الخميس، 20 يوليو 2017

دلالة كلمة اسم 名míng في اللغة الصينية مقارنة بالعربية

الاسم  名  míng



لكلّ لغة طريقتها في توليد كلماتها وحنكتها في تدبير شؤونها. وهنا سأتناول شيئا من طريقة توليد الكلمات الصينيّة، وهي طريقة لا تخلو من طرافة. الكلمة في اللغة الصينية صورة، وقد لا تكون الصورة شديدة الوضوح، فيخالها المرء تنتمي الى الرسم التكعيبي او السوريالي. وكثيرا ما يقف دارس اللغة الصينية وقد اعترت عيناه دهشة أمام تشكيل كلمة من الكلمات. وهنا سأتوقف قليلا عند كلمة واحدة، وهي كلمة جوهرية في كلّ لغات العالم، إنها كلمة " اسم " لأحكي عن طريقة الصينيّ في رؤيته للأشياء من خلال مكوّنات الرمز الذي يحيل الى كلمة " اسم". الاسم هويّة بشكل من الأشكال، فمن يودّ التواري عن الانظار من دون أن يتوارى يقوم بانتحال اسم شخصية أخرى، يقوم بتغيير ملامح اسمه في نفس الوقت الذي يقوم فيه بتغيير ملامح وجهه. الاسم وجه مجازيّ، وجه صوتيّ وحرفيّ، وإن لم يلعب دور الوجه فهو يلعب لا ريب دور القناع.
الاسم باللغة الصينية يكتب بالطريقة التالية (名) ويلفظ  míng ، طبعا من حيث الظاهر، ولمن لا يعرف اللغة الصينية، لا يعني له الأمر شيئا، مجرّد خطوط  يظنّها الرائي خالية من الروح! ولكن لمن يعرف تركيب الكلمات الصينية، سوف يدهش لهذا الاختيار، أي اختيار هذا الشكل للإشارة الى كلمة "الاسم"، وهو شكل، في أي حال، واقعيّ ومنطقيّ ويرفل بالطرافة.
الكتابة الصينية تركّب من مفاتيح دلالية، ويمكن اعتبار المفاتيح الصينية كبديل عن الالفبائيات التي نعرفها في سائر اللغات. وعدد المفاتيح هو 214 مفتاحا. ولكلّ مفتاح معنى، فهناك مفتاح الماء وهو يدلّ على السوائل، ومفتاح الشمس، ومفتاح القمر. والرمز الصينية قد يتألف من مفتاح واحد او من مفتاحين أو من ثلاثة مفاتيح أو أربعة، من هنا يتشكّل الانطباع بالغموض والتعقيد أمام من يقع نظره على الرموز الصينية. هذ الكلمة التي تعني الاسم (名)مركبة من مفتاحين، المفتاح الأعلى هو عبارة عن رمز الليل أو المفتاح الدلاليّ لكلمة ليل(  )، اما المفتاح الثاني الأسفل فيرمز الى الفم (口 ). ومن خلال هذا الرمز سيكوّن القارىء فكرة ولو بسيطة عن طريقة كتابة الرموز الصينية. ولكن المقال هنا لا يخصّ التركيب بقدر ما يخصّ توليد المعنى. ورمز كلمة الاسم نمط من أنماط تعامل اللغة الصينية في كتابة كلماتها وتصوير دلالات الكلمات. من المهمّ جدّا ان يعرف القارىء ان الكتابة الصينية بخلاف الكتابة العربية او الفرنسية او الانكليزية كتابة لا تنقل الصوت وانّما تنقل المعنى، بل قل ان الكتابة الصينية تتعامل مع روح اللغة لا مع جسد اللغة. وكان الناقد العربيّ القدير ابن رشيق القيرواني يعتبر، كما ورد في كتابه العمدة، ان المعنى روح اللفظ.
قد يقول قائل وما علاقة الاسم بالفم؟ وما علاقته بالليل؟ ما الرابط بين الاسم وهذين المفتاحين الدلاليين؟ وهو في ذلك محقّ. وجه الشبه متوار، محذوف، والمحذوف يثير الريبة والاستغراب ولكنّه جذّاب يدرّب الذهن على البحث ولعلّ من هنا جماليات دراسة وجه الشبه المحذوف في الاستعارات البلاغية. الغرابة صديق حميم لمن يتعلّم اي لغة من اللغات، فما بالك اذا كانت اللغة هي الصينيّة التي شذّت ، كتابيّا، عن سنن اللغات الراهنة؟ وهذا  - أي الاستغراب الذي ترافقه الدهشة والحيرة - ما كنت ألحظه على عيون الاصدقاء الذين كنت اشرح لهم كلمة " اسم" وكيفية تشكلها.
ولكن أرى ان وجود مفتاح الليل في تشكيل رمز الاسم شديد الواقعية، على اعتباطية الاستفهام او الاستغراب.  
أحبّ بداية أن اطرح السؤال التالي: متى يحتاج المرء الى التعريف عن نفسه بالاسم؟ وخصوصاً على من يعرف من الناس؟ حين يكون هناك حاجز ما، باب مثلاً أو عتمة. يغيب الوجه في العتمة ولا يبقى الاّ الصوت. والباب، عمليّاً، شكل من اشكال الليل، بين الليل والباب الموصد وجه شبه صفيق، فالباب يجعلك بلا وجه وملامح. صوتك الذي يعبر الباب يعيد ملامحك الغائبة الى ذهن من يسمعك من وراء الباب.
الفم ضرورة للنطق بالاسم، ونحن نعرف ان الصوت هوية رنّانة، ليس بالضرورة ان تنطق باسمك من وراء باب، حين تسأل من الطارق؟ يكفي ان تقول"أنا"  دون النطق باسمك او الاعلان عن هويتك لمن يعرفك. التلفّظ بكلمة "انا " لا يعني شيئاً ولكنه يغني عن أشياء كثيرة: اسمك الكامل، صورتك . معنىى كلمة " أنا" مرتبط بالفم الذي تخرج منه. النغمة، الصوت، بصمات حنجرتك تسهل التعريف بك. تكتفي بكلمة " انا" دون ذكر الاسم، فلا داعي لذكر الاسم لتحديد ملامح وجهك وشخصيتك وإثبات هويتك. صوتك هو، بشكل من الاشكال، صورتك الصوتية على غرار صورتك الشمسية التي تثبت أنّك أنت!
وكذلك الأمر فيما يتعلّق بالليل. في الليل أنت مبهم، بلا ملامح أو معالم، مجرّد شبح جوّال! صوتك أيضاً هو من يكشف هويتك الليليّة الغامضة. فمك يكشط ظلمة الليل عن اسمك وعن شخصك، فتصير أنت، في نظر غيرك. تستعيد شخصك، هويتك، عن طريق فمك الناطق في ظلمة الليل. ففي النهار أنت مكشوف، لا مبرر لذكر اسمك، لا مبرر لأن تنبس شفتاك باسمك. الضوء يغني عن ذكر الاسم! يمكن ان نمعن اكثر في التحليل، فنقول ان الصوت ضوء ينير المعتم منك في الليل الدامس ويسفر عن وجهك الخفيّ.
ومن الضوء انتقل الى الاسم العربي، لأقول ان الاسم في العربية لا يقل طرافة عن الاسم في اللغة الصينية، ولكن لن اتناول المسألة هنا الا من طرف واحد،  فكلمة اسم لها تاريخ طويل عريض في اللغة العربيّة، ولكم أدهشني ان الفخر الرازي في تفسيره الكبير للقرآن قد خصّص حوالي ستين صفحة لكلمة اسم وحدها. وأحب أن أشير الى ان فاتحة القرآن بعد حرف الجرّ " الباء" هي كلمة " اسم"  في البسملة. ولن أحكي عن كيفية انشطار المدرستين النحويتين: البصريّة والكوفيّة حول "الاسم"، ولا عن الاختلافات بين علماء الكلام حول كلمة "أسماء" الله الحسنى. أنهي فقط بعلاقة كلمة "اسم" بالنار او قل بالضوء، والضوء يفتك بالعتمة كما يفتك بالمبهم او الليل " البهيم" . ولكن أين هي العلاقة بين " الاسم" و"النار"؟ ان بعض العرب اعتبر ان الاسم مشتقّ من جذر " وسم"، والوسم لا يتمّ الاّ بالنار، هو كيّ بالنار على الجسد لتعليمه أي وضع علامة على بعض الجسد لإزالة الالتباس بين المتشابهات. وعليه فالوسم هو شكل من أشكال  التسمية لأن الاسم علامة، علامة تتأصّل وترسخ في الجسد. الاسم العربيّ ارتبط بالضوء في حين ان الاسم الصيني ارتبط الى حدّ ما بالعتمة!
بلال عبد الهادي


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق