دارس اللغة الصينية عليه ان يتعامل مع عدّة أمور. ثمّة غصّة دائما ، فيما يبدو، في قلب دارس اللغة الصينية.
ليس لي أي مصلحة في دراسة اللغة الصينيّة غير المتعة التي أحصدها، وأنا أتوغّل في أدغال رموزها، ودهاليز حضارة الصين العريقة.
ولكن هل يخلو عمل من مصلحة؟
لا مفرّ من المصلحة. ولكن للأسف صرنا نهرب من كلمة " مصلحة" لأنّنا لوّثنا سمعة دلالتها. فهي من جذر " صلح"، ولا يخلو هذا الجذر من دلالات هنيّة وعفيّة، ولكن من بطنه خرجت كلمة " مصلحة"، و " مصلحجي" فاكتظّ المعنى بالمفاسد!
المهم، ثمّة مصالح نبيلة، هدفها سامٍ. ولعلّ هدفي من تعلّم اللغة الصينية هو النظر إلى اللغة العربية مجال شغلي واهتمامي وشغفي من منظور مختلف. على المرء أن يستمر في اكتساب وجهات نظر جديدة رأفة بعينيه من النظر الرتيب.
وسبب آخر ربّما دفعني الى تعلم الصينية هو أنّ اللغة الصينية مرّت بظروف مشابهة للغة العربية.
طال الاستعمار الصين كما طال العربي، ولقد نجح الاستعمار في تمزيق العالم العربيّ ولكنّه لم ينجح في تمزيق العالم الصيني. ولعلّ العالم العربيّ ينطبق عليه تعبير صيني عاشته الصين في زمن مضى وهو " الممالك المتحاربة" .
ولعلّنا نحتاح الى من يشبه تشين خوانغ تي لإصلاح حالنا، ورتق تمزقاتنا الجغرافية والروحية.
شيء من مخلفات الاستعمار للصين لا يزال قائما وهو اللغة الصينية المكتوبة في وجهيها القديم والمستحدث.
خلاق أو من معالم الارتقاء. رغم ان اللغة في البلدين هي واحدة.
ولكن عليك أن تتخيّل مثلا ان العالم العربي يكتب بطريقتين طريقة قديمة قبل ابتكار أشكال للحركات والإعجام، والطريقة الحالية.
هنا في الصورتين رمز واحد لكلمة واحدة هي حمار. رمز بسيط تستعمله الصين، ورمز تقليدي تستعمله تايوان.
القديم حاضر، يمكنك الاستغناء عنه، ولكن لا يغيب عن عينيك، فهو يظهر في المعاجم، ويظهر لك حتى في شوارع الصين. الكتابة الفنية تعتبره أصدق من المحدث في التعبير عن الذهنية الصينية الحقيفية التي أنتجته.
من هنا يجد المرء نفسه مدفوعا إلى إلقاء نظرة الى الرمز القديم ليفهم أكثر تركيب الرمز الجديد، ويحاول سبر دلالة المحذوف أو المتغيّر.
أتعمّد كتابة هذه الخاطرة تحت عنوان استراحة صينية لأنّ الصينية هامش ترفيهيّ هذا ما أقوله لنفسي بهدف كسر الحاجز بيني وبينها.
الكلمات التي نختارها تحدّد مصائرنا.
قلت إن أحد أسباب دراستي للصينية هو نظرة العرب الراهنة للغتهم.
المتخلّف يظنّ لسذاجته أنّ لغته سبب تخلفه، فيدير ظهره لها ظنّا منه أنّ إدارة ظهره للغته وسيله للخروج من التخلّف رغم أنّ هذا الموقف الساذج هو اعتراف غير مباشر بتخلّف متبني هذه النظرة. لأن اللغة بكل بساطة بريئة، فهي صورة مستعملها، إن تخلّف تخلّفت، وإن نهض نهضت.
والصين في فترة تخلفها ظنّت أن تخلفها ابن رموزها الكتابية، ولكن حين اجتهدت وتعبت وعملت وبدأت تحصد غلّة تعبها غيّرت نظرتها للغتها وبدأت ترفع من شأنها.
قصر النظر لا غير هو ما يدفع المرء إلى استصغار شأن لغته او احتقارها أو تفضيل غيرها عليها.
ماذا نقول عن إنسان يحبّ أمّ غيره أكثر من أمّه؟
العقوق أشكال وألوان!
ولكن يعتبر البعض أنّ العقوق من مكارم الأخلاق أو من معالم الارتقاء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق