وردت الحكاية
التالية في كتاب الياباني هيروشي موريا وهو شرح لكتاب صينيّ كلاسيكيّ شهير
بعنوان" الاستراتيجيّات الـ 36 في فنون القتال". بين التجارة والحروب
صلة رحم وطيدة، وأغلب الحروب المستعرة في
الأرض هي بنت الجشع الاقتصاديّ تحت مسميات اخلاقية كثيرة. فهل عبارة " حقوق
الانسان" تختلف في الجوهر عن عبارة " قميص عثمان" أو " حصان طروادة"؟
القصّة التي
اتناولها هنا هي عن تاجر صينيّ مهاجر. تاجر فقير، فكّر بطريقة غير مألوفة في إدارة
حياته وتأسيس مستقبله. التجارة تعني الربح، ولا احد يفكر عمليا ان يبيع للبيع على
غرار تلك المدرسة الفنية التي كانت تنادي بالفنّ للفن. التاجر يتوخّى الربح. ولكن
هناك اليوم تجارة المجّان، أو اقتصاد المجّان، ومنذ فترة قرأت كتابا طريف العنوان:
"Free! Comment marche l'economie du gratuit" . وطريف
المضامين للكاتب كريس ادرسون Chris Anderson ، وهو عن الأرباح الطائلة التي
يدّرها البيع المجاني.
طبعا الفكرة
مغايرة للمألوف، انماط التفكير كثيرة ومتنوعة، ومنها نمط يسمّى " التفكير
بالمقلوب" ، وهو نمط فعّال ومدرار، واختراعات كثيرة في العالم هي بنت هذا
النمط من التفكير. والكاتب اندرسون يعطي مثالا عن الثروات الهائلة التي جناها من
يبيعك بضاعته بالمجان، فمحرّك البحث العملاق" غوغل" مثلا لا يأخذ منك
قرشا مقابل المعلومات الهائلة التي يقدمها لك. تقدّم لك المعلومات مجّانا بكبسة
زرّ، وبفضل هذه المجانية اضحت غوغل امبراطورية اقتصادية ضخمة. وكذلك الأمر بالنسبة
لموقع التواصل الاجتماعيّ "فايسبوك"، فانت تفتح حسابا على موقع
الفايسبوك، وتتواصل مع من شئت مع الأصدقاء دون أيّ كلفة، لا يأخذ منك زوكربرغ قرشا
واحدا، ولانه لا يأخذ منك قرشاـً واحدا انهالت عليه الدولارات بالمليارات! عدم السعي إلى الربح قد يجلب لك الربح الوفير.
في الصين عبارة
تقول: بناء منزل بيدين خاليتين" هذه هي السياسة التي اتبعها التاجر الصيني.
انه قرّر ان يبيع الجعة من دون أن يربح شيئا، يبيعها بسعر الكلفة، ممّا كثّر
زبائنه، فالزبون يحبّ التوفير على جيبته، وخصوصا حين يكون المنتوج واحدا. كيف يربح
وهو يبيع بسعر الكلفة؟ السؤال يثير الحيرة، ولكن الحياة ليست ألغازاً. لم يفكّر
التاجر الصينيّ ان يربح من الجعة، ولكنّه
كان يربح من الصناديق التي تبقى عنده. كان يجني ارباحه من الصناديق التي كانت
تحتوي عشرات القوارير من الجعة. لم يكن الرجل أحمق. كان ربحه يشبه الغبرة، ولكن
تكديس الغبار يصبج مع الوقت جبلا، وفي العربية مثلان يقول الاول منهما:" انما
الجبال جمّعن من الحصى"، والمثل الثاني :" انمّا السيل مجموع نقط".
اشتغل التاجر الصيني على جمع النقط ( وفي ذهنه السيل) واشتغل التاجر الصيني على
جمع الحصى ( وفي ذهنه الجبل). كان مواظبا على عمله وحصل على رأسمال من بيعه
المجاني ليوسّع فيما بعد عمله وينشئ مؤسسته الموعودة.
حكيت هذه القصة
لصديق لي، فزودّني بقصّة مشابهة لها في المعنى لا في التفاصيل. اخبرني ذلك الصديق
عن مهاجر كان يبيع فستق العبيد بسعر الكلفة، ولكنه في آخر النهار، كان يربح مبلغا
لا بأس به. كان يبيع العبيد، ولكنه يضع فستق العبيد ملفوفاً في ورقة. وسعر الورق
ليس كسعر فستق العبيد. الفارق بين سعر
الورق وسعر فستق العبيد هو ما يجنيه ذلك البائع في آخر النهار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق