الأربعاء، 6 مايو 2020

ما يقوله لك المعجم!



ولوع جدّاً بالمعاجم. وهي من الموادّ التي كنت أحبّ أن أعلّمها في الجامعة. وأكثر المعاجم التي أحبّ أن أرجع إليها هو لسان العرب، وهو الكتاب الوحيد تقريباً التي يعيش خارج مكتبتي، وضعته في غرفة الجلوس فوق جهاز التلفزيون ليكون في متناول يدي وقت الاستراحة.
وأغلب الأحيان لا أفتح على الكلمات التي لا أعرفها، وإنّما على الكلمات التي أعرفها. كنت أفعل ذلك حتّى قبل أن أسمع بنظرية vuja de ، ولم أنتبه الى التشابه بين طريقتي في استعمال المعجم ونظرية vuja de إلاّ الآن.
عادة لا يخطر ببال المرء أن يفتح المعجم على كلمة يعرفها، ( هنا المعرفة تحرّض على الجهل!)، ينحبس المرء فيما يعرف، لا يدفعه الفضول إلى الذهاب إلى ما يعرف، يظنّه من باب تضييع الوقت، فما معنى أن أقرأ ما اعرف؟ وأي معرفة تزيد إن قرأت ما أعرفه؟ فيبدو من المسلّمات أن يدير ظهره لما يعرف.
انغرست في الرأس فكرة أن المعجم هو للبحث عن معرفة معنى كلمة لا نعرفها. وصرنا نطبّقها بطريقة غير واعية، ولكن لم ننتبه إلى واقعة حقيقيّة وهي أنّنا لا نعرف تمام المعرفة الأشياء التي نعرفها.
كان منطلقي إلى فتح المعجم بهذه الطريقة كلمتان: القراءة والكتابة.
أحبّ القراءة، فقلت بيني وبين نفسي: أنا أحبّ القراءة، ولكن هل أعرف ما معنى القراءة؟ وهكذا كان الأمر بالنسة للكتابة، ففتحت على مادّة قرأ في لسان العرب ورحت أقرأ ، اصبت بالذهول، واكتشفت أنّني أجهل معنى القراءة بحسب ما ورد في لسان العرب، وما أعرفه ليس أكثر من الرأس العائم من جبل الجليد، وهذا ما حدث معي في كلمة كتابة. خرجت بنتيجة مفادها إذا كانت هذه الأشياء التي أعرفها وترافقني منذ زمن بعيد، وكنت أتخيّل أنّي أعرفها كما أعرف باطن كفّي لا أعرفها، فكيف يمكنني أن أدّعي أنّي أعرف ما أعرف؟
اكتشفت سحراً في المعجم لم أعرفه من قبل، راح يكشف لي عن أشياء جديدة كلّ الجدّة في الأشياء التي أعرفها، أو كنت أظنّ نفسي أعرفها. فصرت أتعامل مع ما أعرفه وكأنّه شيء لا أعرفه عليّ أن أستكشفه!
ولعلّ هذا إحدى حسنات #التفكير_بالمقلوب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق