كتبهابلال عبد الهادي ، في 27 شباط 2012 الساعة: 16:14 م
الانسان
يولد وفي مسْمعَيه شوق للحكايات، أجد لذّة وانا اتسكع في بستان الحكايات والخرافات
والأساطير . واقطف منها، حين يصحّ لي القطف، ما يطيب لي معناه .استوقفتني هذه
الحكاية التي يعود تاريخ أحداثها الى زمن مضى. يروى ان أحد الملوك، كان لديه وزير
حكيم، الحكمة المتوفرة في الوزير قد لا يفطن لرؤيتها في بداية الحكاية. هل فطن كليم
الله موسى عليه السلام لحكمة الرجل الصالح؟ الم تستغرب عيناه ما تشاهدان من سلوك
ينسف المنطق من أساسه؟ كان من دأب الملك اصطحاب ذلك الوزير معه في حله وترحاله،
وكان كلما أصاب الملك ما يكدره، يقول له الوزير عبارة لا تفارق شفتيه : " لعلّه خير
". فيهدأ الملك على أمل أن ينبلج صبح ذلك الخير من ذلك المصاب. وفي إحدى المرات شاء
سوء حظّ الملك أن يتعرّض لحادث يقطع على أثره اصبعه، فقال الوزير معلقاً على الحدث
الدامي : "لعلّه خير".هنا، لم يتمالك الملك اعصابه لدى رؤية كفّه وهي مبتورة
الإصبع ودمه ينفر امام عينيه. قال الملك محنوقاً لوزيره : وأين الخير في ذلك ايّها
الاحمق المعتوه؟! ثمّ أمر بوضع الوزير في السجن للتخلّص من خيره الفائض (اللافت في القصص والحكايات أنّ السجن يكون بمثابة رحم
ينضج في داخله خلاص غير مكتمل). لم يغضب الوزير من قرار الملك بل
قال اللازمة المعهودة:" لعله خير". ومكث الوزير فترة طويلة في السجن.
خرج
الملك، ذات يوم، للصيد، وابتعد عن الحراس ليتعقب فريسته، فمرّ بقوم من عبدة
الاصنام، فرحوا به فرحا عظيما إذ كان مجيئه بمثابة فرج، لقد وصل الملك اليهم، في
الوقت المحدد، فقبضوا عليه بنيّة تقديمه قرباناً لصنمهم المعبود، ولكنّ للأصنام
شروطا لا يمكن، فيما يبدو، المسّ بها، وهو انها لا تقبل الا ضحية كاملة الأوصاف، بل
ان الضحك عليها بضحية مشوّهة قد يثير غضبا لا تحمد عقباه. لقد اكتشف رجال القبيلة
ان الملك مبتور الاصبع، غير صالح لان يقدّم قربانا كريما لصنمهم المتطلّب، فتمّ
اطلاق سراحه. لم يصدق الملك عينيه وهو يرى كيف انه تخلّص من موت مقدور بفضل اصبعه
المبتور. راح الملك يحمد الله من اعماق روحه المذعورة على انّه يعيش بلا اصبع. حين
وصل الى مملكته كانت اوّل خدمة يقوم بها هي اخراج وزيره المظلوم من السجن. وما ان
وصل الوزير حتى نهض الملك من مجلسه معتذرا من سوء مسلكه مع وزيره الحميم والحكيم.
وقال له أنّه أدرك الآن الخير المتواري في قطع إصبعه. وقال له:
تصوّر لو ان اصبعي لم يزل في مكانه، اين كنت سأكون؟ معك حقّ من أين لبالي الحسير ان
يخطر له انّ الشرّ المعجلّ قد يكون خيرا مؤجلا.
انتبه
الملك الى ان الوزير تلفظ، حين اقتياده للسجن، بعبارته المأثورة: " لعله خير".
فسأله الملك: واين الخير بعد ان رميتك في السجن ظلما، شهورا طوالا ؟ هنا، هزّ
الوزير رأسه مبتسماً، وأجاب: ان السجن كان نعمة مضمرة على حياتي، فأنا لو لم اسجن
لكان عليّ ان اصحبك في رحلة الصيد، وكنت سأقع اسيرا مثلك في قبضة عبدة الأصنام،
وبما أنّ الحظّ لم يحالفني في بتر اصبعي او اي عضو من أعضاء جسدي فإنني كنت سأكون
القربان البارد أو الغنيمة الباردة لصنمهم المعتوه. وخسارة شهور، يا مولاي، في
ديجور السجن خير من خسارة العمر كلّه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق