ليس من السهل أن يخرج نمر، من صلب رجل، ولكنّ خروجه من خيال رجل ما أمر غير مستبعد الحدوث، فالخيال ولود. عبارة هذا العنوان" ثلاثة رجال أنجبوا نمراً" ترجمة لقول صينيّ مأثور، وهو يلخّص حكاية قديمة حصلت في الصين، ولا تزال حيّة إلى اليوم في أفواه الصينيين. ما يلفت الانتباه هو أنّ حكايات الماضي تعيش في صلب الحياة اليومية الراهنة، وتنتمي عبارة العنوان إلى ما يسمّى في اللغة الصينية ب...الـ" شانغ يو cheng yu" أي القول المأثور الذي يخفي وراءه حكاية ما. وأيّ نصّ صيني حديث يخلو من "الشانغ يو" ينظر إليه على أساس أنّه نصّ أبتر، ناقص، وغير وفيّ للتراث، بخلاف ما هو عليه الحال في بلادنا اذ ينظر على من يستعمل الأمثال أو الأقوال المأثورة في كتاباته بأنّه " دقّة قديمة " أو من زمن غابر. تعود حكاية هذا المثل إلى فترة الممالك المتحاربة وهي الحقبة التي تمتدّ من القرن الخامس إلى الثالث قبل الميلاد. أراد ملك "مملكة واي" أن يرسل في بعثة إلى "مملكة دجاو" واحداً من مستشاريه يدعى" بانغ غونغ" لحلّ خلاف عالق بين المملكتين. خاف المستشار ألاعيب حاشية البلاط وتقليب الناس عليه في غيابه وبثّ الأقاويل والإشاعات التي قد تسيء الى سمعته ومستقبله، فالغياب مسرح للغيبة! أراد أن يحتاط للأمر، ويبعد عن نفسه الألسنة الناهشة، فتوجّه إلى الملك قائلاً: إذا أخبرك أحد ما، يا جلالة الملك، عن وجود نمر يتجوّل في السوق، هل تصدّقه؟ أجاب الملك: بالتأكيد لن أصدّقه. وفي حال جاء شخص ثان وقال لك ّإنّه رأى نمراً يتجوّل في السوق هل تصدّقه؟ هنا، ينتابني الشكّ، أجاب الملك، فتجوال النمر صار خبراً قابلاً للتصديق. وفي حال قدم شخص ثالث، قال المستشار، وأخبرك بأنّه رأى نمراً في السوق، ماذا تقول؟ هنا، اعتبر الملك أنّ وجود النمر في السوق مسألة لا خلاف حولها ويصعب نكرانها.
وهكذا من لا شيء، أو بالأحرى، من مجرّد كلمات تفوّهت بها شفاه ذات نوايا خبيثة، صار للنمر الوهميّ كيان من شحم ولحم جوّال في الأسواق. تريد الحكاية الصينية لفت النظر إلى وجه الشبه القائم بين الإشاعة والنمر الوهميّ الجوّال، وهو نمر ذو وجود مزيّف كالإشاعة، وجود من طينة العدم، ولكنّه شرس ومفترس. أليست الإشاعة، في كثير من الأحيان، وهماً من شحم ولحم تسرح وتمرح على ذوقها في أذهان الناس؟
بلال عبد الهادي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق