لا أحد يعرف متى يموت، ولا كيف يموت، ولا أين يموت. كثيرون يرعبهم الموت، إذا مرّوا في شارع ووقعت عيونهم على نعوة ملصقة على حائط نكسوا وجوههم خوفا من كلماتها، وأسرعوا الخطى. من فرط خوفهم من الموت ألغوه من حياتهم رغم عبوره في حياتهم.
الفجيعة بعزيز تنتظر الجميع، لا أحد بمأمن من هذا الحزن المنتظر إلا في حالات نادرة كأن يموت الابن شاباً أو صغيرا قبل أمّه وأبيه وإخوته، وما يمنعه من الحزن على الموتى هو أنّه مات طريّ العود والعمر.
ولكن أن يمتدّ العمر بشخص ويفلت حزنه من شباك #عزرائيل فهذا من سابع المستحيلات.
كان صاحبنا الذي أريد أن أتحدث عنه الآن، يحبّ الموت، يحبّ رؤية الميت على المغسل، ويشارك في حمل الميت إلى مثواه الأخير، ويختلس النظر إلى رفات من سبق الميت الحديث ، بقايا عظام ، لم يكن يحبّ النظر إلى العظام لأنها عظام بل لأنها عظامه الشخصية.
لم يكن ولعه بمتابعة أخبار #الموتى يمنعه من متابعة حياته كأيّ إنسان آخر لا تعنيه شؤون الموت، وشجون الموتى.
يعرف أن الموت هو ختام طبيعيّ، فكل شيء يموت مع اختلاف في شكل الموت.
وكان يؤمن أنّ كل ما هو طبيعيّ لا يفترض به أن يبلبل البال.
كان ما يضنيه شيء واحد، أن يلفظ أنفاسه قبل أن يتلفّظ بالكلام الأخير الذي يخطر بباله.
فقرّر أن يكتب وصيته وهو بعد فتى.
كان يتخيّل أن والدته في حال باغتته المنية سيحترق قلبها فاعتبر وصيته بمثابةإطفائية روحية لحزنها الوليد.
كان وصيته تتغير مع كل عشيّة، تحولت وصيته إلى ما يشبه كرسيّ اعتراف يوميّ.
كانت وصاياه تتكدّس مع العمر، وصية تلو #وصيّة. أحيانا يتصفّح وصاياه القديمة فيضحك على سذاجة فكرة هنا، أو جراءة فكرة هناك.
كبر وكبرت معه وصاياه.
ولم يكفّ عن ممارسة طقسه اليوميّ في كتابة وصيته كلّما شعر أنّ هناك تعديلا طرأ على حياته.
لم يفكر ما إذا كانت وصيته قابلة للتطبيق أم لا؟
ما كان يهمّه هو أن يقول ما كانت تمنعه حياته من قوله! لياقات اجتماعيّة، مجاملات، مسايرات.
لم يكن في وصيته محتاجا أن يساير أحدا.
وهذا ما كان يمتعه، إحساسه بأنّه حرّ كروح لم تسكن بعد في جسد!
إحساسك الدائم بالموت وهشاشة الحياة يمنحك قوّة لا تمكن للحياة نفسها أن تمنحك إياها.
تصغر الأشياء في عينيك دون أن تزهد في الحياة.
الزهد احتقار للموت قبل أن يكون احتراما للحياة.
#الزهد بالحياة ضرب من الهرطقة.
ولم يكن يحب ذلك الشخص هذا النوع من الهرطقة!
الدنيا مزرعة ، ومن الطيش أن يتعامل معها المرء وكأنها الربع الخالي.
#الوصية لؤلؤة مكنونة تنطق حين نفقدالقدرة على النطق ، فتصير أشبه بصدى مرنان لكلمات تعجز عن البيان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق