السبت، 7 فبراير 2015

الأكل في الصين

هل يأكلون هذا في بلدك؟
يمكن لأي شخص أو ضيف يتناول الطعام في الصين أن يتوقع بعض الأسئلة من زميله أو زميلته في العمل هناك، مثل، هل تتناولون الشعرية "النودلز"؟ وماذا عن الأرز؟ وأين تعلمت استخدام العيدان لتناول الطعام؟
يدهش كثير من الصينيين، عندما يعرفون أن أسلوب الطهي في بلدهم قد أثر كثيرا في المطابخ الأجنبية. فالمطبخ الصيني وأسلوبه الذي دخل دول العالم مع أشهر الطهاة المهاجرين، مفضل في المدن الأمريكية والبريطانية، ويتم تعلم مهارة استخدام عيدان الطعام منذ الطفولة. فمن الشعرية "النودلز" والصلصة والبهارات والأرز إلى كل ما يتعلق بالمطبخ الصيني موجود وتم جلبه وتكييفه من قبل الصينيين وفي أي مكان يذهبون إليه. ويمكن القول من دون مبالغة، إن المنتج الثقافي الصيني الأكثر أهمية والأكثر تأثيرا من الملابس والمصنوعات الأخرى، هو الطعام الصيني.
عندما أبحر كولومبوس غربا، كان يأمل في إيجاد طريق جديد لتجارة التوابل الشرقية. وبتعبير آخر، فإن الأمريكيين مدينون للأوروبيين باكتشافهم نكهة ومذاق الأطعمة الشرقية. ومثال آخر، هو أن الكفاح الأمريكي من أجل الاستقلال قد بدأ بعد إغراق 300 وعاء من المشروبات الصينية المفضلة لديهم في ميناء بوسطن. وشرب الشاي، كان شيئا غريبا، ولكنه الآن عادة تجنست وتأقلمت على جانبي الأطلنطي، وأمست أحد الطقوس الثقافية السامية في بريطانيا.

طريق شعرية النودلز!

أقدم تراث في المطبخ الصيني هو الشعرية "النودلز"، العنصر الرئيسي في المطبخ الآسيوي والإيطالي، ومطابخ أو وجبات الطلبة. اللغة الصينية فيها العديد من الأسماء للنودلز، مثلما لدى سكان الإسكيمو من أسماء للثلج. هناك الشعرية المميزة المصنوعة من القمح "ميان"، والشعرية المصنوعة من نشا الفاصوليا "فَن"، ومن الأرز "شيان"، ويمكن شراء النودلز مسحوبة "لا"، أو مكشوطة "تشي"، أو مضغوطة ميكانيكيا "يا"، أو مقشرة "شياو"، أو عجينة "روه".  ووعاء النودلز الحار المذاق الذي يكلف بضعة يوانات (الدولار الأمريكي يساوي 1ر6 يوانات) إذا تم تناوله من عربة في أحد شوارع بكين، قد يكلف مئات اليوانات إذا تم تناوله في أحد المطاعم الراقية.
ولكن الجدل حول ما إذا كانت الصين هي أصل أو مصدر النودلز لم يتوقف. بالتأكيد، هذا الأسلوب المعقد من تحضير الطعام لا يمكن أن يعود لمصدر واحد. فالأسطورة الشعبية تقول إن ماركو بولو أدخل المعكرونة أو الشعرية وكل أنواع الباستا إلى إيطاليا. حيث ذكر في أسفاره الشهيرة، أن الصينيين يعيشون في معظم الأحيان على الأرز، وأعشاب البنيّك، والدخن، ولم يكونوا يعرفون الخبز، بل كانوا يأكلون القمح في الشعرية وبعض المعجنات فقط. ومع ذلك، فالعديد من النقاشات التاريخية تشير إلى أن بولو كان قد جلب معه المعكرونة أو الشعرية عند عودته؛ إلا أن عشاق الطعام الإيطالي يصرون على أن بلادهم وحدها هي من اخترعت المعكرونة أو الشعرية. وإذا رغبت في رؤية مدى اعتزاز المواطن الإيطالي بهويته ووطنيته، فلا تحتاج إلا أن تشير إلى أن الطبق الأكثر شهرة في إيطاليا هو طبق مقتبس من النودلز الصينية!
وسواء كان الطعام الأوروبي مشتقا من الطعام الصيني أم لا، لا يوجد ثمة شك حول من اخترع النودلز أولا.  في عام 2002، اكتشف علماء الآثار أقدم شعرية (نودلز) في العالم في لاجيا في منطقة تشينغهاي الصينية، حيث وجدوها ملفوفة مثل ذيل ثعلب ومصنوعة من الذرة والدخن، ومحفوظة تحت وعاء من الفخار. تلك الشعرية المصنوعة والمفتوحة باليد، تعود إلى قبل حوالي أربعة آلاف عام. إن أول وصف كتابي للشعرية ظهر في فترة أسرة هان الشرقية، وأصبحت الشعرية "النودلز" غذاء شعبيا في القرن الثاني الميلادي.
جين لين لو، صحفية أجنبية متخصصة في الكتابة عن الطعام، عاشت في بكين أكثر من عشر سنوات، وعشقت الطعام الصيني أكثر من أي شيء آخر. وبعد أن تعلمت الطبخ الصيني، وعملت فترة طويلة في صنع النودلز في أرقى المطاعم، افتتحت أخيرا مطعمها الخاص الراقي بالعاصمة الصينية.
وخلال إحدى سفراتها إلى إيطاليا، لم تحتج السيدة جين لين ليو لجهد لتلاحظ أن بعض طرق وتقنيات الطهي الإيطالية هي عبارة عن نسخة مطابقة لأسلوب الطهي الذي تعلمته في الصين، فقررت أن تسافر عبر طريق الحرير، لتتبع مسار صنع الشعرية على طول الطريق بين بكين وروما. وكتابها "في طريق الشعرية" يجمع بعض أفكارها وانطباعاتها حول طرق عمل السباكيتي والمعكرونة، وطرق طبخها عبر آسيا الوسطى والشرق الأوسط. وكذلك الوصفات الغنية بالكربوهيدرات، التي تعلمتها من آسيا الوسطى والشرق الأوسط وأوروبا.
حمى الطعام الصيني تجتاح الغرب
كان رئيس الوزراء البريطاني الراحل كليمنت أتلي، قد قال مازحا ذات مرة،" أنا أحب الطعام الصيني، وطبقي المفضل هو رقم 27". توضح هذه المفارقة، مدى اجتياح شهرة الطعام الصيني للغرب، ورغم حب الأمريكيين والبريطانيين لأنواع الطعام والأطباق الصينية، إلا أنهم لا يستطيعون نطق أسمائها، بل الأكثر إحراجا أنهم لا يعرفون أسماء بعض هذه الوجبات السريعة التحضير.  
لقد دخل الطعام الصيني إلى الغرب في القرن التاسع عشر، عن طريق العمال الصينيين الفقراء المهاجرين. وقد طور الطهاة الجدد أسلوب طهي الأطباق لتتلاءم مع المكونات المتوفرة ومع الأذواق المحلية، ونجحوا في ابتكار أطباق جديدة تمزج بين أساليب الطهي المختلفة. وكان "الطعام الصيني" هو النجم الصاعد في عالم الطبخ. في عام 2010، ذكرت صحيفة ((الديلي ميل)) البريطانية، أن الأطباق الصينية قد تجاوزت شهرتها الأطباق الهندية، لتصبح الأطباق المفضلة في البلاد. وأيضا تجاوزت العديد من الأطباق المحلية في بريطانيا مثل طبق السمك ورقائق البطاطا الشهير. وفي الولايات المتحدة الأمريكية، هناك العديد من المطاعم الصينية التي  يفوق عددها مطاعم "ماكدونالدز وبرغر كنج وكنتاكي" الشهيرة. أشار تقرير كتبته الصحفية جينيفير لي، في ((نيويورك تايمز))، إلى المبالغ التي تحققها مبيعات كتب الطبخ، وجاء كتاب جين لين لو في المرتبة السادسة والعشرين بقائمة الكتب الأكثر مبيعا، وأشار التقرير أيضا إلى أن الأطعمة الصينية تأقلمت وتطورت كثيرا عند انتقالها من الصين إلى الولايات المتحدة الأمريكية، مع المهاجرين والمسافرين. ويفضل العديد من الأمريكيين الأطباق الصينية، مثل، طبق لحم البقر مع البروكلي، ويعود السبب إلى إبداع الطهاة هذه الأطباق بالمكونات المحلية. ويفضل آخرون أنواعا أخرى من المطبخ الصيني، مثل كعكة الحظ، المحفورة في أذهانهم من القصص والصور الخيالية حول الشرق الغامض. تقول لي "إن الطعام الصيني بالنسبة للأمريكيين الآن هو مثل فطيرة التفاح الأمريكية للشعب الأمريكي." ولكن ربما يكون الطبق الأبرز بين الأطباق الصينية هو (طبق دجاج الجنرال تسو)، وهو عبارة عن قطع دجاج محمرة لزجة التكوين غنية المواد، يفضله الكثيرون، لا سيما طلبة الجامعات في الغرب. هذا الطبق المشهور الذي يقدم في نحو 50 ألف مطعم صيني في أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية، حظي مؤخرا بتغطية في مسلسل تلفزيوني اسمه (البحث عن الجنرال تسو). هذا المسلسل يتتبع أصل الطبق وتسميته وطرق تقديمه في مطاعم الأحياء الصينية بالولايات المتحدة الأمريكية، ويستكشف تاريخ المهاجرين الصينيين وما لاقوه من إقصاء وعنصرية ثم قبول من المجتمع المحلي. في إحدى لقطات المسلسل، تظهر بعض الصور حول طبق دجاج الجنرال تسو، ويراها بعض أبناء شانغهاي، فيظهرون حيرة أمام ذلك الطبق الغريب عليهم. بعد ذلك، يظهر الطباخ المخترع لهذا الطبق واسمه بينغ، من أبناء تايوان، فيقول معلقا بتنهيدة طويلة: "الاسم نفسه، ولكن لا علاقة له بطبق دجاج الجنرال تسو". يبدو أن طبق الجنرال قد تأمْرَك أيضا!
الأشياء تعود لأصلها رغم الزمن والمسافات!
قد لا يكون مدهشا أن يتغير الطعام الصيني بعد هذه الرحلة الطويلة، إلى الحد الذي لم يعد يُعرف، مثلما يحدث مع ابن عمّ ابتعد لفترة طويلة، وعندما يعود لا يمكن التعرف عليه. لقد عادت الأطباق الصينية من الغرب، والولايات المتحدة الأمريكية تحديدا، إلى الصين، ولكن بخصائص أمريكية، كما حدث في مطعم افتتح مؤخرا في شانغهاي، متخصص في أطعمة صينية بخصائص أمريكية! قد تكون طريقة الطبخ مختلفة نوعا ما، والتقديم مشابه للمطاعم الأمريكية، خاصة السفري (تيك أوي)، ولكن يبقى الأمر مرهونا بالنكهة والأصل؛ فهذا يحاول الشراء على الطريقة الأمريكية، والآخر يرى الطعام بنكهته الصينية الأصلية!
 عن مجلة الصين اليوم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق