السبت، 24 نوفمبر 2012

العرب والنعاج من وجهة نظر غوغل


 


 
لا اظنّ أنّ أحداً ممّن يتعامل مع الآنترنت لم يسمع بمحرّك البحث الأشهر "غوغل" الذي لم نتفّق على إعطائه تسمية واحدة في اللغة العربيّة، وذلك بسبب رعونة حرف الـ"G" اللعوب المكرّر باسمه اللاتينيّ "Google"، والذي لم نعتمد وجود شكل واحد له في اللغة العربيّة، فقد تراه مكتوباً "غوغل" كما في العنوان الذي اخترته لهذه المقالة، وقد تجده مكتوباً بالجيم "جوجل" كما تلفظ في القاهرة، وقد يقفز اليك في صورة " قوقل" وهي التسمية المغربية ذات الايقاع الغريب على غير معتاد طريقتنا في ترجمة الحروف اللاتينية. وهذا التمزّق في كتابة الكلمة يدلّ على تمزّق الواقع العربيّ في غير الميادين اللغويّة أيضاً. فاللغة كتلك المرآة السحرية في قصص الأطفال والتي لا تعرف ولا تحبّ ممارسة الكذب.
ليس غرض المقال اسم "غوغل" وانما الخدمات الكثيرة التي يقدّمها للقارىء والباحث أيّاً كان مجال اهتمام القارىء او الباحث. اطلب ايّ شيء تجده مثل " عفريت" الفانوس السحريّ يقدّم لك كل المساعدات الممكنة، مساعدات قد لا تخطر حتى لك ببال، ومساعدات غير متوقّعة أو غير منظورة. الانترنت غنيّ بالألعاب، فشاشته ملعب رحيب، ولا احد ينكر فضل الالعاب على نمو الانترنت المذهل. هناك لعب معروفة، وهناك لعب انت تخترعها لتمارس هواية من هواياتك. ومن الطريف أن تحوّل غوغل الى وسيلة لعب وترفيه. وهو يقبل دون تذمّر تحويله الى لعبة.
يحلو لي بين وقت ووقت أن اطرح سؤالاً اعتباطيا على غوغل، أو أن اضع في خانة البحث عبارة او جملة فأجده يقدّم لي معلومات ومقترحات غنيّة، أو يعزّز ما اسعى اليه  من خلال تزويدي بشواهد طريفة ومبتكرة. وضعت ذات يوم عبارة " الربط بين فكرتين" في خانة البحث فقدّم لي معلومة عن مخترع الطباعة " غوتنبرغ" وكيف ان ولادة المطبعة في القرن الخامس عشر كانت بنت فكرتين قد لا يربط بينهما رابط ظاهريّ، إذ ما علاقة معصرة العنب بالطباعة مثلا؟  لقد قام غوتنبرغ بالجمع بين فكرة الضغط في مكبس عصر العنب وفكرة قوالب سكّ المعدن التي شاهدها في دار سكّ النقود في مدينته. كان مكبس الطباعة ذو الأحرف المتغيرة قفزةً اختراقية استندت إلى تقنيتين معروفتين. كان ذلك الإبداع ربطاً بين عمليّتين أو فكرتين بدتا في ذلك الحين متباعدتين كلّ البعد". وهكذا قد يكون الابداع مجرد نظرة على ذلك الخيط الخفيّ الذي لا تراه العين العجول والذي يوحّد بين المتباعدين!
لا تكفّ المعلومات عن التدفّق في خزّان " غوغل" ، ومن هنا فهو دائم الحركة، ودائم التغيّر، ومن حسناته انه يمكن ان يكون مؤشرا على حضور او غياب الاشياء. فهو بورصة أفكار وأحوال. مثلا اذا كنت تريد ان تعرف ايهما اكثر حضورا في فضاء الانترنت اليوم  المتنبي شاعرنا العربيّ القديم أم شاعرنا الحديث أدونيس فلا يمكن لك ان تعرف ولو بشكل ضبابيّ الا من خلال محرّك البحث عبر عدد صفحات كل واحد منهما. فالمتنبي مثلا له 4490000 صفحة بينما ادونيس ليس له الا 266000 صفحة. وهذا يبيّن لك مكانة خارقة للمتنبيّ ، وقد تريد ان تقارن بين المتنبي وابي تمام او ابن الروميّ، على سبيل المثال، فلا يبخل عليك غوغل بتقديم المعونة والمساعدة. كلام الارقام في غوغل مؤشر عن مواقع الأمور.
وقد يفاجئك غوغل بمعلومة جارحة انت لا تقصدها، معلومة البعض يراها واقعية، والبعض يراها تجريحاً بالذات، او اعترافا بالعجز. والمعلومة لها علاقة بحرب غزّة الأخيرة. نتذّكر، والكلام لا يزال طازجاً، كيف ان "النعاج" كمفردة ودلالة دخلت في حيّز الاستعمال على لسان وزير خارجية قطر في مؤتمر الخارجية الأخير الذي انعقد في القاهرة، ثمّ جاء الردّ من امين عام حزب الله حسن نصر الله برفض تعميم التسمية على كل الامة العربية لأنّ الأمّة العربية ليست كلّها نعاجا. وهكذا أدخلت كلمة " نعاج" العالم العربيّ في "كباش" سياسيّ حاد ومحتدمّ. ولا شكّ ان المواطن العربيّ هو " كبش محرقة" في كثير من الأحيان.
بعد ثلاثة او اربعة ايام من تداول كلمة " نعاج" في الخطاب السياسيّ المنبثق من حرب غزّة، وضعت كلمة "نعاج" في محرّك البحث غوغل بحثا عن أمور ذات صلة بالنعاج، وهنا كانت المفاجأة،  لقد أعطاني غوغل ما لا اريد، او لفت نظري على مسألة لم تكن في البال. حضور العرب وحضور النعاج على صفحة واحدة، وكانت السطور الاولى التي وردت في صفحة النعاج هي التالية: "وصف محلل للقناة العاشرة الإسرائيلية، العرب بأنهم ''مجرد نعاج''، وذلك في معرض تحليله الاجتماع الوزاريّ الذي عقده قادة عرب". ثم جاء بعد هذه االسطور التصريح الذي استخدمه الوزير القطري، وبعده التنديد بالتصريح القطريّ على لسان امين عام حزب الله.
ثمّ انتقلت بمؤشر فأرة الحاسوب الى كلمة صور ونقرت عليها، وهنا ايضا، وجدت للعرب حضورا صورياً جارحا إلى جاني صور متعدّدة للنعاج، لقد غيّرت كلمة نعاج التي اطلقها الوزير القطري من واقع الكلمة ومن واقع صور النعاج إذ راحت تنسال أمام ناظريّ في خانة صور النعاج صورا لزعماء عرب موافقين او معارضين على توصيف الوزير القطري جنبا الى جنب مع صور النعاج النعاج، وجدت صورا لزعماء عرب كثيرين : الوزير القطري، والأمير القطري، والأمير الكويتي، والملك السعودي، ورئيس وزراء تركيا، ورئيس سوريا، والعقيد الليبي الراحل، وامين عام حزب الله، وملك الاردن، وملك البحرين، ورئيس السلطة الفلسطينية، ورئيس حركة حماس، ورئيس حكومة غزّة.
اليس من المضحك المبكي ان تدخل الى صورة العالم العربي من حظيرة النعاج؟
وحتىى لا يظنّ ظانّ اني أهرطق بما لا ارى، او الفّق كلاما مختلقا ومخترقا، فاني  ادعوه الى زيارة "غوغل"، وليس من مصلحة " غوغل" أن يكذب، ويمنح أصابعه  حرية  النقر والبحث عن صور "النعاج" في  حظيرة محرّك البحث الدالّة، وهناك سوف يجد، للأسف، ما لا يسرّ الخاطر وما لا يسرّ الناظر.
الكلمات في كلّ زمان أسلحة مرهفة كالشفرة، ومن الحكمة ان لا نستخدمها كيفما اتّفق.
بلال عبد الهادي


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق