حكمُ المنيَّة في البريَّة جارِ
ما هذه الدنيا بدار قرارِ
بينا يُرى الانسانُ فيها مخبراً
حتى يُرى خبراً من الاخبار
طُبعت على كدرٍ وأنت تريدُها
صفواً من الأقذاء والأكدار
ومكلّف الأيَّامٍ ضدَّ طباعها
متطلّبٌ في الماءِ جذوة نار
وإذا رجوتَ المستحيل فإنما
تبني الرَّجاء على شفيرٍ هار
فالعيشُ نوم والمنيّة يقظة
والمرءُ بينهما خيالٌ سار
والنفسُ إن رضيت بذلك أو أبت
منقادة ٌ بأزمة المقدار
فاقضُوا مآربكم عجالاً إنما
أعماركم سفرٌ من الأسفار
وتراكضوا خيل الشباب وبادروا
أن تستردَّ فإنهن عوار
فالدّهر يخدعُ بالمنى ويغصّ
إن هنّا ويهدم ما بنى ببوارِ
ليس الزمانُ وإن حرصتَ مسالماً
خُلق الزمان عداوة ُ الأحرارِ
إني وترتُ بصارمٍ ذي رونقٍ
أعددتهُ لطلابة الأوتار
أَثني عَلَيهِ بِأثرِهِ وَلَو أَنَّهُ
لَم يَغتَبِط أَثنَيتُ بِالآثارِ
لَو كنت تُمنَعُ خاض نحوكَ فَتية
مِنّا بحار عَوامِل وَشفارِ
ودحوا فويقَ الأرض أرضاً من دمٍ
ثم انثنوا فبنوا سماء غبار
قومُ إذا لبسوا الدروع حسبتها
سُحُباً مزرَّرة ً على أقمار
وترى سيوف الدَّارعين كأنّها
خُلُج تمدُّ بها أكفُّ بحار
لو أشرعوا أيمانهم من طولها
طعنوا بها عوضَ القنا الخطار
شوس إذا عدموا الوغى انتجعوا لها
في كلِّ أوبٍ نُجعة الأمطار
جنبوا الجياد الى المطيّ وراوحوا
بين السّروج هناك والأكوار
فكأنما ملؤوا عيابَ دروعهم
وغمودَ أنصلهم سراب قفار
وكأنما صنعُ السّوابغِ عزّه
ماءُ الحديد فصاغَ ماءَ قرار
زَرَداً فَأحكم كل موصل حَلقَةٍ
بِجُبابَة في مَوضع المُسمارِ
فتدرّعوا بمتون ماء جامد
وتقنّعوا بحباب ماءٍ جار
أُسد ولكن يؤثرون بزادهم
والأُسد ليس تدين بالإيثار
يتزين النادي بحسن وجوههم
كتزيُّن الهالات بالأقمار
يتعطفونَ على المجاور فيهم
بالمنفساتِ تعطّفَ الأظآر
من كل من جعل الظُّبى أنصاره
وكرمن فاستغنى عن الأنصار
والليثُ إن بارزتهُ لم يعتمد
إلا على الأنياب والأظفار
وإذا هو اعتقل القناة حسبتها
صلاً تأبطهُ هزبرٌ ضار
زردُ الدّلاصِ من الطعان برمحه
مثلُ الأساور في يد الإسوار
ويجرُّ حينَ يجرّ صعدة رمحهِ
في الجحفل المتضايق الجرار
ما بين ترب بالدماء ملبَّدٍ
زلق ونقع بالطّراد مثار
والهونُ في ظلّ الهوينى كامنٌ
وجلالة ُ الأخطار في الإخطار
تندى أسرَّة ُ وجههِ ويمينُه
في حالة الإعسار والإيسار
ويمدُّ نحو المكرمات أناملاً
للرزق في أثنائهن مجار
يحوي المعالي غالباً أو خالباً
أبداً يداني دونها ويداري
قد لاح في ليل الشباب كواكب
إن أمهلت آلت إلى الاسفار
يا كوكباً ما كان أقصرَ عمره
وكذا تكون كواكبُ الأسحار
وهلالَ أيام مضى لم يستدر
بدراً ولم يُمهل لوقت سرار
عجل الخسوفُ عليهِ قبل أوانهِ
فمحاه قبل مظَّنة ِ الإبدار
واستُلَّ من أتربه ولَداتهِ
كالمقلة استُلَّت من الأشفار
فكأنّ قلبيَ قبرهُ وكأنَّهُ
في طيِّه سرٌّ من الأسرار
إن يُحتقر صغراً فرب مفخّم
يبدو ضئيلَ الشخص للنظار
إن الكواكبَ في علوّ محلّها
لتُرى صغاراً وهي غيرُ صغار
ولدُ المعزّى بعضهُ فإذا انقضى
بعضُ الفتى فالكلُّ في الآثار
أبكيهِ ثم أقول معتذراً له
وُفِّقتَ حينتركتَ ألأم دار
جاورتُ أعدائي وجاورَ ربّهُ
شتّان بين جوارهِ وجواري
أشكو بُعادك لي وأنت بموضعٍ
لولا الرّدى لسمعتَ فيه سراري
والشرقُ نحو الغرب أقربُ شُقَّة
من بُعدِ تلك الخمسة ِ الأشبار
هيهاتَ قد علقتك أشراكُ الردى
واعتاقَ عمركَ عائقُ الأعمار
ولقد جريتَ كما جريتُ لغاية
ٍ فبلغتها وأبوك في المضمار
فإذا نطقتُ فأنت أوَّلُ منطقي
وإذا سكتُّ فأنت في إضماري
أخفي من البُرَ حاء ناراً مثل ما
يخفي من النار الزنادُ الواري
وأخفِّضُ الزفراتِ هي صواعد
وأُكفكفُ العبراتِ وهي جوار
وشهاب زندِ الحُزن أن طاوعتهُ
وارٍ وإن عاصيتهُ متوار
وأكفُّ نيران الأسى ولربّما
غُلب التصبُّرُ فارتمت بشرار
ثوبُ الرياء يشفُّ عما تحتهُ
فإذا التحفت به فإنك عار
قصرت جفوني أم تباعد بينها
أم صوِّرت عيني بلا أشفار
جفتِ الكرى حتى كأنَّ غرارها
عند اغتماض العين حدُّ غرار
ولو استزارت رقدة لرمى بها
ما بين أجفاني إلى التيار
أُحيي ليالي التمِّ وهي تميتني
ويُميتهنَّ تبلّجُ الأنوار
حتى رأيت الصبحَ يرفع كفّهُ
بالضوء رفرفَ خيمة ٍ من قار
والصبح قد غمر النجوم كأنهُ
سيلٌ طغى فطما على النُّوار
لو كنت تُمنعُ خاضَ دونك
فتية ٌ منَّا بحار عواملٍ وشفار
وتلهبُ الأحشاء شيَّبَ مفرقي
هذا الضياء شواظُ تلك النار
شابَ القذالُ وكلُّ غصن صائرٌ
فينانهُ الأحوى إلى الإزهار
والشبهُ منجذبٌ فلم بيضُ الدُّمى
عن بيضِ مفرقه ذواتُ نفار
وتودّ لو جعلت سوادَ قلوبها
وسوادَ أعينها خضابَ عذاري
لا تنفر الظبياتُ عنهُ فقد رأت
كيف اختلافُ النبت في الأطوار
شيئان ينقشعان أول وهلة
ٍ شرخُ الشباب وخُلَّة ُ الأشرار
لا حبذا الشيبُ الوفيُّ وحبذا
ظلُّ الشباب الخائن الغدار
وطري من الدنيا الشباب وروقُهُ
فإذا انقضى فقد انقضت أوطاري
قصرت مسافتهُ وما حسناتهُ
عندي ولا آلاؤه بقصار
نزداد هماً كلما ازددنا غنى
ً والفقرُ كلُّ الفقر في الإكثار
ما زاد فوقَ الزاد خلَّف ضائعاً
في حادثٍ أو وارثٍ أو عار
إني لأرحمُ حاسديَّ لحرِّ ما
ضمت صدورهُمُ من الأوغار
نظروا صنيعَ اللهِ بي فعيونهم
في جنة ٍ وقلوبهم في نار
لا ذنبَ لي كم رمتُ كتم فضائلي
فكأنَّما برقعتُ وجهَ نهار
وسترتها بتواضعي فتطلَّعت
أعناقها تعلو على الأستار
ومن الرجالِ معالمٌ ومجاهلٌ
ومن النجوم غوامضٌ ودراري
والناس مشتبهون في إيرادهم
وتباين الأقوام في الأصدار
عمري لقد أوطأتهم طرُقَ العلى
فعموا ولم يقفوا على آثاري
لو أبصروا بقلوبهم لاستبصروا
وعمى البصائر من عمى الأبصار
هلاَّ سعوا سعي الكرام فأدركوا
أو سلّموا لمواقعِ الأقدار
ذهب التكرُّم والوفاء من الورى
وتصرّما إلا من الأشعار
وفشت خياناتُ الثقات وغيرهم
حتى اتهمنا رؤية الأبصار
ولربما اعتضدّ الحليمُ بجاهل
لا خير في يُمنى بغير يسار
لِلَّهِ دُرُّ النائِباتِ فَإِنَّها
صَدأُ اللِئامِ وَصيقل الأَحرارِ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق