الأحد، 16 أغسطس 2015

مقال لسوسن الأبطح " العرب في ضيافة بكين"

سوسن الأبطح



أيام ويحط العرب رحالهم في معرض «بكين الدولي للكتاب» وسط دور نشر قد تتجاوز الألفين، آتية من نحو 60 دولة. معرض عملاق بات يضاهي «فرانكفورت» وكبريات المناسبات العالمية المخصصة للكتاب. وبحسب ما يقال فإن ما ينظم، يعتبر بأنه الأضخم في تاريخ التعاون الثقافي العربي - الصيني.
تستفيد دولة الإمارات من دعوتها كضيف شرف، هذه السنة من قبل معرض بكين، لتقدم الثقافة العربية للصينيين بأفلامها وأدبها وفكرها وخطها ومؤلفاتها، مستعينة باتحاد الناشرين العرب.
الصينيون من جهتهم، قاموا بخطوات جبارة في السنوات الأخيرة لتعريف العالم بعاداتهم وتاريخهم وخصوصياتهم، وكان للعرب من الطيب نصيب. «معهد كونفوشيوس» وصل إلى مدن صغيرة لم تكن تتخيل أن تسمع اللسان الصيني يومًا، أو ترى مخلوقًا يسعى إليها من أقاصي الأرض. أساتذة المعهد لا يوفدون كمدرسي لغة، على الطريقة العربية المبتورة، إنهم وباعترافهم رسلٌ مهمتهم تجسيد ثقافتهم في حركاتهم وسكناتهم وسلوكياتهم حيث يقيمون. المعلم الصيني بهذا المعنى يمثل أمته. كل أستاذ سفير لبلده، ومؤتمن على مهمته. شعب له في الوطنية دروس وعبر ما يستحق أن يتعلمه العرب.
عام 2011 وحده، وقع الصينيون مع العرب 271 اتفاقية حقوق نشر، وأصدرت دور النشر الصينية 50 كتابًا بالعربية خلال سنة واحدة. الهدف دائمًا أن تصبح الصين أقرب، وأهلها عند الآخرين أسلس، وأن لا تمر معرفتنا بهم عبر الغرب بكتبه المترجمة أو مؤلفيه بانطباعاتهم الخاصة، التي غالبًا ما تصدر عن أفكار جاهزة ومسبقة.
ثمة خطة محكمة كالأخطبوط للتمدد والتوسع. الصين لا تنام هذه الأيام، كلٌ هناك يسعى في اتجاه، وتبعًا للدور المسند إليه، لإحكام القبضة. الكتب، مثلاً، لا تترك لقدرها. دور النشر المعتمدة، تعمل على ترجمة المؤلف الواحد إلى اللغات التي تجدها مناسبة، وتروج له في كل بلد وفق مزاج ناسه. المؤلفون والناشرون والمترجمون المهرة، الذين يشاركون في هذه المهمة، على اختلاف جنسياتهم، يكافأون على مستوى عال، ويمنحون أرفع جائزة ثقافية رسمية من الحكومة الصينية، تقديرًا لجهودهم، يتسلمونها من نائب رئيس الوزراء وفي احتفال كبير في قاعة الشعب الكبرى في بكين. وقد كرم من العرب لغاية الآن المترجم المصري الدكتور محسن فرجاني، والرئيس التنفيذي لـ«بيبسيكو» الأردني سامر خير.
لا شيء يترك للصدفة، في الصين، إذن، والنتائج مشجعة وخصبة. يبدو أن فوز الروائي مو يان بجائزة نوبل للآداب عام 2012 فتح لبلاد التنين المعروف بلدانته ومرونته، الباب واسعًا لتسويق الأدب الصيني. روايتاه اللتان ترجمتا إلى العربية في مصر، تلقفتا بنهم من قبل القراء. هناك من يعتبر، بسبب هذه الظاهرة، أن الشعوب العربية متعطشة إلى الأدب الآسيوي لأنها ترى فيه ما يشبهها ويعكس صورتها وتطلعاتها. الحفاوة التي لاقاها أدونيس في الصين هي أيضا لافتة. فهو بعد خمس زيارات لا يزال ينعم بوهجه هناك، بل يرى أن الصينيين يقرأون الشعر أكثر من أي شعب آخر. لا بد أنه مندهش، بعد أن ترجمت له أربعة كتب، من بيع 40 ألف نسخة، وغير مصدق أن عناوينه ترد في المكتبات بين الأكثر مبيعًا. أحد الباحثين الصينيين يستغرب أن يصل أحد دواوين أدونيس إلى طبعته العاشرة وهو أمر نادرًا ما تسعد به كتب الشعر التي بات كسادها مستشريًا، لكن ربما أن الجائزة الذهبية التبتية التي منحت له عام 2013 كانت وراء الترويج له والتعريف باسمه.
العرب لهم جهودهم أيضًا، الجزائر بسبب علاقاتها الخاصة مع الصين والروابط الاشتراكية القديمة، لها تعاونها الثقافي المعروف، والمملكة العربية السعودية سبق أن حطت ضيف شرف قبل عامين على معرض الكتاب في بكين. وربما ليست مصادفة أن يتم اختيار الأستاذ الصيني تشونغ باعتباره شخصية العام الثقافية لجائزة الشيخ زايد للكتاب في الإمارات عام 2011. قطر أيضا نسقت الكثير من النشاطات المشتركة، وقررت جائزة كتارا ترجمة الكتب الفائزة بها إلى أربع لغات بينها الصينية، وهو ما لم يكن متصورًا قبل سنوات قليلة فقط.
مشروع «مؤسسة الفكر العربي» للترجمة الصينية، ليس بعيدًا عن هذه الروح، والعناوين دالة، خمسة كتب ترجمت إلى الآن، تحكي عن التقاليد الصينية: «ماذا جرى في الصين؟»، و«طريق الصين»، و«النظرة العلمية إلى التنمية»، و«الابتكار طريقنا إلى الفوز»، و«التعليم الجديد في الصين». ولها في السوق قراء ومهتمون. فهذا البلد القصي يستثير نهضته الكبيرة بعد كبوة مخيفة، فضول الكثيرين من المحبطين العرب.
ثمة استحقاق ينتظر العرب في بكين، الصينيون متحفزون ومتأهبون وخرائط الطرق التي يريدون تعبيدها جاهزة، العرب رغم الاهتمام الذي أبدوه في السنوات الماضية، فإن عملهم يبقى في إطار المبادرات المتفرقة من هذه الدولة أو تلك المؤسسة. أمام بلد هو بالفعل قارة، تذهب الإمارات ضيف شرف، يعرف أن له إخوة يشاركونه الثقافة والتاريخ، ويصحبهم معه بكل زخمهم وحماستهم.
المشكلة ليست هنا، وإنما في أن العرب لا ينسقون إلا في اللحظات الأخيرة، بينما يرسم الآخرون خططهم قبل سنوات طويلة. لا يزال العرب يستذكرون بألم، رغم مرور 11 سنة، أداءهم المخزي، عند استضافتهم كضيف شرف في «معرض فرانكفورت للكتاب»، حيث لم يخرجوا بكبير زاد، فهل يعوضون، هذه المرة، في الصين عن خذلانهم في ألمان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق