الجمعة، 14 يونيو 2013

التناصّ بين عروة بن الورد وجوليا كريستيفا


تعرفّت على عروة بن الورد في رمضان سنة 1978، حين كنت منغمسا في قراءة سيرة عنترة. قلت بيني وبيني نفسي سيكون عنترة صاحبي في رمضان، ولم أحبّ يومها عنترة لأنه عنترة وإنّما لأنّه كان بمثابة صحابيّ جليل في نظري. نعم، صحابيّ بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وأنا أعرف انه لم يكن جاهليا ولم يلتق برسول الله عليه السلام، ولكني دخلت إلى عالم عنترة من باب دينيّ محض عبر حديث نبويّ قرأته جاء فيه: ما وصف لي أعرابيّ فأحببت أن أراه الا عنترة. عنترة شخص أحبّ الرسول الكريم لو روى عينيه برؤية هذا الأسود الناصع البياض أخلاقا وعفّة ونبل مواقف وإخلاص عواطف.
ومن سيرة عنترة تعرفت على رجال كثيرين ، رجال يخرجون من عباءة عنترة، منهم عروة بن الورد. حين تعرفت على عروة بن الورد لم يكن قد دار بخلدي شيء عن جوليا كرلايستيفا ولم اكن اعرف شيئا عنها او اعرف بوجودها أصلا. كائن نكرة من النكرات في نظري وخيالي. ولكن كنت قد قرأت بيتين  لعروة الصعاليك يقول فيهما:

أتهزأ مني ان سمنت وان ترى       بوجهي شحوب الحق والحق جاهد
اوزع جسمي في جسوم كثيرة      واحسو قراح الماء والماء بارد

كان توزيع الجسم في جسوم كثيرة يدوخني. وهو خلاصة حياة عروة. يقسم جسمه على الفقراء.
ذهبت الايام وكبرت، ودخلت كريستيفا في حياتي عبر مؤلفاتها الغزيرة وغناها بالمعرفة، واطلعت على مفهوم " التناص" في مؤلفاتها. ولا أعرف لماذا قفز إلى ذهني عروة في عبارته :" اوزع جسمي في جسوم كثيرة  " ،  وقلت بيني وبين نفسي: هذا هو التعريف الأجمل للتناص. عبر ابدال بسيط ولعب بسيط بالكلمات، قلت: سأضع كلمة نصّ بدلا من كلمة جسم.. 
وصار تعريف التناصذ هو التالي:

أوزّع نصّي في نصوص كثيرة.
أليس التناصّ هو سرّ كل النصوص؟
وادي عبقر ليس وادياً تسكنه الشياطين، وانّما مكتبة كونية تسكنها ملايين النصوص.
وان كان من أحد يستحقّ الرحمة في هذا النصّ فهو عروة بن الورد رحمه الله بقدر ما أطعم من جائع أو رفع من غبن!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق