السبت، 7 فبراير 2015

الطعام في الصين

هل أكلت؟

"ني تشي له ما؟" أي "هل أكلت؟" سؤال يطرحه الصيني دائما على من يقابله من الأصدقاء كنوع من التحية.
هذا السؤال، الذي يبدو غريبا بالنسبة للأجنبي الذي لا يعرف الصين، يجسد المكانة الهامة للطعام في ثقافة الصينيين، فالطعام يرتبط ارتباطا وثيقا بحياتهم وعلاقاتهم الاجتماعية، بل وحكم وإدارة بلادهم. الطعام جزء لا يتجزأ من الثقافة التي تجري في شرايين الصينيين.
أهم شيء
أولى الصينيون الطعام اهتماما يصل إلى درجة التقديس، فهم يقولون: "الطعام سماء الشعب". والسماء بالنسبة للصينيين هي التجسيد الأسمى لقوة الطبيعة، وجوهر الفلسفة الصينية التقليدية. وقد آمن الكونفوشيون بأن الطعام هو مصدر استقرار الأمة، ومن ثم كان سعيهم لسد احتياجات الناس من الطعام الكافي واللباس الدافئ.
في الحياة اليومية، يحتل الطعام قمة أولويات الصينيين. ويقول المثل الصيني: "لا غنى لدار المرء عن سبعة أشياء؛ الحطب، والأرز، والزيت، والملح، وصلصة الصويا، والخل، والشاي."
لقد صار الطعام وسيلة للتعبير عن المحبة والعواطف بين الأهل والأصدقاء. في الأعياد والاحتفالات والمناسبات الهامة، يجتمع الصينيون معا حول مائدة الطعام، يتجاذبون أطراف الحديث. ولا تعجب عندما يتباهي صديقك الصيني بعلاقته مع شخص هام قائلا: "لقد تناولت الطعام معه." وجبة عيد الربيع أهم وجبة عند الصينيين. في عشية العيد، يعود أفراد كل أسرة إلى بيوتهم، فيتناولون معا هذه الوجبة في أجواء العيد الدافئة.
مشاعر رقيقة تنبعث من الأطباق
في الغرب، يأكل كل فرد من طبق خاص به، ولكن بالنسبة للصينيين، تكمن أهمية الوجبة في أجوائها ومشاعرها التي تفوح من المشاركة في أطباقها. يتحلق أفراد الأسرة حول المائدة، يتجاذبون أطراف الحديث ويمزحون؛ الكبار يأخذون من الأطباق طعاما يقدمونه للصغار، والصغار يقدمون الطعام للكبار فتغمر السعادة والفرحة الأسرة. تناول الطعام في الصين ليس مجرد استمتاع بنكهة ومذاق، وإنما إحساس بالمشاعر الأسرية والصداقة والمحبة.
وقد تركت ثقافة الطعام أثرها على شخصية الصيني، فقد جعلت التقاليد الحماسية في تناول الطعام الصينيين يميلون إلى العمل الجماعي. عندما يعد الصيني وليمة، يفكر في الآخرين، ويضعهم في عين الاعتبار، فثقافة المائدة الصينية تجسد التواضع ورعاية الآخرين.
يولي الصينيون اختيار الطعام اهتماما بالغا، فالمأكولات تختلف باختلافات الأعياد والمناسبات. على سبيل المثال، في عيد الربيع، يأكل الصينيون السمك، لأن نطق كلمة "السمك" يشبه نطق كلمة "الفيض" في اللغة الصينية، فهو يرمز إلى رخاء العيش وزيادة المال سنة بعد أخرى. لذلك يحرص الصينيون أن يكون السمك ضمن قائمة مأكولات وجبة العيد. وفي اليوم الخامس من الشهر الخامس حسب التقويم القمري الصيني، وهو عيد قوارب التنين يأكل الصينيون "تسوانغتسي"، أي الأرز اللزج الملفوف في أوراق القصب على شكل مثلثات.
أطايب الطعام
يهتم الصينيون في طعامهم باللون والنكهة والمذاق والتشكيل. وقد نصح كونفوشيوس بعدم أكل الطعام الداكن اللون والكريه الرائحة، والطعام الذي لم يعد بطريقة مناسبة.
لا يهتم الصينيون بجمال الأطعمة فحسب، وإنما أيضا بجمال أدوات الأكل. تصنع أدوات الأكل من الخزف. كانت هذه الأدوات فاخرة في البلاط الإمبراطوري وأسر الأغنياء. وقد عثر في معبد كونفوشيوس بمقاطعة شاندونغ على مجموعة من أدوات المائدة، منها 404 قطع مصنوعة الخزف والحجر الكريم واليشم وغيرها من المواد الثمينة، مزخرفة برسوم صينية تقليدية.
آداب الطعام
المشاركة في مأدبة الطعام لا تكون للأكل فقط، وإنما للتواصل الاجتماعي أيضا. الوليمة الصينية لها وظائف متعددة، حيث يمكن تبادل الآراء، وحل المشكلات، وتحقيق أهداف معينة. عادات وآداب تناول الطعام في الصين على درجة كبيرة من الأهمية، وينبغي للمرء معرفتها سواء كان ضيفا أو مضيفا.
ومن بين آداب الطعام في الصين، يحتل ترتيب الجلوس أهمية كبيرة في الولائم الرسمية. ينبغي أن يجلس المضيف على رأس الطاولة، وقد يجلس "مساعد المضيف" مقابله لمعاونته في الاهتمام بالضيوف. قد تكون هناك فروق بين منطقة وأخرى في تلك الرسميات، ولكن حقيقة أن "الضيف يفعل ما يريده المضيف"، تبقى ثابتة. فإذا لم تكن على معرفة بقواعد ترتيب الجلوس فلا تستعجل، فسوف يرتب المضيف لك الأمر.
وعلى المضيف أن يدعو ضيفه لاختيار الأطباق أولا؛ وبعد تقديم الأطباق، يبدأ كبار السن تناول الطعام؛ وإذا كان هناك إبريق شاي على المائدة، يكون على الشباب صب الشاي للمسنين، وإذا صب أحدهم الشاي لك، عليك النقر على المائدة بأصابعك بعدة مرات، تعبيرا عن الشكر
ومن آداب الطعام، عدم البدء في تناول الطعام إلا بعد وصول كل الضيوف؛ وإذا كان الطعام بعيدا عنك، لا يجوز أن تقربه إليك، أو أن تنهض من مقعدك لتأخذ الطعام منه. ومن قواعد استخدام عيدان الطعام، أن يكون العودان متساويين في الطول، وأن تمسك بهما بحيث ينتهيان بنفس الطول أيضا.
التوفير في الطعام
على مائدة الصينيين، تكون الأطباق كثيرة. ويقال إن الامبراطور قوانغ شوي (1871-1908) من أسرة تشينغ أكل 108 أطباق في وجبة واحدة، لأن عدد الأطباق يرمز إلى المهابة والعظمة.
وفي السنوات الأخيرة، ومع ارتفاع مستوى الدخل، أصبح التبذير والإسراف ظاهرة ملحوظة في مآدب الشركات والمؤسسات. يعتقد البعض أن مستوى الضيافة يرتبط بالمكانة، فينفقون المال على الموائد الفاخرة. وتشير بعض التقديرات إلى أن فاقد الموائد الصينية في عام 2014 يكفي لإطعام مائتي مليون إنسان.
الرئيس الصيني شي جين بينغ، في إطار حملته الواسعة لمكافحة الفساد، حظر إنفاق المال على المآدب بحجة الضيافة، وبسبب ذلك أغلقت بعض المطاعم الفاخرة أبوابها، أو تحولت إلى تقديم وجبات متوسطة المستوى. فمن الملاحظ هذه الأيام أن عدد الأطباق في الولائم صار أقل وأبسط. هذه التغيرات تجسد عزم الصين على الاقتصاد في الإنفاق. حاليا، تكفي مائتان أو ثلاثمائة يوان(الدولار الأمريكي يساوي 2ر6 يوانات) لوجبة أربعة أو خمسة أفراد  في مطعم جيد.
ومع اهتمام الصينيين المتزايد بصحتهم، ظهر في الصين كثير من المطاعم  التي تقدم الأطعمة النباتية والمأكولات العضوية.

عن مجلة الصين اليوم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق