الثلاثاء، 9 فبراير 2016

عن الرموز الصينية

ثمّة رموز صينيّة، أو بالأحرى ثمّة رموز بالنسبة لي صينيّة تعرف كيف تجذبك اليها، كيف تدفعك الى الحديث عنها، وثمّة رموز لا أفهم كيف اتعامل معها، فأؤجل علاقتي معها الى حين يشتدّ عودي الصيني، فهو لا يزال ليّناً. هذا الرمز  shuō  من الرموز التي تحكي، التي تقول لك، انا هنا ، انظر اليّ، وحين تنظر اليه يفتح لك باب قلبه. ينبت في رأسك أسئلة، تفرح بالأسئلة التي ما كان لها ان تولد برأسك لو لم تعبر عينيك.
هل من علاقة بين اللغة والمال؟ هل اللغة مسألة اقتصادية؟ هل من صلة رحم بين اللغة والتجارة؟
هذا الرمز هو الذي انتج هذه الأسئلة في ذهني، فله فضل على إنجاب الأسئلة وعلى إنجاب هذه التدوينة. اعرف ان الكلام والتجارة بينهما صلات كثيرة. هذا ما تقوله العربية وهذا ما تقوله الصينيّة. هنا سأسرد بعض الكلمات العربية التي لها استعمال لغوي واستعمال ماليّ. نعرف النحو، ولكن هل للنحو ان يعيش بلا "صرف"، الا ترافق كلمة صرف كلمة نحو في الدرس اللغوي؟ الا تدخل كلمة "صرف" في الاقتصاد، أيضاً، كما تدخل في اللغة؟ أدع هذه الكلمة وأفتّش عن أخرى، هناك أدب ولكن على ضفاف الأدب هناك" نقد" لغويّ، أو أدبي أو فنّي. اي هناك نوع من الكلام يقع تحت خانة" النقد". ولكن ماذا نقول عن صندوق " النقد" الدوليّ؟ ماذا تفعل النقد هنا؟ ما السبب الذي دعا الى اختيار هذه الكلمة لتكون في مطرحين، من حيث الظاهر، لا علاقة بينهما. كثير ممن يمارسون الادب، يحتقرون، في الظاهر، المادّة، ولكنهم يتعاملون مع " النقد".
الصرف صرفان، والنقد نقدان.
لن اكتفي بهذا بل اشير الى  كتاب عبد السلام الجمحي" طبقات فحول الشعراء"  في الفصل الذي يتكلم فيه عن الانتحال،  اي عن الشعر المنحول، لم يستطع ان يفنّد قيمة المنحول الا باستخدامه مصطلحات ذات صلة بالفضّة والذهب كنقد يتعامل فيه في ذلك الوقت. ولأربط بين المال والكلام احيل الى الخليوي، وكيف ان الناس وهي تحكي لا تأخذ راحتها بالكلام لان الكلام ليس مجانيّا. ماذا يشكل ، اليوم، الحكي من قيمة مالية في العالم. يقال ان الحكي  في لبنان هو الذي يدخل الى الخزينة ما لا تدخله اي بضاعة اخرى.
الكلام بضاعة رائجة ومربحة.
واشير في الأخير الى عدد من اعداد سلسلة عالم المعرفة  بعنوان" اللغة والاقتصاد" فهو واف وشاف عن الرابط العضوي ,والطريف بين الكلام والمال.
كل ما قلته يقوله الرمز الصينيّ من خلال المفاتيح المستخدمة في تشكيله، وهما مفتاحان. المفتاح الأوّل:yan والمفتاح الثانيdui   الذي يعني التجارة.
طريقة تسلسل الخطوط في كتابة الرمز الصيني" قال"
حين تقول فانت تتاجر بالكلام. اساس اللغة تواصل، ( هنا لن اشير علاقة التواصل اللغويّ بالاتصالات البرية والبحرية والجويّة) والتواصل بحسب صيغته اللغوية يعني أكثر من واحد، فانت لا تحكي مع حالك، واذا حكيت مع حالك، فلا تكون تحكي مع حالك، وانما تكون تحكي مع شخص آخر، وللعربية تعبير خاصّ بمن يحكي مع نفسه هو " التجريد" اي ان تجرّد من حالك شخصا آخر تحكي معه، اي تكون حالتك حالة من يقف امام المرآة ويخاطب نفسه، فهناك انت بلحمك وعظمك وهناك صورتك التي ليست من لحم ولا عظم وانّما من ضوء وزجاج!
فانت لا تشتري نفسك ولا تبيع لنفسك ( من حيث المبدأ) ولكن تجاريا تتعاطى مع الآخر. وهكذا شأن اللغة ، تعامل في الأساس مع الآخر.
الآخر موجود دائما في الكلام كما في البيع والشراء.
والكلام  لا يقال لمجرّد القول، الانسان يقول ليؤثر في الآخر، اي ان الانسان يتكلم مع الآخر ليبيعه فكرة او مبدأ أو معتقد( يلفتني فعل التجارة في القرآن الكريم بمعنى الصلة او العلاقة مع الله)، كما يلفت انتباهي اشتغال الرسول عليه السلام بالتجارة قبل ان يبعثه الله رسولا. هل من علاقة بين التجارة والنبوّة؟ الا تنتعش التجارة بالتسويق ؟ اليس الفكرة ايضا تحتاج الى التسويق؟ وهل السوق الا مكان البيع والشراء؟)
هناك انبياء فشلوا في الاستمرار؟ لأنّهم فشلوا في التسويق؟ المسيح لم يفشل في تسويق فكرته والدليل انها لا تزال الى اليوم؟ الرسول لم يفشل في تسويق الرسالة وها هي لا تزال تسعى في مناكب الأرض وارواح الناس؟ كونفوشيوس  كان ماهرا في التسويق وكذلك بوذا! ولكن اين يونس او شعيب أو لوط؟
اللغة تسويق!
الكلام تسويق!
والأسواق سوق لترويج الأفكار والمعتقدات والكلمات!
وفي الختام انقل هذا التعبير الصيني :" máng rén shuō盲人说日" الذي يمكن ان يكون معناه في العربية " يهرف بما لا يعرف" ولكن الترجمة الحرفية له هي: " أعمى يحكي عن النهار أو الضوء!"



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق