مناسبة النصّ:
كانت كتب الأدب
العربيّ تدرج قبل النصّ المدروس "مناسبة
النصّ" اي الظروف التي ساهمت في انتاج النصّ. واجد ان فكرة " مناسبة النصّ"
سليمة الى حدّ ما. لمعرفة مفتاح النصّ.
لا انكر ان
قراءة نصّ ما لا تخلو من مشقّة. ليس كل النصوص ، فثمّة نصوص تكتب وهي خارج اي مناسبة
، ولكن اتكلم هنا تحديدا عن نقطتين هما " المدح" و" الهجاء" بكل
تشعباتهما. واقصد بذلك خروج الكلمتين من عالم الشعر الى عالم النثر. اي الخروج من الغرضين
الشهيرين في الشعر العربيّ. فلقد التصق الشعر العربيّ القديم بالمدح ارتباطا رهيبا
بحين ان القصيدة كان يمكن ان تسمّة" المدحة" .
يخطر ببالي
هنا ان اتكلم عن الهجاء والمدح في الصحف تحديدا، وحين اقول الصحف فانما اقصد كل اغراض
الصحف، ففي الصحيفة الواحدة صفحات فنية وثقافية وادبية وتلفزيونية ورياضية .
سؤالي هو التالي:
كيف اعرف قيمة ما أقرأ وانا لا اعرف الكاتب ولا اعرف المكتوب عنه مثلا ولا اعرف خلفيات
الكاتب الذي كتب هذا المقال او ذاك . تشاء المصادفات احيانا ان اقرا كتابا ما واجده
رائعا ، ولكن اقرأ في يوم تال مقالا يهشم بالكتاب، وينتقد افكاره او اسلوبه او عوالمه،
واحيانا يكون العكس، احضر مسرحية ما وتكون المسرحية متعبة، ومتعبة، ومجلبة للملل في
العيون على سبيل برودة التمثيل او ركاكة النص وفي اليوم التالي اجد من يكيل لها المديح
في هذه الصحيفة او تلك.
وتشاء الصدف
احيانا ان التقي بكاتب لمقال حول كتاب ما او مسرحية واجده " يفخّت" بما كان قد كال له المديح
.
المجاملات
في الكتابة من أسوأ انواع الخصال، هي مرض مستشر في الصحف، هي اشبه بتبادل خدمات.
والمضحك في
بعض الكتابات الصحفية في مجال مراجعات الكتب هو ان يكتب شخص ما عن كتاب لم يقرأه، وتشاء
الصدف ان اكون قد قرأت هذا الكتاب ومن خلال التفحص اعرف ان الكاتب الذي كتب عن الكتاب
انما كتب ما كان قد كُتب عن الكتاب، اي ينسب الى نفسه مجهود غيره.
يكتب هذا الكاتب
او ذاك عن الكتب وليس في فكره الكتاب الذي يكتب عنه انما العلاقات العامة التي يريد
ان يبنيها، علامات عامّة تقوم على الضحك على العامّة وبعض الخاصّة. أو ليس في ذهنه
الا المبلغ الذي سيتقاضاه عن مقاله الذي كتبه أو لفّقه او جمعه من هنا وهناك..
هناك كتابات
كثيرة ملوّثة بالمنافع والمصالح والثأر.
ونادرة هي
الكتابات التي تحافظ على البيئة الفكرية والروحية والكتابية.
ولأني لا ابتغي
التشهير وانما اتناول فكرة عامّة، لفت نظري اليوم
مقال في احدى الصحف عن انتقاد تصرّف
شخص، ولكن سرعان ما تبيّن لي ان صلة القرابة المجروحة هي التي كانت وراء التهجّم، وصلة
القرابة خفيّة، صلة القرابة ليست دائما ظاهرة في الاسم، فحين تكون القرابة من طرف الأم
تتوارى العلاقة في الكواليس، او حين تكون القرابة من طرف الزوجة تتوارى ايضا من الاسم
ولا يعرفها الا من له صلة قريبة بهذا الشخص او ذاك.
والمتواري
يشبه اللعب في الخفاء او التحرك في الكواليس.
وكيف اعرف
النصّ اذا كنت لا اعرف كواليس النصّ؟
وسأذهب الى
ابعد من هذا، قد يكتب كاتب ما مقالا عن كتاب بلغة اجنبية لكاتب اجنبي، حتّى هنا اتساءل
: هل للكاتب مصلحة ما بهذا المقال الذي كتبه. قد يقول لي قائل ولكنه كاتب اجنبي؟ ولا
صلة له به، هذا من حيث الظاهر، والظاهر- كما اقول -عاهر وماكر، قد يكون الكاتب الاجنبي
محررا في صحيفة اجنبية وقد يكون من كتب مقالا تقريظيا انما يسمسمر للدخول الى تلك الصحيفة او الى قلب الكاتب من باب ترجمة كتاب ما.
المخبّأ معبّأ بالأسرار!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق