السبت، 6 فبراير 2016

دلالة رمز التنين في الفكر الصيني




الإنسان كائن لا يحتمل أن يعيش بلا رموز، علاقة الإنسان بالرمز تدخل في الملابس والمآكل والمشارب. بعض رموزه يأخذها كما هي موجودة في الطبيعة، فالهلال على سبيل المثال رمز طبيعيّ تحول رمزاً إسلامياً وهذا ما أدّى إلى تحوله لقمة في فم خصوم الإسلام على شكل قطعة "كرواسان". وقد لا ينتبه البعض إلى ذلك لغياب تاريخ حكاية "الكرواسان" عن أذهان من يتلذذ بطعمها وهي تعني الهلال. وحكاية ولادة قطعة الكرواسان ذات صلة بحصار الأتراك لمدينة فيينا.الرمز الذي لا يحمل حكاية سلبية أو إيجابية يشكّ في انتمائه إلى عالم الرموز، لأنّه يكون رمزاً مزيفاًً عاقراً غير قادر على الإنجاب.

 كلّ شيء قابل لأنْ يتحول على يد الإنسان الماهرة إلى رمز، ومنها الكائنات الحيوانية التي يرتبط بها الناس وهي كثيرة بكثرة الشعوب والأمم. وهل رمزيّة الناقة عند العربي هي نفسها عند شعب آخر؟ ليس على المرء إلاّ أن يتصفّح حكاية " ناقة صالح "  في كتاب "عرائس المجالس" للثعلبيّ أو وظيفة الناقة في الشعر العربي القديم عند طرفة بين العبد على سبيل المثال، وذلك بعد أن يجتاز المشقّات ووعورة المفردات اللغويّة في معلّقته تماماً كما كان يجتاز العربيّ نفسه مشقات رمال الصحراء المتحركة.

قد تتصارع الرموز بين شعبين أو لغتين كما تتصارع الجيوش، وهنا سوف أحكي عن كلمة "تنين" الصينية ودلالاتها، والأزمة التي عاشتها الصين مع رمزها الأوّل ليس من حيث هو مفخرتها الميتولوجية، وإنما بسبب ما جرته مفردة-  "Dragon" المشتقّة من فعل يونانيّ يعني "تحديق النظر" - مع مترادفاتها الغربية من دلالات لوّثت صورة التنين الصيني. فالتنين الغربي وحش كاسر يقذف النار من بين فكّيه بخلاف التنين الصينيّ واهب المطر -بحسب ما تقول الأسطورة- وواهب الحياة أيضاً لأبناء "مملكة الوسط". فالصيني يعتبر نفسه من سلالة التنين السماوي، والأباطرة الصينيّون من صلب التنين السماويّ. ولا يحتمل الصيني أن تمسّ كرامة التنين، كما حدث حين قامت شركة إعلانية غربية بتصوير دعاية لصالح شركة "Nike" يقوم خلالها بطل كرة السلة "رون جيمس" بالقضاء على التنين الصينيّ، قامت الصين بالاعتراض على الدعاية التي تمسّ مقدّسها ومنعت عرضها. إن التنين رمز الشر في الغرب، بخلاف ما هو عليه في الصين، ورمز الشر أيضاً في التوراة، ويقال إنّ كلمة "التنين" الواردة في التوراة تعني نوعاً من الأفاعي، وللأفعى في تراث الشرق الأدنى مثالب كثيرة منها تحميلها وزْر غواية حوّاء وسقوط آدم من الفردوس الأعلى فكادت الصين أن تستبدل رمزها القديم برمز حديث هو" الباندا" -الدبّ الوديع الذي تحوّل رمزاً للحيوانات المهددة بالانقراض- خشية على سمعة تنينها المقرونة لسوء الترجمة بسمعة التنين الغربيّ الشرّير.

يعترض اليوم بعض المفكرين الصينيين  ومنهم "كْوانْ شيهْ جْيِهْ" الأستاذ في جامعة بكين على استخدام كلمة "Dragon"  ومترادفاتها الغربية لترجمة التنين الصيني معتبرين اسم التنين الصينيّ غير قابل للترجمة كأيّ إنتاج محليّ لا مرادف أو معادل له واقترحوا أن يحتفظ التنين الصينيّ باسمه الأصيل وهو " لونْغْ"، حتّى لا يقع فريسة التماهي بالتسمية الغربية السلبية. فهم أدركوا أنّ اللعب باسم الرمز يفتح باب المناورة واللعب بأمور أخرى، والغرب ليس بريئا من اللعب الخبيث بالتسميات والمسمّيات.

الطريف في أمْر التنين الصينيّ انه كائن مختلق، ليس له وجود فعلي تماماً كطائر الفينيق، يعود تاريخ ولادته إلى أكثر من خمسة آلاف سنة كما تقول الحكاية حين كانت الصين مجموعة قبائل متناحرة، ولكلّ قبيلة طوطمها الخاص بها، إلى أن جاء الإمبراطور الأصفر "خْوَانْغْ تي" الذي لم يرض عن التناحر بين القبائل الصفراء الذي يستنزف طاقاتها فقام بتوحيدها تحت رايته، ولم يكن يريد أن يظهر تفوق قبيلته على القبائل الأخرى فما كان منه إلا أن أنجب من مخيلته الراغبة في توحيد أشتات القبائل الصينية هذا الكائن الخرافي الذي لا يثير ضغينة أحد. نحت الإمبراطور من طواطم القبائل الواقعة تحت سلطانه الطوطم الجديد الذي ترى فيه كلّ قبيلة عضواً من أعضاء طوطمها الغابر. كان التنين بمثابة تسوية ذكيّة تاريخية وسياسية ودينية، يقوم بوظيفة الخيط الذي ينتظم حبات السبحة. أخذ مكوناته من طواطم البرّ والبحرّ والجوّ. كائن هجين وفعّال -لأنّه امتصّ نقمة المهزومين من خلال إشراكهم في تلقيح الرمز- مركّب من كائنات مختلفة، فرأسه رأس جمل أمّا قرونه فقرون الأيائل، وأذناه أذنا ثور، جسمه جسم أفعى أما جلده فمن حراشف السمك وكذلك ذيله، قوائمه قوائم نمر أمّا مخالبه فمخالب نسر...كلّ أسرة صينية تحلم بأن يكون مصير ولدها كمصير التنين أو ألـ " لونغ " أي أن يكون مستقبله زاهراً قادراً بفكره الليّن وجسده المرن على تدجين الصعاب أياً كان مصدرها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق