السبت، 3 نوفمبر 2012

الحاج محمود الحارس الكراكيزي وأبطاله في طرابلس

الكركوزاتي
وكان أمير الكراكوزاتية في ذلك العصر الحاج محمود الكراكيزي، فقد كان نابغة في هذا المضمار، أديباً ونقاداً، حاضر النكتة، يحفظ عشرات الألوف من أبيات الشعر والأقوال المأثورة والأمثال الشائعة، وكان يستعمل أبطال خيمته الذين يشكلون في الواقع المجتمع وما فيه من تناقضات في التقاليد والعادات، وينتقد بواسطتهم الحكام وما يمارسونه من ظلم وتجاوزات بأسلوب طريف مبتكر.
وكانت خيمة كراكوز عبارة عن شاشة صغيرة لا تتعدى المتر المربع الواحد، يضع وراءها الشموع، بشكل يتيح في إبراز خيالات أبطال خيمته المصنوعة من الجلد أو الكرتون.
ابطال خيمة كراكوز
وأشهر أبطال الخيمة هم كراكوز ويمثل دور القبضاي، عيواظ ذلك الوجيه الأديب الفصيح، المدلل شاب لعوب عابث، بكري المصطفى الرجل السكير الجاهل، طرمان يمثل السلطة، أشقو آغا رئيس قطاع الطرق، أما أبو ينطوبو فهو اليهودي الجشع المحتال الذي يأكل أموال الناس. وكان للحاج محمود معه صولات وجولات، فكثيراً ما كان ينتقد اليهود ويتناول أعمالهم بالتجريح والتسفيه عن طريق أبو ينطوبو، حتى ان الحاج محمود تعرض للضرب من قبل بعض اليهود، عندما كان يذهب الى فلسطين لإقامة بعض الحفلات هناك.
وما يدعو للدهشة إن الحاج محمود كان وحده يدير المحاورات التي تجري بين أبطال الخيمة، فيقلد أصواتهم واحداً واحداً بشكل لا يمكن لإنسان إلا ويعتقد ان وراء الخيمة أشخاصاً عديدين يتحاورون كل بلهجته!.
والأغرب من ذلك أنه كان يتمتع بذوق فني رفيع، إذ كان بين أبطال خيمته راقصة تؤدي دورها على أنغام الصنوج التي كان يتلاعب فيها بين أصابعه فترقص على أنغامها كأمهر راقصة على أحلى نغم!.
وكان الحاج محمود يروي قصصاً خيالية يمثل وقائعها أبطال خيمته ويحركهم بدوره حسبما تتطلبه القصة.
وغالباً ما تكون القصة مضحكة ذات مغزى، وقد يتطرق إلى انتقاد حاكم المدينة بطريقته الخاصة فيقدم مشهداً يمثل بلداً ضل أهله واختاروا بكري المصطفى المشهور بجهله وسكره وعربدته، ليكون حاكماً عليه.
وفي أحد الأيام توفي أحد الأهلين وكان على بكري المصطفى أن يرثي الميت، فوقف يحاول الكلام، الا أن لسانه خانه في النطق، فاقترب من الميت وهمس في أذنه: اذا سألوك في الآخرة عن أحوال البلد، فقل لهم ان بكري المصطفى حاكمه... وهم يعرفون من هم أهله... وكيف هي أحوالهم!.
وكان المدلل أكثر أبطال الخيمة شعبية لدى الجمهور، لصغر سنه وخفة روحه وسرعة جوابه، وكثيراً ما كان الكركوزاتي يستغل هذه العاطفة فلا يقدمه على الشاشة ليلة وليلتين وثلاثا... فيضج عشاق المدلل ويسألون الحاج عن سبب غيابه، فيجيبهم بأنه مريض وبحاجة إلى بعض التغذية. وفي اليوم التالي تنهال على الكركوزاتي شرائح اللحم والحلويات والفواكه والخضار.. لتغذية المدلل!.
وفي المساء يظهر المدلل على الشاشة، معصباً رأسه يتوكأ على عصا.. ولا ينسى أن يشكر أولاد الحلال الذين ساعدوه على استرجاع عافيته!.
الدعاية من خلال خيمة كراكوز
وكان الحاج محمود بارعاً في تأليف قصص الدعاية لبعض المحلات أو لترويج بضاعة ما، كما هو الحال في السينما أو التلفزيون اليوم، اذ كان يظهر المدلل مثلاً، يعتذر لمعلمه عن أسباب تأخيره عن عمله، لأنه عرج على محل فلان وأكل عنده صحن حمص أو فول، لم يتذوق مثله في حياته.
وكانت شهادة المدلل هذه، كافية لان يزدحم محل المحمصاني المذكور في اليوم التالي بالزبائن..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق