الخميس، 8 يوليو 2010

لسان فالت وطويل












تدرج الصحف في صفحاتها الداخلية أخباراً متفرقة باعتبار أنها لا تستحق ان تتصدر كالشؤون السياسية الصفحات الأولى. ولفت نظري مرة قول لنجيب محفوظ عن ان عددا من رواياته كان وليد خبر صغير مركون في زاوية جريدة. قرأت، ذات يوم، خبرا داميا كان مسرحه قرية من قرى مصر، ومفاده ان امرأة سافر زوجها إلى إحدى دول الخليج للعمل وتحسين وضعه الاقتصادي، والبطالة في البلدان العربية غير النفطية تجعل الواحد يحلم بنعيم الصحراء، وعدد لا بأس به من المغتربين في دول الخليج يعانون حرمانا عائليا لأن شروط العمل لا تسمح لهم أحيانا باستحضار عائلاتهم معهم. وهكذا يكون الحرمان مزدوجاً من دفء الوطن ومن حنان العائلة.
بعض الرجال يعتبرون المرأة التي تعيش بعيدا عن زوجها لأسباب اقتصادية لقمة سائغة، أو صيداً في متناول النزوات، فتصير مطمعا للزعران. وكان من نصيب هذه المرأة التي تعيش مستورة في قريتها أن حام حولها رجل وراح يتحرّش بها، ويغويها، وهي تنهره وتزدري مسلكه. فهي لم تفكر حتى مجرد تفكير ان تخون ثقة من يتحمل شظف الوحدة لأجل حياة مستقبلية أفضل.
وكان ذلك الرجل لحوحا، لم ييأس من صدها. وراح ككثيرين يفلسف الصدّ على أساس أنّه تمنّع مصطنع سرعان ما ينهار. فهو يرى في ذاته قدرة على ان يغري أي امرأة، لأنه "دون جوان" عصره، وكلمات "عمر بن أبي ربيعة" تسكن على طرف لسانه.
صدم الرجل من فشل محاولاته الكثيرة، فثارت ثائرة فحولته المكنونة وقرر ان ينتقم من صدّها واستخفافها به، فراح يسرّ لأصحابه انه على علاقة سرّية معها، والكلام ينتشر كألسنة اللهب في الهشيم.
تغيرت نظرة أهل القرية إليها، وضحايا الكلام كثر، وراح البعض يفسر إظهار احتقارها له على انه نوع من التقية لإخفاء العلاقة الآثمة. فقررت ان تنازله في الأرض. استجمعت هذه المرأة انوثتها، وليس ثمّة أمضى من سلاح الأنوثة فتكاً. كانت تعلم، في طوية نفسها، ان عبارة الجنس الضعيف تنطبق على الرجال أكثر مما تنطبق على النساء. ومن غباء الرجال ربّما اعتبار رقة الأنوثة هشاشة وضعفاً، في حين ان المرأة تعرف تماما أنّ رقّتها رهيفة كالشفرة، وكيدها يجعل الثرثار مبلوع اللسان.
قررت ان تشن هجوما مضادّا، ان تمنع لسانه من ان يلوك سمعتها على مسمع من الناس. تسلحت بمفاتنها، والمفاتن كمائن. والمرأة يمكن ان تدوخ الرجل بنظرة، فلم لا تدوّخ هذا الهمّاز اللمّاز؟ بيّتت النية على إخراسه. خرجت ذات يوم من البيت، وتظاهرت بنسيان إساءاته، ورصدته، وحين رأته رمقته بنظرة كالسهم، وبابتسامة لا تخلو من شبق. كانت نظرتها كالنداء، وابتسامتها ناطقة بأكثر من لسان. طار لبّ الرجل، استعاد ثقته بفحولته ودونجوانيته. تكررت النظرات اللمّاحة، إلى ان استدرجته إلى موعد في حقل من حقول الذرة، راح الرجل يحلم بيوم اللقاء الأرجوانيّ، وصلت على الموعد وكان بانتظارها، النزوة على شفتيه، والشهوة تفتل رأسه، راحت تكلّمه بكلام حارّ يوقظ الرغبات الدفينة،‏ ثم أوهمته أنها تتحرّق لتقبيله، فاستسلم لرغباتها المعلنة ولرغباته المحمومة، وفي مهارة خاطفة التقطت لسانه في فمها وضغطت بكلّ ثورتها عليه حتّى قطعته بأسنانها التي سنّها الانتقام وبصقته في وجهه، وساعتئذ اطمأنت إلى انه لن يستطيع ان يفتري عليها بالكذب والشائعات بعد ان أضحى لسانه جثة صغيرة تتلوّى روحها في الأرض.
ورأت ان مواجهة جناية "إحداث عاهة" ارحم من مواجهة سياط نظرات شكاكة. ويبدو ان بعض العبارات تتمرد على مجازيتها وتمارس حياتها الطبيعية منها عبارة "بدّو قصّ لسان".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق