كنت في صفّ البريفيه حين قرّرت أن أتخصص في الأدب
العربيّ، وأذهب الى باريس لنيل درجة الدكتوراه من السوربون على غرار ما فعل طه حسين.
وحين التحقت بالجامعة اللبنانية واجهتني عقبة، هي
عقبة اللغة الفرنسيّة. اللغة الفرنسيّة شرط حصولي على الليسانس في الادب العربي. وكنت
ضعيفا في الفرنسيّة، كان كلّ ما املكه من وقت اكرّسه لقراءة كلّ ما له علاقة باللغة
العربية: الشعر الجاهلي، سيرة ابن هشام، كتاب الأغاني، قصص الأنبياء، المقامات، الاحاديث
النبوية، التفاسير. كنت في صفّ البريفيه القسم الثاني حين اشتريت تفسير ابن كثير ورحت
أقرأه صفحة صفحة، وقرأت سيرة عنترة حين كنت في صفّ البريفيه.
قدّمت امتحانات السنة الأولى في الجامعة وسافرت الى
باريس والتحقت بمعهد لتعليم اللغة الفرنسية في باريبس، طبعا ثلاثة أشهر لا تكفي لتطويع
لغة، أي لغة كانت.
وحين عدت الى لبنان رحت ابحث عن طريقة تسهل لي هضم
اللغة الفرنسية. قلت: سأتعامل معها كأنّها مادة من موادّ تخصصي في العربية. ولا بدّ
من إيجاد وسائل تكسر هيبة اللغة الفرنسيّة في حياتي. لم أرد التعامل مع القصص والا
الروايات ولا الفلسفة ، كان همّي اللغة لا ما تحمله اللغة. فالقصص والروايات وعالم
السرد قد يبلبل رأسي، ويشتّت ذهني. وجدت طريقة ترضيني، وهي ان أشتري كتبا فرنسيّة تحكي
عن العالم العربيّ، مثلا كتاب بلاشير عن المتنبي، وكان المتنبي من جملة الشعراء الذين
ندرسهم، ورحت اقرأ شعر المتنبي بالفرنسي، وأقارن بينه وبين النصّ الأصلي، واشتريت نسخة
قرآن مترجمة الى الفرنسيّة، ورحت اقرأ القرآن بالفرنسيّ، فالمعنى موجود في ذهني، وهذا
ما يخفف عليّ التقاط المعنى، وصرت اشتري مجلة " noux deux" لسبب بسيط، وهي انها تتضمّن قصصاً مصورة رومانسية
بالفرنسيّ، لم تكن تعنيني الرومانسية، كان يعنيني الحوارات بين أبطال القصّة ، اللغة
حوار، كانت الجمل بسيطة، وان غمض عليّ معنى استعين بالصورة لإيضاحه. وحصلت على
نسخة من الف ليلة وليلة بالفرنسيّ فكنت أقرأ القصة بالعربيّ ثم اعيد قراءتها
بالفرنسيّ. وكنت كلّما رأيت عربياً مترجماً الى الفرنسيّة أقوم بشرائه وقراءته.
كان قاموس المنهل يرافق خطواتي في الفرنسيّة
أيضا. وكنت لا املّ من فتح القاموس كلّما وقعت عيني على كلمة لا أعرف معناها، وأعلّم
الكلمة بقلم التعليم وأضع تاريخ فتح القاموس الى جانب الكلمة. حتى أراقب مدى قدرة
ذاكرتي على التقاط معنى الكلمة، وغالبا ما
كنت افتح القاموس على كلمة لأعرف معناها فأكتشف انها كلمة قدّ مرت معي من قبل بالتاريخ
الفلانيّ فأقوم بتعليم الكلمة بلون مغاير مع وضع التاريخ الجديد. وهكذا تحوّل
المنهل الى قاموس بألوان قوس قزح.
اليوم كنت في مكتبة جرّوس فلفتت مجلة "
nous deux" نظري، وتذكرت
ذكرياتي مع المجلة، والقصص المصورة وجزء من رحلتي الى عالم الفرنسيّة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق