الاثنين، 4 مايو 2020

في الشكل والمظهر



الشكل منافق كبير، مراوغ، ثعلب، ولا أعرف كيف تنطلي على الناس عبارة ( لنا الظاهر).
الظاهر عاهر، محتال، لعوب، يحبّ ذرّ الرماد في العيون. فقد يطعمك من يطعمك فتظنّ أنّه كريم، وهو، في العمق لا يطعمك، بقدر ما يعلفك. كلمة " طُعْم" تفي بالغرض، أطعمك ليلتهمك!
على المرء أن يحذر ما يرى، أن يضع ما يسمع في خانة الشكّ، أن لا يصدّق ما تقوله له حاسّة اللمس، أو حاسّة الشمّ، فلا يعرف المرء من أيّ حاسّة يتسلّل إليه مقتله!
يستهويني فنّ التصوير، بكلً صنوفه، وكنت أشتري عدّة مجلاّت فرنسية متخصصة في فنّ التصوير، وأقرأ المقابلات مع المصوّرين بشغف، وأقرأ التعليقات النقدية على الصور، ولعبة الألوان في الصور، وكنت أهتمّ بقراءة ما له علاقة بالخدع التصويريّة، وكيف تحضّر، وحين كنت أشتغل بمجلة كلّ العرب في باريس لفتني نظر الاستديو المخصوص لتصوير الدعايات، تفاحة، عبوة شامبو... وكنت أرى جزءا من عدّة الخداع، فالتفاحة مثلا من بلاستيك، يرشّ عليها بعض الماء لتبدو وكأنّها خارجة من البرّاد، ثمّ تسلّط عليها الأضواء بكيفيّة معيًنة، ثمّ أراها في المجلّة ولا يخطر ببال من يراها أنّها تفاحة لا تؤكل! كما يشدّني ما أراه من خدع تصويرية في الأفلام، وأشتري كتباً تشبه "نحو الخداع التصويري"! فللخداع نحوه وصرفه ومعجمه!
قال أحد فلاسفة اللغة: إنّ الإنسان لا يستعمل اللغة للإقناع بقدر ما يستعملها للخداع.
على صعيد اللغة، توقفت كثيراً عند عبارتين: خدعني، أو خدعتني، ضحك عليّ، أو ضحكت عليّ.
وهما، في العمل، يحملان المعنى نفسه!
الخدعة ضحكة، والضحكة خدعة!
الضحكة ليست دائماً وجها، قد تكون قناعاً وخداعاً.
ولمعرفة أنواع الضحك يكفي أن نجمّع الصفات التي تلحق بالضحك، فهي صفات كاشفات عن ألوان الضحك، ومنها اللون الأصفر شديد البروز! وكذلك علاقة الضحكة مع أنواع السموم، فقد تلعب الضحكة دور عضّة الأفعى التي تغرز سمّها في لحمك ثمّ تتركك إلى أن يأخذ السمّ مفعوله ثمّ تأتي إليك وقد تخدرت أعصابك لتلهمك دون عناء!
الخداع تراث عريق، وهو، في أي حال، كما كلّ شيء ، ذو وجهين على غرار المكر!
فهناك مكر خيّر، مكرٌ ضروريّ، وهناك مكر سيّئ. وفي الطبيعة، وسائل الدفاع عن النفس كثيرة، ومن الشيّق أن يتعرّف المرء على مختلف الوسائل التي تستخدمها كائنات الطبيعة من حيوانات وحشرات وأشجار ونباتات للدفاع عن نفسها، والخداع وسيلة من هذه الوسائل.
قرأت ذات يوم كتاباً عن الحيوانات اللاحمة ، أي النباتات آكلة اللحم!
وأدهشتني قدرتها على الافتراس، فالنبتة لا يمكنها أن تنقضّ على فريستها، فهي ثابتة في الأرض، ماذا تفعل؟ تصطاد فريستها بالرائحة، الرائحة شبكة صيد! تفرز رائحة معيّنة، رائحة تشبه رائحة أنثى حشرة ما فتثير لعاب الذكر، وشهوة الذكر، تخدّرة باللون، تسحبه من أنفه إلى حتفه، وأشكال النباتات المفترسة منها ما يشبه الزنبق ، ومنها ما يشبه الفكّين المسنّنين وكأنّه فكّ سمكة قرش! ولكن وسيلة الخداع هي نفسها وسيلة الدفاع عن النفس!
ثمّة زهرات يهجم عليها عدوّ يريد أن يفترس رحيقها أي أن يقطع نسلها فتستنجد بعدوّ عدوّها فتفرز رائحة تجذب عدوّ عدوّها وحين يأتي يهرب من وجهه عدوّها وتنجو بجلدها ورحيقها!
واللغة تنتمي إلى عالم الطبيعة وليس إلى عالم الصناعة، أيّ إنّها كأيّ كائن طبيعيّ يمتلك وسائل الدفاع عن نفسه!
ووسائل الدفاع ، في أيّ حال، لا تمنع عدم الانقراض، فكلّ شيء معرّض للانقراض، مهما بلغ حجمه، وانقراض الديناصور خير مثال على انقراض حتّى القويّ!
وأبحث أو أحاول أن أبحث في اللغة عن الوسائل التي تستخدمها اللغة للدفاع عن نفسها من الانقراض، ومن هذه الوسائل المترادفات، أنماط الجمل، الليونة، ليونة الأنماط، التعددية في الواحد، أو المشترك اللفظيّ بالمصطلح اللغوي: ف" ما" مثلاً لها وظائف عديدة: الكافّة، المبهمة، التعجبية، النافية، الاستفهامية، الشرطيّة.
فما ، هنا، لم تكتفِ بسيرة واحدة، تحمي ظهرها بتعدّدها! تستثمر ثروتها في عدّة مجالات! وتعيش أكثر من حياة!
بقدر ما يكون الكلام فخّاً وجسراً ومصعداً، كذلك الصمت، هناك صمت الصيّاد الذي لا يريد لفت سمع فريسته المرهف!
حين أريد أن أعرف معنى كلمة ما لا أذهب إلى معناها أو لا يكفيني معناها، وإنما أذهب إلى الصفات التي تصاحبها، فتجد أن الصفات التي ترافقها تنتمي إلى عالم يعجّ بالأضداد! بل أسعى إلى معرفة تفاصيل عنها ليست من عالم الواقع ، أستعين بمعحجم الأساطير فقد تقول الأساطير عن الأشياء ما لا تقوله الحقائق أو الوقائع، وأستأنس أيضاً بما يقوله ابن سيرين أو كتب الأحلام وتفسير المنامات!
المفردة لها ما للبشر، فما يقوله الوعي معناه في اللاوعي، وليس من باب الهراء اهتمام علماء النفس بالمنامات لمعالجة مرضاهم!
المنام طبيب نفسي ومحلّل نفسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق