المذاقات الصينية
الصين دولة مترامية الأطراف، تختلف مناطقها من حيث الطقس والمحاصيل والتقاليد، وفي الطعام أيضا، فثمة مثل صيني يقول: "الأرز في الجنوب والشعرية في الشمال"، بينما يقول مثل آخر: "الحلو في الجنوب والمالح في الشمال والحمضي في الشرق والحريف في الغرب. تتنوع مذاقات الطعام الصيني الطعم حسب المواد المستخدمة فيه، واستنادا للحكمة الصينية القائلة: "من يسكن الجبل يعتمد على الجبل، ومن يسكن بالقرب من الماء يكسب قوته من الماء".
الحلو
الحلو هو أول طعم يشعر به الفرد في طرف لسانه. يفضل أبناء شانغهاي وقوانغدونغ وتشجيانغ وجيانغسو الأطعمة الحلوة نسبيا.
الحلاوة لها ارتباط بقصب السكر، وتعد منطقة "لينغنان"، أي مقاطعة قوانغدونغ ومنطقة قوانغشي وغيرهما من مناطق جنوبي الصين، من المراكز الرئيسية لإنتاج السكر، حيث يمر مدار السرطان بهذه الأرض الخصبة، فتساعد أشعة الشمس الوافرة في نمو قصب السكر.
البط المدخن، طعام لذيذ خاص في مدينة شانتو بمقاطعة قوانغدونغ. تعتمد كل المواد الخام المخللة ونار فحم الحطب على قصب السكر. السكر البُني مادة خام هامة للبط المدخن. السكر البني الذي يستخرج من قصب السكر، يعتبرونه في الصين من المغذيات، وتتناوله كل امرأة صينية تقريبا بعد الولادة. يستخدم أبناء منطقة تشاوشان السكر البني في تخليل الأطعمة. يخلل البط بالسكر البني والفلفل والخل والملح، ثم يدخن ويطهى على نار فحم الحطب، فيصير اللحم هشا وغضا وحلوا.
في جنوبي الصين، يستخدم الناس قصب السكر كمادة خام لتصنيع أنواع من الحلويات، مثل "الخبز الرقيق من البصل الحلو". المواد الخام التي تستخدم لعمل "البصل الحلو" هي مسحوق السكر والماء. يغلى مسحوق السكر في الماء حتى يصبح عصيرا، مع تقليل الحرارة، يقوم الطباخ بتشكيله ليصبح مثل البصل. "البصل الحلو" من المستلزمات الرئيسية في أعياد أبناء تشاوشان وفي الحفلات التذكارية لأسلافهم. إنهم يعبرون عن سعادتهم وتطلعاتهم الجميلة إلى المستقبل بشكل حلو.
المالح
دور الملح في الأطباق الصينية هو تنشيط الطعم. وفي قاموس المطبخ الصيني، المالح هو المذاق الأهم.
يحب أبناء منطقتي السهول الوسطى وشمالي الصين الطعم المالح. في الفصل البارد في شمالي الصين، يحفظ الناس الأطعمة بالملح. وقد تناقلوا هذا التقليد الغذائي المعتمد على الملح جيلا بعد جيل.
لا يستخدم الناس الملح في طبخ الأطعمة فحسب، وإنما أيضا في تخليل الخضراوات لحفظها، مثل "جيانغقهدا" و"شيويليهونغ" وبجانب تبهير الطعام، يستخدم الملح كأداة لطبخ الطعام. فالصينيون يطبخون "يانجيوي جي" (الدجاج المنضج بالملح) عبر تسخين الملح. تلف الدجاجة في ورق السنفرة، ثم توضع في الملح الساخن، فيمتص الماء منها ويصير لحمها طريا ولذيذا.
أثبت الطب الحديث أن الملح مركب كيماوي ضروري للحفاظ على التوازن الفيزيولوجي للجسم. ومواد الكلور والصوديوم والبوتاسيوم في الملح تؤثر على فاعلية العضلات والأعصاب والقلب والهضم وضغط الدم وإفراز الهرمونات وغيرها. بسبب ميل الصينيين إلى الطعم المالح، 60% منهم لديهم زيادة في الأملاح. وقد بدأت الهيئات المعنية متابعة هذه الظاهرة، فاتجه الصينيون إلى تقليل الملح في طعامهم.
الحمضي
"الحمضي" هو الطعم الساحر، يشعر به اللسان والأنف. الحامض يزيل رائحة السمك، فهو يلعب دور الليمون في الأطباق الغربية. الخل هو مصدر الطعم الحامض في الأطباق الصينية. يصنع الصينيون الخل من الحبوب، ونتيجة لاختلاف المواد الخام والتقنيات، يختلف طعم الخل من منطقة إلى أخرى، ففي مقاطعة شانشي له نكهة وعبق، وفي مدينة تشنجيانغ يكون حلوا إلى حد ما.
من المعروف أن أبناء شانشي يحبون الخل، وهذا له علاقة بخصائص الماء والتربة والمناخ والتقاليد الغذائية المحلية. الماء هناك قلوي، والناس يأكلون الحبوب الخشنة، وكل ذلك جعلهم يحتاجون إلى الخل لتحقيق الهضم والتوازن. لا يأكل أبناء شانشي طعاما من دون الخل.
في أرياف شانشي، لكل أسرة ريفية تقريبا خبرة في صنع الخل، وفي كل بيت جرة كبيرة لصنع الخل. الأسر في المنطقة السهلية تصنع الخل من الذرة، وفي المنطقة الجبلية من الأرز والعناب والكاكا.
الحريف
بجانب الحمضي، للطعم الحريف مذاق آخر يحفز الشهية.
"الحريف" هو كل طعم لاذع. الفلفل الأحمر والزنجبيل والديش الصيني، كلها توابل عادية في المطبخ الصيني.
في نهاية فترة أسرة مينغ، عندما دخل الفلفل الأحمر إلى شرقي آسيا، اعتبره الصينيون من نباتات الأصص، بسبب ثماره الحمراء والخضراء. بعد ذلك، اكتشفوا أنه يعطي الإنسان شعورا بالدفء فصار دواء.
حاليا، يرتبط الطعم "الحريف" في الصين بتبديد الرطوبة والبرد. إقبال أبناء سيتشوان وهونان وهوبي ويوننان وقويتشو وجيانغشي على الفلفل الحار يثير الدهشة في هذه المناطق الكثيرة الأمطار على مدار السنة. وقد ساهمت حماسة الفلفل الحار في تشكيل مزاج أبناء هذه المناطق.
"مابوه دوفو" هو طبق سيتشوان المشهور في الصين. صلصة فلفل سيتشوان من التوابل الهامة لهذا الطبق. تصنع صلصة فلفل سيتشوان بالفلفل الأحمر والصويا، هذه الصلصة لا تساعد في تجميل الطبق فقط، وإنما تكسبه مذاقا شهيا.
في عام 2013، نشرت "شبكة دوقوه" ((تقرير اتجاه وتطور الأطعمة اللذيذة في الصين لعام 2013))، فجاء الطعم الحريف في صدارة ألذ عشرة أطعمة صينية. يقول المتخصصون إن تزايد الإقبال على الطعم الحريف له علاقة بتطور الإنترنت عبر الهاتف النقال وسرعة إيقاع الحياة.
ما (اللاذع تقريبا)
الديش الصيني ("هواجياو" باللغة الصينية) من التوابل الأساسية للطعام الصيني. والديش مع الفلفل الأحمر ينتج مذاق "مالا"، أي اللاذع والحار. هذا المذاق ابتكار آخر لأبناء سيتشوان. رغم أن معظم أبناء سيتشوان لا يحبون وصف أطعمة منطقتهم بمجرد "مالا"، يعترفون بأن مذاق "مالا" ميزة لها وليس عيبا فيها.
"شويتشو يوي" (السمك المسلوق) من أطباق مالا" المشهورة. انتشر في البداية في منطقة تشونتشينغ وسيتشوان. يقطع السمك إلى شرائح ويسلق مع الفلفل الأحمر في الماء، وينثر عليه الديش الصيني، ثم يصب الزيت الساخن فوقه فيجعل مذاقه شهيا. الطبخ بهذه الطريقة لا يزيل رائحة السمك فحسب، وإنما أيضا يحافظ عليه طريا نديا. مع لون الفلفل الأحمر المتألق، أصبح "شويتشو يوي" طبقا مشهورا في أنحاء الصين.
"مالا" و"شويتشو" وغيرهما من عبارات الأطعمة الخاصة دخلت حياة الناس، فظهر مسلسل تلفزيوني بعنوان "مدرس مالا " و"حماة وكنة مالا "، ويحمل الكتاب الأكثر مبيعا في الصين عنوان ((شويتشو سانقوه)) (أي طبخ قصص الممالك الثلاثة بأسلوب شويتشو). وما يجمع بين عبارتي "مالا" و"شويتشو" هو تميز الأبطال والقصص بالأسلوب الحاد واللاذع.
شيان (الشهي)
الطعام الصيني لم يؤثر على حاسة تذوق الصينيين للطعم الحار فحسب، إنما أيضا على تذوقهم للطعام الشهي. الحفاظ على مذاق المواد الخام أثناء الطبخ ميزة أخرى للمطبخ الصيني.
المعنى الأصلي لكلمة "شيان" في اللغة الصينية هو طعم السمك الشهي غير المطبوخ. كيفية الحصول على المذاق الشهي للأطعمة بعد طبخها سؤال صعب. أبناء منطقتي قوانغدونغ وجيانغسو حلوا هذه المعضلة. "تشينغتشنغ يوي" (السمك المبخر) طبق تقليدي في قوانغدونغ. يسخن السمك كاملا على البخار بنار شديدة، فتمنع الحرارة العالية تسرب السائل من السمك ليحتفظ بمذاقه الشهي. العنصران الأساسيان في طبخ هذا الطبق أن تكون المواد الخام شهية وأن يتم التحكم بدقة في وقت التبخير.
الطعم الشهي "شيان" ينبعث من الطحالب الغنية بالألانين الذي يتوفر في البروتينات النباتية، ولهذا يحفظ الصينيون كثيرا من أعشاب اللافر البحرية عبر تجفيفها. نسبة البروتينات النباتية في عشب اللافر الجاف أكثر من 25%، فهو شهي جدا وهذا هو سبب عشق الصينين له. حاليا، وبرغم توفر مصادر التوابل في غلوتامات أحادية الصديوم يحب أبناء المناطق الساحلية الطعم الشهي من المواد الطبيعية أكثر.
الانسجام طريقة حياة وتجربة روحية ونمط للتعامل، يطمح إليه الصينيون حتى في الدبلوماسية وحكم الدولة. الطعم "شيان" الشهي هو التناغم الطبيعي للمذاقات المتنوعة، وميل الصينيين إلى هذا الطعم يجسد طموحاتهم الروحية.
"الحلو والمالح والحمضي والحريف وما وشيان مذاقات تجعل الأطباق الصينية تتنوع وتتغير كثيرا، وتوفر للصينيين وسائط تعبير لاستدعاء تجاربهم خلال حياتهم. في المطبخ الصيني، مهارة الطبخ ليست هي إبراز مذاق ما، وإنما تحقيق التوازن والتناغم بين المذاقات المختلفة. إنه هدف مثالي، ليس للطباخين الصينيين فحسب، وإنما أيضا للصين في إدارتها وتعاملاتها مع الدول الأخرى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق