الخميس، 7 ديسمبر 2017

الكلمة التي ألقتها الدكتورة #ديما_حمدان حول #الكتابة_على_جلدة_الرأس. فالشكر لها.


ابدأ كلمتي بعبارة أوردها الدكتور #بلال_عبد_الهادي في إحدى مقالات الكتاب ، وهي قد تلخص الرسالة الأساسية من كتابه " الكتابة على جلدة الرأس"، يقول فيها :
" ..حبّي للعربية، وإيماني بأن سرّ نهوض الأمم يكمن في اللغة، دفعاني الى القراءة عن اللغة الصينية واللغة اليابانية والعبرية لمعرفة كيف عالجت هذه الشعوب مشاكلها اللغوية.؟"
فالكتاب بعنوانه اللافت والجاذب يتمحور بشكل رئيسي حول اللغة وتجلياتها العميقة في حياة الانسان وحضارة الامم. فاللغة هي سرّ أساسي في نهضة الأمم بل لا نهوض دون الوعي اللغوي. فالنمو الاقتصادي في الصين تزامن مع نمو اللغة الصينية. وألمانيا كما ورد في مقال " العرب والانتحار اللغوي " ترفض منح شهادة نجاح لطالب ضعيف في اللغة الألمانية وإن تفوق في كل مواد الإمتحانات الأخرى. فاللغة الالمانية هي التعبير عن الفكر الالماني المستقل. وللغاية ذاتها، ترفض اندونيسيا إعطاء إقامة لمقيم لا يتقن لغتها واهتم الصهاينه باللغة واعتبروا قضية اللغة أهم من قضية الارض فركزوا جهودههم على تطوير مناهج تعليم اللغات للمحافظة على اللغة العبرية. ]من هنا أيضا"، أتى طرح اليابان والصين لفكرة استخدام الحروف اللاتينية مكان الكتابة التصويرية والرموز الصينية في فترات الاحباط والاحتلال الغربي في سبيل اعادة التهضة للبلاد[.
ولإبراز قدرة االلغة الهائلة على إحداث نقلة حضارية وقفزات فكرية علمية وثقافية لشعوبها، تعمق الكاتب في البحث عن العلاقات بين العلوم وعلى الأخص بين اللغة العربية وباقي العلوم. وقد استند في ذلك على كم هائل من الدراسات والقراءت والمصادر المتنوعة في مختلف مجالات العلوم والمعارف الإتسانية. فتنوعت مقالات الكتاب الخمسين تنوعا" مثيرا" متناولة العلاقة بين اللغة وعلم النفس وعلم الاجتماع والفلسفة والأديان وغيرها من العلوم.
شغف الكاتب باللغة ظهر جليا" في قرائته لكل الأشياء من حوله من خلال منظور اللغة. فبدءا" من مقالته الأولى "الكتابة على جلدة الرأس" وحتى مقالته الأخيرة "خلاف على الغلاف"، يصطحبنا الكاتب في رحلة لغوية غنية بالصور والتشابيه الطريفة الزاخرة بالخيال والتي لا تخطر ببال. ]ويكون بذلك قد أتقن تطبيق المقولة الصينية المؤمن بها "أن هناك شبه بين شيئين مختلفين مهما اختلفا في الطبيعة"[. فيرى اللغة تشبه الإنسان في عبورها لمراحل الأزمات والإنفراجات التي يمر بها في حياته. كما يعتبر اللغة استاذا" وبإمكاننا ان نتعلم منها ما نريد من حكمة ومعرفة وحلول ومشاكل...
بوعي العالم والعارف بالعديد من لغات وحضارات الأمم، تكلم الكاتب بأسف عن مشاكل اللغة العربية ودعا الى تنقيتها من اي تشويه او انحدار. فاللغة العربية جريحة وكذلك المواطن العربي، إحدى هذه الجراح "لغة النت" وتفاخر العرب بتطيعم لغة الضاد بكلمات اللغات الغربية و التفنن باستخدام الحرف الغربي في بطاقات التعريف واللافتات التي تملأ الطرقات. ولغة الاعلام هي لغة عنف بإمتياز. أما النحت اللغوي فهو باب مهمل يجرد اللغة من الطبيعة الاشتقاقية. والمعجم العربي (التاريخي) الذي من شأنه حفظ أمن اللغة لا يلقى الإهتمام اللازم لتأليفه أو إنهائه.
و للئم جراح اللغة، حث الدكتور بلال على الاهتمام بها وإغنائها وتطويرها والقضاء على الكسل العربي، والاستفادة من وسائل التكنولوجيا في مجال ادارة وتحليل البيانات والذكاء الاصطناعي وتأليف معجم تاريخي معاصر. كما دعا الى تسويق اللغة من خلال الفن وتطوير مناهج تعليم اللغة القائمة على التدرج وتفجير طاقة المصممين العرب بتوليد خطوط عربية جديدة والأهم من كل ما سبق العمل على استعادة ثقة العربي بلغته..
إذا" الكثير من المسائل اللغوية تناولها الكتاب بعمق جديد وبأسلوب جديد. فأسلوب الكاتب أسلوب متحرر متحولة في الشكل واللون والمنطق كما يرى الصينيون اللغة. البساطة طاغية في انتقائه لمفردات انسيابية وفي نقله لحوارات عفوية مع الناس. وعنصرا التشويق والمتعة حاضران بقوة من خلال سرد العديد من القصص والحكايات من مخنلف الحضارات.

وأخيرا" أقول، كقارئة متخصصة في علوم الكمبيوتر، استمتعت وارتقيت بقراءة "الكتابة على جلدة الرأس" . ففد اوقد بي شعلة الوعي اللغوي والحماسة للغة العربية وأغنى فكري وذاكرتي بكم هائل ومتنوع من المعارف والحكم والقيم وأثرى مخيلتي بالرؤى والصور البهية والمشاهد البانورامية لعالم اللغة. وأدعو كل محب للغة العربية أن يضيء مكتبته بنور "الكتابة جلدة على الرأس".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق