِه ليبيّنَ لهم”( إبراهيم:4)، وذلك حتى لا تنهار فكرة التواصل من أساسها وتبطل وظيفتها البراغماتيّة أو التداوليّة. وعدد اللغات التي حملت رسالاتٍ سماويّة لا يعلم عددها إلاّ الله، لأنّه لا يعلم عدد الرسل الذين أرسلهم الله سبحانه وتعالى إلاّ هو، وهذا ما يؤكّده ظاهر الآية التالية: “ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك منهم من قَصَصْنا عليك ومنهم من لم نَقْصُصْ عليك”(غافر: 78). نصّ الآية، هنا، واضح وصريح بأنّ الله لم يأت إلاّ على ذكر ثلّة من الأنبياء، في حين بقيت سير ورسائل أنبياء آخرين طيّ الكتمان لحكمة مضمرة لا يعلمها إلاّ الله سبحانه وتعالى. وعدد رسالات الله بعدد الأمم كما ورد في الآية الكريمة: ” وإنْ من أمّة إلاّ خلا فيها نذير”(فاطر:24).

وهنا يأتي ابن حزم إلى فكرة الإعجاز اللغويّ لكلّ الرسالات الإلهيّة، ويقول إنّ النصوص السماويّة كلّها معجز، لأنّ كلام الله كلّه معجز بأيّ لسان نزل إذ لا يمكن لمؤمن عاقل أن يتصوّر أن كلام الله في القرآن معجز في حين أن كلامه في كتبه الأخرى لا يرقى إلى علياء الإعجاز البيانيّ، لأنّ، في هذا القول، شكّاً عظيماً، والعياذ بالله، بقدرة الخالق على البيان المعجز بلغات أخرى غير اللغة العربية. ويقول ابن حزم بالحرف الواحد:” وقد قال قوم: العربية أفضل اللغات لأنّه بها كلام الله تعالى”. ويعلّق ابن حزم قائلاً: “وهذا لا معنى له”.

وأمر تساوي اللغات مسألة حديثة العهد نسبياً، لم يتمّ التأكيد عليها إلاّ مع ولادة علم اللغة الحديث الذي رفض فكرة التفاضل بين اللغات رفضاً تامّاً، ويعتبر علم اللغة الحديث أنّ أمر تفاضل اللغات ليس أكثر من جهل بوظيفة اللغة، ودورها في عمليّة التواصل، ولا يمكن لهذا الأمر إلاّ أن يكون عنصريّ المصدر سقيم المنبت. وينظر ابن حزم، في الأخير، نظرة علمية وموضوعية راقية نغبِطه عليها حيث يقول: ” وحروف الهجاء واحدة لا تفاضل بينها ولا قبح، فبطلت هذه الدعاوى الزائغة الهجينة”، ويقصد دعاوى التفاضل الزائغة التي لا تتمتّع بالنظر العلميّ والدينيّ الثاقب، والهجينة المطعون في شجرة نسبها.

هل أراد ابن حزم القول: أنْ أحبّ لغتي شيء، وأنْ أعتبرها أفضل اللغات شيء آخر؟

الا يعتبر ما قاله ابن حزم مدخل نبيل الى عالم الحوار الرحب، بدلا من التصادم والنظر بعنجهيّة الى لغات الآخرين؟


6-                 الحوار بين الثقافات ودور اللغة في تفعيله.

هل يمكن أن تتحاور الثقافات عن غير طريق اللغة؟  أحبّ التوقف عند كلمة " حوار" العربيّة، من منظورين، المنظور الأوّل هو عينا الشاعر الأندلسيّ ابن زيدون الذي لقط برهافة شعرية تلك العلاقة القائمة بين الحوار وليس الفم، منبع الكلام، وانما العيون، ولا احد يجهل لغة العيون وقولها المكنون، ان الربط الذي قام به ابن زيدون ليس ربطا من عنده، وانما حاول فقط ان يرفع الغطاء عن ذلك الرابط الخفيّ بين اللغة والعين، حين قال: "إنّ الحوار لمأخوذ من الحور"، وربّ لحظ انمّ من لفظ أو إشارة أبلغ من عبارة. والمنظور الثاني هو ما تتضمنه كلمة حوار نفسها، التحاور يتمّ عبر اشياء كثيرة، كلّ الادوات الثقافية هي وسائل حوار، ولكن الكلام هو من يجعل هذه اتلوسائل رسائل.

وأظنّ ان اهم وسائل الحوار هي الترجمة، الترجمة ، كما قال احد الكتاب الصينيين، هي اشبه بالسفر أو الهجرة .الانتقال من لسان الى لسان كالانتقال من مكان إلى مكان. وفي العربيّة صلة خفيذة بين الرحلة والكتاب من خلال جذر " س ف ر" الذي ينبثق من رحمه السَفَر والسَفْر. وهي دلالة شديدة البهاء والدهاء.

لا أحد ينكر دور الترجمة، وما تملكه من مقدرة على تقريب الأفكار والأنظار.

لا نكران في أنّ المؤسسات التي تنهض بعبء الترجمة بل برسالة الترجمة، اليوم، بدأت تنشط بشكل ملحوظ، ولكن في الوقت نفسه، لا تزال تحتاج الى وضع استراتيجية شاملة، وهنا أستشهد بمقال كتبته عن الترجمة، تحت عنوان " ترجموا قبل ان ترجموا" ، ولم اقصد من العنوان مجرد اللعب بالكلام، وانما اردت ، فعلا، ان اظهر ضرورة الترجمة، والحاحها، فالمعايير الحضارية كثيرة، احد بنودها كمّ الترجمة ونوعها.

ولا يمكن للحوار ان يتم بغير تفعيل الترجمة ووضع استراتيجيات لها تعلن عن الغايات المرجوّة منها، وتقليص الكثير من المزاجيّة في عملية اختيار ما يترجم وما لا يترجم.

ولا ريب في انّ أهمّ من أن يمتلك الإنسان النظر هو أن يمتلك بعداً في النظر، فقد يمتلك الكفيف بعداً في النظر لا يتوفّر للمنعّمين بأبصارهم. هذا حال عميد الأدب العربي طه حسين الذي اعتبر أنّ "إهمالنا الشنيع للترجمة تقصيرٌ مخْزٍ". ونظرة العميد الراحل كانت ثاقبة ونفّاذة، فالترجمة اليوم ضرورة عربية وحاجة وطنية ومسألة قومية. كما أنّها واحدة من أنجع الوسائل في تغيير الأحوال الباهتة والأوضاع الفاجعة، لذا لا بدّ من إدراج الترجمة في لبّ القضايا العربيّة الكبرى. إنّ العاقل هو الذي يدرس ويسبر سرّ نجاحات الأمم ونهوضها للقبض على آليات الخروج من ورطاته وسقطاته. وليس عبثاً أن ينكبّ ابن جامع الأزهر الشيخ المعمّم المستنير رفاعة رافع الطهطاوي على الترجمة، كما لم يكن من قبيل الافتتان الأجوف بالغرب تأسيسه لمدرسة الألسن عام 1831 بقدر ما كان إحساسه بأنّ الترجمة هي المفتاح السحريّ للخروج من متاهة التردّي الحضاريّ التي كان يعيش العالم العربي في أنفاقها القاتلة.

 كنت قد قرأت نصّاً عن الترجمة في اليابان، تلك الدولة التي تدهش كبيرنا وصغيرنا، وتدهش أبناء الشرق والغرب على السواء، مفاد الخبر انها كانت تشتغل في بداية نهضتها، ولا تزال، على الترجمة بهوى يلامس الهوس، إذ تترجم ما لا يقل عن 30 مليون صفحة سنوياً كما انها اعتمدت في نموّها الصناعيّ والتجاريّ على المتابعة الدقيقة والسريعة بل والفورية أحياناً لما يتمّ خارج حدودها من تطور علميّ وتقني، فهي كانت ترصد الكتّاب المهمين وتتفق معهم على ترجمة كتبهم حتى قبل صدورها بلغتهم الأم، فيتزامن نشرها بلغتها الأمّ واللغة اليابانية توفيراً للوقت وإراحةً للقارىء اليابانيّ من وطأة الانتظار. وكانت على الصعيد الدبلوماسيّ لا ترضى، أغلب الأحيان، بإرسال سفير لها إلى دولة لا يتقن لغة أهلها، ألا يكون سفير في دولة ما لا يحسن لغتها " متل الأطرش بالزفّة" على ما يقول المثل في بعض المواقف؟ وقد تجري المياه من تحت قدمي الدبلوماسيّ وهو لا يحسّ. يروي الكاتب الراحل أحمد بهاء الدين أن اليابان أرادت ذات مرة تعيين سفير لها في الكويت إلاّ أنها طلبت منه أن يترجم قبل استلام منصبه "مقدّمة ابن خلدون" إلى اللغة اليابانيّة. قد يقول قائل: وما علاقة الترجمة بنيل رتبة سفير، وقد يردّ القائل المستغرب الأمر الى طبائع الجنس الأصفر الغريبة، إلاّ أنّ تصرّف الحكومة اليابانية لم يكن أخرق أو مزاجيّاً بل إنّها أرادت أن تصطاد بحجر واحد أكبر قدر من العصافير. فهي عن طريق ترجمة هذا الكتاب تحديداً تزوّد سفيرها بخبرة لغويّة وزاد ثقافيّ ومعرفة اجتماعيّة ( مستمدة ممن عجن المجتمع العربي وخبزه) تسمح له بالتواصل المباشر مع المكان والسكّان ممّا يجعله قادراً على استثمار وجوده في البلد استثماراً عظيماً بحكم قدرته على فكّ شيفرة روح تلك الدولة عبر أسرار لسانها، فاليابان تعرف أن من يفصل اللغة عن الثقافة كمن يفصل الروح عن الجسد دون أن يلحظ أنّ الجسد لم يعد جسداً نابضاً وإنّما أصبح جثماناً. وأظنّ أنّ الاطلاع على تقنية اليابان المبتكرة في الترجمة توفّر على الأمّة العربية الكثير من الهدر في الوقت والحبر، فمن يتابع الأعمال المترجمة إلى العربية يجد أنّ  جزءاً لا بأس به من الأعمال المترجمة "بازاريّ" الملامح والتراكيب، وعشوائيّ الأهداف، وفوضويّ المصطلحات لانعدام التنسيق بين الهيئات المشرفة على الترجمة فتجد أحياناً للمصطلح الواحد في اللغة الأجنبية أكثر من عشرة مصطلحات عربيّة فيمتلكك إحساس سكّان مدينة بابل بعد اللعنة اللسانيّة.

وإذا انتقلنا إلى إسرائيل، عدوّة العرب الأشرس وقاصمة ظهرهم الجغرافيّ وغير الجغرافيّ، وعقدنا مقارنة سريعة بالأرقام بين ما تخرجه مطابعها من ترجمات وما تصدره مطابعنا لأصابتنا الأرقام بالأسقام. فإنتاج البلدان العربية مجتمعة لا يبلغ أكثر من نصف ما تترجمه إسرائيل، وهذا مؤشر كارثيّ نمّام خصوصاً حين نأخذ بالحسبان الفارق العدديّ بين إسرائيل والشعب العربيّ الهادر! إنّ الترجمة مسألة حياة أو موت للغات لأنّها بمثابة ضخّ دم جديد في شرايين اللغات، وتنشيط تراكيبها الخاملة. إنّ الانهار التي لا تعرف كيف تحتضن روافدها قد تجفّ قبل الوصول إلى مصباّتها. واللغات أنهار وآبار وغيوم. أشير هنا إشارة عابرة الى ولع العرب بوضع عناوين مائيّة لمعاجمهم من "منهل" و"مورد" و"سبيل" و"قاموس" و"محيط".

ورد في "تقرير التنمية العربية" الذي أصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أنّ  لكل مليون مواطن عربي كتاباً واحداً مترجماً في حين أنّ لكلّ مليون مواطن أسبانيّ 920 كتاباً مترجماً، الفارق في الكمّ مجلبة - كما يرى القارىء - للغمّ. ولكلّ مليون مواطن في النمسا 519 كتاباً. والعالم العربي مجتمعا لا يترجم إلا ما يعادل خمس ما تترجمه اليونان علماً أنّ عدد سكان اليونان لا يتعدّى الـ11 مليون نسمة.  وجاء في كتاب " الخطّة القومية للترجمة" الذي نشرته"المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم" ان مجموع ما ترجم في الوطن العربي منذ الخليفة المأمون وحتى يومنا هذا يصل إلى 10 آلاف عنوان، أي ان هذا العدد يساوي ما ترجمته إسرائيل في اقل من 25 سنة أو ما ترجمته البرازيل في أربع سنوات أو ما ترجمته أسبانيا في سنة واحدة، قد لا تكون الأرقام المذكورة في دقّة الساعات السويسرية إلا إنها تعطي فكرة واضحة على أن الترجمة في العالم العربي لم تدخلْ بعد في حيّز الضرورة رغم أن لا قيامة لنا كاملة وواعية إلاّ من طريق استغلال ثمرات الترجمة الجنيّة.

إنّ المأمون الحاكم العبّاسي الحكيم لم يختر عن نزوة عنواناً دافئاً لدار الترجمة الذي أسّسه وهو " بيت الحكمة"، التسمية شديدة الدلالة على الدور الحكيم الذي تنهض به الترجمة.

فهل من الحكمة أن لا نترجم؟ وهل من الحكمة أن نترك "بيت الحكمة" مخلّع الأبواب؟ في القرن الحادي والعشرين نحتاج إلى أكثر من مأمون واحد حتّى لا نبقى " كمّاً مهملاً" على هامش الأمم، وعالّة على أمجاد الأجداد.

خلاصة:

إنّ الاهتمام بأيّ أمة من الأمم لا بدّ من أن يأخذ بعين الاعتبار الاهتمام بالجانب اللغويّ لهذه الأمّة، ليس فقط من طريق الاهتمام باللغة الأمّ، وهو يفترض به أن يأتي في طليعة الأولويّات، وانما ايضاً من جانب لغات أخرى، عبر تفعيل الاهتمام باللغات الأخرى وفتح قنوات اتصال معها، ونقل ما فيها من ذخائر معرفيّة، فلا تخلو أمّة ممّا ينفع الناس. ومن المهمّ أيضاً ان نتولّى صيانة انفسنا من امرين يشكلان خطرا على الراهن ويمنعان الاقلاع نحو الغد، ويمكن ايجاز هذين الأمرين بكلمة  واحدة وهي "الانبهار"، الانبهار بالغرب يعمي الأبصار، والأنبهار بالتراث أيضاً يعمي الأبصار. وعلى الحاضر أن يحسن لعبة التوازن بين الأمرين، وهنا تحضرني كلمة كانت أحد شعارات بدايات النهضة اليابانيّة أختم بها كلامي، وهي كلمة تخلّصت من واو العطف الواقعة بين الأصالة والحداثة، واستعملت بدلاً من ذلك الشعار شعاراً آخرَ لا يخلو من نباهة "الحداثة في سبيل الأصالة"، وهكذا يتضّح السبيل وتوضع مداميك الأهداف.


د. بلال عبد الهادي



مسرد المصادر والمراجع


1.     ابن جنّي، الخصائص، ت: محمّد علي النجار، دار الهدى للطباعة والنشر،(د.ت)

2.     ابن حزم، الإحكام في أصول الأحكام، ت:محمود حامد عثمان، دار الحديث، القاهرة، 1998.

3.     ابن فارس، الصاحبي في فقه اللغة،

4.     أبو أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد بن إسماعيل العسكري،المصون في الأدب، تح: عبد السلام هارون، مطبعة حكومة الكويت، 1984.

5.     ادوارد تي هول، اللغة الصامتة ، تر: لميس فؤاد اليحيى، الأهليّة للنشر والتوزيع، عمّان، 2007

6.     ادوارد دي بونو، الصراعات، تر:فاطمة السنوسي، منشورات المجمع الثقافي، أبو ظبي،1997.

7.     أندرو نيوبيرغ ومارك روبرت والدمان، الكلمات وتأثيرها على العقل، تر: رفيف غدار، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت،2012

8.     البيروني، تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة ،

9.     الثعالبي، خاصّ الخاصّ، شرح: د. مظامون بن محيي الدين الجنان،دار الكتب العلميّة، بيروت،1994.

10.                        جون جوزيف، اللغة والهوية، تر: د. عبد النور خرافي، عالم المعرفة، عدد 342، الكويت، 2007,

11.                        د. أحمد بن محمد الضُبيب، اللغة العربيّة في عصر العولمة، مكتبة العبيكان، الرياض، 2001.

12.                        د. شعبان عبد العزيز خليفة، العلاج بالقراءة أو الببليوثيرابيا، الدار المصرية اللبنانية، بيروت، 2000.

13.                        د. عبد السلام المسدّي، التفكير اللساني في الحضارة العربية، الدار العربية للكتاب، تونس،1986.

14.                        د. كريم زكي، اللغة والثقافة، دراسة انثرولغوية لألفاظ وعلاقات القرابة في الثقافة العربية، الهيئة المصرية العامّة للكتاب، القاهرة، 2010.

15.                        ديوان ابن الرومي، شرح قدري مايو، دار صادر، 1998.

16.                        رسالة الغفران، أبو العلاء المعرّي، ت: عائشة عبد الرحمن، دار المعارف، القاهرة ( د.ت.)

17.                        سهير القلماوي، ألف ليلة وليلة، دار المعارف، القاهرة، 1966.

18.                        شوقي ضيف، الفنّ ومذاهبه في النثر العربي، دار المعارف، القاهرة. د. ت.

19.                        عبد الفتّاح كيليطو، ابو العلاء المعري او متاهات القول، دار توبقال، الرباط، 2000.

20.                        عبد الفتاح كيليطو، المقامات، السرد والأنساق الثقافية، تر: عبد الكبير الشرقاوي، دار توبقال، 1993.

21.                        لويس جان كالفيه، حرب اللغات والسياسات اللغوية، تر: د. حسن حمزة، المنظمة العربية للترجمة، توزيع مركز دراسات الوحدة العربيّة، بيروت، 2008.

22.                        ماريو باي، أسس علم اللغة، تر: أحمد مختار عمر، عالم الكتب،القاهرة، 1998.

23.                       محمد بن القاسم الأنباري، كتاب الأضداد، تح: محمد أبو الفضل إبراهيم، مطبعة حكومة الكويت، طبعة ثانية مصوّرة، 1986

24.                        محمد عضيمة، كوجيكي، الكتاب الياباني المقدّس، دار التكوين، دمشق،2004.

25.                       المقدسي ، أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، تح: إبراهيم خوري، دار المشرق، بيروت، 1993.

26.                       موريس أولندر، لغات الفردوس، تر: جورج سليمان، المنظمة العربية للترجمة، توزيع مركز دراسات الوحدة العربيّة، بيروت،2007.

27.                        نسيب الحسينيّ، الغرب المتخيل, رؤية الآخر في الوجدان السياسي العربي، دار الفارابي، بيروت، 2004.

28.                       نورمان دويدج، الدماغ وكيف يطوّر بنيته وأداءه، تر: رفيف غدّار، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، 2009 .

****


1-    Claude Lévi- strauss, Le cru et le cuit, Plon,Paris,1971.

2-    Edward T.HALL, Au- delà de la culture, Seuil ,Paris,1987.

3-    Ferdinand De Saussure, Cours de linguistique générale, éd.T.de Mauro, Payot,1995.

4-    Kyra KARMILOFF et Annette KARMILOFF-SMITH , Comment les enfants entrent dans le langage, Retz, Paris,2012

5-    Marie- Anne PAVEAU et Georges –Elia SARFATI, Les grandes théories de la linguistique, De la grammaire comparée a la pragmatique,Armand Colin,Paris,2003.

6-    P.Watzlawick, J.Helmick Beavin,Don D. Jackson, Une logique de la communication, France,Seuil, 1979.

7-    Pascal BANCOURT, Les Mille et Une Nuits et leurs trésor de sagesse. Dangles, 2007.

8-    Roland Barthes, Système de la mode, Seuil, Paris, 1981.

9-    T.C. Mcluhan, Pieds nus sur la terre sacrée, Gallimard, Paris,2014.





1-       Kyra KARMILOFF et Annette KARMILOFF-SMITH, Comment les enfants entrent dans le langage, Retz, Paris, 2012
[2]- في عدد من كتبه العميقة، مثل: من النيء الى المطبوخ، Le cru et le cuit .
[3] - انظر: كتاب نسق الموضة
[4] -  كتاب: محاضرات في الألسنيّة العامّة.
[5] - انظر: كتابات ادوارد هول ، ومنها: " ما وراء الثقاتفة" و" اللغة الصامتة"، وفاتسلافيك في كتبه منها كتاب " لغة التغيير"، وفيها يظهر أثر اللغة في تغيير النظر الى الأمور.
[6]-  ينظر كتاب ياكوبسون Essaie de linguistique generale
[7]- من المهمّ جدّاً الاهتمام ببناء أطلس لغويّ  شامل ومفصلّ ومنطوق للغة العربية بكلّ تجلياتها اللهجية.
[8] - انظر كتاب اسس علم اللغة، ماريو باي، تر: أحمد مختار عمر، فصل توزيع اللغات وعلم اللغة الجغرافي.
[9]- انظر: كتاب موريس أولندر، لغات الفردوس، تر: جورج سليمان.
[10]- في العربية، مصطلح نحويّ هو " الحكم على الجوار" ، وكان يمكن توسعته ليشمل الناحية الصرفية والمعجميّة على سبيل المثال. للاطلاع على دلالته يمكن النظر في كتاب ابن جنّي" الخصائص".
[11] - انظر:  ابن الانباري في كتابه عن الأضداد في اللغة العربية.
[12]- احب الاشارة الى ما تذكره المعاجم من علاقة بين الحليب وجذر " ف ص ح"، انظر: مادة" ف ص ح" في لسان العرب.
[13]- لا يخلو ايضا جذر " ل ه ج" من علاقة طريقة بين اللغة والحليب. انظر مادة " ل ه ج" في لسان العرب
[14]-  أذكر ان احدى الإجابات على سؤال أيّهما الأسبق النثر أم الشعر كانت " الشعر هو الأسبق".
[15] - انظر: كتاب عبد الفتّاح كيليطو، متاهات القول.
[16]- انظر: كتاب  Les grandes theories de la linguistique, Marie- Anne PAVEAU et Georges –Elia SARFATI
[17] - انظر : لويس جان كالفيه، حرب اللغات والسياسات اللغوية
[18] - هناك دراسة لغوية ميدانية طريفة عن ردّات الفعل اللغويّ عند الجنين عببر وضع كاميرا في رحم امرأة حامل لمتابعة ردّات فعل جنينها اللغوية. انظر: كتاب : Kyra KARMILOFF et Annette KARMILOFF-SMITH , Comment les enfants entrent dans le langage
[19]-  كان الظنّ ان لكلّ شريحة من الدماغ وظيفة واضحة، وهذا أمر يعاد النظر فيه بعد التقدّم المذهل الذي شهده علم الأعصاب، ينظر في الكتاب القيّم الذي وضعه الدكتور نورمان دويدج " الدماغ وكيف يطوّر بنيته واداءه".
[20] -  انظر: د. كريم زكي، اللغة والثقافة، ص29
[21] - نجد في عدة كتب من كتب الرحلات مسائل لغويّة بنت الاحتكاك المباشر بشعوب عبروا أقاليمها، اكتفي بذكر كتاب  المقدسي " أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم" حيث نجد فيه لمعات لغوية عن عادات الكلام وطبقات الكلام.
[22]- عبد السلام المسدّي، التفكير اللساني في الحضارة العربية، الدار العربية للكتاب، تونس، 1981
[23] - المصون في الأدب ، أبو أحمد سعيد بن إسماعيل ، ص 134
-[24] له مجموعة من الكتب المهمة عن التواصل وقدرته اعلى تغيير السلوك.
[25] - الكلمات وتأثيرها على العقل، أندرو نيوبيرغ و مارك روبرت والتمان، الدار العربية للعلوم ناشرون./ بيروت، ط.1. 2012
[26]- انظر:  كتاب العلاج بالقراءة ، شعبان عبد العزيز خليفة.
[27] - انظر : كتاب " Pieds nus sur la terre sacree ، ص 21
[28]-  راجع ما ورد في موقع بي بي سي حولل هذه النقطة ذكر المرجع على الانترنت
[29] - Pascal BANCOURT, Les Mille et Une Nuits et leurs trésor de sagesse.(Dangles,2007)
[30] - للثعالبي كتاب بهذا العنوان، وهو ينقل مختارات من ابناء الطبقات العالية في المجتمع من انبياء وخلفاء ووزراء.
[31] - من الطريف هنا ان تدرس الشروط الخفيّة وغير المعلنة الكامنة وراء حضور المنمنمات في مخطوطات دون أخرى، ولا شكّ في ان ذلك يحمل دلالات يستحسن الكشف عنها.
[32] - عبارة " الكتب الشعبيّة" تبدو وكأنّها تقول لك: أنا لا اهتمّ بالاخطاء اللغوية او المطبعيّة او علامات الترقيم. ولكن من قال ان الشعب لا تعنيه هذه الأمور أو تغيّر علاقته مع اللغة؟
[33] - انظر: شوقي ضيف، الفنّ ومذاهبه في النثر العربي.
[34]- انظر: كتاب نسيب الحسينيّ، الغرب المتخيّل, رؤية الآخر في الوجدان السياسي العربي،
[35] - ادوارد ده بونو وكتابه عن الصراعات، وثمة نقطة فيه يعالج الصراعات ذات المنطلقات اللغةية
[36] - قام بترجمته عن اليابانية محمد عضيمة.  
[37] - احب الإشارة هنا الى امر دال، وهو ان اسم الحكيم الصيني كونفوشيوس هو تعريب لاسمه في صيغته الغربية وليس في صيغته الصينية. حاولت جاهدا البحث في نصوص عربية تناولت الصين عن اسم له عربيّ محتمل، ولكن لم اجد. حتّى ابن بطوطة الذي عاش فترة طويلة من حياته في الصين لم يتطرّق ولا في فقرة من كتابه الى حكماء الصين بالاسم.
[38] -  كتاب الأغاني من أمّهات الكتب الكلاسيكية الصينيّة وهو عبارة عن مجموعة من الأغاني والقصائد، التي رفعها كونفوشيوس الى مرتبة القداسة. ترجمت مختارات من هذا الكتاب الى العربية عن طريق لغة ثالثة، ولكن الترجمة وحدها لا تكفي ان لم ترافقها دراسة حول الدلالات والرموز التي تحملها هذه الأغاني.
[39] - لقد كتب الغرب عن العرب والاسلام ما لا يقلّ عن ستين الف كتاب بين عامي 1800 و1950، الغرب المتخيّل، نسيب الحسيني، ص: 274. بالمقابل ما هو عدد الكتب التي كتبناها عن الغرب؟ سؤال هزيل الإجابة للأسف.
[40] -  انظر مقدمة كتاب ابن حزم، الإحْكام في أصول الأحْكام،
[41] - موريس أولندر في كتابه " لغات الفردوس".
[42]-  من سفر التكوين،  الفصل الحادي عَشَرَ .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق