السبت، 14 يونيو 2014

فادي اميل يعقوب في ذمّة الله

الحزن الواحد أحزان.
اشياء خارجة عن السيطرة تتحكمّ بالاحزان.
سأتكلم هنا عن اب مفجوع، هل الفجيعة واحدة؟
هل يمكن لنا التكلم عن الفجيعة دون الكلام  على مصاحبات له: مرض، عربة، عمر، عدد، جنس...
الحزن جمر وهّاج يقعد في الروح، يسري في الشرايين، يحرق القلب.
ولكن الحرقة ليست واحدة،
الموت واحد واسبابه تعدّدت.
هكذا يقال!
ولكن هل الموت ، حقّا، واحد؟
اسباب  الموت تغيّر من طبيعته، تغيّر من شكل الدمعة في العين، ومن حجم الجمرة في القلب.
منذ يومين غيّب الموت ابن صديقي اميل يعقوب.
شاب في مقتبل العمر، ست وعشرون سنة الا بضعة أشهر.
شاب قاب قوسين أو أدنى من التخرّج في كلية الطبّ الطبّ في احدى جامعات روسيا.
وجع الصديق المفجوع وجعان بل أكثر
وجع والد
وجع انتظار عوزدة جثمان
الموت في الغربة موتان بل اكثر
الموت الطبيعيّ على فجاعته موت طبيعيّ
الموت غير الطبيعيّ  وغير المتوقع ليس موتا واحدا،
الموت في الغربة ليس كالموت في الديار،
شخص وهو يموت يتأمّل وجه امه وابيه ليست كوجع جثمان لم يبلّ نظرته الاخيرة بأمّه وأبيه،
جثمان يستقبله ذووه بعد لحظات او ساعات من رحيل الروح عنه ليس كجثمان يتشّد في الغربة، ينتظر معاملات خروج، وينتظر طائرة تقلع بجسده الى ذويه.
الحزن هنا في لحظات الحزن الاولى ليس حزنا عاديا.
ثمذة حزن عادي مهما كان جارحا،
وثمّة احزان ضد منطق الحزن، وضد منطق الدموع،
حزن رهيب ينتظر بدء ممارسته لحزنه،
حزن معلّق، حزن يقسو عليه الوقت ، ويقسو عليه الانتظار.
الحزن هنا حزنان، حزن اوّل مديد، وآخر حزن منتظر.
الموت في الغربة ليس موتا عاديا،
بعض الموت في الغربة ليس عاديا،
موت يضيف على البعد بعدا آخر،
موت يكون اللقاء فيه وداعا، تنتظر ان تستقبل من تريد غصبا عنك ان تودّع الى مثوى أخير،
مثوى أخير طال أمده، هنا لحظة الحزن ساعات.
والساعات دهور.
قلت في البداية ان الحزن واحدا أحزان متعدّدة.
أب مثلا يقف على باب مستشفى لابن له يعاني منذ شهور من مرض مزمن أب يدّجن حزنه شيئا فشيئا، ينتظر موتا لا يريده، ولكن ينتظره، يراوغه، يرجوه، سأمل، ولكنّ الاب هنا يشرف بعينيه على لحظات ابنه الاخيرة.
واللحظات الاخيرة لحظات ممتعة حتّى في ما هو مؤلم.
اللحظة الاخيرة وداع وأوجاع ولكنها لحظة تملأ العين، تزوّد الروح بمخزون لا يقدّر بثمن.
وهذه اللحظات قد يحرم منها أهل من رحلوا بغتة في المغتربات.
رحيل اثر حادث سيارة في الوطن ليس كرحيل اثر حادث سيارة في الغربة.
الغربة تجرش احزانك جرشا، رحيل ضريبته انتظار لا يدفعه رحيل في الوطن.
بين ان تنتظر ساعات لرؤية من رحل ليست كانتظار ايام لرؤية من رحل.احزان الرحيل في الغربة ليست محسوبة على الاحزان،
احزان لها وجع مختلف، أحزان تنهش في لحمك الحيّ ، وروحك المفجوعة.
لا انسى موقف غسان تويني امام بقايا جثمان ابنه جبران.
حزن جائع، حزن يتضوّر شوقا على جثمان لا تراه الا الذاكرة.
صبّرك الله عزيزي اميل،
مصابك أليم وجسيم
مصاب ينتظر ان يبدأ طقوس الأحزان .
حرقة القلب تترك ثقبا نازفا في الروح.
عليك أن تستعين بالايمان على تحمّل هذا الكمّ من الاحزان.
والهمك الله الصبر والسلوان،
انها مشيئة الله، ولا اعتراض على مشيئته.
رحم الله نجلك البكر فادي، ومدّ الله في عمرك وعمر ابنائك،
بانتظار فادي الحفيد من صلب أخ له.



 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق