الأربعاء، 6 مايو 2020

#بيّاع_كعك



أفضّل كلمة روّاد على كلمة زبائن، ولكن لكلمة زبون قوّة براغماتية لا يستهان بها.
من المهمّ جدّاً أن يهتمّ إلى أقصى حدّ ممكن صاحب اي مؤسسة بزبائن مؤسسته.
ولكن هناك من لا يعرف زبائنه، فيظنّ أنّهم فقط زبائنه.
مهما كان عدد زبائن الشركة يظلّ عددهم محدوداً.
هناك زبون فعليّ، وهناك زبون محتمل.
كثيرون لا يهتمّون بالزبون المحتمل.
والزبون المحتمل هو غير الزبون الثابت، وغير الزبون العابر.
مدير إحدى الشركات، قال: الزبون المحتمل هو الدم الجديد الذي تحتاجه شركتي، الزبون المحتمل هو المدخول غير المنظور. فراح يدرس عادات وتقاليد غير زبائنه في البيع والشراء، كانوا مدخلا غير منظور إلى قراءة نقاط ضعف شركته، علّموه من غير أن يدروا كيف يتعامل مع من كان مجهولا، أو مع من كان بحكم العدم. رآهم ورقة بيضاء، وعلى الورقة البيضاء يمكن للمرء أن يكتب بخلاف ما لو كانت الورقة مكتظة بالكلمات.
الكوب الملآن لا يمكنك أن تضع فيه شيئا، الكوب الفارغ يستقبل أيّ شراب.
تعلّم أنّ العدم فرص، وأنّ الغياب وعد بالحضور.
لم يكن يتعامل مع شركته من منطلق مادّي محض، من لا يتعامل مع مادة مهنته على أنّها مادّة يهين مهنته، أيا كانت المهنة.
المهنة أياً كانت رسالة، التعليم رسالة، الطب رسالة، حتّى صنع كعكة رسالة لا تختلف عن معالجة مريض بالسرطان!
كنت اعرف بائع كعك، ليتني أعرف اسمه، وليتني كنت أملك صورة له، صوره له غير تلك التي له في ذهني. كان عمري تسع سنوات، أي منذ حوالي القرن من الزمان، ولكن صورة كعكته لا تفارق ذهني.
بائع كعك بسيط، كعكته لها شكلها الخاص. لا تشبه أشكال الكعك الطرابلسي ولكنّها كعكة طرابلسية.
كان ممكن أن تغيب كعكته كما تغيب أشياء كثيرة في غياهب الذاكرة، لو لم أره بالصدفة وهو يحضّر كعكاته في أحد أفران باب الرمل. لم يكن يشتري الكعكات جاهزة ثمّ يذهب إلى مدرسة الطليان ليبيعها للطلاب الخارجين من المدرسة، تعرف كعكته من بين مليون كعكة، كان يعجنها العجنة بيديه، ويرقّها بيده، ويلفّها على شكل دائري مكتنزة من طرف، ولكنّ اكتنازها من ذلك الطرف هو علامتها الفارقة، ثمّ يمرّرها على السمسم، ويخبزها بيديه، ثمّ يأخذها ليبيعها في ذلك الوقت بفرنكين، وكان الفرنك محترما، وذا وقار.
أذكر أنّه كان وهو يعجن ويرق ويخبز ترافقه بسمة وهو يتأمّل تحوّلات العجينة بين يديه!
اكتشفت سرّ كعكته في ذلك اليوم، إّنها ليست كعكته، هي فلذة من روحه يصوغها على شكل كعكة لطلاّب مدرسة الطليان.
لا بدّ أنّ طلاّب مدرسة الطليان الذين من جيلي يذكرونه، وقد يكون بعضهم يعرف اسمه، وقد أصل عبر نهاية هذه الخاطرة إلى معرفة اسمه.
حتّى عربته لم تكن على شاكلة بقيّة العربات.
حتّى سمّاقه كان سمّاقاً عن حقّ وحقيق.
بعدما كبرت، عرفت أنّ كعكته لم تكن كعكة، كانت رسالة.
وأحترم الرسائل النبيلة ولو كان لها شكل كعكة فريدة الشكل وفريدة المذاق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق